وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
(12)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أيْ: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِلسُّكُونِ فيهِ وراحةِ أَبْدانِكُمْ، وَسَخَّرَ لكمُ النَّهارَ لِتَنْشَطوا فيهِ وتُمارِسوا أَعْمَالِكم، كَمَا قَالَ في الآيةِ: 73، مِنْ سُورَةِ القَصَصِ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}. فهُمَا يَتَعَاقَبَانِ خِلْفةً لِمَنَامِكُمْ وَمَعَاشِكُمْ، وَسَخَّرَ لكمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِمَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ، وَنُضْجِ الزُّروعِ والثِّمَارِ التي فيها غذاؤكم لِنَمَاءِ أَجسادِكم، واسْتِمرارِ حياتِكمْ.
ومَعْنَى تَسْخِيرِ هَذِهِ المخلوقاتِ لبني آدمَ تَصْييرِهِا نافعةً لهُ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ مَصالِحُهم وتَسْتَدْعِيهِ حَاجَاتُهم، فهيَ تتعاقبُ مطيعَةً دائمًا طاعةَ العبْدِ لِسَيِّدِهِ لا يُخالِفُ ما يِأْمُرُهُ بِهِ، ولا يَخْرُجُ عَنْ إِرادَتِهِ أَبدًا، ولا يُهْمِلُ السَّعْيَ في نَفْعِهِ. والنَّاسُ في الأَفْعالِ مُخْتَلِفُونَ، فَمُوَفَّقٌ منهُ تَعَالَى وَمَخْذولٌ، فَالمُوَفَّقُ يَجْرِي وَقتُهُ في طاعَةِ رَبِّهِ، والمَخْذُولُ يَجْري في طاعَةِ نفسِهِ وهَواهُ.
قولُهُ: {وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ} والنُّجومُ أَيْضًا هي الأُخْرَى مُسخَّرةٌ لِبَني آدَمَ لِيَهْتَدوا بِها في ظُلُماتِ الليلِ، كَمَا قالَ بَعْدَ ذَلِكَ في الآيَةِ: 16، مِنْ هَذِهِ السُورةِ المُبَارَكَةِ: {وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. وكما قالَ في سُورَةِ المُلكِ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} الآية: 5.
قولُهُ: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أَيْ: إِنَّ فِي ذَلِكَ التَسْخِيرِ ومَا بَعْدَهُ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُعْمِلُونَ عُقُولِهم في هَذِهِ الآياتِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصانِعِ، وتَفَرُّدِهِ، وعدمِ وُجودِ شَريكٍ لَهُ، وَخَتَمَ الفَاصِلَةَ الثانيَةِ بِالعَقْلِ لأَنَّ الآثارَ العُلْوِيَّةَ أَظْهَرُ دَلالَةً عَلَى القُدْرَةِ الباهِرَةِ وَأَبْيَنُ شَهَادَةً للكِبْرِياءِ والعَظَمَةِ، وَجَمَعَ الآياتِ لِيُطابِقَ "مُسَخَّراتٍ"، وقِيلَ بِأَنَّ وَجْهَ الجَمْعِ هُوَ إِنَّ كُلًّا مِنْ تَسْخِيرِ اللَّيْلِ والنَّهارِ وَالشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجومِ آيَةٌ في نَفْسِها، بِخِلافِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الإِنْبَاتِ، فإِنَّهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَخْلُو كُلُّ هَذَا عَنْ تَكَلُّفٍ، والأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ هَذِهِ المَوَاضِعِ الَّتِي أَفْرَدَ الآيَةَ فِي بَعْضِهَا وجَمَعَها في بَعْضِهَا، كُلُّ واحِدٍ مِنْهَا يَصْلُحُ للجَمْعِ باعْتِبارٍ، وللإفْرادِ باعْتِبارٍ، فَلَمْ يُجْرِهَا عَلَى طَريقَةٍ وَاحِدَةٍ تَفَنُّنًا في التعبيرِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِ الأَمْرَيْنِ، وحُسْنِ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا.
