الموسوعة القرآنية فَيْضُ العَليمِ ... سورة الحِجر، الآية: 52
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وأَخْبِرِ عِبَادِي عَنْ ضَيْفِ إِبْراهيمَ: مِنَ المَلائكَةِ الذينَ دَخَلُوا عَلَى خَلِيلِ الرَّحْمَنِ إِبْراهيمَ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهِ وسَلامُهُ، حِينَ أَرْسَلَهم اللهُ تعالى إِلَى قَوْمِ لُوطٍ لِيُهْلِكُوهمْ، وإِلَى إِبْراهيمَ لِيُبَشِّروهُ بِوِلادَةِ غُلامٍ لهُ: "فَقَالُوا سَلامًا" أَيْ: فَقَالَ الضَّيْفُ لإبراهيم: سَلامًا، أَيْ نُسَلِّمُ سَلامًا، أَوْ سَلَّمْنا سلامًا، أَوْ سَلِمْتَ سَلامًا. وقد جَمَعَ الْخَبَرَ لِأَنَّ الضَّيْفَ اسْمٌ يَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ كَالْمَصْدَرِ كما تقدَّمَ في تَفْسِيرِ الآيَةِ التي قَبْلَها. و "دَخَلُوا عَلَيْهِ" تَدُلُّ هَذِهِ العبارةُ عَلى مَعْنَى المُفَاجَأَةِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ يَتَرَقَّبُهم، ولا ينتظِرُ زيارتَهم، فإنَّهم فاجَؤوهُ بزيارتِهمْ هَذِهِ، ولِذَلِكَ فَقَدْ طَمْأَنُوهُ فَبَادَروهُ بالتحيَّةِ، وردَّدوا عَلَيْهِ السَّلامَ.
قولُهُ: {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} إِنَّا: هَذَا الضَّميرُ مِنْ كَلَامِ إِبْرَاهِيمَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنَى بِهِ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ، لِأَنَّ الضَّيْفَ طَرَقُوا بَيْتَهُمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ طُرُوقِ الضَّيْفِ فَظَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ شَرًّا، فَلَمَّا سَلَّمُوا عَلَيْهِ قَالَ: "إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ" طَالِبًا مِنْهُمُ الْأَمْنَ، أَيْ لقد أَخَفْتُمُونَا. وَفِي الآية: 25، مِنْ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ، والآية: 62، مِنْ سُورَةِ الحِجْرِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ}. وَالْوَجَلُ: الْخَوْفُ، والْوَجِلُ: الْخَائِفُ. وَفِي الآيَةِ: 70، مِنْ سُورَةِ هُودٍ قالَ تَعَالى: {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} فَإِنَّهُ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً أَيْضًا حِينَ رَآهُمْ لَمْ يَمُدُّوا أَيْدِيَهُمْ لِلْأَكْلِ. وَقَدْ جُمِعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُتَفَرَّقُ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى مُجَاوَبَتِهِمْ إِيَّاهُ عَنْ قَوْلِهِ: "إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ، فَكانَ الْجَوَابِ: {لَا تَوْجَلْ}. وَقِيلَ: أَنْكَرَ السَّلَامَ لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ قد فَشَا فِي بِلَادِهِمُ التحيَّةُ بالسَّلَامِ.
قولُهُ تَعَالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} إِذْ: ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَمانِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وهو مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ مَنْصوبٌ إِمَّا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ الزَّمانيَّةِ، أَوْ عَلَى المَفْعُولِيَّةِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: اذْكُرْ إِذْ دَخَلُوا. وفي العاملِ فِيهِ وَجْهانِ، أَحَدُهُما: أَنَّهُ مَحْذوفٌ تَقْديرُهُ: خَبَرَ "ضيفِ". والثاني: أَنَّهُ نَفْسُ "ضيفِ". وَفي تَوْجِيهِ ذَلِكَ وَجْهانِ، أَحَدُهُما: أَنَّهُ لَمَّا كانَ مَصْدَرًا في الأَصْلِ، اعْتُبِرَ ذَلِكَ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبارِ مَصْدَرِيَّتِهِ بَعْدَ الوَصْفِ بِهِ عَدَمُ مُطابَقَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ تَثْنِيَةً وَجَمْعًا وَتَأْنِيثًا ـ فِي الأَغْلَبِ، وَلأَنَّهُ قائمٌ مَقامَ وَصْفٍ، وَالوَصْفُ يَعْمَلُ. والثاني: أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضافٍ، أَيْ: أَصْحابَ ضَيْفِ إِبراهيمَ، أَيْ: ضِيَافَتِهِ، فالمَصْدَرُ باقٍ عَلَى حالِهِ فَلِذَلِكَ عَمِلَ. وقالَ أَبُو البَقاءِ العُكْبُرِيُّ: بَعْدَ أَنْ قَدَّرَ (أَصْحَابَ ضِيَافَتِهِ): والمَصْدَرُ عَلَى هَذَا مُضافٌ إِلَى المَفْعُولِ). قال السَّمِينُ الحلَبيُّ: وفِيهِ نَظَرٌ؛ إِذِ الظَّاهِرُ إِضافَتُهُ لِفَاعِلِهِ. و "دَخَلُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في مَحَلِّ رفعِ فاعِلِهِ، والألِفُ فارقةٌ. و "عَلَيْهِ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بِـ "دَخَلُوا"، والهاءُ: ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ. والجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الجَرِّ بإضافةِ "إِذْ" إِلَيْها.
قولُهُ: {فَقَالُوا سَلَامًا}: الفاءُ: حرفُ عطْفٍ، و "قالوا" مثلُ "دَخَلُوا" مَعْطُوفٌ عَليْهِ. و "سَلَامًا" مَفْعُولٌ بِهِ منصوبٌ بِـ "قالوا" لأَنَّهُ بِمَعْنَى ذَكَرُوا، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَنْصوبٌ بِفِعْلٍ مُضَارِعٍ محذوفٍ؛ والتَّقْديرُ: نُسَلِّمُ عَلَيْكَ سَلامًا، أَوْ بفعلٍ ماضٍ؛ والتقديرُ: سَلَّمْنَا عَلَيْكَ سَلامًا، والجُمْلَةُ المَحْذُوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ لِـ "قالوا".
قولُهُ: {قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} قَالَ: فِعْلٌ مَاضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هم) يَعُودُ عَلَى إِبْراهيمَ ـ عليهِ السلامُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "إِنَّا" هي "إنَّ" حرفٌ ناصِبٌ ناسِخٌ مُشَبَّهٌ بالفِعلِ للتوكيدِ و "نا" ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصْبٌ اسْمُهُ، و "مِنْكُمْ" مِنْ: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَعْدَهُ، قدِّمَ عليهِ لِمُراعاةِ الفَواصِلِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ. و "وَجِلُونَ" خَبَرُ "إنَّ" مرفوعٌ وعلامةُ رَفْعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعٌ المُذكَّرِ السالمُ، والنَّونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفْرَدِ. و "وَجِلُونَ"، جَمْعُ "وَجِلٍ"، وهو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ وَجِلَ يَوجَلُ بابُهُ (فَرِحَ)، ووزَنُهُ (فَعِلَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ. وَجُمْلَةُ "إنَّ" فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بـ "قال".