أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا (91)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ} مُتابَعَةٌ لِمَا طَلبَهُ زُعماءُ قريشٍ منْ سيدِنا رسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ المُحَالاتِ العَقْلِيَّةِ والمَعْجِزَاتِ وَخَوَارَقَ للعَادَاتِ. والجَنَّةُ: هِيَ البُسْتَانُ تَسْتُرُ أَشْجَارُهُ مَا تَحْتَهَا مِنَ الأَرضِ. وهَذِهِ الجنَّةُ التي اقْتَرَحُوهَا عَلى النبيِّ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَليهِ وَسَلامَاتُهُ، تشمخُ فيها أَشْجَارُ النَّخيلِ، وتَتَدَلَّى فيها الأَعْنَابُ.
قولُهُ: {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا} وتَنْبُعُ مِنْهَا الينابيعُ فتجري تَحْتَ تِلْكَ الأَشْجَارِ وعَرَائِشِ الأَعْنَابِ بِقُوَّةٍ، والمُرَادُ إِجْراءُ الأَنْهَارِ خِلالَهَا ـ أَيْ: في داخِلِها وَسَطَها وأَثْناءَها، لِريِّها وَسِقَايَتِها. وَقولُهُ: "تَفْجِيرًا" هو مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ جاءَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّكْثِيرِ، لِأَنَّ "تُفَجِّرَ" قَدْ كَفَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي "الْفَجْرِ" الذي هو الشَقُّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِمَفْعُولِهِ الْمُطْلَقِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْعَدَدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى في الآيةِ: 106، مِنْ هذهِ السورةِ الكريمةِ: {وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا}، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالى: "خِلالَها"، لِأَنَّ الْجَنَّةَ تَتَخَلَّلُهَا شُعَبُ النَّهْرِ لِسَقْيِ الْأَشْجَارِ. فَجَمَعَ الْأَنْهَارَ بِاعْتِبَارِ تَشَعُّبِ مَاءِ النَّهْرِ إِلَى شُعَبٍ عَدِيدَةٍ. وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَعْنَى إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ عَلَى قِرَاءَةِ "فَتُفَجِّرَ" هُنَا بِالتَّشْدِيدِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الآيَةِ التي قَبْلَها ـ كَمَا تقدَّمَ بيانُهُ في مَوْضِعِهِ. وَهَذَا مِنْ لَطَائِفِ مَعَانِي الْقِرَاءَاتِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ مِنْ أَفَانِينِ الْقُرْآنِ الكريمِ المُعْجِزِ.
قولُهُ تَعَالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ} أَوْ: حَرْفُ عَطْفٍ وتَنْويعِ. وَ "تَكُونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ ناقِصٌ منصوبٌ عَطْفًا عَلَى {تَفْجُرَ}. و "لَكَ" اللامُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بخبرِ "تكونَ" مُقَدَّمًا على اسْمِها. وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "جَنَّةٌ" اسْمُها مُؤَخَّرٌ. وَ "مِنْ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِصفَةٍ لِـ "جَنَّةٌ"، و "نَخِيلٍ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. و "عِنَبٍ" مَعْطوفٌ عَلى "نَخِيلٍ" مجرورٌ مثلهُ.
قولُهُ: {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا} الفاءُ: عاطِفَةٌ، و "تُفَجِّرَ" فَعْلٌ مُضارعٌ مَنصوبٌ عَطْفًا عَلَى "تَكُونَ" وَفَاعِلُهُ ضَمْيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ. و "الأَنْهَارَ" مفعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ. و "خِلالَها" مَنْصُوبٌ عَلَى الظَرْفِيَّةِ المَكَانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ حَالٍ مِنَ "الْأَنْهارَ"؛ أَيْ: كائِنَةً خِلالَهَا. و "تَفْجِيرًا" مَنْصُوبٌ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ.