وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْبَشَرِ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ يُعَلِّمُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ أَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ، فَقِيلَ: هُوَ غُلَامُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُهُ جَبْرٌ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ. وَقِيلَ: اسْمُهُ يَعِيشُ، وهو عَبْدٌ لَبَنِي الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ الْأَعْجَمِيَّةَ. وَقِيلَ: هو غُلَامٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَقِيلَ: هُمَا غُلَامَانِ: اسْمُ أَحَدِهِمَا يَسَارٌ، وَاسْمُ الْآخَرِ جَبْرٌ، وَكَانَا صَيْقَلِيَّيْنِ مِنْ جَزيرةِ صَقَلِّيَةَ، كانا يَعْمَلَانِ في صُنْعِ السُّيُوفَ، وَكَانَا يَقْرَآنِ كِتَابًا لَهُمْ. وَقِيلَ: كَانَا يَقْرَآنِ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما، في رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: هُوَ عَبْدٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، يُقالُ لَهُ: يَعيش. وَقَالَهُ قَتَادَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، إِلَّا أَنَّهُ قالَ: كانَ لِبَنِي الحَضْرَمِيِّ، وكان يَقَرَأُ كُتُبًا، وَقالَ في رِوَايَةِ عَطَاءٍ: يُريدُ عَدَّاسَ؛ غُلامَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. ورَوَى طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَطاءٍ أَنَّ السيِّدةَ خَديجَةَ أُمِّ المؤمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها، كانَتْ تَخْتَلِفُ إِلى صَيْقَلٍ (الذي يصقلُ السيوفَ ويَشْحَذُها) عَلَى الصَّفَا والمَرْوَةَ؛ وهو عَبْدٌ لِبَني الحَضْرَمِيِّ صاحِبُ كُتُبٍ، فَكانَتْ تُخْبِرُهُ بِمَا كانَ يَرَى زَوْجُها مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكانَ يَقولُ لهَا: لَئِنْ كُنْتِ صَادِقَةً لَيُوشِكَنَّ نَبِيُّ العَرَبِ أَنْ يَخْرُجَ، وكانَ اسْمُهُ جَبْرًا، وكانَتْ قُرَيْشُ تَقُولُ: إِنَّمَا عَبْدُ بَني الحَضْرَمِيِّ يُعَلِّمُ خَدِيجَةَ، وَتُعَلِّمُ خَديجَةُ مُحَمَّدًا، وَكانَ يَتَكَلَّمُ بالرُّومِيَّةِ. وهوَ قَوْلُ مُجاهِدٍ وابْنِ إِسْحاقٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما. وأَخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُول الله ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُعَلِّمُ قَيْنًا بِمَكَّةَ اسْمُه بِلعام، وَكَانَ عجمي اللِّسَان، فَكَانَ الْمُشْركُونَ يرَوْنَ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدْخل عَلَيْهِ وَيخرج من عِنْده فَقَالُوا: إِنَّمَا يُعلمهُ بلعام فَأنْزل اللهُ تعالى: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" قَالَ: قَالُوا إِنَّمَا يُعَلِمُ مُحَمَّدًا عَبْدُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ ـ وَهُوَ صَاحِبُ كُتُبٍ، فَقَالَ اللهُ: "لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ". وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِي ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقْرِئُ غُلَامًا لِبَنِي الْمُغيرَةَ أَعْجَمِيًّا يُقَال لَهُ مَقِيسُ، وَأَنْزَلَ اللهُ "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ" الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ آدَمُ بْنُ أَبي إِيَاسٍ، وَابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ، فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَلَقَد نَعْلَمُ أَنَّهم يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ.
قولُهُ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} اللِّسانُ: اللُّغَةُ. والأَعْجَمِيُّ: مَنْ لم يتكلَّمِ العَرَبِيَّةَ. والعَجَمُ خلافُ العَرَبِ، والعَجَمِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِمْ، وكلُّ مَنْ كانَ فِي لِسانِهِ عُجْمَةٌ فهو أَعْجَمٌ، عَرَبِيًّا كانَ أَوْ غَيْرَ عَرَبِيٍّ، وذَلِكَ اعْتِبَارًا بِأَنَّ قِلَّةَ إِفَهْامِهِ مقصِدَهُ للآخرينَ عُجْمَةٌ. والأَعْجَمِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَيْه، ومِنْهُ قَوْلُ الحِمَّاني سَلُّومٍ الرَّاجِز:
لو أَصْبَحتِ وسْطَ الأَعْجمِ ................. بالرومِ أو بالتُّركِ أو بالديلم
إذًا لَزُرناكِ ولو بِسُلَّمِ
والعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَنْ لا يَعْرِفُ لُغَتَهُم، ولا يَتَكَلَّمُ بِلِسانِهِمْ: أَعْجَمًا وأَعْجَمِيًّا، قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةٍ:
وما زَالَ كُتْمانِيكِ حَتَّى كَأَنَّني .......... بِرَدِّ جَوابِ السائِلِي عَنْكِ أَعْجَمُ
قالَ الفَرَّاءُ، وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: الأَعْجَمُ: الذي فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ، وإِنْ كانَ مِنَ العَرَبِ، والأَعْجَمِيُّ والعَجَمِيُّ: الذي أَصْلُهُ مِنَ العَجَمِ. قالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ: وَقَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: لا يَكادُ عَوَامُ النَّاسِ يُفَرِّقونَ بَيْنَ العَجَمِيِّ وَالأَعْجَمِيِّ، وَالعَرَبيِّ والأَعْرَابيِّ؛ فالأَعْجَمَيِّ الذي لا يُفْصِحُ وإِنْ كانَ نازِلًا بالبادِيَةِ، والعَجَمِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلى العَجَمِ وإِنْ كانَ فَصِيحًا، والأَعْرابيُّ: هوَ البَدَوِيُّ، والعَرَبِيُّ: مَنْسُوبٌ إِلَى العَرَبِ وإِنْ لَمْ يَكُنْ بَدَوِيًّا. وَقالَ أَبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: الأَعْجَمِيُّ: الذي لا يُفْصِحُ مِنَ العَرَبِ كانَ أَوْ مِنَ العَجَمِ، أَلَا تَرَاهُمْ أَنَّهُمْ قالُوا: زِيادٌ الأَعْجَمُ؛ لأَنَّهُ كانَتْ فِي لِسَانِهِ عُجْمَةٌ وكانَ عَرَبِيًّا. وَمِنْهُ قِيلَ للبَهيمَةِ "عَجْماءُ" مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا لا تُبِينُ. وقِيلَ لِصَلاةِ النَّهارِ: عَجْمَاءُ، لأنَّها لا يُجْهَرُ فيها. وأَيْضًا فالعَجَمُ: النَّوَى، لاخْتِفائِهِ. وحُروفُ المُعْجَمِ، هي الحُروفُ المُقَطَّعَةُ لأَنَّها أَعْجَمِيَّةٌ لا تؤدِّي معنًى، وسُمِّيَ البحرُ مُعجمًا لِغُمُوضِهِ وعَدَمِ معرِفَة أحوالِهِ وما يُخفي بداخِلِهِ. وأَعْجَمْتُ الكِتابَ ضِدُّ أَعْرَبْتُه، وأَعْجَمْتُهُ أَيْضًا: أَزَلْتُ عُجْمَتَه كَأَشْكَيْتُه، أَيْ: أَزَلْتُ شِكايَتَهُ. والإلْحادُ في الُّلغَةِ: المَيْلُ، ويُقالُ: "لَحَدَ"، و "أَلْحَدَ"؛ إِذا مَالَ عَنِ القَصْدِ، وَمِنْهُ يُقالُ للعادِلِ عَنِ الحَقِّ: مُلْحِدٌ. فَقَدْ بَيَّنَ ـ جَلَّ وَعَلَا، كَذِبَهُمْ وَتَعَنُّتَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ: "إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ"، بِقَوْلِهِ: "لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ"، أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ تَعَلُّمُهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَشَرِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْبَشَرَ الذي يَزْعمونَ أَعْجَمِيُّ اللِّسَانِ. وَهَذَا الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ فَصِيحٌ، لَا شَائِبَةَ فِيهِ مِنَ الْعُجْمَةِ، فَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ} الواوُ: استئنافيَّةٌ واللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، وَ "قَدْ" حَرْفُ تَحْقيقٍ. و "نَعْلَمُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يَعُودُ عَلى "اللهِ" تَعَالَى. وَالجُمْلةُ الفِعْلِيَّةُ جَوابُ القَسَمِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ، وَجُمْلَةُ القَسَمِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "أَنَّهُمْ" أَنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتَوْكِيدِ والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ، والمِيمُ للجَمْعِ المُذكَّرِ. و "يَقُولُونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ وَالجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعةِ ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ، فاعِلُهُ. والجُمْلَةُ خَبَرُ "إِنَّ" في محلِّ الرَّفعِ، وُجُمْلَةُ "أَنَّ" فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ سَادٍّ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "عَلِمَ".
قولُهُ: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} إِنَّمَا: أَدَاةُ حَصْرٍ. و "يُعَلِّمُهُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعُولُهُ الأَوَّلَ. والمَفْعُولُ الثاني مَحْذوفٌ، والتقديرُ: إِنَّما يُعَلِّمُهُ هَذا القُرْآنَ بَشَرٌ. وَ "بَشَرٌ" فَاعِلُهُ مَرْفوعٌ بِهِ. وَالجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَقُولُ "يَقُولُونَ".
قولُهُ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} لِسَانُ: مرفوعٌ بالابْتِداءِ، مُضافٌ. وَ "الَّذِي" اسمٌ مَوْصولٌ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ. وَ "يُلْحِدُونَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ وَالجَازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَباتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعةِ ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ، فاعِلُهُ. والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصُولِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ. و "إِلَيْهِ" إِلى: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُلْحِدُونَ"، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ. و "أَعْجَمِيٌّ" خَبَرُ المُبْتَدَأِ مرفوعٌ. والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. وقَالَ الشَّيْخُ أَبو حيَّانٍ الأندلُسِيُّ في تفسيرِهِ (البَحْرُ المُحيطُ): يَجوزُ أنْ تُعْرَبَ حالًا مِنْ فاعِلِ "يقولون"، أَيْ: يَقُولُونَ ذَلِكَ والحالُ هَذِهِ، أَيْ: عِلْمُهم بِأَعْجَمِيَةِ هَذَا البَشَرِ وإِبانَةِ عَرَبِيَّةِ هَذَا القُرْآنِ كانَ يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهم مِنْ تِلْكَ المَقَالَةِ، كَقَوْلِكَ: تَشْتُمُ فلانًا وهوَ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ، أَيْ: وَعِلْمُكَ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْكَ كانَ يَمْنَعُكَ مِنْ شَتْمِهِ. ثُمَّ قالَ: وَإِنَّما ذَهَبَ إِلَى (أَيْ الزَمَخْشَريُّ) الاسْتِئْنافِ لا إِلَى الحَالِ؛ لأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَجِيءَ الحالِ اسْمِيَّةً مِنْ غَيْرٍ وَاوٍ شَاذٌّ، وهوَ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ تَبِعَ فِيهِ الفَرَّاءَ.
قولُهُ: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} الوَاوُ: للعطْفِ، و "هَذَا" الهاءُ: للتَنْبيهِ، و "ذا" اسمُ إشارةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في محلِّ الرفعِ بالابتِداءِ. و "لِسَانٌ" خَبَرُهُ مرفوعٌ. و "عَرَبِيٌّ" صِفَةُ "لِسَانٌ" مرفوعةٌ مِثْلَهُ، و "مُبِينٌ" صِفَةٌ لـ "عَرَبِيٌّ" أَوْ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لِـ "لِسَانٌ" مرفوعةٌ مثلهُ أَيضًا. وَالجُمْلَةِ مَعْطُوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ التي قَبْلَها، على كونِها صِلَةَ المَوْصُولِ لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {لِسَانُ الَّذِي}. وَقَرَأَ الحَسَنُ "اللِّسانُ الذي" مُعَرَّفًا بِـ "أَلْ"، فيَكونُ "الذي" نَعتٌ لَهُ بِحَسَبِ هَذِهِ القراءَةِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {يُلْحِدون} بِضَمِّ الياءِ مِنَ الإِلْحادِ، وَهوَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ، وقُرِئَ "يَلْحِدونَ" بِفَتْحِ الياءِ، مِنْ لَحَدَ. والأَوْلى ضمُّ الياءِ؛ لأَنَّهُ لُغَةُ التَنْزِيلِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالى مِنْ سُورَةِ الحَجِّ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} الآية: 25.
٥