الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
(96)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهًا آخَرَ} فِيهِ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنَّهُمْ مَا اقْتَصَرُوا عَلَى تَكْذيبِهِ والِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ والاسْتِهْزاءِ بِهِ، بَلْ لَقَدِ افْتَرَوْا عَلَى اللهِ تَعَالَى. ولِذَلِكَ فقدْ حَلَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى هَؤُلاَءِ، وَلسوفَ يحيقُ بهم عَذَابُهُ في الدنيا والآخِرَةِ، لأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَع اللهِ آلهةً أُخرى يَعْبُدونَهَا.
قولُهُ: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تهديدٌ للمُشْرِكِينَ باللهِ تَعَالى بِأَنَّهمْ سَوْفَ يُلاقونَ عَاقِبَةَ شِرْكِهِم بِهِ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، ونَتِيجَةَ تَكْذيبِهِمْ لِرَسُولِهِ، واسْتِهْزائهم، وعتوِّهِمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهم. وَقَدْ حُذِفَ مَفْعُولُ "يَعْلَمُونَ" لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ، أَيْ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ جَزَاءَ إِشْراكِهِمْ باللهِ تَعَالَى، وتكذيبِهِم لِرَسُولِهِ، ومُعَادَاتِهِمْ لِدِينِهِ. وفيهِ اسْتِيعابٌ لِكُلِّ الأَزْمِنَةِ، أَيْ: سَيَعْلَمُونَ الآنَ وبَعْدَهُ، وهو ما دلَّتْ عليْهِ كَلِمَةُ "سَوْفَ"، إِذْ لَمْ يَأْخُذْهُمُ اللهُ تعالى جَميعًا في مَرْحَلَةٍ واحِدَةٍ، بَلْ أَخَذَهُمْ عَلَى فَتَراتٍ.
قولُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهًا آخَرَ} الَّذِينَ: اسْمٌ مَوْصولٌ مبنيٌّ على الفتْحِ في محلِّ النَّصْبِ، صِفَةٌ لـ "المُسْتَهْزِئينَ" مِنَ الجُمْلةِ التي قَبْلَها. ويجوزُ أنْ يُعْرَبَ مبتدأً خبرهُ جملةُ "فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ" كما يَجُوزُ أَنْ يُعْرَبَ خبرًا لمُبْتَدَأٍ محذوفٍ. و "يَجْعَلُونَ" فَعْلٌ مُضارعٌ مَرْفُوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفْعَالِ الخَمْسَةِ، والواوُ وواوُ الجَماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ. و "مَعَ" منصوبٌ على الظرفيَّةِ الاعتباريَّةِ، مُضافٌ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "يَجْعَلُونَ"، ولَفْظُ الجَلالَةِ "اللهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليْهِ، وَهوَ فَي مَحَلِّ المَفْعُولِ الثاني لِـ "جَعَلَ". و "إِلَهًا" مَفْعُولٌ بِهِ أَوَّلُ منصوبٌ، و "آخَرَ" صِفَةٌ لَهُ منصوبةٌ مثلهُ، والجُمْلَةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوصُولِ "الذين" لا محلَّ لها مِنَ الإعْرَابِ.
قولُهُ: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} الفاءُ: اسْتِئْنَافِيَّةٌ. أَوْ رابِطةٌ للخبرِ بالمبتَدَأِ "الذينَ" لأَنَّهُ يتضمَّنُ معنى الشرطِ. و "سَوْفَ" حَرْفُ اسْتِقْبالٍ وتَنْفِيسٍ. و "يَعْلَمُونَ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مرفوعٌ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ النّاصِبِ والجازِمِ، وعَلامَةُ رَفْعِهِ ثَبَاتُ النُّونِ في آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأفْعَالِ الخَمْسَةِ، والواوُ، وواوُ الجَماعةِ، ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، والمَفْعُولُ بِهِ مَحْذوفٌ، تقديرُهُ: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقِبَةَ أَمْرِهم، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ "الَّذِينَ" مُبْتَدَأً، فتكونُ الجملةُ في محلِّ الرفعِ خَبَرًا لَهُ، وتكونُ الفاءُ حِينَئِذٍ رابطةً للخَبَرِ بِالمُبْتَدَأِ، لِمَا في المُبْتَدَأِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ.