فيض العليم ... سورة الرعد الآية: 13
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)
قولُهُ ـ تعالى شَأْنُهُ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} النصُّ واضحٌ في أَنَّ الرَّعْد يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ تعالى بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ بالمُسْتَبْعَدِ، ولا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَهو جَائزٌ بِدَلِيلِ خَلْقِ الْحَيَاةِ فِيهِ، وبدليل قَوْلِهِ: "وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ" فَلَوْ كَانَ الرَّعْدُ مَلَكًا لَدَخَلَ فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ. وَمَنْ قَالَ بأَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ كالطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ: مَعْنَى "مِنْ خِيفَتِهِ" مِنْ خِيفَةِ اللهِ تَعَالى، فعَوْدُ الضَّميرِ على اللهِ وَلَيْسَ على الرَّعْدِ. ونَقَلَ الإمامُ البَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِالسَّحَابِ، يَصْرِفُهُ إِلَى حَيْثُ يُؤْمَرُ، وَأَنَّ بُحُورَ الْمَاءِ فِي نَقْرَةِ إِبْهَامِهِ، وَأَنَّهُ يُسَبِّحُ اللهَ تَعَالَى، فَإِذَا سَبَّحَ لَا يَبْقَى مَلَكٌ فِي السَّمَاءِ إِلَّا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّسْبِيحِ، فَعِنْدَهَا يَنْزِلُ الْقَطْرُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَلَكٌ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَعَنْ يَمِينِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى يَمِينِهِ وَسَبَّحَ سَبَّحَ الْجَمِيعُ مِنْ خَوْفِ اللهِ، وَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى يَسَارِهِ وَسَبَّحَ سَبَّحَ الْجَمِيعُ مِنْ خَوْفِ اللهِ. وقيلَ المَعْنَى أَنَّ مَا في الرَّعْدِ مِنْ آياتٍ يَدْعُو إِلى تَسْبيحِ اللهِ تَعَالى وحَمْدِهِ. أَيْ أَنَّ سامِعِي صَوْتِ الرَّعْدِ مِنَ الخَلْقِ يَرْفَعُونَ أَصْواتَهم بالتَّسْبيحِ والحَمْدِ. وإنَّما أُسْنِدَ التَّسْبيحُ إِلى الرَّعْدِ لِأَنَّه يَحَمِلُهم عَلَى ذَلِكَ. وقدْ كانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ: ((سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ))، وإِذا اشْتَدَّ الرَّعْدُ قَالَ: ((اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، ولا تُهْلِكْنَا بِعَذابِكَ، وعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ)). أَخْرَجَهُ الإمامُ أَحمد في مُسْنَدِهِ: (2/100 ـ 5763). والبُخَارِي في (الأدب المفرد): (721). والتِّرْمِذِيُّ: (3450). والنَّسائيُّ في عمل اليوم والليلةِ: (928). مِنْ حديثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخطَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهم. وعَنْ أَميرِ المؤمنينَ عليِّ بْنِ أبي طالبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كانَ إِذا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قالَ: (سُبْحانَ مَنْ سَبَّحْتَ لَهُ). والأَوْلَى إِجْراءُ التَسْبِيحِ عَلَى ظاهِرِهِ، ولا حَاجَةَ لِمِثْلِ هَذَا التَأْويلِ، فالقُرْآنُ أَثْبَتَ التَّسْبيحَ للجَمَاداتِ جَمِيعًا، قالَ تَعَالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ.
قولُهُ: {وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} وتُسَبِّحُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ خِيفَةِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَشْيَتِهِ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ أَعْوَانَ الرَّعْدِ، وقد جَعَلَ اللهُ تَعَالَى لَهُ أَعْوَانًا فَهُمْ خائفونَ خَاضِعُونَ مُتَذَلِّلونَ طَائِعُونَ. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، إنَّ المَلائكةَ خَائِفُونَ مِنَ اللهِ لَيْسَ كَخَوْفِ ابْنِ آدَمَ، لَا يَعْرِفُ وَاحِدُهُمْ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَمَنْ عَلَى يَسَارِهِ، لَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ، وَعَنْهُ أَيْضًا كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سَبَّحْتُ لَهُ. وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ قَالَ: سُبْحَانَهُ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا وَعِيدٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ شَدِيدٌ.
قولُهُ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} الصَّواعِقُ: جَمْعُ صَاعِقَةٍ وَهِيَ الْعَذَابُ الْمُهْلِكُ يَنْزِلُ مِنَ الْبَرْقِ فَيَحْرِقُ مَنْ يُصِيبُهُ، فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ، كَمَا أَصَابَ أَرْبَدَ بْنَ رَبِيعَةَ، وهيَ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَغَيْرَ الْمُسْلِمِ وَلَكنْ لا تُصِيبُ الذَّاكِرَ.
وَسُئِلَ الْحَسَنُ الَبَصْريُّ ـ رضيَ اللهُ عنهُ، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: "وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ" الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ طَوَاغِيتِ الْعَرَبِ بَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفَرًا يَدْعُونَهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي عَنْ رَبِّ مُحَمَّدٍ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِمَّ هُوَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ، فَاسْتَعْظَمَ الْقَوْمُ مَقَالَتَهُ فَانْصَرَفُوا إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا أَكْفَرَ قَلْبًا وَلَا أَعْتَى عَلَى اللهِ مِنْهُ، فَقَالَ: ((ارْجِعُوا إِلَيْهِ)) فَرَجَعُوا إِلَيْهِ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُمْ عَلَى مِثْلِ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، وَقَالَ: أُجِيبُ مُحَمَّدًا إِلَى رَبٍّ لَا أَرَاهُ وَلَا أَعْرِفُهُ فَانْصَرَفُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا زَادَنَا عَلَى مقالَتِهِ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى وَأَخْبَثَ فَقَالَ: ((ارْجِعُوا إليه)) فرَجَعوا إِلَيْهِ فَبَيْنَما هُمْ جُلُوسٌ عِنْدَهُ يُنَازِعُونَهُ وَيَدْعُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِذِ ارْتَفَعَتْ سَحَابَةٌ فكانتْ فوقَ رُؤوسِهم فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ وَرَمَتْ بِصَاعِقَةٍ فَاحْتَرَقَ الكافِرُ وَهمْ جُلُوسٌ عِنْدَهُ، فجَاؤوا يَسْعَوْنَ لِيُخْبِرُوا رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَقْبَلَهُمْ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا لَهُمْ احْتَرَقَ صَاحِبُكُمْ، فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ فَقَالُوا أَوْحَى اللهُ إِلَى النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ". ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْحَسَنِ، والْقُشَيْرِيِّ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ.
قولُهُ: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ} أَيْ أَنَّهم يُجادلونَ فِي تَوْحِيدِ اللهِ ـ سبحانَهُ وتعالى، أَوْ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى الإحياءِ بعد الإماتَةِ، والْبَعْثِ والنُشورِ للحسابِ والعقابِ أَوْ الأَجرِ والثَوابِ. وَمِنْ جَدَلِهِمْ مَا حَكَاهُ تعالى عنهم في آخِرِ سورةِ (يس) بقولِهِ: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}. الآيَتَانِ: (77 و 78).
قولُهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قَالَ الإمامُ عَلِيٌّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وكرَّمَ وجهَهُ: شَدِيدُ الْأَخْذِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: شَدِيدُ الْحَوْلِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ ـ رضيَ اللهُ عنهُ: شَدِيدُ الْقُوَّةِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: شَدِيدُ الْعُقُوبَةِ. وَقِيلَ: شَدِيدُ الْمَكْرِ. وقال أبو زيد: هو النِّقْمة. وقالَ ابْنُ عَرَفَةَ، هوَ الجِدال. وفيه على هذا مُقابلةٌ معنويَّةٌ كأَنَّهُ قِيلَ: وَهم يُجَادِلونَ في اللهِ وهوَ شَديدُ الجِدالِ. و "المِحالُ" بِكَسْرِ الْمِيمِ، والمُماحَلَةُ: المُماكَرَةُ والمُغَالِبَةُ والمُجادلةُ، وَفِعْلُهُ مَحَلَ، ولَهُ هُنَا مَعْنَيَيْنِ، فإِنْ كَانَتِ الْمِيمُ فِيهِ أَصْلِيَّةً فَهُوَ (فِعَالٌ)، بِمَعْنَى الْكَيْدِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَمَحَّلَ، إِذَا تَحَيَّلَ. فقد جَعَلَ جِدَالَهُمْ فِي اللهِ جِدَالَ كَيْدٍ لِأَنَّهُمْ يُبْرِزُونَهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِي نَحْوِ قَوْلهم: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ فَقُوبِلَ بِـ "شَدِيدُ الْمِحالِ" عَلَى طَرِيقَةِ الْمُشَاكَلَةِ، أَيْ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ لَا يَغْلِبُونَهُ، وَنَظِيرُهُ قولُهُ في الآيةِ: 54، مِنْ سورةِ آلِ عمران: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ}. وَقَالَ نِفْطَوَيْهِ: هُوَ مِنْ مَاحَلَ عَنْ أَمْرِهِ، أَيْ جَادَلَ. وَالْمَعْنَى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمُجَادَلَةِ، أَيْ قَوِيُّ الْحُجَّةِ. وَإِنْ كَانَتِ الْمِيمُ زَائِدَةً فَهُوَ مِفْعَلٌ مِنَ الْحَوْلِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَإِبْدَالُ الْوَاوِ أَلِفًا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِلْقَلْبِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْوَاوِ سَاكِنٌ سُكُونًا حَيًّا. فَلَعَلَّهُمْ قَلَبُوهَا أَلِفًا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِحْوَلٍ بِمَعْنَى صَبِيٍّ ذِي حَوْلٍ، أَيْ سَنَةٍ.
وَقد ذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ وَالطَّبَرِيُّ والبغويُّ في أَسْبَابِ نُزولِ هَذِهِ الآيَةِ أَخْبَارًا عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنِ رَبِيعَةَ حِينَ وَرَدَا الْمَدِينَة يَشْتَرِطانِ لِدُخُلولِهِما فِي الْإِسْلَامِ شُرُوطًا لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُمَا النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَمَّ أَرْبَدُ بِقَتْلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَرَفَهُ اللهُ، فَخَرَجَ هُوَ وَعَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ قَاصِدَيْنِ قَوْمَهُمَا وَتَوَاعَدَا النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنْ يَجْلِبَا عَلَيْهِ خَيْلَ بَنِي عَامِرٍ. ورُويَ أَنَّ أَرْبَدَ بْنَ رَبِيعَةَ العامريَّ، وهوَ أَخُو الشَّاعِرِ المَعروفِ لَبيدِ بْنِ رَبيعةَ. قالَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِمَّ رَبُّكَ أَمِنْ دُرٍّ أَمْ مِنْ يَاقُوتٍ أَمْ مِنْ ذَهَبٍ؟. فَنَزَلَتْ صَاعِقَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهُ، وَأَهْلَكَ اللهُ عَامِرًا بِغُدَّةٍ نَبَتَتْ فِي جِسْمِهِ فَمَاتَ مِنْهَا وَهُوَ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ فِي طَرِيقِهِ إِلَى أَرْضِ قَوْمِهِ، فَنَزَلَتْ فِي أَرْبَدَ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ وَفِي عَامِرٍ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ.
قولُهُ تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} الواو: حرفُ عَطْف، وَ "يُسَبِّحُ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، و "الرَّعْدُ" فاعِلٌ مرفوعٌ. و "بِحَمْدِهِ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُسَبِّحُ" أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مِنَ "الرَّعْدِ". و "حمدِهِ" مَجْرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ، وهو مُضَافٌ، والهاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الصِّلَةِ، والعائدُ هو الضَميرُ في "بِحَمْدِهِ".
قولُهُ: {وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} الوَاوُ: للعطْفِ، و "الْمَلَائِكَةُ" مَعْطوفٌ عَلَى "الرَّعْدُ". و "مِنْ" حرفُ جرٍّ وهي سَبَبِيَّةٌ مُتَعَلِّقةٌ بِـ "يُسَبِّحُ" أَيْضًا، و "خِيفَتِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ، مُضافٌ، والهاء: ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ.
قولُهُ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} الوَاوُ: للعطفِ، و "يُرْسِلُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى الاسمِ المَوْصُولِ "الذي"، و "الصَّوَاعِقَ" مفعولُهُ منصوبٌ بِهِ، والجُمْلَةُ معطوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ الصِّلَةِ.
قولُهُ: {فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} الفاءُ: حرفُ عَطْفٍ. و "يُصِيبُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَعْطوفٌ عَلَى "يُرْسِلُ"، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلى الاسمِ المَوْصُولِ "الذي". و "بِهَا" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُصيبُ" والهاء: ضَميرٌ متَّصلٌ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ. و "مَنْ" اسْمٌ مَوْصُولٌ في مَحَلِّ النَّصْبِ، مَفْعولٌ بِهِ لـ "يُصِيبُ". و "يَشَاءُ" فِعْلٌ مُضَارِعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وَفاعِلُهُ ضَمِيرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ (هو) يَعُودُ عَلَى الاسْمِ الموصولِ "الذي"، والجُمْلَةُ صِلَةُ "مَنْ" المَوْصُولَةِ لا مَحَلَّ لها، والعائدُ مَحْذوفٌ والتقديرُ: يَشَاءُهُ.
قولُهُ: {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ} الوَاوُ: حاليَّةٌ، و "هُمْ" ضميرٌ منفصلٌ مبنيٌّ في محلِّ الرفعِ بالابْتِداءِ، و "يُجَادِلُونَ" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثبوتُ النونِ في آخرِه لأنَّهُ منَ الأفعالِ الخمسةِ، والواوُ ضميرُ الجماعةِ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ، فاعلُهُ، والجملةُ الفعليَّةُ هذه في محلِّ الرَّفعِ خبَرُ المُبْتَدَأِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ "مَنْ" المَوْصُولَةِ، أَيْ: فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ في حالِ جِدالِهم، أوْ بحالٍ مِنْ مَفْعولِ "يَشَاءُ" وأَعادَ عَلَيْها الضَميرُ جَمْعًا باعتبار معناها. وَيَجُوزُ أَنْ تَكونَ الجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً أَخْبَرَ عَنْهم بِذَلِكَ، و "فِي" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُجَادِلُونَ"، ولَفْظُ الجلالةِ "اللهِ" اسْمٌ مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ.
قولُهُ: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} الوَاوُ: حاليَّةٌ، و "هُوَ" ضميرٌ منفصِلٌ مبنيٌّ في محلِّ الرفعِ بالابْتِداءِ، و "شَدِيدُ" خبَرُهُ مرفوعٌ، وهو مُضافٌ. و "الْمِحَالِ" مَجرورٌ بالإضافَةِ إِلَيْهِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ على الحالِ مِنْ لَفْظِ الجَلالَةِ الكَريمَةِ، ويَضْعُفُ أَنْ تكونَ مُسْتَأْنَفَةً.
وقرَأَ العامَّةُ: {المِحال} بِكَسْرِ المِيمِ، وهوَ القُوَّةُ والإِهلاكُ، قالَ عبدْ المُطَّلِبِ:
لا يَغْلِبَنَّ صَلِيْبُهُمْ ............................ ومِحالُهم عَدْواً مِحالَكْ
وقال الأعشى:
فَرْعُ نَبْعٍ يَهْتَزُّ في غُصُنِ المَجْــ ........ ــدِ عَظِيمُ النَّدَى شَديدُ المِحالِ
وقرَأَ الأَعْرَجُ والضَّحَّاكُ بِفَتْحِها، والظاهِرُ أَنَّهُ لُغَةٌ في المَكْسورةِ، وهوَ مَذْهَبُ ابْنُ عَبَّاسٍ، فإنَّهُ فَسَّرَهُ بالحَوْل وفَسَّرَهُ غيرُهُ بالحِيلَةِ. أَوْ أَنَّهُ على وزنِ "مَفْعَل" مِنْ حالَ يَحولُ مَحالًا، إذا احْتَالَ، ومِنْهُ: اَحْوَلُ مِنْ ذئب. أَيْ: أَشَدُّ حِيْلةً مِنْ ذِئْبٍ، ويَجُوزُ أَنْ يَكونَ المَعْنَى: شَديدُ الفَقَارِ، ويَكونُ مَثَلًا في القُوَّةِ والقُدْرَةِ، كَمَا جَاءَ في الحديثِ الشريف: (فَسَاعِدُ اللهِ أَشَدُّ، ومُوْساهُ أَحَدٌ) وهذا جزءٌ منْ حديثٍ طويلٍ أَخرجَهُ الإمامُ أحمدُ بْنُ حنبلٍ، والحميديُّ في مُسْنَدَيهِما مِنْ حديثِ عَمْرِو بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَمِّهِ أَبِى الأَحْوَصِ: عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ ـ رضِيَ اللهُ عنْهُ. لأَنَّ الحيوانَ إذا اشْتَدَّ مَحالُه كان منعوتًا بِشِدَّةِ القُوَّةِ والاضْطِلاعِ بِمَا يُعْجِزُ غَيْرَهُ، أَلَا تَرَى إلى قولِهم: (فلانٌ فَقَرَتْه الفاقِرَةُ) وذَلِكَ أَنَّ الفَقَارَ هو عَمُودُ الظَّهْرِ وقِوامُه.