ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ
(27)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قولِهِ في الآية:25، السَّابِقَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ المُبَارَكَةِ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ}، لِأَنَّ ذَلِكَ وَعِيدٌ لَهُمْ وَهَذَا تَكْمِلَةٌ لَهُ. فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَعَالَى في الآيَةِ السَّابِقةِ حَالَ أُولئِكَ المَاكِرينَ فِي الدُنْيا، ذَكَرَ في هَذِهِ الآيةِ الكريمةَ حالَهُمْ فِي الآخِرَةِ. وقِيلَ: إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ الكَلامُ، أَيْ: هَذَا الذي فُهِمَ مِنَ التَمْثيلِ مِنْ عَذابِ هَؤُلاءِ، أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، ومِمَّا ذُكِرَ مِنْ عَذَابِ أَولئكَ جَزاؤُهمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَوْمَ القيامَةِ يُخْزيهمْ، أَيْ يُذِلُّهم بِعَذابِ الخِزْيِ عَلَى رُؤوسِ الأَشْهَادِ. و "ثُمَّ" للإيماءِ إِلَى مَا بَيْنَ الجَزاءَيْنِ مِنَ التَفَاوُتِ مَعَ مَا يَدُلُ عَلَيْهِ مِنَ التَراخِي الزَمانيِّ، ولِلتَّرْتِيبِ الرُّتَبِيِّ، فَإِنَّ خِزْيَ الْآخِرَةِ أَعْظَمُ رُتْبَةً وأَشَدُّ هولًا مِنَ اسْتِئْصَالِ نَعِيمِ الدُّنْيَا. وَجاءَ تَغْييرُ السَّبْكِ بِتَقْدِيمُ الظَّرْفِ "يومَ" لِلِاهْتِمَامِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِأَنَّهُ يَوْمُ الْأَحْوَالِ الْأَبَدِيَّةِ، فَمَا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ مُهَوِّلٌ لِلسَّامِعِينَ. ولَيْسَ لِقَصْرِ الخِزْيِ عَلى يَوْمِ القِيامَةِ كَمَا هوَ المُتَبَادَرُ مِنْ تَقْديمِ الظَرْفِ عَلَى الفِعْلِ، بَلْ لأَنَّ الإِخْبَارَ بِجزائهم في الدُنْيا مُؤْذِنٌ بِأَنَّ لَهمْ جَزاءً أُخْرَوِيًّا فتَبْقى النَّفْسُ مُتَرَقِّبَةً إِلَى وُرودِهِ، سَائلَةً عَنْهُ بِأَنَّهُ مَاذَا مَعَ تَيَقُّنِها بِأَنَّهُ في الآخِرَةِ، فَسِيقَ الكلامُ عَلى وَجْهٍ يُؤْذِنُ بِأَنَّ المَقْصُودَ بِالذِكْرِ إِخْزاؤهم، لا كَوْنُهُ يَومَ القِيامَةِ. وَ "يُخْزِيهِمْ" لَفْظٌ يَعُمُّ المَكَارِهَ التي تَنْزِلُ بِهِمْ كلَّها؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ رَاجِعٌ إِلَى إِدْخالِهِمُ النَّارَ، وَدُخُولِهِمْ فِيها. والخِزْيُ: الفَضِيحَةُ المُخْجِلَةُ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورةِ آلِ عِمرانَ {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} الآيةَ: 192، وفِي الحَديثِ الشَّريفِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عبدِ اللهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَارَ وَالتَّخْزِيَةُ لَتَبْلُغُ مِنِ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ يَوْمَ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ، مَا يَتَمَنَّى أَنْ يَنْصَرِفَ بِهِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ بِهِ إِلَى النَّارِ)). حِلْيَةُ الأَوْلِياءِ وطَبْقاتُ الأَصْفِياءِ لأبي نُعَيمٍ الأصبهانيِّ: (6/210)، وأَخْرَجَهُ البَغَوِيُّ فِي (المُسْنَدِ المُنْتَخَبِ) لَهُ. وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى "يُخْزِيهِمْ" عَائِدٌ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} الآية: 24، مِنْ هَذِهِ السُورَةِ. وَذَلِكَ عَائِد إِلَى قولِهِ قبلَ ذلك في الآية: 22، منها: {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ}.
قولُهُ: {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} القائلُ هو ربُّ العزَّةِ ـ جَلَّ وعَلا. و "أَيْنَ شُرَكائي" أَيْ: أَيْنَ أُلائكَ الشُرَكاءُ الذينَ كُنْتُمْ تَدْعُونَهم، وذلك لِيَدْفَعُوا عَنْكُمْ مَا نَزَلَ بِكُمْ مِنْ خِزْيٍ وَذِلَّةٍ وَعَذابٍ مُهِينٍ؟! وهَذا للتَهَكُّمِ بِهِمْ وبِمَعْبُوداتِهِمُ الباطِلَةِ التي كانُوا يَعْبُدُونَها في الدُنْيا، و "أَيْنَ" اسمُ اسْتِفامٍ يُسْتَفْهَمُ بِهِ عَنِ الْمَكَانِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْعِلْمَ بِوُجُودِ مَنْ يَحُلُّ فِي الْمَكَانِ. والمَعْنَى: أَيْنَ شُرَكَائِيَ فِي زَعْمِكُمْ وَاعْتِقَادِكُمْ. وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سورةِ الأَنْعَامِ: {أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} الْآيةَ: 22، وَقَولُ أَيْضًا مِنْ سورةِ يُونُسَ ـ عليْهِ السَّلامُ: {وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ} الآيَةَ: 28، وقد أَضَافَهم إِلَيْهِ سُبْحانَهُ حِكايَةً لإضِافَتِهِمُ الكاذِبَةِ، وفِيهِ تَوْبِيخٌ إِثْرَ تَوْبِيخٍ، مَعَ الاسْتِهْزاءِ بِهِمْ، وَإِنَّمَا حَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ "شُركائي" لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي حُسْنِ الْإِضَافَةِ أَدْنَى سَبَبٍ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَحْمِلُ خَشَبَةً خُذْ طَرَفَكَ، وَآخُذُ طَرَفِي، فَأُضِيفَ الطَّرَفُ إِلَيْهِ. وَالمَقْصُودُ بِهَذِهِ الإِضَافَةِ (الشُّرَكَاءِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ) زِيَادَةٌ فِي التَّوْبِيخِ، لِأَنَّ مَظْهَرَ عَظَمَةِ اللهِ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ لِلْعَيَانِ يُنَافِي أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ، فَالْمُخَاطَبُونَ عَالِمُونَ حِينَئِذٍ بِتَعَذُّرِ الْمُشَارَكَةِ. و "الذين كُنتُمْ تشاقون فِيهِمْ" أَيْ تُخَاصِمُونَ الأَنْبِيَاءَ والمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِهمْ بِأَنَّهُمْ شُرَكاءُ حَقًّا حِينَ بَيَّنُوا لَكُمْ بُطْلانَها، والمُرادُ بِالاسْتِفْهامِ اسْتِحْضارُها للشَّفَاعَةِ أَوِ المُدافَعَةُ عَلى طَريقَةِ الاسْتِهْزَاءِ والتَبْكيتِ، والضَميرُ إِمَّا للمُفْتَرينَ في حَقِّ القُرْآنِ الكَريمِ، أَوْ لَهُمْ وَلِمَنْ مُثِّلُوا بِهِمْ مِنَ المَاكِرينَ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ، وتَخْصِيصُهُ بِهِم يَأْبَاهُ السِّيَاقُ، والاسْتِفْسارُ عَنْ مَكانِهِمْ لا يُوجِبُ غَيْبَتَهمْ حَقِيقَةً حَتَّى يُعْتَذَرَ بِأَنَّهُمْ يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهم وبَيْنَ عَبَدَتِهم، حِينَئِذٍ لِيَتَفَقَّدوها فِي سَاعَةٍ عَلَّقوا بِهَا الرَّجَاءَ فِيها، أَوْ بِأَنَّهم لَمَّا لَمْ يَنْفَعوهُمْ، فَكَأَنَّهُمْ غُيَّبٌ بَلَ يَكْفِي فِي ذَلِكَ عَدَمُ حُضُورِهِمْ بالعُنْوانِ الذي كانُوا يَزْعُمونَ أَنَّهمْ مُتَّصِفونَ بِهِ مِنْ عُنْوانِ الإِلَهِيَّةِ، فَلَيْسَ هُنَاكَ شُرَكاءُ، ولا أَمَاكِنُها، فإِنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ عِنْدَهُمُ الأَمْرُ حِينَئِذٍ فَرَجَعوا عَنْ ذَلِكَ الزَّعْمِ الباطِلِ. وَالْمَوْصُولُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: "الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ" جاءَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ضَلَالِهِمْ وَخَطَئِهِمْ فِي ادِّعَاءِ الْمُشَارَكَةِ، وهو مِثْلُ "الَّذِي" فِي قَوْلِ عَبْدَةَ:
إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ إِخْوَانَكُمْ ............ يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أَنْ تُصْرَعُوا
وَالْمُشَاقَّةُ: الْمُشَادَّةُ فِي الْخُصُومَةِ، كَأَنَّهَا خُصُومَةٌ لَا سَبِيلَ مَعَهَا إِلَى الْوِفَاقِ، إِذْ قَدْ صَارَ كُلُّ خَصْمٍ فِي شِقٍّ غَيْرِ شَقِّ الْآخَرِ. و "تُشَاقُّونَ" أَيْ تكُونُونَ في شِقٍّ، والحَقُّ في شِقٍّ، أَيْ تُعَادُونَ وتُحارِبونَ وَتُخَاصِمُونَ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِهِمْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْن أبي حَاتِم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهما، فِي قَوْلِهِ: "تُشَاقُّونَ فِيهم" يَقُول: تًخَالِفُوني. وَ "فِي" هنا لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ مَعَ حَذْفِ مُضَافٍ، إِذِ الْمُشَاقَّةُ لَا تَكُونُ فِي الذَّوَاتِ بَلْ فِي الْمَعَانِي. وَالتَّقْدِيرُ: فِي إِلَهِيَّتِهِمْ أَوْ فِي شَأْنِهِمْ.
قولُهُ: {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قالَ بَعْضُ المُفَسِّرينَ: "الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" هم الملائكةُ، وهو قَولُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عَنْهُما. وقالَ يَحْيَى بْنُ سَلامٍ ـ رضي اللهُ عنْهُ: هُمُ المُؤْمِنُونَ. والصَّوابُ أَنْ يَعُمَّ جَميعَ مَنْ آتَاهُ اللهُ عِلْمَ ذَلِكَ مِنْ مَلائِكَةٍ وأَنْبِياءَ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وهُمُ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللهُ عِلْمَ الْحَقَائِقِ، وَيشملُ مَنْ جَميعَ الْمُؤْمِنُينَ بهم الذينَ نَهَلوا مِنْ علومِهم. كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ الرومِ: {وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ} الآيةَ: 56. وَجِيءَ بِهذه الجُمْلَةِ غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْجَوَابِ لِقَوْلِهِ: "أَيْنَ شُرَكائِيَ" لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ابْتَدَرُوا الْجَوَابَ لَمَّا وَجَمَ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الإجابةِ فَلَمْ يُحِرُوا جَوَابًا، فَأَجَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ جَوَابًا جَامِعًا لِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ الشُّرَكَاءُ الْمَزْعُومُونَ مُغْنِينَ عَنِ الَّذِينَ أَشْرَكُوا شَيْئًا، وَأَنَّ الْخِزْيَ وَالسُّوءَ أَحَاطَا بالكافرين.
قولُهُ: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} يؤكِّدُ اللهُ تعالى أَنَّه سيُخْزِيهِمُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ وَالخَلاَئِقِ، وَذلك بقوْلِهِ لَهُمْ: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الذِينَ كُنْتُمْ تُحَارِبُونَ، وَتُعادُونَ النَّبِيَّ وَالمُؤْمِنِينَ فِي سَبِيلِهِمْ؟ لِمَاذَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْ نَصْرِكُمْ، وَإِنْقَاذِكُمُ اليَوْمَ؟ وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ "إنَّ" التَّوْكِيدِ، وَبِصِيغَةِ الْقَصْرِ وَالْإِتْيَانِ بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ "على" الدَّالِّ عَلَى تَمَكُّنِ الْخِزْيِ وَالسُّوءِ مِنْهُمْ يُفِيدُ مَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنْ هَوْلِ مَا أُعِدَّ لَهُم. وَالتَّعْبِير بالماضي لِتَحْقِيقِ وُقُوعِ الْقَوْلِ. فيُظْهِرُ لِلنَّاسِ مَا كَانُوا يَسْتُرُونَ مِنَ المَكْرِ، فَإِذَا تَوَجَّهَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، وَقَامَتْ عَلَيْهِمْ الدَّلاَلاَتُ، وَحَقَّتْ عَلَيْهِمُ الكَلِمَةُ، وَسَكَتُوا عَنِ الاعْتِذَارِ، قَالَ الذِينَ أُوتُوا العِلْمَ: (وَهُمُ الأَنْبِيَاءُ وَالمُؤْمِنُونَ المُخْلِصُونَ، وَهُمُ السَّادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ): إِنَّ الفَضِيحَةَ وَالعَذَابَ مُحِيطَانِ اليَوْمَ بِمَنْ كَفَرَ بِاللهِ، وَأَشْرَكَ مَعَهُ فِي العِبَادَةِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَلاَ يَنْفَعُهُ.
قولُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} ثُمَّ: حَرْفُ عَطْفٍ وتَرْتِيبٍ وتَراخٍ. و "يومَ" منصوبٌ على الظَرْفِيَّةِ الزمانيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، وهو مُضافٌ، و "القِيامَةِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ. و "يُخْزيهم" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِهِ الضمَّةُ المُقدَّرةُ على آخرِهِ لثِقَلِها على الياءِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى "اللهُ" تعالى، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ: {وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} مِنَ الآيةِ التي قبلَها.
قولُهُ: {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} الوَاوُ: حرفُ عَطْفٍ، و "يَقُولُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَعْطوفٌ عَلَى "يُخْزِيهِمْ"، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى "الله" تعالى. و "أَيْنَ" اسْمُ اسْتِفْهَامٍ للاسْتِفْهامِ التَوْبِيخِيِّ، مَبْنيٌّ عَلى الفَتْحِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الظَرْفيَّةِ المَكانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ وَجُوبًا، و "شُرَكَائِيَ" مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وعلامةُ رَفعِهِ الضمةُ المقدَّرةُ عَلَى ما قبلِ ياءِ المتكلِّمِ لانْشغالِ المَحَلِّ بِمَا يُنَاسِبُ الياءَ، وهوَ مُضافٌ، وياءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ منَ المُبْتَدَأِ وخبرِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِـ "يَقُولُ". و "الَّذِينَ" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ صِفَةً لِـ "شُرَكَائِيَ". و "كُنْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ ناقِصٌ مبنيٌّ على السكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعلِ، وتاءُ الفاعِلِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الرفعِ اسْمُ "كانَ"، والميمُ علامةُ جمعِ المُذكَّرِ. و "تُشَاقُّونَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ فِي آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَماعَةِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. و "فِيهِمْ" في: حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تُشَاقُّونَ"، والهاءِ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المذكَّرِ. وَجُمْلَةُ "تُشَاقُّونَ" في مَحَلِّ النَّصْبِ خَبَرُ "كان". وجُمْلَةُ "كانَ" صَلَةُ المَوْصولِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} قَالَ: فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ. و "الَّذِينَ" اسْمٌ موصولٌ مبنيٌّ على الفتحِ في محَلِّ الرفعِ فاعِلُهُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "أُوتُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ نائبُ فَاعِلٍ، والأَلِفُ للتفريق. و "الْعِلْمَ" مَفْعُولٌ بِهِ ثانٍ لـ |أُوتُوا"؛ لأَنَّ "آتى" هُنَا بِمَعْنَى "أَعْطَى" فَيَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ، أمَّا مفعولُهُ الأوَّلُ فقد صارَ نائِبًا عن فاعِلِهِ، والأَصْلُ قالَ الذينَ آتاهُمُ اللهُ العِلْمَ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ صِلَةُ المَوْصُولِ لا محلَّ لها مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} إِنَّ: حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ للتوكيدِ. و "الْخِزْيَ" اسْمُهُ منصوبٌ بِهِ، وَ "الْيَوْمَ" منصوبٌ عَلَى الظَرْفِيَّةِ الزَمَانِيَّةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "الْخِزْيَ"؛ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ فِيهِ الأَلِفُ واللامُ، وهو عِنْدَ أَبي البَقاءِ العُكْبُريِّ مُتَعَلِّقٌ بِالاسْتِقْرارِ الذي تَعَلَّقَ بِهِ الجَارُّ والمَجْرورُ الواقِعُ خَبَرًا؛ لِلحرفِ المُشَبَّهِ بالفعلِ "إِنَّ". وَ "السُّوءَ" مَعْطوفٌ عَلَى "الْخِزْيَ" مَنْصوبٌ مِثْلُهُ، وَ "عَلَى" حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ "إِنَّ"، و "الْكَافِرِينَ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وَعَلامَةُ جَرِّهِ الياءُ لِأَنَّهُ جَمْعُ المُذكَّرِ السَّالِمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. وَجُمْلَةُ "إنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بالقَوْلِ على أَنَّها مقولُ "قَالَ".
قَرَأَ العامَّةُ: {شُرَكائي} مَمْدودًا. وَسَكَّنَ يَاءَ المُتَكَلِّمِ فِرْقَةٌ، فَتُحْذَفُ عِنْدَهُمْ وَصْلًا لالْتِقاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَقَرَأَ البِزِّيُّ بِخِلافٍ عَنْهُ "شُرَكايَ" دُونَ هَمْزٍ بِقَصْرِهِ وفَتْحِ الياءِ. وَقَدْ أَنْكَرَها جَمَاعَةٌ، وَزَعَمُوا أَنَّها غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهَا، لِأَنَّ قَصْرَ المَمْدودِ لا يَجُوزُ إِلَّا ضَرورَةً. وقدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ كَثيرٍ أَيْضًا قَصْرُ التي في سورةِ القَصَصِ، وَرُوِي عَنْهُ أَيْضًا قَصْرُ "ورائي" فِي مَرْيَمَ، وَرَوَى عَنْهُ "قُنْبُل" أَيْضًا قَصْرَ {أَنْ رَّآهُ اسْتَغْنَى} الآيَةَ: 7، مِنْ سُورَةِ العَلَقِ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ قَصْرَ بَعْضِ المَمْدوداتِ، فَلَا تَبْعُدُ رِوايَةُ ذَلِكَ عَنْهُ هُنَا، وبِالجُمْلَةِ فَقَصْرُ المَمْدودِ ضَعيفٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ منَ القرّاءِ.
قَرَأَ العامَّةُ: {تُشَاقُّونَ} بِفَتْحِ النُّونِ خَفيفَةً، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: تُشَاقُّون المُؤْمِنِينَ، أَوْ تُشاقُّونَ اللهَ، بِدَلِيلِ قِراءَةِ نافعٍ، فإنَّهُ قَرَأَ: "تُشَاقُّونِ" بِكَسْرِ النُّونِ خَفِيفَةً، الَّتِي هِيَ نُونُ الْوِقَايَةِ، وأَصْلُها: تُشَاقُّوني، فَحُذِفَتْ اجْتِزِاءً عَنْها بالكَسْرَةِ، وَقَدْ ضَعَّفَ أَبو حَاتِمٍ هَذِهِ القَراءَةَ. وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ "تُشاقونِّي" بِتَشْديدِها مَكْسُورَةً، والأَصْلُ: تُشَاقُّونَني فَأُدْغِمَ النونُ الثاني بالنونِ الأَوَّلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي {أَتُحاجُوني} الآية: 80، مِنْ سُورةِ الأَنْعَامِ.