روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 99

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 99 Jb12915568671



الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 99 Empty
مُساهمةموضوع: الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 99   الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 99 I_icon_minitimeالإثنين مايو 14, 2018 8:38 am

الموسوعة القرآنية، فيض العليم، سورة الحجر، الآية: 99


وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)


قولُهُ ـ تبارَكتْ أَسْماؤُهُ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ} أَمَرَ اللهُ تَعَالى عَبْدَهُ ورَسُولَهُ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِعِبَادَتِهِ، إِذْ قَصَّرَ عِبَادُهُ فِي خِدْمَتِهِ، وَذَلِكَ واجِبٌ عَلَيْهِ، ومِنَّةٌ مِنْ مولاهُ عَليْهِ، أَنْ يُوَحِّدَهُ، ويَقومَ بِأَمْرِهِ، ويَشْرُفَ بِطاعَتِهِ، ويَقِفَ عنْدَ حُدودِهِ، وَيَمْثُلَ بيْنَ يَدَيْهِ مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ إِليْهِ، عَلَى وَجْهِ الْخُضُوعِ والتَذَلُّلِ وَالْمَحَبَّةِ لِرَبِّه ـ جَلَّ وَعَلَا. وَإِنَّما يَكونُ التَقَرُّبَ إِلَيهِ ـ سُبحانَهُ، بِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ التي فَرَضَها عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ الذي بيَّنَهُ الشارِعُ الحَكيمُ في قُرْآنُهِ العَظِيمِ. وهَذِهِ الطاعاتُ كُلُّها، والعِباداتُ جميعُها لَا نَفْعَ لَهَا إِلَّا مَعَ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ للهِ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَخَلْعِ جَمِيعِ الْمَعْبُودَاتِ سِوَى اللهِ تَعَالَى فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، فقد قَالَ ـ جلَّ وعَزَّ، في الآيَةِ: 256، منْ سُورَةِ البَقَرَةِ: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، وَقَالَ في سُورَةِ النِّساء: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} الآيَةَ: 36، وَقَالَ في سُورَةِ هُود: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون} الآيةِ: 123، وقالَ في سورةِ الكهفِ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الآيةَ: 110، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ وهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
قولُهُ: {حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُهُمْ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جميعًا، الْيَقِينُ: الْمَوْتُ. وَالدَّلِيلُ عَليْهِ، حَدِيثُ أُمِّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيَّةِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَكَانَتْ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَّا عُثْمَانُ ـ يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُوُ لَهُ الْخَيْرَ، وَاللهِ مَا أَدْرِي ـ وَأَنَا رَسُولُ اللهِ، مَا يُفْعَلُ بِهِ)). فَقد أَخْرَجَ البُخَارِيُّ، وَابْنُ جَريرٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ، وَقدْ مَاتَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتي عَلَيْكَ، لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ. فَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا يُدْريكِ أَنَّ اللهَ أَكْرَمَهُ، أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ)). وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَن مُجَاهِدٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: "حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين" قَالَ: الْمَوْتُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، عَن سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِي الله عَنهُم: "واعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" قَالَ: الْمَوْتُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ، عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" قَالَ: الْمَوْتْ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ"، قَالَ: الْمَوْتُ، إِذا جَاءَهُ الْمَوْتُ جَاءَهُ تَصْدِيقُ مَا قَالَ اللهُ لَهُ، وَحَدَّثَهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ، يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ يَقِينًا أَشْبَهَ بِالشَّكِّ، مِنْ يَقِينِ النَّاسِ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ لَا يَسْتَعِدُّونَ لَهُ. يَعْنِي كَأَنَّهُمْ فِيهِ شَاكُّونَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْيَقِينَ هُنَا الْحَقُّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، مِنْ نَصْرِكَ عَلَى أعدائك، قالَ ابْنُ شَجَرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
أَخْرَجَ سَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ في سُنَنِهِ، والنَصُّ لَهُ، والنَّسَائِيُّ في سُننِهِ الكُبْرَى، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وأَبُو عُوانةَ في مُسْتَحْرجِهِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((خَيْرُ مَا عَاشَ النَّاسُ لَهُ: رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً، أَوْ فَزْعَةً، طَارَ عَلَى مَتْنِ فَرَسِهِ، فَالْتَمَسَ الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ فِي مَظَانِّهِ، أَوْ رَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ، أَوْ فِي بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْدِيَةِ، فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، يُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ اللهَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ)). سُنَنُ سَعيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: (2/201). وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ في مُسْتدرَكِهِ على الصَّحِيحَيْنِ، وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ طَلَبَ مَا عِنْدَ اللهِ كَانَتِ السَّمَاءُ ظِلَالَهُ، وَالْأَرْضُ فِرَاشَهُ، لَمْ يَهْتَمَّ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، فَهُوَ لَا يَزْرَعُ الزَّرْعَ وَهُوَ يَأْكُلُ الْخُبْزَ، وَهُوَ لَا يَغْرِسُ الشَّجَرَ وَيَأْكُلُ الثِّمَارَ تَوَكُّلًا عَلَى اللهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِمَرْضَاتِهِ، فَضَمَّنَ اللهُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ رِزْقَهُ، فَهُمْ يَتْعَبُونَ فِيهِ، وَيَأْتُونَ بِهِ حَلَالًا، وَيَسْتَوْفِي هُوَ رِزْقَهُ بِغَيْرِ حِسَابٍ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ)). المُسْتَدْرَكُ: (4/345، برقم: 7860). وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ: (1/6، برقم: 17)، وأَبو نُعَيْمٍ في الحلْيَةِ: (1/136)، وابْنُ عَسَاكِرَ: (33/182). عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: لَيْسَ لِلْمُؤمنِ رَاحَةٌ دُونَ لِقَاءِ اللهِ، وَمَنْ كَانَتْ رَاحَتُهُ فِي لِقَاءِ اللهِ فَكَانَ قَدْ كُفِيَ. وأَخرجَهُ أَيضًا الخَطِيبُ في المُتَّفِقِ والمُفْتَرِقِ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} وَهُوَ: الْمَوْتُ. الآيات: (43 ـ 47) مِنْ سورةِ المُدَّثِر. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ (امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ): أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَدْ مَاتَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلَاءِ: رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَكْرَمَهُ))؟. فَقَالَتْ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللهُ؟. فَقَالَ: ((أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ)). الْحَدِيثَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ الْمَوْتُ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ انْكِشَافُ الْحَقِيقَةِ، وَتَيَقُّنُ الْوَاقِعِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ ظَهَرَتْ لَهُ الْحَقِيقَةُ يَقِينًا. وَلَقَدْ أَجَادَ التُّهَامِيُّ فِي قَوْلِهِ:
وَالْعَيْشُ نَوْمٌ وَالْمَنِيَّةُ يَقَظَةٌ ................. وَالْمَرْءُ بَيْنَهُمَا خَيَالٌ سَارِي
وقد جاءَ قَوْلُهُ: "حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" بَعْدَ قَوْلُهُ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ" ـ وإِنْ كانَ كَافِيًا فِي الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ، لإفَادَةَ أَنَّ عَلَيْهِ أَلَّا يُفَارِقَ هَذَا حَتَّى يَمُوتَ فلَوْ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ" مُطْلَقًا ثُمَّ عَبَدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَكَانَ مُطِيعًا لَهُ منفِّذًا لأَمْرِهِ، ثمَّ إِنَّ قَولَهُ "حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" أَبلغُ مِنْ قُولِهِ أَبَدًا، لَوْ قيلَ ذَلِكَ، لِأَنَّ لَفْظَ (أَبَدًا) يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ لِلَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِجَمِيعِ الْأَبَدِ. وَالْمُرَادُ اسْتِمْرَارُهُ في الْعِبَادَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، كَمَا قَالَ سيِّدُنَا عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ ـ عَلَيْهِمَا السَّلامُ: {وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} الآية: 31، منْ سُورةِ مَرْيَمَ. فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا، ثمَّ قَالَ: إِنَّما نَوَيْتُ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، لكَانَتْ عَلَيْهِ الرَّجْعَةُ، كما قالَ العُلَمَاءُ. وَلَوْ قَالَ: إِنَّما نويتُ أَنْ أُطَلِّقَهَا حَيَاتَهَا كلَّها لَمْ يكنْ لَهُ أَنْ يُرَاجِعْهَا البتَّةَ.
تَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَا دَامَ حَيًّا وَلَهُ عَقْلٌ ثَابِتٌ يُمَيِّزُ بِهِ، فَالْعِبَادَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَلْيُصَلِّ قَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ، وَهَكَذَا قَالَ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ عِيسَى ـ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} الآية: 31، مِنْ سورةِ مريم. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: "بَابُ إِذَا لَمْ يُطِقْ قَاعَدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ". وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ، صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ، عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: ((صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ)). وَنَحْوُ هَذَا مَعْلُومٌ؛ قَالَ تَعَالَى في سُورَةِ البَقَرَةِ: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} الآية: 286، وقال في سورةِ التغابُنِ: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} الآية: 16. وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَمَا أَمَرْتُكُمْ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)). أَخْرَجَهُ الحَمِيدِيُّ: (1125)، والإمامُ أحمدُ في المُسْنَدِ: (2/258(7492)، مِنْ حَديثِ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. والنَصُّ لهُ، والبُخاريُّ في الصحيحِ: (7288)، ومَسْلِمٌ في صحيحِهِ برقم: (6187)، وأَبو يَعْلَى: (6305)، وأخرجَهُ ابنُ ماجهْ، وابنُ حِبَّانَ، وابْنُ المُنْذِرِ وغيرُهم.
وقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ، بأَنَّ مَعْنَى الْيَقِينِ الْمَعْرِفَةَ بِاللهِ ـ جَلَّ وَعَلَا، وَأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَصَلَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِاللهِ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْيَقِينِ، تَسْقُطُ عَنْهُ التَّكَالِيفُ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَقِينَ هُوَ غَايَةُ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ. وتَفْسِيرُ الْآيَةِ بِهَذَا زَنْدَقَةٌ وكُفْرٌ بِاللهِ تَعَالَى، وَخُرُوجٌ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ ـ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، هُمْ وَأَصْحَابُهُ، هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللهِ، وَأَعْرُفُهُمْ بِحُقُوقِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ التَّعْظِيمِ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّاسِ عِبَادَةً للهِ ـ جَلَّ وَعَلَا، وَأَشَدَّهُمْ خَوْفًا مِنْهُ وَطَمَعًا فِي رَحْمَتِهِ. وَقَدْ قَالَ ـ جَلَّ وَعَلَا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} الآية: 28.
وَقَالَ الإمامُ السُيوطيُّ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ فِي التَّارِيخِ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالدَّيْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ وَأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" الآيتانِ: 98 و 99. مِنْ هذه السورةِ المُباركةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَجْمَعَ الْمَالَ وَأَكُونَ مِنَ التَّاجِرِينَ، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ". وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالدَّيْلَمِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((مَا أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ تَاجِرًا، وَلَا أَجْمَعُ الْمَالَ مُتَكَاثِرًا، وَلَكِنْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنْ: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ".
قولُهُ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} الوَاوُ: للعَطْفِ، و "اعْبُدْ" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ عَلى السُّكونِ الظاهِرِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أنت) يَعُودُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، و "رَبَّكَ" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ، وهو مُضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ. والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ {سَبِّحْ} منَ الآيةِ التي قبلَها.
قولُهُ: "حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" حَتَّى: حرفُ جرٍّ وغايةٍ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "اعْبُدْ". و "يأْتيَكَ" فعلٌ مُضارِعٌ مَنْصُوبٌ بِـ "أَنْ" مُضْمَرَةٍ وجوبًا بَعْدَ حَتَّى. وكافُ الخِطابِ ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ. و "الْيَقِينُ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ. والجملة الفِعْلِيَّةُ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِـ "حَتَّى"، والتَقْديرُ: واعْبُدْ رَبَّكَ إِلى إِتْيانِ اليَقِينِ.
تَمَّتْ بِحَمْدِ اللهِ سُورَةُ الحِجْرِ بِتَاريخِ الأحَدِ: 27/شعبان/1439 من هجرةِ سيِّدِنا مُحمَّدٍ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، المُوافِقِ لـ: 13/5/2018 لِمِيلادِ السَّيِّدِ المَسِيحِ: عَلَيْهِما صَلَواتُ اللهِ وسلامُهُ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 99
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 93
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 94
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 95
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 80
» الموسوعة القرآنية فيض العليم من معاني الذكرِ الحكيم، سورة الحجر، الآية: 96

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: