مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ
(43)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {مُهْطِعِينَ} مُسْرِعِينَ إِلَى الدَّاعي مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ بالخَوْفِ والذُّلِّ والخُشُوعِ، أَوْ مُقْبِلِينَ عليْهِ بِأَبْصارِهِمْ لا يُقْلِعونَ عَنْهُ، ولَا يَطْرِفونَ هَيْبَةً وَخَوْفًا، وحَيْثُ كانَ إِدامَةُ النَّظَرِ هَهُنَا بِالنَّظَرِ إِلى الدَّاعِي. وَالْإِهْطَاعُ: إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ مَدِّ الْعُنُقِ كَالْمُتَخَتِّلِ، وَهِيَ هَيْئَةُ الْخَائِفِ. ومنهُ قولُ الشَّاعِرِ الخَارِجِيِّ عِمْرَان بْنِ حِطَّان:
إذا دَعَانَا فَأَهْطَعْنَا لِدَعْوَتِهِ ................... دَاعٍ سَميعٌ فَلَفُّونَا وَسَاقُوْنَا
وَقَالَ أُنَيْفُ بْنُ جَبَلَةَ:
وبِمُهْطِعٍ سُرُحٍ كأَنَّ عِنَانَهُ .............. فِي رَأْسِ جَذْعٍ مِنْ أَراكٍ مُشَذَّبِ
وَقَدْ يَكونُ الإِسراعَ وإِدامَةَ النَّظَرِ. وهَطَعَ الرَّجُلُ بَبَصَرِهِ إِذا صَوَّبَهُ، ويُقالُ للبَعِيرِ إِذا صَوَّبَ عُنُقَهُ: هو مُهْطِعٌ. والإهطاعُ أَيضًا هو الإِقبالُ عَلَى الإِصْغَاءِ، قالَ يَزيدُ بْنُ مُفَرِّغٍ الحِمْيَرِيُّ:
بِدِجْلَةَ دارُهُمْ وَلَقَدْ أَراهُمْ .................. بِدِجْلِةَ مُهْطِعِيْنَ إِلَى السَّماعِ
والمَعْنَى: مُقْبِلِيْن بِرُؤُوسِهم إِلَى سَمَاعِ الدَّاعي. وأَهْطَعَ الرَّجُلُ إِذا نَظَرَ بِذُلٍّ وخُشُوعِ، لا يُقْلِعُ بِبَصَرِهِ، فَقَدْ سُمِعَ فِيهِ: وهَطَعَ ثُلاثِيًّا وأَهْطَعَ رباعيًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنَّهُ قَالَ: "مُهْطِعينَ" مُدِيميِ النَّظَرِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: "مُهْطِعِينَ" مُسْرِعِينَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الْوَقْفِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ قَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: "مُهْطِعِينَ" مَا المُهْطِعُ؟. قَالَ: النَّاظِرُ. قَالَ فِيهِ الشَّاعِرُ:
إذا دَعانا فأَهْطَعْنا لدَعْوَته .................. داعٍ سميعٌ فَلَفُّونا وساقُوْنا
تَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّ هذا البيتَ هو للشَّاعِرِ عِمْرانَ بْنِ حِطَّان.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: "مُقْنِعي رُؤوسِهم" مَا الْمُقْنِعُ؟. قَالَ: الرافِعُ رَأْسَهُ. قَالَ فِيهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أبي سُلْمى:
هِجَانٌ وحُمرٌ مُقْنِعاتٌ رُؤوسَها ........... وأَصْفَرُ مَشْمُولٍ مِنَ الزَّهْرِ فَاقِعُ
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْأَنْبَارِي عَنْ تَمِيمِ بْنِ حِذامِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "مُهْطِعينَ" قَالَ: هُوَ التّجميحُ، وَالْعَرَبُ تَقُول للرَّجُلِ إِذا قَبَض مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ: لَقَدْ جَمَحَ.
قولُهُ: {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} وَإِقْنَاعُ الرَّأْسِ: طَأْطَأَتُهُ مِنَ الذُّلِّ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَنَعَ مِنْ بَابِ مَنَعَ إِذَا تَذَلَّلَ. والإِقناع: رَفْعُ الرأسِ وإدامةُ النظر من غيرِ التفاتٍ إل غيرِه، قاله القتبيُّ وابنُ عرفة، ومنه قولُ الشَمَّاخِ بْنِ ضِرارٍ يَصِفُ إِبِلًا تَرْعَى أَعَالي الشَّجَرِ فَتَرْفَعُ رُؤوسَها:
يُباكِرْنَ العِضَاهَ بِمُقْنَعَاتٍ ..................... نَوَاجِذُهُنَّ كَالِحَدَأِ الوَقِيعِ
ويُقالُ: أَقْنَعَ رَأْسَه، إِذا طَأْطَأَ رأْسَهُ وَنَكَّسَها، فَهُوَ مِنَ الأَضْدَادِ، والقَناعَةُ: الاجْتِزاءُ باليَسيرِ، وقَنِعَ بِالشيْءِ: ارْتَفَعَ رَأْسُهُ عَنِ السُّؤالِ، وَفَمٌ مُقَنَّعٌ: أَيْ مَعْطُوفُ الأَسْنانِ دَاخِلَهُ، ورَجُلٌ مُقَنَّعٌ، بالتَّشْديدِ. ويُقَالُ: قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً وَقَنَعًا إِذَا رَضِيَ، وَقَنَعَ قُنُوعًا إِذَا سَأَلَ، فَوَقَعَ الفَرْقُ بِالْمَصْدَرِ.
وقالَ بَعْضُهم: أَصْلُ هَذِهِ الكَلِمَةِ مِنَ القِناعِ، وَهوَ مَا يُغَطَّي الرَّأْسَ، والقانِعُ مَنْ لا يُلِحُّ فِي السُّؤالِ فَيَرْضَى بِمَا يَأْتِيهِ، كَقَوْلِ الشَمَّاخِ بْنِ ضِرارٍ:
لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ..................... مَفَاقِرَهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ
ورَجُلٌ مَقْنَعٌ يُقْنِعُ بِهِ. قالَ البُعَيْثُ الهَاشِمِيُّ:
وبايَعْتُ لَيْلَى بالخَلاءِ، ولَمْ يَكُنْ ........ شُهودِيْ عَلَى لَيْلَى عُدُولٌ مَقَانِعُ
وَقَالَ الْحَسَنُ البَصْريُّ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ: وُجُوهُ النَّاسِ يَوْمئِذٍ إِلَى السَّمَاءِ لَا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلَى أَحَدٍ.
والرُّؤوسُ: جَمْعُ رَأْسٍ وهوَ مُؤَنَّثٌ، ويُجْمَعُ في القِلَّةِ عَلَى أَرْؤُسٍ، وَفي الكَثْرَةِ عَلَى رُؤوسٍ، والأَرْأَسُ: عَظيمُ الرَأْسِ، ويُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الرَّجُلِ العَظِيمِ الوَجْيهِ، والرَّئيسُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، ورِئاسُ السَّيْفِ مَقْبَضُهُ، وشاةٌ رَأْسَاءُ: إذا اسْوَدَّتْ رَأْسُها.
قولُه: {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} الطَّرْفُ: تَحَرُّكُ جَفْنِ الْعَيْنِ. وَالمَعْنَى لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ: لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، أَيْ: لَا يَرجِعُ إِلَى مُعْتَادِهِ، أَيْ: لَا يَسْتَطِيعُونَ تَحْوِيلَهُ. فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ هَوْلِ مَا شَاهَدُوهُ، بِحَيْثُ يَبْقُونَ نَاظِرِينَ إِلَيْهِ، لَا تُطْرَفُ أَعْيُنُهُمْ، يُقَالُ: ما طَبَّقَ طَرْفَهُ، أَيْ: جَفْنَهُ، عَلَى الآخَرِ، وَهوَ فِي الأَصْلِ مَصْدَرٌ، وأُطْلِقَ عَلَى الفَاعِلِ لِقَوْلِهم: مَا فِيهم عَيْنٌ تَطْرِفُ، وَلَعَلَّهُ هُنَا العَيْنُ. قالَ عَنْتَرَةُ العَبْسِيُّ:
وأَغُضُّ طَرْفي مَا بَدَتْ لي جارَتي ............. حَتَّى يُواري جارَتي مَأْواها
وَقَالَ جَمِيلُ بْنُ مُعَمَّرٍ:
أَقْصِرُ طَرْفِي دُونَ جُمْلٍ كَرَامَةً ......... لِجُمْلٍ وَلِلطَّرْفِ الَّذِي أَنَا قَاصِرُه
قال الفَيْروزُ آبادي: الطَرْفُ: العَيْنُ، لا يُجْمَعُ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ في الأَصلْ، أَوِ اسْمٌ جامِعٌ للعَيْنِ، أَوْ لا يَرْجِعُ نَظَرُهُمْ إِلَى أَنْفُسِهم فَضْلًا عَنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلى شَيْءٍ آخَرَ.
قولُهُ: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، إِذْ هِيَ كَالْهَوَاءِ فِي الْخُلُوِّ مِنَ الْإِدْرَاكِ لِشِدَّةِ الْهَوْلِ. وَالْهَوَاءُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْخَلَاءُ. وَلَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ الطِّبِّ وَعِلْمِ الْهَيْئَةِ. والهواءُ: الخَالي مِنَ الأَجْسامِ، ويُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الجُبْنِ، فيُقالُ: فلانٌ جَوْفُهُ هَواءٌ، أَيْ: فارِغٌ، مِنْ ذَلِكَ قولُ زُهَيْرِ بْنِ أَبي سُلْمَى يصِفُ ناقتَهُ:
كَأَنَّ الرَّحْلَ مِنْها فَوْقَ صَعْلٍ .................. مِنَ الظِّلْمَانِ جُؤْجُؤُهُ هَواءُ
صَعْل: مُنْجَرِدُ شَعْرِ الرَّأْسِ، وصَغيرُ الرَّأْسِ، والظِّلْمان: جَمْعُ ظَلِيمٍ، وهُوَ ذَكَرُ النَّعَامِ، والجُؤْجُؤً: الصَّدْرُ، وقد جَعَلَ صَدْرَهُ فارِغًا لِيَكُونَ أَسْرَعَ في السَّيْرِ، وقالَ حَسَّانُ بْنُ ثابِتٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَهْجُو أَبَا سُفْيَانَ بْنَ المُغِيرَةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي،..................... فَأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هواءُ
النَّخِبُ: الذي أَخَذْتَ نُخْبَته، أَيْ: خِيارَهُ، أَي أخذتَ قلبَهَ مِنْ جوفِهِ فأصْبَحَ فرغًا صِفرًا مِنَ الخيرِ. والبيتُ مِنْ قصيدةٍ طويلةٍ لهُ ـ رَضِيَ اللهُ عنه، مطلعُها:
عفتْ ذاتُ الأصابع فالجواءُ .................. إلى عذراءَ منزلُها خلاءُ
إَلى أَنْ يَقُولَ:
عَدِمْنَا خَيْلَنا إِنْ لَمْ تَرَوْها ..................... تُثيرُ النّقْعَ مَوْعِدُها كِداءُ
يبارِينَ الأسنةَ مصغياتٍ .................... على أكتافِها الأسلُ الظماءُ
تظلَّ جيادُنا متمطراتٍ ........................ يلطمُهُنَّ بالخمرِ النساءُ
فإمّا تعرضُوا عنا اعتمرنا .................. وكانَ الفتحُ وانكشفَ الغطاءُ
وإلاَّ فاصبرُوا لجلادَ يومٍ ........................ يعينُ الله فيهِ من يشاءُ
وقالَ اللهُ قدْ يسرتُ جنداً ................. همُ الأنصارُ عرضتُها اللقاءُ
لنا في كلِّ يومٍ منْ معدٍّ ........................ قتالٌ أو سبابٌ أو هجاءُ
إلى أن يقول:
ألا أبلغْ أبا سفيانَ عنِّي ...................... فأنتَ مجَّوفٌ نخبٌ هواءُ
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنهُ .................. وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ
أتهجُوهُ ولستَ لهُ بكفوءٍ ..................... فشرُّكُما لخيركُما الفداءُ
فمَن يهجُو رسولَ اللهِ منكمْ .................... وينصرُهُ ويمدحُهُ سواءُ
فإنَّ أبي ووالداهُ وعرضِي .................... لعرضِ محمدٍ منكمْ وقاءُ
لسانِي صارِمٌ لا عيْبَ فيهِ ...................... وبحرِي ما يُكدرُهُ الدلاءُ
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ" قَالَ: رَافِعِي رُؤوسِهم يَجيئونَ وَهم يَنْظُرُونَ، و "لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهم وأَفْئِدَتُهم هَوَاءٌ" تَمُورُ فِي أَجْوَافِهم إِلَى حُلُوقِهمْ، لَيْسَ لَهَا مَكَانٌ تَسْتَقِرُّ فِيهِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وأَفْئِدَتُهم هَوَاءٌ" قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، خَرَجَتْ مِنْ صُدُورِهمْ فَشَبَّتْ فِي حُلُوقِهمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ بْنِ شَرَاحِيْلَ الهَمْدَانِيِّ الكُوْفِيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وأَفْئِدَتُهم هَوَاءٌ" قَالَ: مُتَخَرِّقَةٌ لَا تَعِي شَيْئًا.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ: "مُهْطِعِينَ" قَالَ: يَعْنِي بالاهْطاعِ النَّظَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَطْرِفَ، و "مُقْنِعِي رُؤوسِهم" قَالَ: الاقْنَاعُ رَفْعِ رُؤُوسِهم، و "لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِم طَرْفُهم" قَالَ: شاخِصَةٌ أَبْصَارُهم، و "أَفْئِدَتُهم هَوَاءٌ" لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ فَهِيَ كَالْخَرِبَةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، عَنْ أَبي صَالِحٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يحْشر النَّاس هَكَذَا، وَوَضَعَ رَأْسَهُ وَأَمْسَكَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ عِنْدَ صَدْرِهِ.
قولُهُ تَعَالَى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} مُهْطِعِينَ: منصوبٌ على الحالِ مِنَ المُضافِ المُحْذوفِ؛ والتَقديرُ: أَصْحاب الأبصار، أو تكون الأبصار دَلَّتْ عَلى أَرْبَابها، فجاءَتِ الحالُ مِنَ المَدْلولِ عَلَيْهِ، وعَلامَةُ نَصْبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المذكَّرِ السالمُ، والنونُ عِوَضٌ عنِ التنوينِ في الاسْمِ المُفرَدِ. و "مُقْنِعِي" مثلُ "مُهطعينَ"، وهو مُضافٌ، وهَذِهِ الإضافةُ غَيْرُ مَحْضَةٍ؛ لأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ أَوْ حالٌ. ويَجُوزُ أَنْ يَكونَا مَفْعولَيْنِ لِفِعْلٍ مَحْذوفٍ والتقديرُ: تَرَاهُم مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤوسِهم. و "رُؤوسِهِمْ" مجرورٌ بالإضافَةِ إليهِ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامةُ جَمْعِ المُذكَّرِ.
قولُه: {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} لَا: نافيةٌ لا عملَ لها، و "يَرْتَدُّ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ. و "إِلَيْهِمْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بحرفِ الجَرِّ، والميمُ علامةُ جَمْعِ المُذكَّرِ. و "طَرْفُهُمْ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامةُ جَمْعِ المُذكَّرِ. وهذه الجُمْلَةُ الفعلية في مَحَلِّ النَّصْبِ على أَنَّها حالٌ مِنَ الضَميرِ فِي "مُقْنِعِي"، أَوْ بَدَلٌ مِنْ "مُقْنِعِي" قالَهُ أَبو البَقاءِ العُكْبُريُّ، يَعْني أَنَّهُ يَحُلُّ مَحَلَّه، ويَجُوزُ أَنْ تكونَ مُسْتَأْنَفَةً لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ.
قولُهُ: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} الواوُ: للعطْفِ، وَ "أَفْئِدَتُهُمْ" مرفوعٌ بالابتِداءِ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والميمُ علامةُ جَمْعِ المُذكَّرِ. و "هَوَاءٌ" خَبَرُهُ مرفوعٌ، وهذه الجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ الضميرِ في "إِلَيْهِمْ"، والعامِلُ فِيهِ إِمَّا "يَرْتَدُّ"، وَإِمَّا مَا قَبْلَهُ مِنَ العَوَامِلِ، وأُفْرَدَ "هَوَاءٌ" وإِنْ كانَ خَبَرًا عَنْ جَمْعٍ؛ لأَنَّهُ في مَعْنَى فَارِغَةٍ، ولَوْ لَمْ يُقْصَدْ ذَلِكَ لَقيلَ: أَهْوِيَةٌ؛ لِيُطَابِقَ الخَبَرَ مُبْتَدَأَهُ. ومَعْنَى الآيَةِ: أَفْئِدَتُهم خَالِيَةٌ فارِغَةٌ مُتَخَرِّقَةٌ لا تَعِي شَيْئًا، وَلا تَعْقِلُ مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنافًا.