الموسوعة القرآنية فَيْضُ العَليمِ ... سورة الحِجر، الآية: 46
ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (46)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ} ادْخُلُوها: دَعْوَةٌ مِنْهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالَى، للمُتَّقِينَ مِنْ عِبادِهِ بِدُخُولِ جَنَّاتِهِ فِي سَلامٍ وَأَمْنٍ وطُمَأْنِينَةٍ. و "بِسَلامٍ" أَيْ مُسَلَّمًا عَلَيْكُمْ، سَالِمِينَ مِنَ الْآفَاتِ. وقالَ القاسِمُ ابْنُ يَحْيَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بِسَلامَةٍ مِنَ النَّارِ. وَقالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: بِسَلامَةٍ تَصْحَبُكم مِنْ كُلِّ آفَةٍ. وقيلَ المَعنى: بِتَحِيَّةٍ مِنَ اللهِ لَهم، وَهوَ مَعْنَى قَوْلِ الكَلْبِيِّ ـ رضِيَ اللهُ عنهُ. والسَّلامُ في الدُنْيَا والاطْمِئْنانُ فِيها مُخْتَلِفٌ عَنْ سَلامِ الجَنَّةِ؛ لأَنَّ سَلامَ الدُنْيا يُعَكِّرُهُ خَوفُ زوالِ النِّعْمَةِ، أَو رَحَيلُ الإِنْسانُ عَنْها، وتركُهُ لَهَا بِالْمَوْتِ. فإِنَّ كُلَّ نَعيمٍ في الدُنْيا إِلَى زَوَالٍ، أَمَّا نَعيمُ الآخِرَةِ فَهوَ نَعيمٌ مُقِيمٌ لا يُخافُ زوالُهُ، ولا نَقْصُهُ، ولا فَسَادُهُ، ولا فَوْتُهُ والرَّحِيلُ عنْهُ. و "آمِنِينَ" مِنْ كُلِّ فَزَعٍ وخَوْفٍ، لَا تَخْشَوْنَ فَنَاءً، ولا إِخْرَاجًا، وَلَا نقصَ نِعْمَةٍ ولا انْقِطَاعَها. وأَخْرجَ ابْنُ أَبي حاتم في تفسيرِهِ: (7/2266) عَنِ الضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "آمِنِينَ" قَالَ: أَمِنُوا المَوْتَ، فَلَا يَمُوتونَ، وَلَا يَكْبَرُونَ، ولا يَسْقَمُونَ، ولا يَعْرَوْنَ، وَلا يَجوعونَ.
قولُهُ تَعَالى: {ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ} ادْخُلُوهَا: فِعْلُ أَمرٍ مَبْنِيٌّ عَلَى حذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخَمْسَةِ، وواوُ الجَمَاعَةِ ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ فاعِلُهُ، وَ "ها" ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ مَفْعولٌ بِهِ، و "بَسلامٍ" الباءُ: حَرْفُ جَرٍّ للمُصاحَبةِ، مُتعلِّقٌ بِحالٍ أَوَّل مِنْ فَاعِلِ "ادْخُلُوهَا"، أَيْ: حالَةَ كَوْنِكم مُلْتَبِسينَ بِسَلامٍ، و "سلامٍ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "آمِنِينَ" حالٌ ثانيَةٌ وَهِيَ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَها: إِمَّا بَدَلُ كُلٍ مِنْ كُلٍ، وَإِمَّا بَدَلُ اشْتِمَالٍ؛ لأَنَّ الأَمْنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَحِيَّةِ أَوْ بالعَكْسِ، مَنْصوبٌ وعَلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكِّرِ السَّالِمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المُفردِ. والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِقَوْلٍ مَحْذوفِ، والتَقديرُ: وَيُقالُ لَهمْ ادْخُلوها.
قرأَ الْعَامَّةُ: {ادْخُلُوها} بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَضَمِّ الْخَاءِ، مِنْ دَخَلَ يَدْخُلُ، عَلَى الْأَمْرِ. تَقْدِيرُهُ: قِيلَ ادْخُلُوهَا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ: "أُدْخِلُوهَا" بِضَمِّ التَّنْوِينِ وَوَصْلِ الْأَلِفِ وَكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، مِنْ أَدْخَلَ. أَيْ أَدْخَلَهُمُ اللهُ إِيَّاهَا. وَمَذْهَبُهُمْ كَسْرُ التَّنْوِينِ فِي مِثْلِ قولِهِ في الآيةِ: 49، منْ سورةِ الأعراف: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُون} وشِبْهَهِ، إِلَّا أَنَّهم هَا هُنَا أَلْقَوْا حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى التَّنْوِينِ، إِذْ هِيَ أَلِفُ قَطْعٍ، وَلَكِنْ فِيهِ انْتِقَالٌ مِنْ كَسْرٍ إِلَى ضَمٍّ ثُمَّ مِنْ ضَمٍّ إِلَى كَسْرٍ فَيَثْقُلُ عَلَى اللِّسَانِ. وقِراءَةُ الأَمْرِ عَلَى إِضْمارِ القَوْلِ، أَيْ: يُقالُ لأَهْلِ الجَنَّةِ: "ادْخُلوها". أَوْ يُقالُ للمَلائكَةِ: أَدْخِلُوها إِيَّاهمْ. وَعَلَى قِراءَةِ الإِخْبَارِ يَكونُ مُسْتَأَنَّفًا مِنْ غَيْرِ إِضْمارٍ قَوْلٍ.