وقدْ ثَبَتَ أَنَّ مُحَرِّكَ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ هُوَ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ الْقَادِرُ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كَوْنِهِ جِسْمًا وَجُسْمَانِيًّا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَالِقُ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ وَمُدَبِّرُهَا هُوَ اللهَ تَعَالَى. وَقَدْ ذَكَرَ ـ سُبْحانَهُ وتعالى، فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ سَخَّرَ لِخَلْقِهِ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ عِظَامٍ، فِيهَا مِنْ عَظِيمِ نِعْمَتِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ، ولا يَقْدِرُ قَدْرَهُ سِواهُ، وَفِيهَا الدَّلَالَاتُ الْوَاضِحَاتُ لِأَهْلِ الْعُقُولِ: عَلَى أَنَّهُ ـ سبحانَهُ، الْوَاحِدُ الْمُسْتَحِقُّ لِأَنْ يُعْبَدُ وَحْدَهُ. وَهَذِهِ الأَشْيَاءُ الْخَمْسَةُ هِيَ: اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَالنُّجُومُ.
وَقد كَرَّرَ تعالى ذِكْرَ إِنْعَامِهِ فِي الْقُرْآنِ الكريمِ بِتَسْخِيرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الأَدِلَّةِ وَحْدَانِيَّتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ، وهذا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الأَعْرافِ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الآية: 54، وَإِغْشَاؤُهُ اللَّيْلَ النَّهَارَ: هُوَ تَسْخِيرُهُمَا، وَكَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ إبراهيم ـ عَليْهِ السَّلامُ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} الْآيَةَ: 33، وَكقَوْلِهِ مِنْ سُورةِ يس: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}. الآيتان: (37 ـ 39)، وَكقَوْلِهِ الْآيَةَ: 5، مِنْ سورةِ المُلكِ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ}.
قولُهُ تَعَالَى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} الوَاوُ: للعطفِ، و "سَخَّرَ" فعلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهِرِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعُودُ عَلَى {اللهِ} تعالى، والجُمْلَةُ معطوفةٌ على جُمْلَةِ قَوْلِهِ مِنَ الآيةِ: 10، السَّابِقَةِ {أَنْزَلَ} أَوْ على جملة {يُنْبِتُ} مِنَ الآيةِ: 11، على كونِها مُستَأْنفةً لا محلَّ لها مِنَ الإعْرابِ. و "لَكُمُ" مُتَعَلِّقُ بـ "سخَّرَ"، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ في مَحَلِّ الجَرَّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "اللَّيْلَ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ، و "وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ" مَعْطوفاتٌ عَلَى "اللَّيْلَ".
قولُهُ: {وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ} الواوُ: حرفُ عطفٍ، "النُّجُومُ" مرفوعٌ بالابتداءِ عَلَى قِراءَةِ الرَّفْعِ، و "مُسَخَّرَاتٌ"، خَبَرُهُ مرفوعٌ، وعَلى قِراءَةِ النَّصْبِ "النجومَ" مَعْطوفٌ عَلَى "اللَّيْلَ" أَيْضًا، و "مُسَخَّرَاتٍ" منصوبٌ على الحالِ مِنَ الجَميعِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الكَسْرُ نِيابَةً عَنِ الفتحِ لأَنَّهُ جمعُ المُؤَنَّسِ السَّالِمُ، وهو حالٌ مُؤَكِّدَةٌ؛ لأَنَّ تَسْخِيرَهَا قَدْ عُرِفَ منذُ أَوَّلِ الآيةِ بِقَوْلِهِ: "وَسَخَّرَ"، فجَاءَتِ الحالُ هَذِهِ مُؤَكِّدَةً، وَمَجِيءُ الحالِ مُؤَكِّدَةً كثيرٌ فِي التَنْزيلِ الحكيمِ وغَيْرِهِ؛ فقد قالَ تعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} الآيةَ: 91. ومنهُ في الشِّعْرِ قَوْلُ الشاعِرِ الجاهِلِيِّ بِشْرِ بْنِ أَبي خَازِمٍ الأَسَدِيِّ:
كَفَى بالنَأْيِ مِنْ أَسْمَاءَ كافِ ............. وَلَيْسَ لِحِبِّها مَا عِشْتُ شَافِ
ومِنْهُ أيضًا قوْلُ الشاعِرِ المُخَضْرَمِ سَالِمِ بْنِ دَارَةَ وهوَ:
أَنَا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفًا بِهَا نَسَبي ............. وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنْ عَارِ
و "بِأَمْرِهِ" الباءُ حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "مُسَخَّرَاتٌ"، و "أَمْرِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ التي قبلَها، فلا محلَّ لها منَ الإعرابِ مثلها.
قولُهُ: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إِنَّ: حَرْفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشبَّهٌ بالفِعْلِ، و "فِي" حرفُ جرٍّ متعلقٌ بِخَبَرِ "إنَّ" المُقَدَّمِ عَلَى اسْمِهِا، و "لَآيَاتٍ" اللامُ المزحلقةُ للتوكيدِ، و "آياتٍ" اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ، منصوبٌ بها، وعلامَةُ نصبِهِ الكسرُ نيابةً على الفتحِ لأنَّهُ جمعُ المذكَّر السالمُ، و "لِقَوْمٍ" اللامُ حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "آيَاتٍ"، و "قومٍ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "يَعْقِلُونَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفْعَالِ الخَمْسَةِ، والواوُ، وواوُ الجَماعةِ، ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، وهذِهِ الجُمْلَةُ صِفَةٌ لِـ "قَوْمٍ" في محلِّ الجرِّ.
قرَأَ العامَّةُ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ والشمسَ والقمرَ والنُّجومَ مُسَخَّرَاتٍ} بالنَّصْبِ في هَذِهِ المَنْسُوقاتِ كُلِّها، وهُوَ الوَجْهُ لاسْتِقَامَتِها في المَعْنَى، وإِذَا اسْتَقَامَتْ فِي مَعْنًى وَاحْدٍ اسْتَقَامَتْ في إِعْرابٍ واحِدٍ، وقد جاءَ التَسْخيرُ في الشَّمْسِ والقَمَرِ والنُّجومِ، أَيْضًا في قَوْلِهِ تعالى منْ سورةِ إبراهيمَ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} الآية: 33، وفي قولِهِ منْ سورةِ الأَنْعامِ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ} الآيةَ: 97، فكَما حُمِلَتْ عَلَى التَسْخِيرِ في هاتَيْنِ كَذَلِكَ وَجَبَ الحَمْلُ عَلَى التَسْخِيرِ هنا في هذهِ السُّورَةِ.
وقرَأَ ابْنُ عَامِرٍ "وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ" رَفْعًا؛ كَأَنَّهُ قَطَعَهَا عَنْ سَخَّرَ لِئَلَّا يَجْعَلَ الحَالَ مُؤكِّدَةً، فابْتَدَأَ: "الشَمْسَ والقَمَرَ والنُّجومَ، وجَعَلَ مُسَخَّراتٍ خَبَرًا عَنْها؛ لأَنَّهُ لا يُقالُ: ذَلَلْتُ هَذَا الشَّيْءَ مُذَلَّلًا، وَوَهَبْتُ لَكَ هَذَا مَوْهُوبًا، إِلِّا فِي التَأْكيدِ النَّادِرِ، وَرَوَى حَفْصٍ عَنْ عاصِمٍ: "مُسَخَّرَاتٌ" بالرَّفْعِ وَحْدَهَا؛ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهَا حَالًا مُؤَكِّدَةً، وَجَعَلَها خَبَرَ مَبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ؛ كَأَنَّهُ قالَ بَعْدُ: هِيَ مُسَخَّراتٌ، فحَذَفَ المُبْتَدَأَ وأَضْمَرَ لِدَلالَةِ الخَبَرِ عَلَيْهِ، وقَدْ عُلِمَ التَسْخيرُ بِمَا تَقَدَّمَ، وكَوْنُ "مُسَخَّرَاتٍ" حَالًا مُؤَكِّدَةً أَسْوَغُ مِنْ كَوْنِهَا خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ؛ لأَنَّ الخبَرَ يَنْبَغي أَنْ يَكونَ مُفِيدًا، لَمْ يَجِئْ إِلَّا كَذَلِكَ، والحَالُ تَجِيءُ مُؤَكِدَةً؛ أَلَا تَرَى إِلَى قَوِلِ الشاعرِ المُخَضْرَمِ عَمْرِو بْنِ شَأْسٍ:
بَنِي أَسَدٍ هَلْ تَعْلَمُونَ بَلاءَنَا ............. إِذا كَان يومٌ ذُو كَواكِبَ أَشْنَعَا
فحَمَلَهُ عَلَى الحَالِ، وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الخَبَرِ، قالَ أَبو عَلِيٍّ الفارسِيُّ: فَجَعَلَ "سِيبَوَيِهِ" (أَشْنَعا) حالًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ خَبَرًا؛ لأَنَّ فِيما تَقَدَّمَ مِنْ صِفَةِ الاسْمِ مَا يَدُلُّ عَلَي الخَبَرِ، فَيَصِيرُ الخَبَرُ لا يُفِيدُ زَيادَةَ مَعْنى. "الحُجَّةُ للقُرَّاءِ": (1/148).