روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 15

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية:  15 Jb12915568671



الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية:  15 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 15   الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية:  15 I_icon_minitimeالأربعاء يونيو 27, 2018 7:35 pm

وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} انْتِقَالٌ إِلَى الِإدْلَالِ عَلَى النَّاسِ، وَالِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ بِمَا أَوجَدَ ـ سُبْحانَهُ، عَلَى سَطْحِ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنَ مَخْلُوقَاتٍ عَظِيمَةٍ يُعَدُّ وُجُودُهَا تَلَطُّفًا بِهِمْ لأَنَّها مُسَخَّرَةٌ لِمَا فِيهِ خَيرُهم وصَالِحُهمْ. وَهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتُ كلُّها مَوْضُوعَةٌ عَلَى ظَاهِرِ سَطْحِ الْأَرْضِ كَالْتَّكْمِلَةِ لَهَا. وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ خَلْقِهَا وَوَضْعِهَا بِالْإِلْقَاءِ الَّذِي هُوَ رَمْيُ الشَيْءٍ عَلَى الْأَرْضِ. فَلَعَلَّ خَلْقَهَا كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ، إِذْ لَعَلَّ الْجِبَالَ نَتَأَتْ بِاضْطِرَابَاتٍ أَرْضِيَّةٍ كَالزِّلْزَالِ الْعَظِيمِ، والْأَنْهَارُ لعلَّها انْبَثَقَتْ بِتَهَاطُلِ الْأَمْطَارِ، وتَجَمُّعِ مِياهِهَا في خَزَّاناتٍ في جَوْفِ الأَرْضِ، ثمَّ انفجارُها وَشَقُّها مَجْرًى لَهَا عَلَى سَطْحِ الأَرْضِ. وَأَمَّا السُّبُلُ وَالْعَلَامَاتُ فَإنَّ تَأَخُّرَ وَجُودِهَا ظَاهِرٌ، إِذًا فَقد صَارَ خَلْقُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ شَبِيهًا بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِي شَيْءٍ بَعْدَ تَمَامِهِ.
وقيلَ: إِنَّ مَعْنَى "أَلْقَى" خَلَقَ وَجَعَلَ، وَلكنَّهُ في الحقيقةِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، لأَنَّ الفعلَ "أَلْقَى" يَقْتَضِي أَنَّ اللهَ لمْ يُوْجِدِ الْجِبَالَ مِنَ الْأَرْضِ، وإِنَّما مِنْ اخْتِرَاعِهِ وَبِقُدْرَتِهِ، ثمَّ أَلْقاهَا فِيها، وَأَضَافَها إِلَيْها، يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَلَقَ اللهُ الْأَرْضَ فَجَعَلَتْ تَمِيدُ وَتَمُورُ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِنَّ هَذِهِ غَيْرُ مُقِرَّةٍ أَحَدًا عَلَى ظَهْرِهَا، فَأَصْبَحَتْ وَقَدْ أُرْسِيَتْ بِالْجِبَالِ، وَلَمْ تَدْرِ الْمَلَائِكَةُ مِمَّا خُلِقَتِ الْجِبَالُ.
وأَخْرَجَ ابْنُ جريرٍ الطَبَرِيُّ في تَفْسِيرِهِ، عنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، موقوفًا: (لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْأَرْضَ قَمَصَتْ، وَمَالَتْ، وَقَالَتْ: أَيْ رَبِّ! أَتَجْعَلُ عَلَيَّ مَنْ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي وَالْخَطَايَا، وَيُلْقِي عَلَيَّ الْجِيَفَ وَالنَّتْنَ! فَأَرْسَى اللهُ تَعَالَى فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ مَا تَرَوْنَ وَمَا لَا تَرَوْنَ، فَكَانَ إِقْرَارهَا كَاللَّحْمِ يَتَرَجْرَجُ. (جامِعُ البَيانِ) للطَبَرِيِ: (14/90)، وكنْزُ العُمَّالِ بِرَقم: (15249).
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ (كِتَابِ التَّفْسِيرِ)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: ((لَمَّا خَلَقَ اللهُ الْأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَعَادَ بِهَا عَلَيْها، فاسْتَقَرَّتْ، فَعَجِبَ المَلائِكَةُ الكِرامُ مِنْ شِدَّةِ الجِبَالِ، فقَالُوا: يا رَبُّ! هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيءٌ أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَم، الْحَدِيدُ. قَالُوا: يا رَبُّ فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَم، النَّارُ. فَقَالُوا: يا رَبُّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمِ، الْمَاءُ. قَالُوا: يا رَبُّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمِ، الرِّيحُ. قَالُوا: يا رَبُّ! فَهَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَم، ابْنُ آدَمَ. تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ)). أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ بْنُ حنبلٍ في مُسْنَدِهِ: (3/124، برقم: 12278). وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: (1215). والتِّرْمِذِيُّ: (3369)، وأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وغَيْرُهم، وقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
وأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ البَصْريِّ، عَنْ قيْسِ بْنِ عُبَادٍ البَصْريِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جميعًا، قَالَ: إِنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الأَرْضَ جَعَلتْ تَمُورُ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: مَا هَذِه بِمُقِرَّةٍ عَلى ظَهْرِهَا أَحَدًا، فَأَصْبَحَتْ صُبْحَانِ وفيهَا رَواسِيها، فَلَمْ يَدْروا مِنْ أَيْنَ خُلِقَتْ، فَقَالُوا رَبَّنَا هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، الْحَدِيدُ. فَقَالُوا: هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَم، النَّارُّ. قَالُوا: رَبَّنَا هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَم، المَاءُ. قَالُوا: رَبَّنَا هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ هُوَ أَشَدُّ مِنَ المَاءِ؟ قَالَ: نَعَم، الرِّيحُ. قَالُوا: رَبَّنَا هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ هُوَ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَم، الرَّجُلُ. قَالُوا: رَبَّنَا هَلْ مِنْ خَلْقِكَ شَيْءٌ هُوَ أَشَدُّ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: نَعَم، الْمَرْأَةُ. وَأَخْرجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "رَواسي" قَالَ: الْجبَال، و "أَنْ تَميدَ بِكُم" قَالَ: أَثْبَتَها بالجِبالِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا أَقَرَّتْ عَلَيْهَا خَلْقًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ أيْضًا ـ رَضيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِكم" قَالَ: حَتَّى لَا تَميدَ بِكم. كَانُوا عَلى الأَرْضِ تَمورُ بِهمْ، لَا يُسْتَقَرُّ بِهَا، فَأَصْبَحُوا صُبْحًا وَقدْ جَعَلَ اللهُ الْجِبَالَ ـ وَهِيَ الرَّواسِي، أَوْتادًا فِي الأَرْضِ.
وما عُدِّيَ الفِعْلُ "أَلْقَى" هُنَا بِـ "عَلى" كَمَا عُدِّيَ في قَوْلِهِ تَعَالى مِنْ سُورَةِ طَهَ: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} الآيةَ: 39، بَلْ عُدِّيَ بِـ "في"، وَذَلكَ للإِشَارَةِ إِلَى كَمَالِ الجِبَالِ وَرُسُوخِها وثَبَاتِها فِي الأَرْضِ، حَتَّى كَأَنَّها مَسامِيرٌ في لَوْحٍ مِنْ أَلْواحِ الخَشَبِ التي تُصْنَعُ مِنْهَا السَّفِينَةُ، وَتُعَدُّ الجِبَالُ مِنَ الأَرْضِ، لِذلِكَ قالُوا: مَنْ حَلَفَ أَلَّا يَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ، ثمَّ جَلَسَ عَلَيْهَا فَقَدْ حَنَثَ بِيَمِينِهِ لأَنَّها مِنْهَا فِي العُرْفِ، وإِنْ كانَ ظاهِرُ هَذِهِ الآيةِ كَغَيْرِهَا لمْ يَعُدَّهَا كَذَلِكَ، فَلَعَلَّ أَصْلَ تَكْوِينِ الْجِبَالِ كَانَ مِنْ شَظَايَا رَمَتْ بِهَا الْكَوَاكِبُ فَصَادَفَتْ سَطْحَ الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّ الْأَمْطَارَ تَهَاطَلَتْ فَكَوَّنَتِ الْأَنْهَارَ فَيَكُونُ تَشْبِيهُ حُصُولِ هَذَيْنِ بِالْإِلْقَاءِ بَيِّنًا. وَإِطْلَاقُهُ عَلَى وَضْعِ السُّبُلِ وَالْعَلَامَاتِ تَغْلِيبٌ. وَقد أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَ إِضْمَارِ هَذَا الْفِعْلِ دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِ "أَلْقَى"، وَلَوْ كَانَ "أَلْقَى" بِمَعْنَى "خَلَقَ" لَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا الْإِضْمَارِ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْمُتَأَوِّلِينَ أَنَّ "أَلْقَى" بِمَعْنَى "خَلَقَ" وَ "جَعَلَ" كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَ "أَنْهَارًا"، وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا، لِأَنَّ "أَلْقَى" فِيهِ مَعْنَى "جَعَلَ". أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ النَّبَأِ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهادًا * وَالْجِبالَ أَوْتادًا} الآيتان: (6 و 7). وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ العُكْبُريُّ: أَيْ: وَشَقَّ أَنْهَارًا وَعَلَامَاتٍ، أَيْ: "وَضَعَ" عَلَامَاتٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَى رَوَاسِيَ. ورَواسِيَ جَمْعُ رَاسٍ. وهو مِنْ قولِكَ: رَسَا يَرْسُو، إِذا ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ، ومِنْ ذلكَ قَولُ عَنْتَرَةَ العَبْسِيِّ:
فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً ............... تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ
وَقَبْلهُ:
وَعَلِمْت ُأَنَّ مَنِيَّتي إِنْ تَأْتِنِي .............. لا يُنْجِني مِنْها الفِرارُ الأَسْرَعُ
يَقُولُ عنترةُ: حَبَسْتُ نَفْسًا عَارِفَةً لِذَلِكَ، أَيْ: صابِرَة عَلَيهِ، وتَرْسُو: أَيْ: تَثْبُتُ فلا تَتَزَحْزَحُ إذا طلعت نفسُ الجبانِ هلعًا وخوفًا. وَهُوَ وَصْفٌ مِنَ "الرَّسْوِ" ـ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ. وَيُقَالُ "الرُّسُوُّ" ـ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالسِّينِ مُشَدَّدَةً وَبتَشْدِيدِ الْوَاوِ. وَهُوَ الثَّبَاتُ فِي الْمَكَانِ وَالتَّمَكُّنُ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ سَبَأ: {وَقُدُورٍ راسِياتٍ} الآية: 13. وَإِطْلَاقُ "الرُّسُوِّ"، أَوِ "الرَّسْوِ" عَلَى الْجَبَلِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ الْغَالِبِ. وَجَمْعُهُ "رواسي" عَلَى زِنَةِ "فَوَاعِلَ" مِثْلُ عَوَاذِلَ وَفَوَارِسَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَهُوَ مِنَ النَّوَادِرِ.
قولُهُ: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أَيْ: لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ، والْمَيْدُ: هُوَ الِاضْطِرَابُ وَالتَّكَفُّؤُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلدُّوَارِ الَّذِي يَعْتَرِي رَاكِبَ الْبَحْرِ: مَيَد، وهو مِنْ "مَادَ الشَّيْءُ" يَمِيدُ مَيْدًا، إِذَا تَحَرَّكَ يَمينًا وشِمالًا، وَمَادَتِ الْأَغْصَانُ تَمَايَلَتْ، وَمَادَ الرَّجُلُ تَبَخْتَرَ، وَهوَ تَعْلِيلٌ لِإِلْقَاءِ الرَّوَاسِي فِي الْأَرْضِ، وَالضَمِيرُ في "تَمِيدَ" عَائِدٌ إِلَى "الْأَرْضِ" بِقَرِينَةِ قَرْنِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: "بِكُمْ"، لِأَنَّ الْمَيْدَ إِذَا عُدِّيَ بِالْبَاءِ عُلِمَ أَنَّ الْمَجْرُورَ بِالْبَاءِ هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الظَّرْفِ الْمَائِدِ، وَالِاضْطِرَابُ يُعَطِّلُ مَصَالِحَ النَّاسِ وَيُلْحِقُ بِهِمْ آلَامًا.
