فيض العليم ... سورة إبراهيم، الآية: 7
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)
قولُهُ ـ تَعَالَى شَأْنُهُ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} وَاذْكُرُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ آذَنَكُمْ رَبُّكُمْ، إِيذَانًا بَلِيغًا تَنْتَفِي مَعَهُ الشُّكُوكُ، وَتَنْزَاحُ الشُّبَهُ، وَأَعْلَمَكُمْ بِوَعْدِهِ، وهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَهُ مُوسَى ـ علَيْهِ السَّلامُ، لِقَوْمِهِ، أَيْ: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا حِينَ أَذِنَ رَبُّكُمْ. وَنَظِيرُ (تَأَذَّنَ) وَ (آذَنَ)، (تَوَعَّدَ) وَ (أَوْعَدَ) وَ (تَفَضَّلَ) وَ (أَفْضَلَ)، وَفِي (تَفَعَّلَ) زِيَادَةُ مَعْنًى غَيْرُ مَوْجودةٍ فِي (أَفْعَلَ).
أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ سُفْيَانٍ الثَّوْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ" قَالَ: لَا تذْهب أَنفسكُم إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَهْونُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَقُولُ: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ" هَذِهِ النِّعْمَةَ إِنَّهَا مِنِّي "لَأَزِيدَنَّكمْ" مِنْ طَاعَتي.
قَولُهُ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} لَئْنِ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا. فالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِشُكْرِ نِعَمِ اللهِ زَادَهُ اللهُ مِنْها، وحَقِيقَةِ الشُّكْرِ الِاعْتِرَافُ بِنِعْمَةِ الْمُنْعِمِ مَعَ تَعْظِيمِهِ وَتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي النِّعَمِ فَهِيَ أَقْسَامٌ: مِنْهَا مَا هوَ رُوحَانِيٌّ، وَمِنْهَا ما هو جُسْمَانِيَّةُ، أَمَّا النِّعَمُ الرُّوحَانِيَّةُ فَهِيَ أَنَّ الشَّاكِرَ يَكُونُ أَبَدًا فِي مُطَالَعَةِ أَقْسَامِ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى وَأَنْوَاعِ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَمَنْ كَثُرَ إِحْسَانُهُ عليكَ أَحَبَبْتَهُ لَا مَحَالَةَ، فَشُغْلُ النَّفْسِ بِمُطَالَعَةِ أَنْوَاعِ فَضْلِ اللهِ وَإِحْسَانِهِ يُوجِبُ تَأَكُّدَ مَحَبَّةِ الْعَبْدِ للهِ تَعَالَى، وَمَقَامُ الْمَحَبَّةِ أَعْلَى مَقَامَاتِ الصِّدِّيقِينَ، ثُمَّ قَدْ يَتَرَقَّى الْعَبْدُ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ حُبُّهُ لِلْمُنْعِمِ شَاغِلًا لَهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى نِعَمِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْبَعَ السَّعَادَاتِ وَعُنْوَانَ كُلِّ الْخَيْرَاتِ مَحَبَّةُ اللهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَتُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالشُّكْرِ يُوجِبُ مَزِيدَ النِّعَمِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَأَمَّا مَزِيدُ النِّعَمِ الْجُسْمَانِيَّةِ، فَلِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِشُكْرِ نِعَمِ اللهِ أَكْثَرَ، كَانَ وُصُولُ نِعَمِ اللهِ إِلَيْهِ أَكْثَرَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالشُّكْرُ إِنَّمَا حَسُنَ مَوْقِعُهُ، لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ، وَكُلُّ مَقَامٍ حَرَّكَ الْعَبْدَ مِنْ عَالَمِ الْغُرُورِ إِلَى عَالَمِ الْقُدُسِ، فَهُوَ الْمَقَامُ الشَّرِيفُ الْعَالِي الَّذِي يُوجِبُ السَّعَادَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَأخرجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" قَالَ: حَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ سَأَلَهُ، وَيزِيدَ مَنْ شَكَرَهُ، وَاللهُ مُنْعِمٌ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ، فاشْكُرُوا للهِ نَعَمَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي الدُّنْيَا، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإِيمانِ عَنْ أَبي زُهَيْرٍ يَحيَى بْنِ عُطَارِدِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ أَرْبَعَةً فَمُنِعَ أَرْبَعَةً، مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ الشُّكْرَ فَمُنِعَ الزِّيَادَة لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكمْ" وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ الدُّعَاءَ فَمُنِعَ الإِجابَةَ، لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الآية: 60، مِنْ سورةِ غافِر. وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ الاسْتِغْفَارَ فَمُنِعَ الْمَغْفِرَةَ، لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} آيَة 10، مِنْ سُورَةِ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ التَّوْبَةَ فَمُنِعَ التَقَبُّلَ، لِأَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وهوَ الذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} آيَة 25، مِنْ سُورَةِ الشُّورَى. وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِر الْأُصُولِ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ عَنِ الْحَسَنِ البَصْرِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" قَالَ: مِنْ طَاعَتِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمانِ عَنْ عَليِّ بْنِ الصَّالِحِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، مِثْلَهُ.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَائلٌ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ، فَلَمْ يَأْخُذْهَا، وَأَتَاهُ آخَرُ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةِ فَقَبِلَهَا، وَقَالَ: سُبْحانَ اللهِ تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ؟ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: ((اذْهَبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَعْطِيهِ الْأَرْبَعينَ دِرْهِمًا الَّتِي عِنْدَهَا)).
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأْعْطَاهُ تَمْرَةً فَقَالَ الرَّجُلُ: سُبْحَانَ اللهِ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَتَصَدَّقُ بِتَمْرَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ فِيهَا مَثَاقِيلُ ذَرٍّ كَثِيرَةٌ، فَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ، فَقَالَ: تَمْرَةٌ مِنْ نَبِيٍّ! لَا تُفَارِقُنِي هَذِهِ التَمْرَةُ مَا بَقِيتُ، وَلَا أَزَالُ أَرْجُو بَرَكَتَهَا أَبَدًا.
فَأَمَرَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَعْرُوفٍ، وَمَا لَبِثَ الرَّجُلُ أَنِ اسْتَغْنَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدُ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ ـ لَمَّا قَالَ لَهُ سُفْيَان الثَّوْريُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا أَقُومُ حَتَّى تُحَدِّثنِي ـ قَالَ جَعْفَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَمَّا أَنِّي أُحَدِّثُكَ وَمَا كَثْرَةُ الحَدِيثِ بِخَيْرٍ لَكَ يَا سُفْيَانَ، إِذا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ فَأَحْبَبْتَ بَقاءَها وَدَوَامَها فَأكْثَرَ مِنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرُ عَلَيْهَا فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ: "لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكمْ" وَإِذا اسْتَبْطَأَتَ الرِّزْقَ فَأَكْثَرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرارًا * ويُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ (يَعْنِي فِي الدُّنْيَا، وَفي الْآخِرَةِ) وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيجْعَلْ لَّكم أَنهَارًا} الْآيَات: 10 و 11 و 12، مِنْ سُورَةِ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، يا سُفْيانُ إِذا أَحْزَنَكَ أَمْرٌ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَأكْثِرْ مِنْ: (لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الْفَرَجِ، وكَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ.
قولُهُ: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ النِّعَمَ وَجَحَدْتُمُوهَا، وَلأَسْلُبَنَّكُمْ إِيَّاهَا لأُعَاقِبَنَّكُمْ عِقَابًا شَدِيدًا عَلَى كُفرانِها، فَالْمُرَادُ هُنا الْكُفْرَانُ، وليسَ الْكُفْرُ، لِأَنَّ الْكُفْرَ الْمَذْكُورَ فِي مُقَابَلَةِ الشُّكْرِ إنَّما هو الْكُفْرَانُ لَيْسَ إِلَّا، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ كُفْرَانَ النِّعْمَةِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْجَهْلِ بِكَوْنِ تِلْكَ النِّعْمَةِ نِعْمَةً مِنَ اللهِ، وَالْجَاهِلُ بِهَا جَاهِلٌ بِاللهِ تعالى، وَالْجَهْلُ بِاللهِ مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعِقَابِ وَالْعَذَابِ، لأنَّ الْكائنَاتِ بِأَسْرِهَا مُنْقَادَةٌ لِلْحَقِّ ـ سُبْحَانَهُ وتعالى، وكُلُّ قَلْبٍ حَضَرَ فِيهِ نُورُ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَشَرَفُ جَلَالِهِ، انْقَادَ لِصَاحِبِه كلُّ مَا سِوَاهُ، فالنُّورِ الحاضِرُ فِي قَلْبِهِ يَسْتَخْدِمُ كُلَّ مَا سِوَاهُ بِالطَّبْعِ، وَإِذَا خَلَا قَلْبٌ عَنْ ذَلِكَ النُّورِ ضَعُفَ، فَيَسْتَخْدِمُهُ كُلُّ مَا سِوَاهُ ولِذَلِكَ فإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُوجِبُ انْفِتَاحَ أَبْوَابِ الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْها يُوجِبُ انْفِتَاحَ أَبْوَابِ وَالْمَخَاوِفِ المَتِاعِبِ فِي الدُنْيَا والآخِرَةِ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} الواو: عاطفةٌ. و "إِذْ" ظَرْفٌ لِمَا مَضَى مِنَ الزَّمانِ مَعْطوفٌ عَلَى "نِعْمَةَ اللهِ"، والتَقْديرُ: واذْكُرْ إِذْ قالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ، واذْكُرُوا إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكمْ، أَوْ مَعْطوفٌ عَلَى "إِذْ أَنْجَاكُمْ" والتقديرُ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ حِينَ أَنْجاكم وحِينَ تَأَذَّنَ رَبُّكم. و "تَأَذَّنَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، و "رَبُّكُمْ" فاعِلُهُ مرفوعٌ بِهِ، وهو مُضافٌ، والكافُ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، والمِيمُ علامةُ جمعِ الذكورِ والجُمْلةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلى "إذْ".
قولُهُ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} اللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ. و "إنْ حَرْفُ شَرْطٍ جازمٍ. و "شَكَرْتُمْ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرِّكٍ هو تاءُ الفاعِلِ، في مَحَلِّ الجَزْمِ بِـ "إنْ" الشَّرْطِيَّةِ عَلَى كَوْنِها فِعْلَ شَرْطٍ لَهَا. وتاءُ الفاعلِ ضميرٌ مسْتتِرٌ مبنيٌّ على الضمِّ في مَحَلِّ رَفْعِ فاعِلِهِ، والميمُ علامةُ الجَمْعِ المُذَكَّرِ. و "لَأَزِيدَنَّكُمْ" اللامُ: مُوَطِئَةٌ للقَسَمِ مُؤَكِّدَةٌ للأُولَى. و "أَزِيدَنَّكُمْ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ لاتِّصالِهِ بنونِ التوكيدِ الثقيلةِ، وفاعِلُهُ ضَمِيرُ التعظيمِ المُسْتَتِرُ فِيهِ وُجُوبًا تقديرُهُ "أنا" يَعودُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هَذِهِ جَوَابُ القَسَمِ لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعْرابِ، وجُمْلَةُ القَسَمِ مَعَ جَوابِهِ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقوْلِ المَحْذوفِ والتقديرُ: وإِذْ تَأَذَّنَ رَبَّكم، وقالَ: لِئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزيدَنَّكم، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ القَسَمِ والتقديرُ: إِنْ شَكَرْتُمْ أَزِدْكُمْ، وجُمْلَةُ الشَرْطِ مُعْتَرِضَةٌ لاعْتِراضِها بَيْنَ القَسَمِ وجَوابِهِ، لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإِعْرابِ.
قولُهُ: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} الواوُ: عاطِفَةٌ. و "وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ" مثلُ "لَئِنْ شَكَرْتُمْ" معطوفٌ علَيْهِ. "إِنَّ" حرفٌ نَاصِبٌ ناسِخٌ مُشبَّهٌ بالفعلِ للتوكيد. و "عَذَابِي" اسْمُهُ منصوبٌ بِهِ، وعلامةُ نَصْبِهِ الفتحةُ المُقدَّرةُ على ما قبلِ الياءِ لانْشِغالِهِ بالحَرَكَةِ المناسِبةِ، وهو مُضافٌ، وياءُ المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "لَشَدِيدٌ" خبره، واللام: للقسَمِ أو المُزحلقةُ للتَّوكيدِ، و "شديدٌ" خبَرُ "إنَّ" مرفوعٌ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِتَعْليلِ الجَوابِ المَحْذوفِ، فلا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قَرَأَ الجُمْهورُ: {وَإِذْ تأَذَّنَ رَبُّكَ} وقرأَ عبدُ اللهِ ابْنُ مَسْعُودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في روايةٍ عنهُ: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ".