وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)
قولُهُ ـ تَعَالَى شأْنُهُ: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} أَمْرَ اللهُ تَعَالَى نبيَّهُ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، في هذهِ الآيةِ الكريمةِ بِشُّكْرِ اللِّسَانِ، بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ في الآيةِ التي قبلَها بِالْشَّكْرِ العَمَليِّ بِقَوْلِهِ في الآيةِ: 78: {أَقِمِ الصَّلَاةَ}، ثمَّ أَمَرَهُ في الآيةِ: 79، بالتهجُّدِ فقال: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}، ثُمَّ أمَرهُ هنا بِأَنْ يَبْتَهِلَ إِلَى اللهِ، ويَضْرَعَ إِلَيْهِ، ويَسْأَلَهُ التَّوْفِيقَ، والسَّدادَ، وكمالَ الحِفْظِ، والنَّصْرَ على عدوِّهِ فِي كلِّ مَكانٍ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَكلِّ مَكَانٍ يدخُلُ فيهِ، حتَّى لَا يَضُرَّهُ اسْتِفْزازُ أَعْدَائهِ لهُ لِيُخْرِجُوهُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتي هوَ فِيها. وَفِيها إِشَارَةٌ إِلَهِيَّةٌ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُخْرِجُهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المدينةِ مُهَاجِرًا.
وَمِنَ المُفَسِّرينَ مَنْ فَسَّرَ الْمُدْخَلَ والمُخْرَجَ بِأَنَّ الْمُخْرَجَ الْإِخْرَاجُ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ، وَالْمُدْخَلَ الْإِدْخَالُ إِلَى بَلَدِ مَكَّةَ فَاتِحًا، وَجَعَلَ الْآيَةَ نَازِلَةً قُبَيْلَ الْفَتْحِ، فَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الآيةَ مَدَنِيَّةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السُّورَةَ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وقد ذكرَ العلماءُ في الآيةِ سَبْعَةَ أَقَاويلَ:
أَحَدُها: أَنَّ مُدْخَلَ الصِّدْقِ، دُخُولُهُ إِلَى المَدينَةِ حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا، ومُخْرَجَ الصِّدْقِ خُروجُهُ مِنْ مَكَّةَ حِينَ هَاجَرَ مِنْهَا. قالَهُ ابِنُ زَيْدٍ وَقَتَادَةُ رضِيَ اللهُ عَنْهُما. فَقَدْ أَخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي (أَخْبَارُ الْمَدِينَةِ)، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَةِ، قَالَ: جَعَلَ اللهُ "مُدْخَلَ صِدْقٍ" الْمَدِينَةَ، و "مُخْرَجَ صِدْقٍ" مَكَّةَ، وَ "سُلْطَانا نَصِيرًا" الْأَنْصَارَ. وروِيَ عَنِ الضَحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: "أَدْخِلْني" مَكَّةَ "مُدْخَلَ صِدْقٍ"، و "أَخْرِجْني مِنْهَا مُخْرَجَ صِدْقٍ" آمِنًا.
وأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوةِ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ" الْآيَةَ. قَالَ: أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ مَكَّةَ "مُخْرَجَ صِدْقٍ" وَأَدْخَلَهُ الْمَدِينَةَ "مُدْخَلَ صِدْقٍ" قَالَ: وَعَلِمَ نَبِيُّ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا بسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لكِتَاب اللهِ تَعَالَى وحُدُودِهِ وفَرائِضِهِ وَإِقَامَةِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، فَإِنَّ السُّلْطَانَ عِزَّةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى، جَعَلَهَا بَيْنَ عِبَادِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَغَارَ بَعْضُهمْ عَلَى بَعْضٍ، وَأَكَلَ شَديدُهُمْ ضَعيفَهُمْ، وأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وصَحَّحَهُ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ، الْمُنْذِرِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِم وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيمٍ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لَهُ، والضِيَاءُ فِي المُخْتَارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَكَّةَ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: "وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}.
الثاني: ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، مِنْ أَنَّ المَعْنَى: أَدْخِلْني فِي قَبْرِي مُدْخَلَ صِدْقٍ، وأَخْرِجْني مِنْهُ مُخْرَجَ صِدْقٍ، فَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، فِي قَوْلِهِ: "أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ" يَعْنِي الْمَوْتَ، وَ "أَخْرَجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ" يَعْنِي الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وقَريبٌ مِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: "أَدْخِلْني مُدْخَلَ صِدْقٍ" إِلَى الجَنَّةِ، و "أَخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْقٍ" مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدينَةِ.
والثالثُ ما رويَ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وهو قولُهُ: "أَدْخِلْني مُدْخَلَ صِدْقٍ" فِيمَا أَرْسَلْتَني بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ، و "أَخْرِجْنِي" مِنْهُ بِتَبْلِيغِ الرِّسالَةِ "مُخْرَجَ صِدْقٍ". وقريبٌ منهُ أيضًا ما رُوِيَ عَنْ أَبي صَالِحٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "أَدْخِلْني" فِي الإِسْلامِ "مُدْخَلَ صَدْقٍ"، "وَأَخْرِجْنِي" مِنَ الدُنْيا "مُخْرَجَ صِدْقٍ". وقالَ بَعْضُ المُتَأَخِّرينَ المَعْنَى: "أَدْخِلْني" فِيمَا أَمَرْتَني بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ "مُدْخَلَ صِدْقٍ"، و "أَخْرِجْنِي" مِمَّا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيكَ "مُخْرَجَ صِدْقٍ". فَالصِدْقُ هُنَا عِبَارَة عَنِ الصَّلاحِ وَحُسْن العَاقِبَةِ.
قَوْلُهُ: {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} المُرادُ بِـ "الصِّدْقِ" في هَذَا الدُعَاءِ الذي أَمرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ نبيَّهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: الْكَمَالُ وَكلُّ مَا يُحْمَدُ فِي نَوْعِهِ، لِأَنَّ النَّقْصَ غيرُ مَحْمُودٍ، وَمَا لَيْسَ بِمَحْمُودٍ، فَهُوَ كَالْكَاذِبِ الذي يُخْلِفُ ظَنَّ مَنْ صدَّقَهُ. وَقَدْ عَمَّ هَذَا الدُّعاءُ جَمِيعَ الْمَدَاخِلِ إِلَى مَا يُقَدَّرُ لَهُ دُخُولُهُ مِنْ مَداخلَ، وَجَمِيعَ الْمَخَارِجِ الَّتِي يمكِنُ أَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، إِنْ على سَبيلِ المَجَازِ، وإِنْ عَلَى سَبِيلِ الحَقِيقَةِ.
قوْلُهُ: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} السُّلْطَانُ: اسْمُ مَصْدَرٍ يُطْلَقُ عَلَى السُّلْطَةِ، وَعَلَى الْحُجَّةِ، وَعَلَى الْمُلْكِ. وَهُوَ فِي هَذَا الْمَقَامِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى طَرِيقَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ أَوْ هُوَ مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ، تَشْمَلُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ اللهُ تَعَالَى تَأْيِيدًا، وَحُجَّةً، وَغَلَبَةً، وَمُلْكًا عَظِيمًا، وَقَدْ آتَاهُ اللهُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَنَصَرَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَسَخَّرَ لَهُ مَنْ الْحُجَّةِ وَظُهُورِ دَلَائِلِ الصِّدْقِ، وَنَصْرِهِ بِالرُّعْبِ. وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ البغداديُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأَرْضَاهُ، أَنَّهُ قَالَ: وَاللهِ لَمَا يَزَعُ اللهُ بِالسُّلْطانِ أَعْظَمُ مِمَّا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ.
وَالنَّصِيرُ: مُبَالَغَةٌ فِي النَّاصِرِ، أَيْ: واجعَلْ لِي سُلْطَانًا يَنْصُرُني. وَلمَّا كَانَ الْعَمَلُ الْقَائِمُ بِهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، هُوَ الدَّعْوَةَ إِلَى الْإِسْلَامِ فقد كَانَ نَصْرُهُ تَأْيِيدًا لَهُ فِيمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ، ولذلك صَارَ هَذَا الْوَصْفُ تَقْيِيدًا لِلسُّلْطَانِ، فإِنَّهُ ـ صِلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ، لَمْ يَسْأَلْ سُلْطَانًا لِلِاسْتِعْلَاءِ عَلَى النَّاسِ، وَإِنَّمَا سَأَلَ سُلْطَانًا لِنَصْرِهِ فِيمَا يَطْلُبُ النُّصْرَةَ مِنْ أجلِهِ، وَهُوَ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، وَبَثُّ دِينِ اللهِ بيْنَ عِبادِهِ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، و "قُلْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعودُ عَلى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "رَبِّ" مُنَادَى مُضافٌ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّداءِ، منصوبٌ بالنداءِ وعَلامَةُ نَصْبِهِ فَتْحَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى مَا قَبْلِ ياءِ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةِ للتَّخْفيفِ، والياءُ: المَحْذوفَةُ للتَّخْفيفِ هذهِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإِضافَةِ إِلَيْهِ. وجُمْلَةُ النِّداءِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقولُ القولِ لِـ "قُلْ". و "أَدْخِلْنِي" فِعْلُ دُعاءٍ مبنيٌّ على السكونِ وفاعلُهُ ضميرٌ مسْتترٌ فيه وُجوبًا تقديرُهُ (أَنتَ) يَعُودُ عَلَى "رَبِّ" وَالنُونُ للوقايَةِ، وياءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في محلِّ النَّصِبِ مُفْعولٌ بِهِ. و "مُدْخَلَ" الظاهِرُ أَنَّهُ منصوبٌ على الظَرْفيَّة المَكَانيَّةِ، ويَجُوزُ أنْ يكونَ مَنْصُوبًا عَلَى المَفْعُولِيَّةِ المُطْلَقَةِ؛ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لِـ "دَخَلَ: وإِضَافَتُهُ لِـ "صِدْقٍ" مِنْ إِضَافَةِ المَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ، وإنَّما يكونُ ذلكَ للمُبالغة، وهَذا عِنَدَ الكوفيِّينَ، أَوْ هوَ لِلْبَيَانِ، والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قُلْ" عَلَى كَوْنِها جَوابَ النِّداءِ. لأَنَّهُ إنَّما يُوصَفُ بِهِ للمُبَالَغَةِ.
