وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ
(24)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} تُرى هلِ المُرادُ بالمُسْتَقْدِمِينَ الأُمَمُ البائدةُ مِنَ البَشَرِ، وبالمُسْتأْخِرينَ الأَمَمُ الآتِيَةِ بعدَها، أَمِ المُرادُ هُمُ المُتَقَدِّمُونَ في الخَيْراتِ وأَعْمَالِ البِرِّ والجهادِ في سَبيلِ اللهِ والمتأخِّرونَ في ذلك، أمِ المرادُ الصفوفُ الأولى في الصَّلاةِ والأَخِيرَةُ فِيها؟ كلُّ ذَلِكَ وارِدٌ عَنْ أَهْلِ التَفْسيرِ مِنَ العُلَماءِ، واللهُ أَعْلَمُ بِمُرادِهِ. فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: أَرَادَ بِالْمُسْتَقْدِمِينَ الْأَمْوَاتَ وَبِالْمُسْتَأْخِرِينَ الْأَحْيَاءَ، لما أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ مِنْ أَنَّهُ قالَ فِي الْآيَة: "الْمُسْتَقْدِمِينَ" آدَمُ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَنْ مَضَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، و "الْمُسْتَأْخِرِينَ" مَنْ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ. وَأَخْرَجَ أيضًا عنهُ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: قَدَّمَ خَلْقًا، وَأَخَّرَ خَلْقًا، فَعَلِمَ مَا قَدَّمَ، وَعَلِمَ مَا أَخَّرَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَة: "الْمُسْتَقْدِمِينَ" آدَمُ وَمَنْ مَعَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ الهُذَلِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، عَنْ هَذِهِ الْآيَة: أَهِي فِي صُفُوفِ الصَّلَاة؟. قَالَ: لَا "الْمُسْتَقْدِمِينَ" الْمَيْتُ والمَقْتُولُ، و "الْمُسْتَأْخِرِينَ" مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ مِنْ بَعْدُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الْمُسْتَقْدِمُونَ مَنْ خَلَقَ اللهُ وَالْمُسْتَأْخِرُونَ مَنْ لَمْ يَخْلُقِ اللهُ. وَأَخْرَجَ ٍ سَعيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عنهُ وَعَنْ مُجاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "وَلَقَد عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ" قَالَا: مَنْ مَاتَ وَمَنْ بَقِيَ. ومِثْلُ ذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الإمامِ الشَّعْبِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ. وقَالَ مُجَاهِدٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُ: الْمُسْتَقْدِمُونَ: الْقُرُونُ الْأُولَى، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الْآيَة قَالَ: المُسْتَقْدِمونَ مَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ، والمُسْتَأْخِرونَ، أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الْمُسْتَقْدِمُونَ فِي الطَّاعَةِ وَالْخَيْرِ، وَالْمُسْتَأْخِرُونَ الْمُبْطِئُونَ عَنْهَا. أَخْرَجَهُ عنهُ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ. وَقَالَ سُفيانُ ابْنُ عُيَيْنَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَرَادَ مَنْ يُسَلِّمُ وَمَنْ لَا يُسَلِّمُ. وَقريبٌ منهُ ما رُويَ عَنِ الإمامِ الْأَوْزَاعِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِنْ أَنَّهُ قالَ: أَرَادَ بـ "المُسْتقدمينَ" الْمُصَلِّينَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَبـ "المُسْتأْخرين" الْمُؤَخِّرِينَ الصلاةَ إِلَى آخِرِ الوَقْتِ. وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَنْ أَبي الجَوْزاءِ فِي قَوْلِهِ: "وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم" قَالَ: فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أَرَادَ بِـ "الْمُسْتَقْدِمِينَ" وَ "الْمُسْتَأْخِرِينَ" المتقدِّمينَ فِي صَفِّ الْقِتَالِ والمتأخرينَ فيهِ. وَأَخَرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي الْآيَةِ قَالَ: "الْمُسْتَقْدِمِينَ" الصُّفُوفُ الْمُتَقَدِّمَةُ، و "المُسْتَأْخِرينَ" الصُّفُوفُ المُؤَخَّرَةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الصَّفَّ الأَوَّلَ لَعَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَلَو تَعْلَمُونَ لابْتَدرْتُمُوهُ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، والدارِمِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَة، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْحَاكِم، عَنِ الْبَراءِ بْنِ عَازِب ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ))، وَفِي لَفْظٍ ((عَلَى الصُّفُوفِ الأُوَلِ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ رِقَّةً فَقَالَ: ((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى الصُّفُوفِ الأُوَلِ)) فازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى الَّذينَ يُصَلُّونَ فِي الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ الْقُرَشِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ مَا صَفُّوا إِلَّا بِقُرْعَةٍ)). وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ ماجَة عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ثَلَاثًا وعَلى الثَّانِي وَاحِدَةً. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاء ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم" الْآيَةَ. قَالَ: فِي صُفُوفِ الصَّلَاة والقِتَالِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطبريُّ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْأَمْوَاتَ مِنْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ فَتَقَدَّمَ مَوْتُهُ، وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الَّذِينَ اسْتَأْخَرَ مَوْتُهُمْ مِمَّنْ هُوَ حَيٌّ، وَمَنْ هُوَ حَادِثٌ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَحَدُثْ بَعْدُ، لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} الآية: 23، مِنْ سورةِ الحِجْرِ، وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} الآيةِ: 25، منَ سُورَةِ الحِجْرِ. تفسير الطَبَرِيِّ: (14/54).
وقالَ الأَلوسِيُّ: الأَوْلى الحَمْلُ عَلى العُمومِ، أَيْ: عَلِمْنا مَنِ اتَّصَفَ بالتَقَدُّمِ والتَأَخُّرِ في الوِلادَةِ، والمَوْتِ، والإِسْلامِ، وصُفوفِ الصَّلاةِ، وغَيْرِ ذَلِكَ. تَفْسيرُ الأَلُوسِيِّ (روح المعاني): (7/278).
وفي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الكَريمَةِ أَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ ماجَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَحَّهُ، ووافقهُ الذهَبيُّ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ كلُّهم مِنْ طَرِيق أَبي الجَوْزاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضِيَ اللهُ عنهما، أَنَّهُ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَسْنَاءَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَكُونَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ لِئَلَّا يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضُهم حَتَّى يَكونَ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ، فَإِذا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبْطَيْهِ، فَأنْزلَ اللهُ تعالى: "وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ" أَخْرَجَهُ الإمامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (1/305 ، بِرَقم: 2784). وابْنُ ماجَة في سُنَنِهِ: (برقم: 1046). والتِّرْمِذِيُّ في جامِعِهِ: (برقم: 3122). والنَّسائيُّ في سُننِهِ: (2/118)، وفي سُنَنِهِ الكُبْرَى: (945 و 11209). وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحِهِ: (برقم: 1696 و 1697). وقدِ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الحَديثِ بَعْضُ الأَئِمَّةِ بدافعِ غيرتهم على أصحابِ رسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وصَحبِهِ وسَلَّمَ، فَقالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثيرٍ في تَفْسيرِهِ: (وهَذَا الحَديثُ فِيهِ نَكَارَةٌ شَديدَةٌ). (4/532). وقالَ ابْنُ عاشورٍ في تَفْسِيرِهِ التحرير والتنويرُ: (14/40): (هُوَ خَبَرٌ وَاهٍ لَا يُلَاقِي انْتِظامَ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ التَّفَاسِيرِ الضَّعِيفَةِ). وهذا غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِهِ، لأَنَّهُ ممَّا لا شَكَّ فيهِ أَنَّ الذي كانَ يَنْظُرُ مِنْ تَحْتِ إِبْطِهِ، إمَّا مِنَ المُنافقينَ، أَوْ مِنْ الأَعْرابِ الذينَ لم يتمَكَّنِ الإيمانُ منْ قُلوبهم بَعْدُ، وَهَذا مِمَّا لا خَفَاءَ فِيهِ، لأَنَّ أُولئكَ الأَئمَّةَ العِظامَ الذين خرَّجوا هَذَا الحديثَ لم يَصِفْهُ أَحَدٌ منُهم بالنَّكَارَةِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الحافِظُ الذَهَبِيُّ، وهوَ إمامٌ كبيرٌ، وحافظٌ مَعْروفٌ بِنَقْدِهِ الدَّقيقِ لأَسَانِيدِ الحديثِ الشريفِ والمُتُونِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَة عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُها وَشَرُّ صُفُوفِ الرِّجَالِ آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخرُهَا، وَشَرُّ صُفُوفِ النِّسَاءِ أَوَّلُها. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ ماجَةَ، وَأَبُو يَعْلَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ـ رضِيَ اللهُ عنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ مُقَدَّمُها، وشَرُّها مُؤَخَّرُها، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وشَرُّها مُقَدَّمُها. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ عَنْ أَبي سَعيدٍ الْخُدْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: خَيْرُ صُفُوف الرِّجَالِ الْمُقَدَّمُ، وشَرُّها الْمُؤَخَّرُ، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُؤَخَّرُ وشَرُّها الْمُقَدَّمُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الحَكَمِ قَالَ: كَانَ أُنَاسٌ يَسْتَأْخِرُونَ فِي الصُّفُوفِ مِنْ أَجْلِ النِّسَاءِ فَأَنْزَلَ اللهُ: "وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم" الْآيَةَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتلِ بْنِ سُلَيْمَانَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم" الْآيَةَ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ فِي الْقِتَالِ. قَالَ مُعْتَمِر: فَحَدَّثْتُ أَبي فَقَالَ: لَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْقِتَالُ.
قولُهُ تَعَالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ، واللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ، و "قدْ" للتَحْقيقِ. و "عَلِمْنَا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السكونِ لاتَّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو "نا" التَعْظيمِ، و "نا" المعظِّمِ نَفْسَهُ ضميرٌ متَّصلٌ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الرفعِ فاعِلُهُ. و "الْمُسْتَقْدِمِينَ" مَفْعولٌ بِهِ منصوبٌ، وعلامةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المُذكَّرِ السالمُ، والنونُ عِوَضٌ مِنَ التنوينِ في الاسْمِ المفرَدِ. و "مِنْكُمْ" حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ بـ "علمنا"، أَوْ بِحالٍ مِنَ "الْمُسْتَقْدِمِينَ"، وكافُ الخِطابِ ضَميرٌ متَّصِلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، والميمُ للجمعِ المُذكَّرِ، وهذه الجملةُ الفِعلِيَّةُ جَوابُ القَسَمِ، فلا محلَّ لها منَ الإعرابِ، وجُمْلَةُ القَسَمِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ أيضًا.
قولُهُ: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} مِثْلُ: "وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ" معطوفةٌ عليها، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِعْرابُها.