وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
قوْلُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} عِبَادِي: الْمُرَادُ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنِ اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ. وَ "يَقُولُوا" جَزْمٌ بلَامِ الأَمْرِ المحَذْوفِةِ، وَهُوَ وَارِدٌ كَثِيرًا بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْقَوْلِ، وَيَجوزُ أَنْ نَجْعَلَ "يَقُولُوا" جَوَابًا مَنْصُوبًا فِي جَوَابِ الْأَمْرِ، مَعَ حَذْفِ مَفْعُولِ الْقَوْلِ لِدَلَالَةِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: قُلْ لَهُمْ: قُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يَقُولُوا ذَلِكَ. فَيَكُونُ كِنَايَةً عَلَى أَنَّ الِامْتِثَالَ شَأْنُهُمْ فَإِذَا أُمِرُوا امْتَثَلُوا. وَ "الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ": يَهْدِيكُمُ اللهُ، يَرْحَمُكُمُ اللهُ، أَيْ بِالْإِيمَانِ. فقد أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" قَالَ: لَا يَقُولُ لَلمُشْرِكِ مِثْلَ مَا يَقُولُ بَلْ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، يَغْفِرُ اللهُ لَكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" قَالَ: يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَةِ. فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا سَبَقَ مِنْ حِكَايَةِ أَقْوَالِ الْمُشْركينَ تُنْبِئُ عَنْ ضَلَالِ اعْتِقَادِ نَقْلِ الْكَلَام إِلَى أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَقُولُوا أَقْوَالًا تُعْرِبُ عَنْ حُسْنِ النِّيَّةِ وَعَنْ نُفُوسٍ زَكِيَّةٍ. وَأُوتُوا فِي ذَلِكَ كَلِمَةً جَامِعَةً وَهِيَ أَنْ يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. والَّتِي هِيَ أَحْسَنُ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ "يَقُولُوا". تَقْدِيرُهُ: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَقَالَةً وَاحِدَةً. وَاسْمُ التَّفْضِيلِ "أَحْسَنُ" مُسْتَعْمَلٌ فِي قُوَّةِ الْحُسْنِ. أَيْ الَّتِي هِيَ بَالِغَةٌ الْغَايَةَ فِي الْحُسْنِ. أَيْ: وَقُلْ يَا رَسُولَ اللهِ، لِعِبَادِي المُؤْمِنينَ بِي أَنْ يَقُولُواْ أَحْسَنَ الكلامِ في حِوارِهم مَعَ المُشْركينَ لِتَفَادي إِغْضَابِهم وإِثَارَةِ العِنَادِ وَتَمَادي الفَسَادِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ العَنْكَبُوتِ: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآيَةَ: 46. وقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ النَّحْلِ: {وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآيةَ: 125، أَيْ بِالْمُجَادَلَاتِ الَّتِي هِيَ بَالِغَةُ الْغَايَةِ فِي الْحُسْنِ، فَإِنَّ الْمُجَادَلَةَ لَا تَكُونُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَرَهُ بِأَعْمَالٍ تُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟)) قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا)). قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)). أخرجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ بْنُ حنبلٍ في مُسْنَدِهِ: (5/236، رقم: 22413) وَالتِّرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالنِّسَائِيُّ في سُنَنِهِ، وَابْنُ مَاجَهْ في سُنَنِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَبَرِيُّ فِي تَفْسَيرِهِ: (10/240).
قوْلُهُ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} هُوَ تَعْليلٌ لِلأَمْرِ السَّابِقِ بِمُحَاوَرَةِ المُشْرِكِينَ بِقَوْلِ الَّتي هِيَ أَحْسَنُ، حَتَّى لا يُفْسِدَ الشَّيْطانُ بَيْنَهم، وَيَهيِّجَ الشَرَّ والمِراءَ بَيْنَهُمْ، ويُغْرِيَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ، فَيَقَعَ بَيْنَهُمُ الشِّاقاقُ، ويَسْتَشْرِيَ الخِلافُ، وتَقَعَ الحَرْبُ. وَالنَّزْغُ في الأَصْلِ: هُوَ الطَّعْنُ السَّرِيعُ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ هُنَا فِي الْإِفْسَادِ السَّرِيعِ الْأَثَرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: نَزْغُ الشَّيْطَانِ: تَحْريشُهُ. وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُشِيرَنَّ أَحَدُكُم إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحْدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ فِي يَدِهِ فَيَقَعَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ نَارْ. و "بَيْنَهُمْ" أَيْ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الذينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمَنِ، وَذَلِكَ تَحْقِيقًا لِمَقْصِدِ الشَّرْعِ الحَكيمِ بِبَثِّ روحِ الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، فالضَميرُ فِي "بينَهم" عَائِدٌ إِلَى قولِهِ "عِبَادِي"، لأَنَّ الْمَعْنَى هوَ تَحْذِيرُ المُؤْمنينَ مِنْ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
قولُهُ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} هُوَ تَعْلِيلٌ لِنَزْغِ الشَّيْطانِ وَبَيَانٌ لِسَبَبِهِ، فإِنَّهُ عَدُوٌّ قَديمٌ بَيِّنُ العَدَاوَةِ، دَلَّ عَلَيْهِ "كَانَ" الَّتِي تُفِيدُ بِأَنَّ صِفَةَ الْعَدَاوَةِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي خِلْقَتِهِ قَدْ جُبِلَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ عَدَاوَتُهُ لِلْإِنْسَانِ مُقَرَّرَةٌ مُسْتقِرَّةٌ مُنْذُ نَشْأَةِ أَبِيهِ آدَمَ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَأَنَّهُ يُسَوِّلُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغْلِظُوا عَلَى الْكُفَّارِ بِوَهْمِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ نَصْرٌ لِلدِّينِ لِيُوقِعَهُمْ فِي الْفِتْنَةِ، فَإِنَّ أَعْظَمَ كَيْدِ الشَّيْطَانِ أَنْ يُوقِعَ الْمُؤْمِنَ فِي الشَّرِّ وَهُوَ يُوهِمُهُ أَنَّهُ إنَّما يَعْمَلُ الخَيْرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا" قَالَ: عادوهُ فَإِنَّهُ يَحِقُّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَداوَتُهُ، وعَدَاوَتُهُ أَنْ تَعاديهِ بِطَاعَةِ اللهِ.
وَالْمَقْصِدُ الْأَهَمُّ لأسمى مِنْ هَذَا التَّأْدِيبِ الإِلَهِيِّ، هو تَأْدِيبُ الْأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ فِي مُعَامَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ وحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ فيما بَيْنَهم، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَنُمُّ عَنِ الْمَقَاصِدِ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: "إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ".
ثُمَّ تَأْدِيبُهُمْ فِي مُجَادَلَتِهِمُ الْمُشْرِكِينَ، وذَلِكَ اجْتِنَابًا لِمَا تُثِيرُهُ الْمُشَادَّةُ وَالْغِلْظَةُ مِنِ ازْدِيَادِ مُكَابَرَةِ الْمُشْرِكِينَ وَتَصَلُّبِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِك يُعَدُّ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ، قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ فُصِّلَتْ: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} الآيةَ: 34. وَيَوْمَئِذٍ كانَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَكَّةَ قَلِيلي العِدَدِ والعُدَّةِ، فصَرَفَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ضُرَّ أَعْدَائِهِمْ بِتَصَارِيفِ لُطْفِهِ وتأْييدِهِ وتَسْديدِهِ، لِيَكُونُوا آمِنِينَ فِيها، وجاءَ الأَمْرُ لَهُمْ بِهذا التَأْدِيبِ السَّامِي كيْ لَا يَكُونُوا سَبَبًا فِي إِفْسَادِ تِلْكَ الْحَالَةِ.
وفي أَسْبَابِ النُّزولِ للواحِدِيِّ أَخْرَجَ عَنِ الكَلْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَالَ: كانَ المُشْرِكونَ يُؤْذونَ أَصْحَابَ النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِمَكَّةَ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ، وَقالوا: يا رَسُولَ اللهِ، ائْذَن لَّنَا فِي قِتَالِهمْ، فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْه ِوَسَلَّمَ: ((لَمْ أُؤْمَرْ فِيهِمْ بِشَيْءٍ))، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ. أَسْبابُ النُّزولِ للواحديِّ: (ص: 495). ورَوَى أَيْضًا: أَنَّ أَعْرَابِيًّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَتَمَ سَيِّدَنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَشَتَمَهُ عُمَرُ، وَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَكَادَ أَنْ يُثِيرَ فِتْنَةً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ المُباركةُ.
وَأَيًّا كَانَ سَبَبُ نُزُولِها فَالْأَمْرُ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَقُولُوا الَّتِي أَحْسَنُ مُطْلَقًا ودونَ قيدٍ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أحوالِهمْ، فهو منهجٌ لهم في الحياةِ، وسِمَةٌ مِنْ سِمَاتِهم، لِمَا تقدَّمَ مِنْ قَولِهِ تَعَالَى فِي الآيَةَ: 34، مِنْ سُورَةِ فُصِّلَتْ: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.
قوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لِعِبَادِي} الواوُ: عَاطِفَةٌ أَوِ اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَ "قُلْ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على السُّكونِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تَقْديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى مَا سَبَقَ مِنَ الأَوَامِرِ، لِيَسْتَكْمِلَ التَعَالِيمَ التي بِهَا اسْتِقامةُ أُمُورِهم، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرَابِ. و "لِعِبادِي" اللامُ حرفُ جَرِّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "قُلْ"، وَ "عِبادِي" مَجْرُورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ مُضافٌ، ويَاءُ المُتَكَلِّمِ ضَمِيرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ.
قولُهُ: {يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يَقُولُوا: فِعْلٌ مُضَارِعٌ بِمَعْنَى يَذْكُرُوا مَجْزُومٌ بِالطَلَبِ السَّابِقِ، وعَلامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ من آخرِهِ لأنَّهُ مِنَ الأفعالِ الخمْسَةِ، وَواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والأَلِفُ للتَفْريقِ. و "الَّتِي" اسْمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ النَّصْبِ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ عَلَى كَوْنِهَا صِفَةً للمَوْصُوفِ المَحْذُوفِ، والتَقْديرُ: يَقُولُوا الكَلِمَةَ التي هِيَ أَحْسَنُ، والمُرادُ بِالكَلِمَةِ: الكَلِمَةُ اللُّغَوِيَّةِ، عَلَى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: (وكَلِمَةٌ بِهَا كَلامٌ قَدْ يُؤَمّ). و "هِيَ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ على الفتْحِ في محلِّ الرَّفعِ بالابتداءِ. و "أَحْسَنُ" خَبَرُهُ مرفوعٌ، والجُمْلَةُ الاسميَّةُ هِذِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ "التي" لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ لإِفادَةِ التَوْكيدِ، و "الشَّيْطانَ" اسْمُهُ منصوبٌ بِهِ. و "يَنْزَغُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "الشَّيْطانَ" لَعَنَهُ اللهُ. و "بَيْنَهُمْ" منصوبٌ على الظَرْفِيَّةِ الاعتباريَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَنْزَغُ" وَهُوَ مُضَافٌ، والهاءُ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإِضَافَةِ إِلَيْهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إِنَّ". وَجُمْلَةُ "إِنَّ" مع اسْمِها وخبرِها مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ مَا قَبْلَهَا، ويَجُوزُ أَنْ تَكونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ اعْتِراضًا بَيْنَ المُفَسَّرِ وَالمُفَسِّرِ، وَذَلِكَ أَنَّ قوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} وَقَعَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ "التي هِيَ أَحْسَنُ" وبَيَانًا لَهَا.
قولُهُ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} إِنَّ الشَّيْطانَ: نَاصِبٌ واسْمُهُ، تقدَّمَ إعرابُ مثلِهِ في الجملةِ التي قبلَها. و "كانَ" فِعْلٌ مَاضٍ ناقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ، واسْمُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "الشَّيْطانَ" أَخْزَاهُ اللهُ. و "لِلْإِنْسانِ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "عَدُوًّا" و "الْإِنْسانِ" مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ. و "عَدُوًّا" خَبَرُ "كانَ" منصوبٌ. و "مُبِينًا" صِفَةٌ لِـ "عَدُوًّا" منصوبةٌ مثلُهُ. وَجُمْلَةُ "كانَ" فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ خَبَرُ "إِنَّ"، وجُمْلَةُ "إِنَّ" مِنِ اسْمِها وخبرِها مَسُوقَةٌ لِتَعْلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: "يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ"، لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قرَأَ العامَّةُ: {يَنْزَغُ} بفتْحِ الزايِ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ "يَنْزِغ" بِكَسْرِها، قالَ الزَمَخْشَرِيُّ في تفسيرِهِ (الكشَّاف): وهُمَا لُغَتَانِ، كَ "يَعْرِشُونَ" وَ "يَعْرُشُونَ". وقالَ الشَّيْخُ أبو حيَّان الأَنْدَلُسِيُّ في تفسيرِهِ (البَحرِ المُحيط): وَلَوْ مَثَّلَ بـ "يَنْطَح" و "يَنْطِح" كَأَنَّهُ يَعْني مِنْ حَيْثُ إِنَّ لامَ كُلٍّ مِنْهُمُا حَرْفُ حَلْقٍ، وَلَيْسَ بِطَائلٍ