قولُهُ: {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} الوَاوُ: للعَطْفِ، وَ "أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ" مِثْلُ "أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ" مَعْطَوفٌ عَلَيْهِ، وجُمْلَةُ "أَخرجني" مِثْلُ جُمْلَةِ قَوْلِهِ: "أَدْخِلْنِي" معطوفةٌ عَلَيْها عَلَى كَوْنِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قُلْ".
قولُهُ: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} الوَاوُ: حرفُ عطْفٍ، و "اجْعَلْ" فِعلُ دُعاءٍ مثلُ "أَدْخِلْ"، والجُمْلُة مَعْطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ "أَدْخِلْ" معطوفةٌ عليها. و "لِي" حرفُ جَرٍّ ومجرور مُتَعَلِّقٌ بِـ "اجْعَلْ" فِي مَحَلِّ المَفْعُولِ الثاني لَهُ وياءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِحالٍ مِنْ "سُلْطانًا" لأَنَّهُ صِفَةُ نَكِرَةٍ قُدِّمَتْ عَلَيْهَا، و "لَدُنْكَ" لَدُنْ: ظرفٌ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بجرفِ الجرِّ "مِنْ" وهو مُضافٌ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "سُلْطانًا" مَفْعوُلٌ أَوَّلُ لِـ "اجْعَلْ" مَنْصوبٌ، والمفعولُ الثاني هو أَحَدُ الجَارَّيْنِ المُتَقَدَّمَيْنِ، والآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِقْرارِهِ. وَ "نَصِيرًا" صِفَةٌ لَهُ مَنْصُوبةٌ مِثْلُهُ. ويجوزُ أَنْ يكونَ "نَصيرًا" مُحَوَّلًا مِنْ "ناصر" بوزن "فاعِل" للمُبَالَغَةِ، وَيجوزُ أَنْ يَكونَ "مَنْصور" بِمَعْنَى "مَفْعُول".
قَرَأَ العامَّةُ: {مُدْخَل} و {مُخْرَجَ} بِضَمِّ المِيمِ فِيِهِمَا لِسَبْقِهِمَا فِعْلٌ رُبَاعِيٌّ. وقَرَأَ قَتَادَةُ وأَبُو حَيَوَةَ وَإِبْراهِيمُ بْنُ أَبي عَبْلَةَ، وحُمَيْدُ بفتحِ الميمِ فيهما: إِمَّا لأَنَّهُما مَصْدَرَانِ عَلى حَذْفِ الزَّوائدِ كَقولِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ نوحٍ ـ عليْهِ السَّلامُ: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} الآيةَ: 17، وإِمَّا لأَنَّهُما مَنْصوبانِ بِمُقَدَّرٍ مُوافِقٍ لَهُمُا، والتَقْديرُ: فَادْخُلْ مَدْخَلَ، واخْرُجْ مَخْرَجَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مُسْتَوْفًى فِي قِراءَةِ نَافِعٍ فِي سُورَةِ النِّساءِ، وأَنَّهُ قَرَأَ كَذَلِكَ فِي سُورَةِ الحَجِّ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ قَرَأَ أَيضًا (أَدْخِلْنِي مَدْخَلَ صِدْقٍ) وأَخْرِجْنِي مَخْرَجَ صِدْقٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ.