وَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ
(69)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ} ذَكَّرَهُمْ بِالْوَازِعِ الدِّينِيِّ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا فقال: "وَاتَّقُوا اللهَ" وذلكَ اسْتِقْصَاءً لِلدَّعْوَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا، وَبِالْوَازِعِ الْعُرْفِيِّ فَقَالَ: "وَلا تُخْزُونِ"، وهو كَمَا قَالَ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ:
عَمِيرَةُ وَدَّعَ إِنْ تَجَهَّزْتَ غَادِيًا ........ كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
وَالْخِزْيُ: الذُّلُّ وَالْمَهَانَةُ. وهو مِنَ الخِزْيِ، وَهُوَ الإِذْلالُ، وَالِاسْمُ مِنْهُ: الْخِزْيُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ. وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثابتٍ ـ رضيَ اللهُ عَنْهُ، فِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ:
فَأَخْزَاكَ رَبِّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ..... وَلَقَّاكَ قَبْلَ الْمَوْتِ إِحْدَى الصَّوَاعِقِ
أَوْ مِنَ الخِزَايَةِ، وهوَ الاسْتِحْيَاءُ، وَهِيَ الْخَجَلُ وَالِاسْتِحْيَاءُ مِنَ الْفَضِيحَةِ، أَيْ لَا تَفْعَلُوا بِضَيْفِي مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي خَجَلِي وَاسْتِحْيَائِي، وَالْفِعْلُ مِنْهُ: خَزِيَ يَخْزَى، كَرَضِيَ يَرْضَى، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيًّا تُطَارِدُهُ الْكِلَابُ فِي جَانِبِ حَبْلٍ مِنَ الرَّمْلِ:
حَتَّى إِذَا دَوَّمَتْ فِي الْأَرْضِ رَاجَعَهُ ..... كِبْرٌ وَلَوْ شَاءَ نَجَّى نَفْسَهُ الْهَرَبُ
خَزَايَةٌ أَدْرَكَتْهُ بَعْدَ جَوْلَتِهِ ......... مِنْ جَانِبِ الْحَبْلِ مَخْلُوطًا بِهَا الْغَضَبُ
يَعْنِي أَنَّ هَذَا الثَّوْرَ لَوْ شَاءَ نَجَا مِنَ الْكِلَابِ بِالْهَرَبِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْيَا وَأَنِفَ مِنَ الْهَرَبِ فَكَرَّ رَاجِعًا إِلَيْهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشاعرِ الفارسِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ الزَبِيديِّ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ:
أَجَاعِلَةٌ أُمَّ الثُّوَيْرِ خَزَايَةً عَلَى ................ فِرَارِي أَنْ لَقِيتُ بَنِي عَبْسِ
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ الحُسَيْنِ بْنِ مُطَيْرٍ:
مِنَ الْبِيضِ لَا تَخْزَى إِذَا الرِّيحُ أَلْقَعَتْ ... بِهَا مِرْطَهَا أَوْ زَايَلَ الْحَلَى جِيدُهَا
وَقَوْلُ مُويال بْنِ جَهْمٍ المِذْحَجِيِّ أو بِشْرِ بْنِ هُذَيْلٍ الفِزارِيِّ:
وَإِنِّي لَا أَخْزَى إِذَا قِيلَ مُمْلِقٌ ............. سَخِيٌّ وَأَخْزَى أَنْ يُقَالَ بَخِيلُ
قولُهُ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ} الواوُ: حرفُ عَطْفٍ، وَ "اتَّقُوا" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ عَلَى حَذْفِ النُّونِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ والوَاوُ واوُ الجَمَاعةِ، ضَميرٌ متَّصِلٌ بهِ، مَبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والألفُ للتفريقِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهَ" منصوبٌ على المفعوليَّةِ، والجُمْلَةُ في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ عَطْفًا عَلى جُملَةِ "إِنَّ". و "وَلَا" الواوُ للعطفِ، و "لا" ناهيةٌ جازِمَةٌ، و "تُخْزُونِ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَجزومٌ بِـ "لا" الناهيَةِ، وعلامةُ جَزْمِهِ حذفُ النُّونِ منْ آخِرِهِ، لأَنَّهُ مِنَ الأَفْعَالِ الخَمْسَةِ، والواوُ: واوُ الجَمَاعةِ، ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ، مَبنيٌّ على السُّكونِ، في محلِّ الرَّفْعِ بالفَاعِلِيَّةِ، والنُّونُ: هي نونُ الوِقايةِ، وياءُ المُتَكَلِّمِ المَحْذوفَةُ (بحسَبِ قِراءَةِ الجُمْهورِ) اجْتِزاءً عَنْها بِكَسْرَةِ النُّونِ، ضميرٌ متَّصلٌ بِه في محلِّ النصْبِ على المفعوليَّةِ، والجُملة الفِعْليَّةُ هذِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ عطْفًا على جملةِ "إِنَّ" عَلى كَوْنِها مَقولَ "قَالَ".