مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ} الْعاجِلَةَ: الدُّنْيَا، أيْ: مَنْ كانَ يُريدُ بِأَعمالِهِ التي يَعْمَلُها الدَّارَ الْعَاجِلَةَ، فَعَبَّرَ بِالصِّفَةِ عَنِ الْمَوْصوفِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ الكريمةُ دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تعالَى في الآيةِ: 13، السَّابِقَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ: {وَكُلَّ إِنْسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}، وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ" قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا "عَجَّلْنا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} ذَاكَ بِهِ. وَالمَعْنَى: أَنَّ الْنَّاسَ فِي هَذِهِ الحياةِ الدُّنْيَا هُمْ عَلَى قِسْمَينِ اثْنَيْنِ:
ـ قِسْمٌ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا وَمَنَافِعَهَا، وَالجاهَ والرِّيَاسَةَ فِيهَا، ولِذَلِكَ فَهَو يَأْنَفُ مِنَ الِانْقِيَادِ لِلْأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ ـ عَلَيْهِمُ مِنَ اللهِ أَكملُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التسْليمِ، وَيَأْبَى إِجَابَةَ دَعْوَتِهِمْ والدُّخُولَ فِي طَاعَتِهِمْ، حَتَّى لا تَزولَ رِئاسَتُهُ، ويخسَرَ جاهَهُ ومكاسِبَهُ.
ـ وَقِسْمٌ: عَنَاهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ في الآيةِ: 19، التَالِيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ: {وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، فَشَرَطَ اللهُ تَعَالَى لَهُمْ فِي هِذِهِ الآيَةِ شُرُوطًا ثَلَاثَةً:
أَوَّلُ هَذِهِ الشُّرُوطِ: أَنْ يُرِيدَ بِعَمَلِهِ الْآخِرَةَ، أَيْ ثَوَابَ اللهِ تَعَالَى الْآخِرَةِ ونَعِيمَهَا، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الإرادَةُ ـ التي هِيَ النِّيَّةُ في العَمَلِ، لَمْ يَنْتَفِعْ صاحِبُهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعَى} الآيَةَ: 39، وَلِقَوْلِهِ ـ عَلَيْهِ صَّلَاةُ اللهِ وَسَلَامُهُ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)). وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَعْمَالِ تَوْجِيهُ القُلوبِ إِلى رَبِّها واسْتِنَارَتُها بِنُورِ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا إِلَّا إِنْ نَوَى العَبْدُ بِعَمَلِهِ طَاعَةَ اللهِ تَعَالَى وَعُبُودِيَّتَهُ.
وثَّانِيها: السَعْيُ لهَذِهِ الغايةِ سَعْيَها، وَإِنَّما يَكُونُ بالْعَمَلِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْفَوْزِ بِثَوَابِ اللهِ في الْآخِرَةِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ العملُ بالْقُرُباتِ وَالطَّاعَاتِ التي أَمَرَ اللهُ بها ورسولُهُ، لا بِأَعْمَالٍ بَاطِلَةٍ، كالَّتي يَدَّعِي الْكُفَّارُ أَنَّهم يَتَقَرَّبُونَ بها إِلَى اللهِ تَعَالَى كَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَهُمْ فِيهِ تَأْوِيلَانِ: التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ: يَقُولُونَ: إِلَهُ الْعَالَمِ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقْدِرَ الْوَاحِدُ مِنَّا عَلَى إِظْهَارِ عُبُودِيَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ لَنَا هَذَا الْقَدْرُ وَالدَّرَجَةُ وَلَكِنْ غَايَةُ قَدْرِنَا أَنْ نَشْتَغِلَ بِعُبُودِيَّةِ بَعْضِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ عِبَادِ اللهِ تَعَالَى، كَعِبَادَةِ كَوْكَبٍ أَوْ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَكَ وَالْكَوْكَبَ يَشْتَغِلُونَ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، ويَعْتَقِدُونَ أَنَّهمْ إِنَّما يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِهَذَا العَمَلِ فلَا جَرَمَ أَنَّهم لا ينْتِفِعُونَ بِذلك. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَقُولونَ نَحْنُ اتَّخَذْنَا هَذِهِ التَّمَاثِيلَ عَلَى صُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَمُرَادُنَا مِنْ عِبَادَتِهَا أَنْ يَشْفَعَ لنا أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. وَهُيَ عقيدةٌ فَاسِدةٌ وطريقةٌ مِعْوجَّةٌ. وَأَيْضًا فقد نُقِلَ عَنِ الْهُنُودِ: أَنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ تَارَةً، وَبِإِحْرَاقِ أَنْفُسِهِمْ تارةً أُخْرَى، وَيُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الطَّرِيقُ فَاسِدًا لَا جَرَمَ أَنَّهم لا يُنْتَفِعونَ بِهِ.
أَمَّا ثَالِثُ هَذِهِ الشُّروطِ فهيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَهُوَ مُؤْمِنٌ" وَهَوَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِ أَعْمَالِ الْبِرِّ مُوجِبَةً لِلثَّوَابِ تَقَدُّمُ الْإِيمَانِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ لَمْ يَحْصُلِ الْمَشْرُوطُ.
قوْلُهُ: {عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} أَيْ: لَمْ نُعْطِهِ مِنْهَا إِلَّا مَا نَشَاءُ، وهَذَا المَعْنِيُّ هُنَا هُوَ مِنَ القِسْمِ الأَوَّلِ الذي سَبَقَ الحَديثُ عَنْهُمْ، فقَدْ جَعَلَ اللهُ طَائِرَ نَفْسِهِ شُؤْمًا لَهُ وَهُوَ فِي قَبْضَةِ اللهِ ـ تَعَالَى، فَيُؤْتِيهِ اللهُ قَدْرًا مِنْ ذَلِكَ الذي استعجَلَهُ فِي الدُّنْيَا، كَمَا يَشَاءُ هُوَ ـ جَلَّ جَلَالُهُ، لَا كَمَا يَشَاءُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ.
قولُهُ: {ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا} مَذْمُومًا مَدْحُورًا: مَطْرودًا مُبْعَدًا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ـ تَعَالَى. وَهَذِهِ هيَ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ الْفَاسِقِينَ، وَالْمُرَائِينَ، الدَجَّالينَ، الْمُدَاجِينَ، يَلْبَسُونَ عَباءَةَ الطَّاعَةَ والْإِسْلَامِ، لِيَنَالُوا عَاجِلَ الدُّنْيَا مِنَ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا، فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يُعْطَوْنَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُسِمَ لَهُمْ فيها. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ العاجلةَ" قَالَ: مَنْ كَانَتْ الحياةُ الدُنيا هَمَّهُ ورَغْبَتَهُ وطِلْبَتَهُ وَنِيَّتَهُ عَجَّلَ الله لَهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ ثُمَّ اضْطَّرَّهُ إِلَى جَهَنَّمَ "يَصْلاها مَذْمُومًا" فِي نقْمَةِ اللهِ "مَدْحُورًا" فِي عَذَابِ اللهِ.
وهَذَا القِسْمُ مِنَ البَشَرِ سَتَكونُ جَهَنَّمُ عَاقِبَتَهُ فِي الآخَرِةِ، يَدْخُلُهَا فَيَصْلَى حَرَّهَا مَذْمُومًا، مَلُومًا، مَدْحُورًا، مَنْفِيًّا، مَطْرُودًا، مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى. وَفِي لَفْظِ هَذِهِ الْآيَةِ فَوَائِدُ هي:
الْأُولَى: أَنَّ الْعِقَابَ عِبَارَةٌ عَنْ مَضَرَّةٍ مَقْرُونَةٍ بِالْإِهَانَةِ وَالذَّمِّ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ دَائِمَةً وَخَالِيَةً عَنْ شَوْبِ الْمَنْفَعَةِ، فَفي قَوْلِهِ: "ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها" إِشَارَةٌ إِلَى الْمَضَرَّةِ الْعَظِيمَةِ التي سَتَلْحَقُ بِمَنِ اسْتَعْجَلَ المنافعَ الدُنْيَوِيَّةَ، وزَهِدَ بثوابِ الآخرةِ. وَفي قَوْلِهِ: "مَذْمُومًا" إِشَارَةٌ إِلَى الإهانَةِ والذَّمِّ، وفي قولِهِ: "مَدْحُورًا" إِشَارَةٌ إلى الطَرْدِ عَنْ الرَّحْمَةِ، وَتُفِيدُ كَوْنَ تِلْكَ الْمَضَرَّةِ خَالِيَةً عَنْ النَّفْعِ وَالرَّحْمَةِ، وَتُفِيدُ كَوْنَهَا دَائِمَةً لا خَلَاصِ منها.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ مِنَ الْنَّاسِ الجَهَلَةِ مَنْ يَغْتَرَّ بِالدنْيا إِذا ابْتَسَمَتْ لهُ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ كَرَامَةٌ لَهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، لأَنَّهُ صاحِبُ حُظْوةٍ عِنْدَهُ، فَبَيَّنَ اللهُ ـ تَعَالَى، أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ بِنِعَمِ اللهِ فِي الدُنْيَا، عَلَى رِضَاهُ ـ تَبَارَكَ وتَعَالَى، عَنِ العَبْدِ، وَعَمَّا يَعْمَلُ، لِأَنَّ مَنَافِعَ الحياةِ الدُّنْيَا قَدْ تَحْصُلُ للعَبْدِ، مَعَ أَنَّ عَاقِبَتَهَا هِيَ الْصَيْرُورةُ إِلَى عَذَابِ اللهِ لَهُ في الآخِرَةِ وَإِهَانَتِهِ، فَأَعْمَالُ هَذَا الْإِنْسَانِ تُشْبِهُ طَائِرَ السَّوْءِ فِي لُزُومِهَا لَهُ وَكَوْنِهَا سَائِقَةً لَهُ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: "لِمَنْ نُرِيدُ" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَوْزُ بِالدُّنْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ، وَالضُّلَّالِ، يُعْرِضُونَ عَنِ الدِّينِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، فَيُحْرَمونَ مِنَ الدُّنْيَا وَمِنَ الدِّينِ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ زَجْرٌ عَظِيمٌ لِهَؤُلَاءِ الضَّالِّينَ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ يُضِيِّعونَ الدِّينَ في طَلَبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا فَاتَتْهُمُ الدُّنْيَا فَيكونونَ الْأَخْسَرُينَ أَعْمَالًا، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ} مَنْ: اسْمُ شَرْطٍ جَازِمٌ مبنيٌّ عَلَى السُّكونِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِدَاءِ، والخَبَرُ جُمْلَةُ الجَوَابِ، أَوِ جُمْلَةُ الشَّرْطِ أَوْ هُمَا مَعًا. وَ "كانَ" فِعْلٌ مَاضٍ نَاقِصٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" عَلَى كَوْنِهِ فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا، وَاسْمُ "كانَ" ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيها جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "مَنْ". و "يُرِيدُ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجَازِمِ، وَفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هُوَ) يَعُودُ عَلَى "مَنْ"؛ و "الْعاجِلَةَ" مَفْعُولٌ مَنْصُوبٌ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ خَبَرُ "كانَ".