وَأَخرَجَ ابْنْ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ: "أَنْ تَميدَ بِكُمْ" قَالَ: أَنْ تَكَفَأَ بِكم، وَفِي قَوْلِهِ: "وأَنْهارًا" قَالَ: بِكُلِّ بَلْدَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالى: "وَسُبُلًا" قَالَ: السُّبُلُ هِيَ الطُّرُقُ بَيْنَ الْجِبَالِ.
وَذَلِكَ لأَنَّ الأَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ فِيها الجِبَالَ كانَتْ كُرَوِيَّةً تَتَحَرَّكُ بِأَدْنَى سَبَبٍ للتَحْريكِ، فلَمَّا خُلِقَتِ الجِبالُ عَلى وَجْهِها، تَوَجَّهَتِ الجِبالُ بِثِقَلِها نَحْوَ المَرْكَزِ فَصارَتْ كالأَوْتادِ الَّتي تَمْنَعُها عَنِ الحَرَكَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ امْتِنَانٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ هُوَ انْتِفَاءُ الْمَيْدِ لَا وُقُوعُهُ. فَالْكَلَامُ جَارٍ عَلَى حَذْفٍ تَقْتَضِيهِ الْقَرِينَةُ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ الكريمِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، فمنْ ذلك قَولُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الأَضْيافِ مِنَّا ................... فَعَجَّلْنَا الْقِرَى أَنْ تَشْتُمُونَا
أَرَادَ أَنْ لَا تَشْتُمُونَا. فَالْعِلَّةُ هِيَ انْتِفَاءُ الشَّتْمِ لَا وُقُوعُهُ. وَنُحَاةُ الْكُوفَةِ يُخَرِّجُونَ أَمْثَالَ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ النَّفْيِ بَعْدَ أَنْ. وَالتَّقْدِيرُ: لِأَنْ لَا تَمِيدَ بِكُمْ، وَلِئَلَّا تَشْتُمُونَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَنُحَاةُ الْبَصْرَةِ يُخَرِّجُونَ مِثْلَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ وأَنْ. تَقْدِيرُهُ: كَرَاهِيَةَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ. وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ مَعْنًى غَامِضٌ. وَلَعَلَّ اللهَ جَعَلَ نُتُوءَ الْجِبَالِ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضُ مُعَدَّلًا لِكُرَوِيَّتِهَا بِحَيْثُ لَا تَكُونُ بِحَدٍّ مِنَ الْمَلَاسَةِ يُخَفِّفُ حَرَكَتَهَا فِي الْفَضَاءِ تَخْفِيفًا يُوجِبُ شِدَّةَ اضْطِرَابِهَا. وقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: (يُريدُ أُوَتِّدُها بالجِبالِ لِئَلَّا تَمِيدَ بِأَهْلِها).
وَوَجْهُ كَوْنِ الإِلْقاءِ مَانِعًا عَنِ اضْطِرابِ الأَرْضِ، أَنَّها كَسَفينَةٍ عَلى وَجْهِ الماءِ، والسَّفينَةُ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيها أَجْرامٌ ثَقِيلَةٌ، تَضْطَّرِبُ وتَميلُ مِنْ جانِبٍ إِلَى جانِبٍ بِأَدْنَى شَيْءٍ، وإِذا وُضِعَتْ فِيها أَجْرامٌ ثَقيلَةٌ تَسْتَقِرُّ، فَكَذَا الأَرْضُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْها هَذِهِ الجِبالُ لاضطَّرَبَتْ، فالجِبَالُ بالنِسْبَةِ إِلَيْها كالأَجْرامِ الثَّقيلةِ المَوْضُوعَةِ في السَّفِينَةِ بالنِّسْبَةِ إِلَيْها.
وعَلى مَذْهَبِ الحُكَماءِ القائلينَ بِأَنَّ حَرَكَةَ الأَجْسَامِ أَوْ سُكونَها عائدٌ لِطَبَائِعِها، فَإِنَّ الأَرْضَ أَثْقَلُ مِنَ الماءِ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَغُوصَ فِيهِ، لا أَنْ تَطْفُوَ على سَطْحِهِ، أَوْ تَرْسُوَ بالجِبالِ، وَهَذا بِخِلافِ السَّفِينَةِ فإِنَّها مُتَّخَذَةٌ مِنَ الخَشَبِ، وبَيْنَ أَجْزائِهِ هَواءٌ يَمْنَعُهُ مِنَ السُّكونِ، ويُفْضِي بِهِ إِلَى المَيدِ لَولا الثِّقَلُ.
وعَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الحَقِّ القائلينَ بِأَنَّهُ لَيْسَ للأَجْسَامِ طَبائعُ تَقْتَضِي السُّكُونَ أَوِ الحَرَكَةَ، فَمَا سَكَنَ سَاكِنٌ، ولا تَحَرَّكَ مُتَحَرِّكٌ، فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ، إِلَّا بِمَحْضِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ. وإِنَّما يُعْقَلُ أَنَّ إِرْساءَ الأَرْضِ بالجِبالِ لِئَلَّا تَميد، وتَبْقَى واقِفَةً عَلَى وَجْهِ المَاءِ، إِذا كانَ الماءُ الذي اسْتَقَرَّتْ عَلَى وَجْهِهِ سَاكِنًا، وحِينَئِذٍ يُقالُ: إِنْ قِيلَ إِنَّ سَبَبَ سُكُونِ شيْءٍ فِي حَيِّزِهِ المَخْصوصِ، هو طَبيعَتُهُ المَخْصوصَةُ. فَلِمَ لا يُقالُ في سُكونُ الأَرْضِ في هَذَا الحَيِّزِ أَّنَّهُ بِسَبَبِ طَبيعَتِها المَخْصوصَةِ أَيْضًا؟ وإِنْ قُلْنا: إِنَّهُ بِمَحْضِ قُدْرَتِهِ ـ سُبْحانَهُ، فَلِمَ لَمْ يُقَلْ: إِنَّ سُكونَ الأَرْضِ أَيضًا كَذَلِكَ؟ فلا يُعْقَلُ الإرْساءُ بالجِبَالِ عَلِى التَقْديريْنِ. ويَجُوزُ أَنْ تَميدَ الأَرْضُ بِكُلِّيَّتِها وَلا تَظْهَرُ حَرَكَتُها، ولا يَشْعُرُ بِها أَهْلُها، وَيَكونُ ذَلِكَ نَظيرَ حَرَكَةِ السَّفينَةِ مِنْ غَيْرِ شُعُورِ راكِبِها بِهَا، ولا يَأْتي ذَلِكَ الشُّعورَ بِحَرَكَتْها عِنْدَ احْتِقانِ البُخَارِيِّ فِيها لأَنَّ ذَلِكَ يَكونُ في قُطعَةٍ صَغيرَةٍ مِنْها، وهوَ يَجْري مَجْرَى الاخْتِلاجِ الذي يَحْصُلُ في عُضْوٍ مُعَيَّنٍ مِنَ البَدَنِ، وَالرأْيُ فِي هَذَا المَوْضِوعِ المُشْكِلِ أَنْ يُقالَ: ثَبَتَ بالأَدِلَّةِ اليَقينِيَّةِ أَنَّ الأَرْضَ كُرَةٌ، وَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الجِبَالَ عَلى سَطْحِ الكُرَةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى تجاعيدَ تَحْصُلُ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الكُرَةِ، وحِينَئِذٍ نَقُولُ: لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذِهِ التَجاعِيدَ مَا كانَتْ موجودةً، بَلْ كانَتِ الأَرْضُ مَلْسَاءَ خَالِيَةً عَنْها، لَصَارَتْ بِحَيْثُ تَتَحَرَّكُ عَلَى الاسْتِدارَةِ كالأَفْلاكِ لِبَسَاطَتِهَا، أَوْ تَتَحَرَّكُ بِأَدْنَى سَبَبٍ للتَحْريكِ، فَلَمَّا خُلِقَتْ هَذِهِ الجِبَالُ، وكانَتْ كالتَجاعيدِ عَلَى وَجْهِها، تَفَاوَتَتْ جَوَانِبُها، وتَوَجَّهَتْ الجبالُ بِثِقْلِهَا نَحْوَ المَرْكَزِ، فَصَارَتْ كَالأَوْتَادِ لِمَنْعِهَا إِيَّاها عَنِ الحَركَةِ المُسْتَديرَةِ؛ واعْتُرِضَ عَلَى ذلكَ بِأَنَّهُ لا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ لأَنَّ ذاتَ شَيْءٍ لا تَقْتَضي تَحَرُّكَهُ، وإِنَّما يَحْدُثُ ذَلِكَ كلُّهُ بِإرادَةِ اللهِ تَعَالى، ولمْ يَقُلِ الحُكَماءُ والفَلاسِفَةُ: إِنَّ حَقَّ الأَرْضِ أَنْ تَتَحَرَكَ بِالاسْتِدارَةِ لأَنَّ في الأَرْضِ مَيْلًا مُسْتَقِيمًا، ومَا هوَ كَذَلِكَ لا يَكونُ فِيهِ مَبْدَأُ مَيْلٍ مُسْتَديرٍ عَلَى مَا ذَكَروا في الطَّبِيعي.
وقَدْ ثَبَتَ فِي الهَنْدَسَةِ أَنَّ نِسْبَةَ أَعْظَمِ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ إِلى قُطْرِها هيَ نِسْبَةٌ ضَئِيلَةٌ جِدًّا لا تَكَادُ تُذكَرُ، وَلا رَيْبَ فِي أَنَّ ذَلِكَ القَدْرَ لا يُخْرِجُها عَنِ الاسْتِدارَةِ بِحَيْثُ يَمْنَعُها عَنِ الحَرَكَةِ، فالصَّحيحُ أَنْ يُقالَ خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الأَرْضَ مُضطَّرِبَةً لِحِكْمَةٍ لا يَعْلَمُها إِلَّا هوَ، ثمَّ أَرْساها بالجِبالِ، وذلكَ عَلى جَرَيانِ عادِتِهِ في جَعْلِ الأَشْياءِ مَنُوطةً بِالأَسْبَابِ، والقَوْلُ بِأَنَّ الأَرْضَ كُرَةٌ حَقيقَيَّةٌ بِسِيطَةٌ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِها عُنْصُرًا، فهي مِنْ تِلْكَ الحَيْثيَّةِ إِمَّا ذاتُ مَيْلٍ مُسْتَديرٍ كالأَفْلاكِ، فَيَكونُ حَقُّها حِينَئِذٍ أَنْ تَتَحَرَّكَ مِثْلَها عَلَى الاسْتِدالَةِ، وَإِمَّا ذَاتُ مَيْلٍ مُسْتَقِيمٍ، فَيَكونُ حَقَّها السُّكونُ، لَكِنَّها تَتَحَرَّكُ بِأَدْنَى سَبَبٍ، أَمَّا السُّكونُ فَلأَنَّ الجِسْمَ الحاصِلَ في الحَيَّزِ الطَبيعِيِّ لا يَتَحَرَّكُ حَرَكَةً طَبيعِيَّةً آنِيَّةً، لاسْتِلْزامِها الخُرُوجَ عَنِ الحَيِّزِ الطَبِيعِيِّ، وَلا يُتَصَوَّرُ مِنَ الأَرْضِ الحَرَكَةُ الإِرادِيَّةُ، لِكَوْنِها عَدِيمَةَ الشُّعُورِ، وأَمَّا التَحَرُّكُ بِأَدْنَى سَبَبٍ فَيَحْكُمُ بِهِ ضَرُورَةً كُلُّ مَنْ لَهُ تَخَيُّلٌ صَحيحٌ، واسْتُوضِحَ ذَلِكَ مِنْ كُرَةٍ حَقيقِيَّةٍ عَلَى سَطْحٍ حَقيقِيٍّ، لا تَمَسُّهُ إِلَّا بِنُقْطَةِ، فَإنَّها بِأَدْنَى شَيْءٍ ـ وَلَوْ بنَفْخَةٍ، تَتَدَحْرَجُ عَنْ مَكَانِهَا.
قولُهُ: {وَأَنْهَارًا} عَطْفٌ عَلَى "رَوَاسِيَ"، والعامِلُ فِيهِ "أَلْقَى" إِلَّا أَنَّ تَسَلُّطَهُ عَلَيْهِ باعْتِبارِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الجَعْلِ والخَلْقِ، أَوْ تَضْمِينُهُ إِيَّاهُ، وَعَلى التَقْديرَيْنِ لا إِضْمَارَ، وهوَ الذي اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكونَ مَفْعُولًا بِهِ لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أَيْ: وَ "جَعَلَ" أَوْ "خَلَقَ" أَنْهَارًا، ونَظِيرُ هَذَا قَوْلُ ذِي  الرُّمَّةِ:
لمَّا حَطَطْتُ الرَّحْلَ عَنْها وَارِدا .................. عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدا
ففيهِ إِضْمارُ فعلٍ تقديرُهُ "وسَقيتُها" ماءً باردًا.
وَقَدْ قَدَّرَ أَبُو البَقَاءِ العُكْبُريُّ في الآيةِ الفعلَ "وَشَقَّ أنْهارًا" فيكونُ العَطْفُ حِينَئِذٍ مِنْ عَطْفِ الجُمَلِ، وكأَنَّهُ لَمَّا كانَ أَغْلَبُ مَنَابِعِ الأَنْهَارِ مِنَ الجِبَالِ ذَكَرَ الأَنْهَارَ بَعْدَمَا ذَكَرَ الجِبَالَ، وَكَرَّرَ الِامْتِنَانَ بِتَفْجِيرِهِ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ لِخَلْقِهِ في كِتَابِهِ العَزيزِ فَقَالَ فِي سُورَةِ إبراهيمَ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} الْآيَتَانِ: (32 و 33)، وَقَالَ في سورةِ يس: {وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} الْآيَتان: (34 و 35)، وَقَالَ في سورةِ الواقعةِ: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} الآيات: (68 ـ 70)، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَنِعْمَةُ الْأَنْهَارِ عَظِيمَةٌ، فَإِنَّ مِنْهَا شَرَابَهُمْ وَسَقْيَ حَرْثِهِمْ، وَفِيهَا تَجْرِي سُفُنُهُمْ لِأَسْفَارِهِمْ.
قولُهُ: {وَسُبُلًا} أَيْ: وَجَعْلُهُ فِي الْأَرْضِ سُبُلًا يَسْلُكُهَا النَّاسُ، وَيَسِيرُونَ فِيهَا مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ فِي طَلَبِ حَاجَاتِهِمُ الْمَذْكُورِ هُنَا فِي قَوْلِهِ: وَسُبُلًا، وَهُوَ جَمْعُ سَبِيلٍ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ. وَكَرَّرَ الِامْتِنَانَ بِذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ طه: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} الآيتان: 52، 53. وَكقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ الأَنْبياءِ: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} الآية: 31، َكقولِهِ من سورةِ الزُخْرُفِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الآية: 9 و 10، وَكقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ المُلْكِ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} الْآيَةَ: 15، وَكَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ نُوحٍ: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا} الآية: 19، و إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وهذا عَطْفٌ عَلى "أَنْهَارًا" أَيْ: وَجَعَلَ طُرُقًا لِمَقاصِدِكم. وَ "سُبُلًا" جَمْعُ سَبِيلٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي يُسَافَرُ فِيهِ بَرًّا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وسُبُلًا"، قَالَ: السُبُلُ هِيَ الطُّرُقُ بَيْنَ الْجِبَالِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، والخَطيبُ فِي كِتابِ النُّجُومِ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَسُبُلًا" قَالَ: طُرُقًا.
