وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ
(89)
قولُهُ ـ تَعالَى شأْنُهُ: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} أَمْرٌ مِنَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ـ عليْهِ صلاةُ اللهِ وَسلامُهُ، أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّهُ نَذِيرٌ لَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، قَدْ يَحِلُّ بِهِمْ، كَمَا حَلَّ بِمَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الأُمَمِ الغابرَةِ التِي كَذَّبَتْ رَسُلَهَا، فَأَخَذَهَم اللهُ بذنوبِهِمْ، ومَا عَلَيْهِ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، إِلَّا إِنْذَارُهُمْ. وَقَدْ ذُكِرَتِ النِّذارَةُ دُونَ الْبِشَارَة ـ وإنْ كانَتْ أَيْضًا مِنْ رِسالَتِهِ، لِأَنَّها تُنَاسِبُ ذِكَرَ الْمُكَذِّبِينَ الذينَ تحدَّثتْ عنهُمُ الآياتُ السابقةُ، (80 وما بعدَها)، إِذِ النِّذَارَةُ هِيَ الْإِعْلَامُ بِحَدَثٍ فِيهِ ضُرٌّ، وهو هنا العقابُ على التَكْذِيبِ الذي قابلَ بهِ أهلُ الحِجْرَ دعوةَ نبيِّهِمْ ـ عليْهِ السَّلامُ، والمُنْذِرُ هُوَ المُظْهِرُ لِنُزُولِ العَذَابِ مِنَ اللهِ تَعَالَى وحُلُولِهِ بِهِمْ.
وَالنَّذِيرُ: بِوَزْنِ "فَعِيلٌ" بِمَعْنَى "مُفْعِلٍ" مِثْلُ "الْحَكِيمِ" بِمَعْنَى "الْمُحْكِمِ"، وَوَجِيعٌ، أَيْ "مُوجِعٌ". فالمَعْنَى: لَسْتُ كَمَا تَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ تَغِيظُونَنِي بِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ فَإِنِّي نَذِيرٌ مُبِينٌ وحَسْب. وفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، والتَقْديرُ: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ عَذَابًا، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ بِهِ، إِذِ الْإِنْذَارُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالى فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ: {أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ} الآية: 13.
قولُهُ تَعَالى: {وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} الواوُ: حَرْفُ عَطْفٍ، و "قُلْ" فِعْلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ مَعْطُوفٌ عَلَى قوْلِهِ {اخْفِضْ} مِنَ الآيةِ التي قَبْلَهاِ، وَفَاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (أَنْتَ) يَعُودُ عَلَى سيِّدِنا مُحَمَّدٍ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. و "إِنِّي" حَرْفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ للتَوْكِيدِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضَمِيرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ، اسْمُهُ، و "أَنَا" ضَميرُ فَصْلٍ، تَأْكِيدًا لياءِ المُتَكَلِّمِ، و "النَّذِيرُ" خَبَرُ "إنَّ" مرفوعٌ، و "الْمُبِينُ" صِفَةٌ لَهُ مرفوعةٌ مثلهُ، أَوْ أَنَّ "أَنَا" ضميرٌ منفصِلٌ مَبْنيٌّ عَلى السُّكونِ في محلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، و "النذِيرُ" خَبَرُهُ، و "المُبينُ" خبرٌ ثانٍ، والجملةُ الاسميَّةُ هذِهِ في محلِّ الرفعِ خبرُ "إِنَّ"، وَجُمْلَةُ "إنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قُلْ" عَلَى أَنَّها مَقُولُ قَوْلٍ لَهَا.