فيض العليم ... سوؤة إبراهيم، الآية: 12
وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)
قولُهُ ـ تَعَالى شَأْنُهُ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} الاسْتِفْهامُ هُنا تَقْريرًا للتَوَكُّلِ وتَثْبيتًا لَهُ، والمَعْنَى: وَأَيُّ شَيْءٍ لَنَا فِي أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلى اللهِ تَعَالى؛ وَقد عرفنَا أَنَّهُ لَا يُنَالُ شَيْءٌ بِجُهْدٍ إِلَّا بَعْدَ أَن يَقْضِيَهُ اللهُ تَعَالَى ويُقَدِّرُهُ. وَقدْ أَرْشَدَنَا ـ سُبْحانَهُ، إِلَى سُبُلِ الْحَقِّ، وَبَيَّنَ لَنَا الرُّشْدَ، وَبَصَّرَنَا طَرِيقَ النَّجَاةِ. فأَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُنَا مِنَ التَوَكُّلِ عَلَيْهِ والحَالُ أَنَّنا عَلَى الحَقِّ والهُدَى، وَمَنْ كانَ عَلَى الحَقِّ والهُدَى فإِنَّ هُدَاهُ يُوجِبُ لَهُ تَمَامَ التَوَكُّلِ، وكَذَلِكَ مَا يُعْلَمُ مِنْ أَنَّ اللهَ مُتَكَفِّلٌ بِمَعُونَةِ المُهْتَدِي وكِفايَتِهِ، فإِنَّهُ يَدْعُو إلى ذَلِكَ، بِخِلافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الحَقِّ والهُدَى، فإنَّهُ لَيْس ضَامِنًا عَلى اللهِ شيئًا، وحَالُهُ مُناقِضِةٌ لِحالِ المُتَوَكِّلِينَ. وَقدْ أُضِيفَتِ السُّبُلُ إِلَى الأَنبياءِ علَيْهمْ السَّلامُ، في "سُبُلَنَا" للإشارَةِ إِلَى أَنَّ هذِهِ السُّبُلَ هِي التي يَنْبَغي أَنْ تَكونَ مَطْلَبَهم، وأَنْ تَكونَ غَايَتَهمُ التي يَبْتَغُونَها. وأَنَّهم إِذَا عَرَفوا أَنَّ السَّبيلَ صِراطُ اللهِ، واتَّخَذوها سَبِيلًا لَهُمْ فإِنَّهم المُعْتَمِدونَ عَلى اللهِ الصّابِرونَ.
وفي هذا إِشَارَةٌ مِنَ المُرْسَلينَ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لقومِهمْ بِأَنَّهمْ مقْهورونَ وأنَّ الغَلَبَةَ عَلَيْهِمْ، فالمُرسلونَ مُتَوَكِّلونَ عَلَى اللهِ، في دَفْعِ كَيْدِهم ومَكْرِهم، والمُرسَلون جازمون بكفايتِهِ تعالى إِيَّاهم. وقَدْ كَفَاهُمُ اللهُ شَرَّ أولئكَ المعاندينَ المكَذِّبينَ لهم منْ قومِهم، وهَذا كَقوْلِ نبي اللهِ هودٍ ـ عليهِ السَّلامُ، لقومِهِ: {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الآيات: 54 ـ 56، مِنْ سُورة هود. وكقولِ نُوحٍ ـ عليهِ السَّلامُ، لِقومِهِ: {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} الآية: 71، منْ سورةِ يونُس ـ عليهِ السَّلامُ.
قولُهُ: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} تَعْلِيمٌ لِلْمُؤمنِينَ وإِرْشادٌ لَهُمْ لِيَصْبِروا عَلى أَذَى مُخالِفِي الْحَقَّ. وهو مِنْ قولِ النبيينَ ـ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، أَيْ: ولَنَسْتَمِرَنَّ عَلَى دَعْوَتِكمْ ووَعْظِكم وتَذْكيرِكم، وَلَا نُبَالِي بِمَا يَأْتِينا مِنْكمْ مِنْ أَذًى، فإِنَّا سَنُوَطِّنُ أَنْفُسَنَا عَلَى مَا يَنَالُنا مِنْكُم في سبيلِ اللهِ احْتِسابًا للأَجْرِ، ونُصْحًا لَكُمْ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْديَكمْ مَعَ كَثْرَةِ التَذْكيرِ. فقد أَظْهَرَ الرُّسُلُ لِقَوْمِهِمْ أَنَّهُمْ غَيْرُ غَافِلِينَ عَنْ أَذَهم، وَأَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ كلَّ مَا يُوَاجِهُهُمْ بِهِ الْمُكَذِّبُونَ مِنْ أَذًى بِتَوَكُّلِهِمْ عَلَى اللهِ، هُمْ وَمَنْ آمَنَ مَعَهم، فأَمَرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّوَكُّلِ عليهِ ـ سُبْحانَهُ، تَذْكِيرًا لَهُمْ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ إِيمَانُهُمْ إِلَى زَعْزَعَةِ الشَّكِّ حِرْصًا عَلَى ثَبَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِعُمَرَ بْنِ الخطابِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ)). وَفِي ذَلِكَ الْأَمْرِ إِيذَانٌ بِأَنَّهُم لَا يَعْبَؤونَ بِمَا يُضْمِرُهُ لَهُمُ الْكَافِرُونَ مِنَ الْأَذَى، كَقَوْلِ السَّحَرَةِ لِفِرْعَوْنَ حِينَ آمَنُوا: {لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ} الآية: 50، مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاء. وهذا جزءٌ من حديثٍ طويلٍ أَخْرَجَهُ الأئمَّةُ: أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ: (1/33، برقم: 222)، والبُخارِيُّ في صحيحِهِ: (2/871، برقم: 2336)، ومُسْلِمٌ في صحيحِهِ: (2/1111، برقم: 1479)، والتِرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ: (5/420، برقم 3318)، والنَّسائيُّ، وابْنُ حِبَّانٍ وغيرُهم.
قولُهُ: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} التَّوَكُّلُ: هو الِاعْتِمَادُ، وَتَفْوِيضُك تَدْبِيرَ أَمْرِكَ إِلَى غَيْرِكَ ثِقَةً مِنْكَ بِأَنَّهُ الأَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ لَكَ، وَالتَّوَكُّلُ إنَّما يكونُ عَلَى اللهِ تَعالى لأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَنْفَعُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. والتَوَكُّلِ، يَعْني أَيضًا أَنْ تَسْتَنْفِدَ أَسبابَ اللهِ المَمْدودَةِ؛ لأَنَّ التَوَكُّلَ عَمَلُ القُلوبِ؛ وإنَّما يكونُ بَعدَ أَنْ تُؤدِّي الجوارحُ مَا عَلَيْها مِنْ عَمَلٍ وأَخْذٍ بالأَسْبابِ؛ فالجَوارحُ تَعْمَلُ، والقُلوبُ هِيَ التي تَتَوَكَّلُ. وتَوَكُّلُ المرْسَلينَ ـ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، هو في أَعْلَى المَطالِبِ وأَشْرَفِ المَراتِبِ، وهوَ التَوَكُّلُ عَلَى اللهِ في إِقامَةِ دِينِهِ ونَصْرِهِ، وهِدايةِ عَبيدِهِ، وإِزالَةِ الضَلالِ عَنْهم، وهَذَا أَكْمَلُ مَا يَكونُ مِنَ التَوَكُّلِ، فلا بُدَّ لَهم أَمَامَ هَؤلاءِ المُعانِدينَ المُتَعَنِّتينَ مِنَ الاعْتِمادِ عَلَى القَوِيِّ القَادِرِ. وقد جاءَ الأَمْرُ الأَوَّلُ في الآيَةِ التي قَبْلَها بِالتَوَكُّلِ للمُؤْمِنينَ فَقَط، أَمَّا هُنا في هذه الآيةِ فهُوَ يَشْمَلُ المُؤمِنينَ والمرْسَلينَ، وهوَ تَحْديدٌ للتَوَكُّلِ الذي يَجِبُ أَنْ يَكونَ عليهِ حالُ المُؤْمِنِ لَا يُفارِقُهُ؛ لأَنَّ التَوَكُّلَ عَلَى اللهِ مَعَ اتِّخاذُ الأَسبابِ عِبادَةٌ.
وَرَدَ في بَرَكَةِ قولِهِ "وَمَا لنا أَلا نَتَوكَّلَ عَلَى اللهِ": ((إِذا آذَاكَ البَرْغُوثُ، فَخُذْ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ، واقْرَأْ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ "وَمَا لنا أَلا نَتَوكَّلَ عَلَى اللهِ" الْآيَة ثمَّ تَرُشُّ حَوْلَ فِراشِكَ)). أَخرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الفِرْدَوْسِ مِنْ حديثِ أَبي الدَرْدَاءِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، رَفَعَهُ إلى النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وَأَخْرَجَ المُسْتَغْفِرِيُّ فِي الدَّعْوَاتِ عَنْ أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَإِذا آذَاك البرغوثُ فَخذْ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ، واقْرَأْ عَلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ "وَمَا لنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلى اللهِ" الْآيَة. ثمَّ يقولُ: فَإِن كُنْتُمْ مُؤمنينَ فَكُفُّوا شَرَّكمْ وأَذاكُم عَنَّا، ثمَّ تَرُشُّهُ حَوْلَ فِراشِكَ فَإنَّكَ تَبيتُ آمِنًا مِنْ شَرِّها.
قولُهُ تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} الواوُ: عاطفةٌ. و "ما" للاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ مبنيَّةٌ على السُّكونِ في مَحَلِّ الرَّفعِ بالابْتِداءِ. و "لَنَا" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرِ المبتَدَأِ، وَ "نَا" ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في مَحلِّ الجَرِّ بحرفِ الجرِّ، والجُمْلَةُ في مَحلِّ النَّصبِ بالقولِ عَطْفًا عَلى الجُمَلِ التي قَبْلَهَا. و "أَلَّا" أَنْ: حَرْفُ نَصْبٍ مَصْدَرِيٌ. و "لا" نافيَةٌ لا عَمَلَ لها. و "نَتَوَكَّلَ" فِعْلٌ مُضارعٌ مَنْصوبٌ بِـ "أنْ" وفاعلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ "نحن" يَعودُ عَلى الرُّسُلِ. و "عَلَى" حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، واسْمُ الجلالةِ "اللهِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِحَرْفِ جَرٍّ مَحْذوفٍ والتقديرُ: في عَدَمِ تَوَكُّلِنا عَلَى اللهِ، وهذا الجارُّ المحذوفُ مُتَعَلِّقٌ بالاسْتِقْرارِ الذي تَعَلَّقَ بِهِ الخَبَرُ. و "وَقَدْ" الواوُ: حالِيَّةٌ. و "قَدْ" حَرْفُ تَحْقيقٍ. و "هَدَانَا فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ عَلَى الفَتْحِ المُقَدَّرِ عَلَى الأَلِفِ لتَعَذُّرِ ظهورِها عليهِ. والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ فيهِ جَوازًا تقديرُهُ (هو) يَعودُ عَلى "اللهِ" تعالى، و "نا" ضميرٌ مُتَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بهِ أَوَّل، و "سُبُلَنا" مفعولٌ بِهِ ثانٍ منصوبٌ وهو مُضافٌ، و "نا" ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنِ اسْمِ الجَلالَةِ، أَيْ: حالةَ كَوْنِهِ هَادِيًا إِيَّانَا سُبُلَنَا.
قولُهُ: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} الواوُ: عاطفةٌ. واللامُ: مُوَطِّئَةٌ للقَسَمِ. و "نَصْبِرَنَّ" فِعْلٌ مُضارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ؛ لاتِّصالِهِ بِنُونِ التَوْكيدِ الثَقيلَةِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مسْتترٌ فيهِ وُجوبًا تقديرُهُ (نحنُ) يَعودُ عَلى المُرْسَلينَ، والنونُ نونُ التوكيدِ الثقيلةِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ جَوابُ القَسَمِ، وجُمْلَةُ القَسَمِ في محلِّ النَّصْبِ بالقولِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَها. و "عَلَى" حَرْفُ جَرٍّ متلِّقٌ بِـ "آذَيْتُمُونَا". و "مَا" مَصْدَرِيَّةٌ وهوَ الأَرْجَحُ لِعَدَمِ الحاجَةِ إِلى رَابِطٍ ادُّعِيَ حَذْفُهُ عَلَى غَيْرِ قِياسٍ، ويجوزُ أَنَّها مَوْصولةٌ اسْمِيَّةٌ، والعائدُ محذوفٌ عَلَى التَدْريجِ، إِذِ الأَصْلُ: آذيْتُمونا بِهِ، ثُمَّ حُذِفَتِ الباءُ، فَوَصَلَ الفِعْلُ إِلَيْهِ بِنَفْسِه. و "نَصْبِرَنَّ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ مبنيٌّ على السُّكونِ في مَحَلِّ رفعِ فاعِلِهِ، و "نا" ضميرٌ مُتَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بهِ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذِهِ مَعَ "مَا" المَصْدَرِيَّةِ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجرورٍ بِـ "عَلَى" تَقديرُهُ: عَلى إِيذائكم إِيَّانا.
قولُهُ: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} الوَاو: عاطِفةٌ، وَالْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ بِالْوَاوِ عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ. و "عَلَى" جارٌّ مُتَعَلِّقٌ بِما بَعْدَهُ، واسْمُ الجلالةِ "اللهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليهِ، وَتَقَدُّمُ الجارِّ والمجرورِ هُنَا مُؤُذِنٌ بِحَصْرِ تَوكُّلِ المتوكِّلينَ فِيهِ تَعالى، وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ نَصْرًا مِنْ غَيْرِهِ ـ سُبحانَه، لِضَعْفِهِمْ وَقِلَّةِ نَاصِرِهِمْ. وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ وَاثِقُونَ بِنَصْرِهِ ـ جلَّ وعَلا. و "فَلْيَتَوَكَّلِ" الفاءُ: زائدَةٌ، أوْ هيَ الفَصيحَةُ، الرابطةُ لِجَوابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، فهي رابطةٌ لِجُملةِ {لِيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} من الآيةِ السابقةِ بِمَا أَفَادَهُ تَقْدِيمُ الجارِّ والْمَجْرُورِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ عَجِبْتُمْ مِنْ قِلَّةِ اكْتِرَاثِنَا بِتَكْذِيبِكُمْ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَإِنْ خَشِيتُمْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى اللهِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَضِيرَهُمْ عَدُوُّهُمْ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى في سورةِ المائدةِ: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} الآية: 23. واللامُ: لامُ الأَمْرِ، و "يتوكَّلِ" فِعْلُ أَمرٍ مَجْزومٌ بِـ لامِ الأَمْرِ وعلامةُ جَزْمِهِ السكونُ على آخِرِهِ، وحُرِّكَ بالكَسْرةِ للالتقاء الساكنينِ. و "المتوكِّلون" فاعلُهُ مرفوعٌ بهِ وعلامةُ رفعِهِ الواوُ لأنَّهُ جمعُ المذكَّرِ السالِمُ، والنونُ عِوَضٌ عنِ التنوينِ في الاسْمِ المفردِ، والجملةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بِـ "قَالَتْ".
قرَأَ العامَّةُ: {فَلْيَتَوَكَّلِ} بسُكونِ لامِ الأَمرِ، وقرَأَ الحَسَنُ "فَلِيَتَوَكَّلْ" بِكَسْرِها، وهوَ الأَصْلُ.