الموسوعة القرآنية فَيْضُ العَليمِ ... سورة الحِجر، الآية: 38
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)
قولُهُ ـ جَلَّ جَلالُهُ: {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، والجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ: الوَقْتَ المَعْلُومَ هو النَّفْخَةُ الأُولى حِينَ يَموتُ الخَلقُ جميعًا، التي عُلِمَ أَنَّهُ يَصْعَقُ عِنْدَها كلُّ مَنْ في السَّمَواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ، قالَ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} الآية: 68، مِنْ سورةِ الزُّمَرِ. وهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهُما، كما تقدَّمَ في تفسيرِ الآيةِ: 36، وكذلك قالَهُ سُفيان. ونقلَ الواحدِيُّ في تَفِسيرِهِ البَسيطِ عَنِ الكَلْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَوْلَهُ: إِذا نُفِخَ النَّفْخَةُ الأُولى مَاتَ الخَلائقُ كُلُّهم، ومَاتَ إِبْليسُ مَعَهُمْ. وَنُقَلَ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ التميميِّ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: قدِمْتُ المَدينَةَ المُنَوَّرةَ، أُريدُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللهُ تَعَالى عَنْهُ، فإذا أَنَا بِحَلَقَةٍ عَظِيمَةٍ، وكَعْبُ الأَحْبارُ فِيها يُحَدِّثُ النَّاسَ وهوَ يَقولُ: لَمَّا حَضَرَ آدَمَ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، الوفاةُ قالَ: يا رَبُّ سَيَشْمَتُ بِي عَدُوِّي إِبْلِيسُ إِذا رَآني مَيْتًا، وهوَ مُنْظَرٌ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ. فَأُجِيبَ أَنْ يَا آدَمُ إِنَّكَ سَتَرِدُ إِلَى الجَنَّةِ، ويُؤَخَّرُ اللَّعينُ إِلى النَظِرَةِ لِيَذُوقَ أَلَمَ المَوْتِ بِعَدَدِ الأَوَّلِينَ والآخِرينَ، ثُمَّ قالَ لِمَلَكِ المَوْتِ صِفْ كَيْفَ تُذِيقُهُ المَوْتَ. فلَمَّا وَصَفَهُ قالَ يا رَبُّ حَسْبي، فَضَجَّ النَّاسُ، وقالوا يَا أَبَا إِسْحَقَ، كَيْفَ ذَلِكَ؟. فَأَبَى. فأَلَحُّوا. فَقَالَ: يَقُولُ اللهُ سُبْحانَهُ لِمَلَكِ المَوْتِ عُقَيْبَ النَّفْخَةِ الأُولى: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوَّةَ أَهْلِ السَمَواتِ السَّبْعِ، وأَهْلِ الأَرْضِينَ السَّبْعِ، وإِنِّي أَلْبَسْتُكَ اليَوْمَ أَثْوابَ السُخْطِ والغَضَبِ كُلَّها، فانْزِلْ بِغَضَبِي وَسَطْوَتي عَلَى رَجِيمي إِبْلِيسَ، فأَذِقْهُ المَوْتَ، واحْمِلْ عَلَيْهِ فِيهِ مَرارَةَ الأَوَّلينَ والآخِرينَ مِنَ الثَقَلَيْنِ أَضْعافًا مُضاعَفَةً، وَلْيَكُنْ مَعَكَ مِنَ الزَّبانِيَةِ سَبْعونَ أَلْفًا، قَدِ امْتَلَؤوا غَيْظًا وغَضَبًا، وَلْيَكُنْ مَعَ كُلٍّ مِنْهمْ سِلْسِلَةٌ مِنْ سَلاسِلِ جَهَنَّمَ، وغُلٌّ مِنْ أَغْلالِها، وانْزِعْ رُوحَهُ المُنْتِنَ بِسَبْعينَ أَلْفَ كِلَّابٍ مِنْ كَلالِيبِها، ونَادِ مَالِكًا لِيَفْتَحْ أَبْوابَ النِيرانِ. فَيَنْزِلُ مَلَكُ المَوْتِ بِصُورَةٍ لَوْ نَظَرَ إِلَيْها أَهْلُ السَمَواتِ والأَرْضِينَ لَمَاتوا بَغْتَةً مِنْ هَوْلِها. فيَنْتَهي إِلى إِبْلِيسَ، فيَقُولُ: قِفْ لِي يَا خَبيثُ، لأُذِيقَنَّكَ المَوْتَ، كَمْ مِنْ عُمْرٍ أَدْرَكْتَ، وَقُرونٍ أَضْلَلْتَ، وهَذا هوَ الوَقْتُ المَعْلُومُ. قالَ: فيَهْرُبُ اللَّعينُ إِلى المَشْرِقِ، فإذا هوَ بِمَلَكِ المَوْتِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فيَهْرُبُ إِلى المَغْرِبِ، فإذا هُوَ بِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فيَغُوصُ البِحَارَ، فَتَنزُّ مِنْهُ البِحَارُ، فَلا تَقْبَلُهُ، فَلا يَزالُ يَهْرُبُ في الأَرْضِ، وَلا مَحِيصَ لَهُ، وَلا مَلاذَ. ثمَّ يَقُومُ فِي وَسَطِ الدُنْيَا، عِنْدَ قَبْرِ آدَمَ، ويَتَمَرَّغُ في التُرابِ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ، ومِنَ المَغْرِبِ إِلَى المَشْرِقِ، حتَّى إِذا كانَ فِي المَوْضِعِ الذي أُهْبِطَ فِيهِ آدَمُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وَقَدْ نَصَبَتْ لَهُ الزَّبَانِيَةُ الكَلالِيبَ، وصارَتِ الأَرْضُ كالجَمْرَةِ، احْتَوَشَتْهُ الزَّبانِيَةُ، وطَعَنُوهُ بالكَلالِيبِ، ويَبْقَى فِي النَّزْعِ والعَذابِ إِلَى حَيْثُ يَشاءُ اللهُ تَعالى، ويُقَالُ لآدَمَ وحَوَّاءَ اطَّلِعَا اليَوْمَ إِلَى عَدُوِّكُمَا كَيْفَ يَذُوقُ المَوْتَ، فَيَطَّلِعانِ، فيَنْظُرانِ إِلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ العَذابِ، فيَقولانِ: رَبَّنا أَتْمَمْتَ عَلَينْا نِعْمَتَكَ. فَيَمُوتُ إِبْلِيسُ ثُمَّ يُبْعَثُ، وهذا مِصْداقُ قَولِهِ تَعَالَى مِنْ سورةِ الرَّحْمَن: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} الآيَتَانِ: (26 و 27).
وَفِي تَكْلَيمِ اللهِ تَعَالَى ِإِبليسَ ـ عَليْهِ اللعْنةُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ـ سُبْحانَهُ، كَلَّمَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ. والثَّانِي: أَنَّهُ كَلَّمَهُ دونَ واسِطَةٍ ولكنْ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَكْرِمَةِ والتَّقْريبِ، وإِنَّما تَغْلِيظًا لهُ فِي الْوَعِيدِ، وتَشْديدًا عَلَيْهِ في التخْويفِ والتَّهْديدِ، واللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ تَعَالى: {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} إلى: حرفُ جَرٍّ متعلق بـ {الْمُنْظَرِينَ} مِنَ الآيَةِ السَّابِقَةِ، و "يومِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ مُضافٌ، و "الْوَقْتِ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، و "الْمَعْلُومِ" صِفَةٌ لِـ "الْوَقْتِ" مَجْرُورةٌ مِثْلهُ.