قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} فأَجابَهُ اللهُ تعالى: إِنَّكَ مِنَ المؤجَّلينَ. وأَخرجَ ابْنُ أَبي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ" قَالَ: فَلَم يُنْظِرْهُ إِلَى يَوْمِ البَعْثِ، ولكنْ أَنْظَرَهُ إِلَى الوَقْتِ المَعْلُومِ. وهو كما تقدَّمَ في حديثِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، مَا بَيْنَ النَفْخَتَيْنِ، وَعُطِفَتْ مَقُولَاتُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مِنْهَا أَثَارَهُ الْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَهُ فَتَفَرَّعَ عَنْهُ. واللهُ أعلمُ.
وَهَذَا الْإِنْظَارُ رَمْزٌ إِلَهِيٌّ عَلَى أَنَّ نَامُوسَ الشَّرِّ لَا يَنْقَضِي مِنْ عَالَمِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَأَنَّ نِظَامَهَا قَائِمٌ عَلَى التَّصَارُعِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ، قَالَ تَعَالَى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ} الآية: 18، مِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاء، وَقَالَ في الآيةِ: 17، مِنْ سُورةِ الرَّعدِ: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ}. فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَغْنِ نِظَامُ الْعَالَمِ عَنْ إِقَامَةِ قَوَانِينِ الْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ وَإِيدَاعِهَا إِلَى الْكَفَاءةِ لِتَنْفِيذِهَا وَالذَّوْدِ عَنْهَا.
قولُهُ تَعَالَى: {قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} قَالَ: فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ. و "فَإِنَّكَ" الفَاءُ: تَعْلِيلِيَّةٌ لِجُمْلَةٍ مَحْذوفَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنَ السِّيَاقِ، والتقديرُ: لا تَطْمَعْ بِإِنْظارِكَ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ؛ لأَنَّكَ مِنَ المُنْظَرينَ إِلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلومِ، والجُمْلَةُ المَحْذوفَةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قَالَ"، و "إِنَّكَ" إِنَّ: حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مشبَّهٌ بالفِعْلِ للتوكيدِ، وكافُ الخِطابِ ضميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ النَّصْبِ اسْمُهُ، و "مِنَ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بخبرِ "إِنَّ"، و "الْمُنْظَرِينَ" مَجْرورٌ بحرْفِ الجَرِّ، وعلامةُ جرِّهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السَّالِمُ، والنونُ عِوضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المفردِ، وجُمْلَةُ "إنَّ" في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقوْلِ لِـ "قَالَ" عَلَى كَوْنِها مُعَلِّلَةً للجُمْلَةِ المَحْذوفَةِ.