الموسوعة القرآنية فَيْضُ العَليمِ ... سورة الحِجر، الآية: 43
وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43)
قولُهُ ـ تَعَالَى جَدُّهُ: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} مَوْعِدُهُمْ: أَيْ: مَوْضِعُ اجْتِماعِهم، فَالْمَوْعِدُ مَكَانُ الْوَعْدِ. وَأُطْلِقَ هُنَا عَلَى الْمَصِيرِ إِلَى اللهِ، فاسْتُعِيرَ الْمَوْعِدُ لِمَكَانِ اللِّقَاءِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ بَيْنَ النَّاسِ لِلِقَاءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْوَعْدُ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ تَحَقُّقُ الْمَجِيءِ بِجَامِعِ الْحِرْصِ عَلَيْهِ شَأْنُ الْمَوَاعِيدِ. يَعْني أَنَّ نارَ جَهَنَّمَ هي مَوْعِدُ إِبْلِيسَ وَأَتْبَاعَهُ وأَشْيَاعَهُ جميعًا للخُلودِ فيها. وكَأَنَّهم حينَ أَخَذوا بِأَسبابِ اسْتِحْقاقِهم دُخُولَ جَهَنَّمَ، قَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى مَوْعِدٍ ومكانٍ يَلْتَقونَ فيِهِ، وهذا المكانُ هوَ نارُ اللهِ المُوقَدَةِ جَهَنَّمُ. فهمْ كما اجْتَمَعُوا اليَوْمَ في أَصْلِ الضَّلالَةِ، وهمْ مِلَلٌ مُخْتَلِفَةٌ، سَيَجْتَمِعونَ غَدًا في العُقوبَةِ أَيْضًا وَهُمْ زُمَرٌ مُخْتَلِفُونَ. وفي ذَلِكَ سُخْرِيَةٌ مِنْهم، وَتَهَكُّمٌ بِهمْ. وَقَدْ أَكَّدَ ـ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، دُخُولَهم جَهَنَّمَ بأَربعِ مؤكِّداتٍ هِيَ: "إنَّ"، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ، واللامُ المُزَحْلَقَةُ، والمُؤَكِدُ اللَّفْظِيُّ "أَجْمَعِينَ".
قولُهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} الواوُ: حرفُ عَطْفٍ، وَ "إِنَّ" حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفعلِ، لإفادَةِ التَوْكيدِ، و "جَهَنَّمَ" اسْمُها منصوبٌ بِها، وقد مُنِعَ مِنَ التَنْوينِ للعَلَمِيَّةِ والتَأْنيثِ، و "لَمَوْعِدُهُمْ" اللامُ: المزحلقةُ للتوكيدِ، (حَرْفُ ابْتِداءٍ)، و "مَوْعِدُهُمْ" خبرُ "إنَّ" مرفوعٌ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والميمُ علامةُ جمعِ المُذَكَّرِ. و "أَجْمَعِينَ" تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الغَائِبينَ، في محلِّ الجرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المذكَّرِ السالمُ، والنونُ عِوَضٌ عنِ التنوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. وقالَ أَبو البَقَاءِ العُكْبُرِيُّ: إِنَّهُ حالٌ مِنْهُ، والعاملُ فيهِ مَعْنَى الإِضافَةِ. وقد عَرَفْتَ خلافَ النَّاسِ في مَجِيءِ الحَالِ مِنَ المُضافِ إِلَيْهِ. ولا يَعْمَلُ فِيها المَوْعِدُ إِنْ أُريدَ بِهِ المَكَانُ، فإنْ أُريدَ بِهِ المَصْدَرُ جَازَ أَنْ يَعْمَلَ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَكِنْ لا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: مَكَانَ مَوْعِدِهِمْ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هوَ (تَأْكِيدٌ فِيهِ مَعْنَى الحالِ). وفِي قولِهِ هذا جُنُوحٌ لِمَنْ يَرَى اتِّحادَ الوَقْتِ. وجُمْلَةُ "إنَّ" الاسْميَّةِ هَذِهِ، مِنَ اسْمِها وخَبَرِها في مَحَلِّ النَّصْبِ عَطْوفًا عَلى جُمْلَةِ "إنَّ" الأُولى، عَلَى كَوْنِها فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مقولُ القولِ لِـ "قَالَ".