قَوْلُهُ: {عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} عَجَّلْنا: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "نا" التَّعْظِيمِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والجملةُ فِي مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "مَنْ" الشَرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِهِ جَوابًا لَهَا، وَجُمْلَةُ "مَنْ" الشَّرْطِيَّةِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعرابِ. و "لَهُ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "عَجَّلْنا"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "فِيها" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "عَجَّلْنا" أَيْضًا، أَوْ بِحالٍ مِنْ "ما" المَوْصُولَةِ المَذْكُورَةِ بَعْدَهُ، وَ "هَا" ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "ما" اسْمٌ مَوْصُولٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ لِـ "عَجَّلْنا"، أَوْ نَكِرةٌ مَوْصُوفَةٌ. و "نَشَاءُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يَعُودُ عَلَى اللهِ ـ تَعَالى، وَمَفْعُولُ المَشِيئَةِ مَحْذوفٌ، والتَقْديرُ: مَا نَشَاءُ تَعْجيلَهُ، وَجُمْلَةُ "نَشَاءُ" صِلَةُ المَوْصُولِ "مَا" لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ، أَوْ صِفَةٌ لَهَا في محلِّ النَّصِبِ إِنْ كانَتْ نَكِرةً موصوفةً، والعائدُ، أَوِ الرَّابِطُ، الضَميرُ المَحْذُوفُ، و "لِمَنْ" اللامُ: حَرْفُ جَرٍّ بَدَلٌ مِنَ الجَارِّ قَبْلَهُ "لَهُ" بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، بإعادةِ العاملِ، وَ "مَنْ" اسْمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "نُرِيدُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفَاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُستترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يَعُودُ عَلى اللهِ ـ تَعَالى، وَمَفْعُولُهُ مَحْذوفٌ، والتَقْديرُ: لِمَنْ نُريدُ التَعْجيلَ لَهُ، وهذهِ الجملةُ الفِعْلِيَّةُ صِلَةٌ لـ "مَنْ" المَوْصُولَةِ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ يفيدُ التَرَاخي. و "جَعَلْنا" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لاتِّصالِهِ بِضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَحَرِّكٍ هُوَ "نَا" المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ـ سُبْحانَهُ، و "جَعَلَ" هُنَا تَصْيِيرِيَّةٌ. وَ "نا" التَّعْظِيمِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "عَجَّلْنا". وَ "لَهُ" اللَّامُ: حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "جَعَلْنَا"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ. وهو في مَحَلِّ المَفْعولِ الثاني لِـ "جَعَلْنا". و "جَهَنَّمَ" مَفْعُولٌ بِهِ أُوَّلُ لِـ "جَعَلْنَا" مَنْصُوبٌ.
قوْلُهُ: {يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا} يَصْلاها: فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ نَصِبِهِ مُقَدَّرةٌ عَلى آخِرِهِ لتعذُّرِ ظهورِها عَلَى الأَلِفِ، وَفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هوَ) يَعُودُ عَلى مُريدِ العَاجِلَةِ، و "هَا" ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ النَّصِبِ مفعولٌ بِهِ. وهذِهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الحَالِ مِنْ ضَمِيرِ "لَهُ"، أَوْ مِنْ "جَهَنَّمَ". و "مَذْمُومًا" و "مَدْحُورًا" حالانِ مَنْصُوبَانِ مِنْ فَاعِلِ "يَصْلَى". وَفِي الكَلامِ حَذْفٌ، وَهُوَ حَذْفُ المُقَابِلِ؛ إِذِ الأَصْلُ: مَنْ كانَ يُريدُ العَاجِلَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَها وَهُوَ كَافِرٌ، لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ. وقِيلَ: بَلِ الأَصْلُ: مَنْ كانَ يُريدُ العاجِلَةَ بِعَمَلِهِ لِلآخِرَةِ كَالْمُنَافِقِ.