قولُهُ: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لِكَيْ تَهْتَدُوا إِلَى مَقَاصِدِكُمْ فَلا تَضِلُّونَ. أَو: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ إِلَيْها، فالتَعْلِيلُ بالنَّظَرِ إِلى قَوْلِهِ تَعَالى: "وَسُبُلًا" كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، ويَجُوزُ أَنْ يَكونَ تَعْلِيلًا بِالنَّظَرِ إِلَى جَميعِ مَا تَقَدَّمَ، لأَنَّ تِلْكَ الآثارَ العِظامَ تَدُلُّ عَلَى بُطْلانِ التَرْكِ، وقِيلَ: تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ فاعِلٍ حَكيمٍ.  وَقِيلَ: "تَهْتَدُونَ"، أَيْ: بِالنَّظَرِ فِي دَلَالَةِ هَذِهِ الْمَصْنُوعَاتِ عَلَى صَانِعِهَا، فَهُوَ مِنَ الْهِدَايَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَدِينِ اللهِ. وَجُمْلَةُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ مُعْتَرِضَةٌ، أَيْ رَجَاءَ اهْتِدَائِكُمْ. وَهُوَ كَلَامٌ مُوَجَّهٌ يَصْلُحُ لِلِاهْتِدَاءِ إِلَى الْمَقَاصِدِ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ رَسْمِ الطُّرُقِ وَإِقَامَةِ الْمَرَاسِي عَلَى الْأَنْهَارِ وَاعْتِبَارِ الْمَسَافَاتِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ جَعْلِ اللهِ تَعَالَى لِأَنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ بِإِلْهَامِهِ. وَيَصْلُحُ لِلِاهْتِدَاءِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَهُوَ دِينُ التَّوْحِيدِ، لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْأَشْيَاءِ دَلَالَةً عَلَى الْخَالِقِ الْمُتَوَحِّدِ بِالْخَلْقِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَسْبَابِ، وَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى سُكُونِهَا دُونَ الْجِبَالِ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} الوَاوُ: حرفُ عطْفٍ، و "أَلْقَى" فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقَدَّرِ عَلَى الأَلِفِ للتعذُّرِ، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى "الله" تعالى. و "فِي" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بـ "أَلْقَى". و "الْأَرْضِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "رَوَاسِيَ" صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مَحْذوفٍ والتقديرُ: جبالًا رَواسِيَ، وَلَمْ يُنَوَّنْ لأَنَّهُ اسْمٌ مَمْنُوعٌ من الصَرْفِ، فَهُو عَلَى زِنَةِ مَفَاعِلَ. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذهِ مَعْطوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ "سَخَّرَ"، أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لَهَا مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أَنْ: حَرْفُ نَصْبٍ مَصْدَرِيٌّ. و "تَمِيدَ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ"، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ جوازًا تقديرُهُ (هي) يَعُودُ عَلَى "الْأَرْضِ". و "بِكُمْ" الباءُ: حلافُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "تَمِيدَ"، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ علامةُ الجمعِ المُذكَّرِ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ مَعَ "أَنْ" المُضْمَرَةِ فِي تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرُورٍ بِإِضافَةِ المَصْدَرِ المُقَدَّرِ الواقِعِ مَفْعولًا لأَجْلِهِ، وَالتَقْديرُ: وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ خَشْيَةَ مَيْدِهَا وَتَحَرُّكِها بِكُمْ.
قولُهُ: {وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "أَنْهَارًا" معطوفٌ على "رواسِيَ" منصوبٌ مثلهُ، وَ "وَسُبُلًا" مَعْطُوفٌ عَلَى "أَنْهارًا" منصوبٌ مثلهُ، ولكِنَّهُ عَلَى تَأْويلِ "أَلْقَى" بِمَعْنَى خَلَقَ.
قوْلُهُ: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لَعَلَّكُمْ: لَعَلَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ، والميمُ عَلامةُ جَمْعِ المُذَكَّرِ. و "تَهْتَدون" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النَّاصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رَفْعِهِ ثباتُ النونِ في آخِرِهِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، وجُمْلَةُ "تَهْتَدُونَ" في محلِّ الرفعِ خَبَرُ "لَعَلَّ"، وُجُمْلَةُ "لَعَلَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ مَا قَبْلَها لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة النحل، الآية: 15
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: