فيضُ العليم ... سورة الرعد، الآية: 11
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أَيْ: إِنَّ لِلْعَبْدِ مَلاَئِكَةٌ يَتَعَاقَبُونَ عَلَى مُرَاقَبَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ، والضَّمِيرَ فِي "لَهُ" عَائِدٌ إِلَى "مَنْ" مِنْ قَوْلِهِ في الآيَةِ التي قبْلَها: {سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ}، وَقِيلَ يَعُودُ عَلَى اسْمِ "اللهِ" تَعالى المُضْمَرِ فِي قوْلِهِ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}، من الآيةِ: 9، السابِقَةِ. وَالْمَعْنَى: للهِ مُعَقِّبَاتٌ، وَأَمَّا الْمُعَقِّبَاتُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مُعْتَقِبَاتٍ فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الْقَافِ كَقَوْلِهِ في الآيةِ: 90، مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ: {وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ}، وَالْمُرَادُ الْمُعْتَذِرُونَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَقَبَ فلانٌ فلانًا إِذَا جَاءَ عَلَى عَقِبِهِ، فَاسْمُ الْمُعَقِّبِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا خَلَفَ مَا قبْلَهُ وعَقَبَهُ، والمَعْنَى في كِلا الوَجْهَيْنِ وَاحِدٌ. والْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بالمُعَقِّباتِ الْمَلَائِكَةُ الْحَفَظَةُ، وَقد وَصَفَهُمْ بِالْمُعَقِّبَاتِ، لأَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ تَعْقُبُ مَلَائِكَةَ النَّهَارِ وَبِالْعَكْسِ، أَوْ لأَنَّهُمْ يَتَعَقَّبُونَ أَعْمَالَ الْعِبَادِ وَيَتْبَعُونَهَا بِالكِتابَةِ والْحِفْظِ، وَعلَيهِ فَالْمُعَقِّبَاتُ هُمْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ. رُوِيَ أَنْ عُثْمَانَ بْنَ عفَّانٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْعَبْدِ كَمْ مَعَهُ مِنْ مَلَكٍ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((مَلَكٌ عَنْ يَمِينِكَ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ، فَإِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِصَاحِبِ الْيَمِينِ أَكْتُبُ؟ فَيَقُولُ لَا، لَعَلَّهُ يَتُوبُ. فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا، قَالَ: نَعَمْ اكْتُبْ، أَرَاحَنَا اللهُ مِنْهُ، فَبِئْسَ الْقَرِينُ مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ للهِ تَعَالَى، وَاسْتِحْيَاءَهُ مِنَّا، وَمَلَكَانِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ" وَمَلَكٌ قَابِضٌ عَلَى نَاصِيَتِكَ، فَإِذَا تَوَاضَعْتَ لِرَبِّكَ رَفَعَكَ، وَإِنْ تَجَبَّرْتَ قَصَمَكَ. وَمَلَكَانِ عَلَى شَفَتِكَ يَحْفَظَانِ عَلَيْكَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ، وَمَلَكٌ عَلَى فِيكَ لَا يَدَعُ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَّةُ فِي فِيكَ، وَمَلَكَانِ عَلَى عَيْنَيْكَ، فَهَؤُلَاءِ عَشَرَةُ أَمْلَاكٍ عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ تُبَدَّلُ، مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ بِمَلَائِكَةِ النَّهَارِ فَهُمْ عِشْرُونَ مَلَكًا عَلَى كُلِّ آدَمِيٍّ)). أَخْرَجَهُ ابْنُ جَريرٍ عَنْ كِنَانَةَ العَدَوِيِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَ أخرجَ البُخارِيُّ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رسولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((يَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ» . صحيحُ البُخاري: (555) كتاب الصلاة، باب: فضل صلاة العصر، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في صحيحِه: (632) كتاب المَسَاجِدِ، والإمامُ أَحمَدُ: (20/57 (10314) تحقيق أَحمد شاكِر، وصَحَّحَ إسناده. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى في الآية: 17 من سورةِ (ق): {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ} صَاحِبُ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَالَّذِي عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ. فإِذَا عَلِمَ الْإِنْسَانَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُحْصِي عَلَيْهِ أقوالَهُ وأَفعالَهُ كَانَ إِلَى الْحَذَرِ مِنَ الْمَعَاصِي أَقْرَبَ، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ يَعْتَقِدُ جَلَالَةَ الْمَلَائِكَةِ وَعُلُوَّ مَرَاتِبِهِمْ فإذا حَاوَلَ الْإِقْدَامَ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَهَا زَجَرَهُ الْحَيَاءُ مِنْهُمْ عَنِ ذلك الْإِقْدَامِ، كَمَا لو كانَ حَضِرًا مَنْ يخافُهُ ويُطِيعُه مِنَ الْبَشَرِ. وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ هؤلاءِ الْمَلَائِكَةَ يُحْصُونَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَعْمَالَ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا رَادِعًا لَهُ عَنْهَا. ذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَخْفِيَ بِاللَّيْلِ وَالسَّارِبَ بِالنَّهَارِ قَدْ أَحَاطَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُعَقِّبَاتُ فَيَعُدُّونَ عَلَيْهِ أَعْمَالَهُ وَأَقْوَالَهُ بِتَمَامِهَا. فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَهَا عليهِ ويحفظونَها وأنَّهُ محاسَبٌ عَلَيْها يَوْمَ القيامَةِ كَانَ الرَّدْعُ أَقْوى وأَكْمَلَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ أَنَّهم يَحْفَظُونَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَهَالِكِ، مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، لِأَنَّ السَّارِبَ بِالنَّهَارِ إِذَا سَعَى فِي مُهِمَّاتِهِ فَإِنَّمَا يَحْذَرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ.
قولُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} يَحْفَظُونَهُ مِنَ المَضَارِّ فِي نَوْمِهِ، وَفِي يَقَظَتِهِ، بِأَمْرٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَلاَ يَصِلُ إِلَيْهِ إِلاَّ ما قَدَّرَهُ اللهُ لَهُ عَلَيْهِ، وهوَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالتَّقْدِيرُ: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ يَحْفَظُونَهُ. وقيل: أَنَّ فِيهِ إِضْمَارًا أَيْ: ذَلِكَ الْحِفْظُ مِنْ أَمْرِ اللهِ، أَيْ: مِمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ. فَحُذِفَ الِاسْمُ وَأُبْقِيَ خَبَرُهُ. وَقالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ إنَّ "مِنْ" هُنَا بِمَعْنَى الْبَاءُ وَالتَّقْدِيرُ: يَحْفَظُونَهُ بِأَمْرِ اللهِ، واتَّفَقَ الْمُنَجِّمونَ عَلَى أَنَّ التَّدْبِيرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وفِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِكَوْكَبٍ مِنَ الكَواكِبِ، وَكَذَلك الْقَمَرِ، وَقالوا إِنَّ تِلْكَ الْكَوَاكِبَ لَهَا أَرْوَاحٌ، فَالتَّدْابِيرُ الْمُخْتَلِفَةُ إِنَّما هي فِي الْحَقِيقَةِ لِتِلْكَ الْأَرْوَاحِ، وإِنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ رُوحًا فَلَكِيَّةً يَتَوَلَّى إِصْلَاحَ مُهِمَّاتِهِ وَدَفْعَ بَلِيَّاتِهِ وَآفَاتِهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ ـ رضي اللهُ عَنْهُ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَلَكٌ يَحْفَظُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ. وَهذَا أَمرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ قُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ وَأَصْحَابِ الْأَحْكَامِ، وَمِنَ المُؤَكَّدِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ فِي جَوَاهِرِهَا وَطَبَائِعِهَا فَبَعْضُهَا خِيِّرَةٌ، وَبَعْضُهَا شِرِّيرَةٌ، وَبَعْضُهَا قَوِيَّةُ السُّلْطَانِ، وَبَعْضُهَا ضَعِيفَتُهُ. وَكذَلك الْأمرُ فِي الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْفَلَكِيَّةَ فِي كُلِّ بَابٍ وَكُلِّ صِفَةٍ أَقْوَى مِنَ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ تَكُونُ مُتَشَارِكَةً فِي طَبِيعَةٍ خَاصَّةٍ وَصْفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، لِمَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي تَرْبِيَةِ رُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ مُشَاكِلَةً لَهَا فِي الطَّبِيعَةِ وَالْخَاصِّيَّةِ، وَكأَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ أَوْلَادٌ لِتلك الأَرْواحِ الْفَلَكِيَّةِ، فهي تُعِينُها عَلَى مُهِمَّاتِهَا وَتُرْشِدُها إِلَى مَصَالِحِهَا وَتعْصِمُها عَنْ صُنُوفِ الْآفَاتِ، وهَذَا كَلَامٌ ذَكَرَهٌ مُحَقِّقُو الْفَلَاسِفَةِ، وجاءتْ بِهِ الشريعةُ الغرَّاءُ، ثُمَّ إِنَّ فِي اخْتِصَاصِ تِلْكَ الأَرْواحِ (الْمَلَائِكَةِ) وَتَسَلُّطِهِمْ عَلَى بَنِي آدَمَ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ سِوَى الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا مِنْ قَبْلُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَمَعَهُ مَلَكٌ يَحْفَظُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ، فالشَّيَاطِينُ تَدْعُوا إِلَى الشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي، وَالْمَلَائِكَةُ تَدْعُوا إِلَى الْخَيْرات وَطاعَةِ اللهِ رَبِّ الأرضِ والسَماواتْ ومَنْ فيهِنَّ.
ونحنُ نَرَى في الواقعِ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ دَاعٍ قَوِيٌّ لأَمْرٍ مَّا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ كَانَ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ مَصَالِحِهِ وَخَيْرَاتِهِ، وَالعكسُ فقَدْ يَجِدُ في نَفْسِهِ داعٍ آخرَ يكونُ السَّبَبَ لِوُقُوعِهِ فِي مصيبةٍ أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ. إِذًا فالدَّاعِي إِلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ كَانَ مُرِيدًا لِلْخَيْرِ وَالرَّاحَةِ، وَالداعي إِلَى الْأَمْرِ الثَّانِي كَانَ مُرِيدًا لِلْفَسَادِ وَالضَّرَرِ، فالْأَوَّلُ هُوَ الْمَلَكُ الهادي إلى الخيرِ، وَالثَّانِي هُوَ الشَّيْطَانُ الْمُغْوِي الموقعِ في الضُرِّ والشَرِّ.
وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، الْمُرَادُ: أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي عِلْمِ اللهِ تَعَالَى السِّرُّ وَالْجَهْرُ، وَالْمُسْتَخْفِي بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَالسَّارِبُ بِالنَّهَارِ، الْمُسْتَظْهِرُ بِالْمُعَاوِنِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَهُمُ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ، فَمَنْ لَجَأَ إِلَى اللَّيْلِ فَلَنْ يَفُوتَ اللهَ أَمْرُهُ، وَمَنْ سَارَ نَهَارًا بِالْمُعَقِّبَاتِ، وَهُمُ الْأَحْرَاسُ وَالْأَعْوَانُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ لَمْ يُنَجِّهِ أَحْرَاسُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَالْمُعَقِّبُ الْعَوْنُ، لِأَنَّهُ إِذَا أَبْصَرَ هَذَا ذَاكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبْصِرَ ذَاكَ هَذَا، فَتَصِيرُ بَصِيرَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُعَاقِبَةً لِبَصِيرَةِ الْآخَرِ، فَهَذِهِ الْمُعَقِّبَاتُ لَا تُخَلِّصُ مِنْ قَضَاءِ اللهِ وَمِنْ قَدَرِهِ، وَهُمْ إِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يُخَلِّصُونَ مَخْدُومَهُمْ مِنْ أَمْرِ اللهِ وَمِنْ قَضَائِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَعْثُ السَّلَاطِينِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا الْخَلَاصَ مِنَ الْمَكَارِهِ عَنْ حِفْظِ اللهِ وَعِصْمَتِهِ، وَلَا يُعَوِّلُوا فِي دَفْعِهَا عَلَى الْأَعْوَانِ وَالْأَنْصَارِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى بَعْدَهُ: وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ، أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِلْمَلَائِكَةِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا أَحَدًا مِنْ أَمْرِ اللهِ وَمِمَّا قَضَاهُ عَلَيْهِ.
قولُهُ: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وَإِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ، مِنْ خَيْرٍ إِلَى سُوءٍ، إِلاَّ إِذَا غَيَّرُوا مَا هُمْ عَلَيهِ، وَلا يُغَيِّرُ اللهُ مَا بِقَوْمٍ مِنْ سُوءٍ إِلَى خَيْرٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بَأَنْفُسِهِمْ. رُوِيَ: أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ قُلْ لِقَوْمِكَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، وَلاَ أَهْلِ بَيْتٍ يَكُونُونَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَيَتَحَوَّلُونَ مِنْهَا إِلى مَعْصِيَتِهِ، إِلاَّ حَوَّلَ اللهُ عَنْهُمْ مَا يُحِبُّونَ إِلَى مَا يَكْرَهُونَ. وقد أَجَمعَ الْمُفَسِّرونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: لَا يُغَيِّرُ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ بِإِنْزَالِ الِانْتِقَامِ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ مِنْهُمُ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادُ. وَالظَّاهِرُ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِمَّا يَفْعَلُهُ تَعَالَى ـ سِوَى الْعِقَابِ، إِلَّا وَقَدْ يَبْتَدِئُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُونِ تَغْيِيرٍ يَصْدُرُ مِنَ الْعَبْدِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ تَعَالَى ابْتَدَأَ بِالنِّعَمِ دِينًا وَدُنْيَا وَيُفَضِّلُ فِي ذَلِكَ مَنْ شَاءَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَالْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى التَّغْيِيرُ بِالْهَلَاكِ وَالْعِقَابِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَبَعْضُهُمْ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ في الآيةِ: 6 السابقة: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُنْزِلُ بِهِمْ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ إِلَّا وَالْمَعْلُومُ مِنْهُمُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، حَتَّى قَالُوا: إِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ، أَوْ فِي عَقِبِهِ مَنْ يُؤْمِن،ُ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يُنْزِلُ عَلَيْهِمْ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ الْكَلَامُ يَجْرِي عَلَى إِطْلَاقِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ قَوْمٍ بَالَغُوا فِي الْفَسَادِ، وَغَيَّرُوا طَرِيقَتَهُمْ فِي إِظْهَارِ العُبُودِيَّةِ للهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللهَ يُزِيلُ عَنْهُمُ النِّعَمَ، وَيُنْزِلُ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعًا مِنَ الْعَذَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يَكُونُ مُخْتَلِطًا بِأُولَئِكَ الْأَقْوَامِ فَرُبَّمَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ. فقد رَوَى التِرْمِذِيُّ في صحيحِ سُنَنِهِ: (2168 ـ كتاب الفِتَنِ) عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصديقِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بِعِقَابٍ)). وأَخْرَجَهُ الحميديُّ، وأَحمد، وعَبدُ بْنُ حُمَيدٍ، وأبو داود، وابْنُ مَاجَةَ، والنَّسائيُّ في سُنَنِهِ الكُبْرَى. وَظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ اللهِ فِي التَّغْيِيرِ مُؤَخَّرٌ عَنْ فِعْلِ الْعَبْدِ، إِلَّا أَنَّ قولَهُ تَعالى في الآيةِ: 30، مِنْ سورةِ الإنسان: {وَمَا تَشاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مُؤَخَّرٌ عَنْ فِعْلِ اللهِ تَعَالَى، فَوَقَعَ التَّعَارُضُ، ظاهرًا، لكنَّ المرادَ في الأُولى حصولُ التغييرِ العمليِّ الظاهرِ للعيانِ، وأَمَّا الثانيةُ فالمُرادُ، حصولُ الإرادةِ وانعقادُ النيَّةِ واللهُ أَعلمُ.
قولُهُ: {وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} أَيْ: إِذَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُصِيبَ قَوْمًا بِشَرٍّ عِقَابًا لَهُمْ، فَلاَ رَادَّ لإِرَادَتِهِ وَقَضَائِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ يَنْصُرُهُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ، أَوْ يَرُدُّ قَضَاءَهُ عَنْهُمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهم: لَمْ تُغْنِ الْمُعَقِّبَاتُ شَيْئًا، وَقَالَ عَطَاءٌ ـ رضيَ اللهُ عَنْهُ: لَا رَادَّ لِعَذَابِي وَلَا نَاقِضَ لِحُكْمِي.
قولُهُ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} مِنْ وَالٍ: مِنْ نَاصِرٍ أَوْ وَالٍ يَلِي أُمُورَهُمْ. وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ يَتَوَلَّاهُمْ، وَيَمْنَعُ قَضَاءَ اللَّهِ عَنْهُمْ، وَالْمَعْنَى: مَا لَهُمْ والٍ يَلِي أَمْرَهُمْ، ويمنع العذاب عنهم.
وجاءَ في سَبَبِ نُزولِ هذه الآيةِ المُباركةِ ما أَخرجهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْن أبي حَاتِم، والْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وهذا نَصُّهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَأَبُو نُعيمٍ فِي دَلَائِلِ النبوَّةِ، مِنْ طَرِيقِ عَطاءِ بْنِ يَسَارٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ أَرْبَدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ جَزْء بْنِ جُلَيْدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَعَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بْنِ مَالِكٍ، قَدِمَا الْمَدِينَةِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ، مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أسلمتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ)). قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: أَتَجْعَلُ لِيَ الْأَمْرَ إِنْ أَسْلَمْتُ مَنْ بَعْدِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَا لِقَوْمِكَ، وَلَكِنَّ لَكَ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ)). قَالَ: أَنَا الْآنَ فِي أَعِنَّةِ خَيْلِ نَجِدٍ، اجْعَلْ لِيَ الوَبَرَ وَلَكَ المَدَرَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ: ((لَا)). فَلَمَّا قَفَلَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَامِرٌ: أَمَا وَاللهِ لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَمْنَعُكَ اللهُ)). فَلَمَّا خَرَجَ أَرْبَدُ وَعَامِرٌ، قَالَ عَامِرٌ: يَا أَرْبَدُ، أَنَا أَشْغَلُ عَنْكَ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْحَدِيثِ، فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا قَتَلْتَ مُحَمَّدًا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَرْضَوْا بِالدِّيَةِ، وَيَكْرَهُوا الْحَرْبَ، فَنُعْطِيهِمُ الدِّيَةَ. قَالَ أَرْبَدُ: أَفْعَلُ. فَأَقْبَلَا رَاجِعِينَ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ مَعِي أُكَلِّمُكَ. فَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَا إِلَى الْجِدَارِ، وَوَقَفَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكَلِّمُهُ، وسَلَّ أَرْبَدُ السَّيْفَ، فَلَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى السَّيْفِ يَبِسَتْ يَدُهُ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ سَلَّ السَّيْفِ، فَأَبْطَأَ أَرْبَدُ عَلَى عَامِرٍ بِالضَّرْبِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَى أَرْبَدَ، وَمَا يَصْنَعُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمَا. فَلَمَّا خَرَجَ عَامِرٌ وَأَرْبَدُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَا بالحَرَّةِ، حَرّةِ وَاقِمٍ، نَزَلَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَا: اشْخَصَا يَا عَدُوَّيِ اللهِ، لَعَنَكُمَا اللهُ. فَقَالَ عَامِرٌ: مَنْ هَذَا يَا سَعْدُ؟ قَالَ: هَذَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيرِ الْكَتَائِبِ، فَخَرَجَا حَتَّى إِذَا كَانَا بالرَّقْمِ، أَرْسَلَ اللهُ عَلَى أَرْبَدَ صَاعِقَةً فَقَتَلَتْهُ، وَخَرَجَ عَامِرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْخَرِيمِ، أَرْسَلَ اللهُ قُرْحَةً، فَأَخَذَتْهُ، فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، فَجَعَلَ يَمَسُّ قُرْحَتَهُ فِي حَلْقِهِ وَيَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْجَمَلِ فِي بَيْتِ سَلُولية تَرْغَبُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَيْتِهَا! ثُمَّ رَكِبَ فَرَسَهُ فَأُحْضِرَهُ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ رَاجِعًا، فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمَا: {اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} الآيات: 8 ـ 11 من سورةِ الرَّعْدِ، قَالَ: الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللهِ يَحْفَظُونَ مُحَمَّدًا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَّرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ بِهِ، فَقَالَ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} الآية: 7. المُعْجَمُ الكَبيرُ للطَبَرانيِّ: (10/379 ـ 381).
قولُهُ تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} لَهُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ.
وهذا الضَميرُ إمَّا أَنْ يعودَ على "مَنْ" المُكَرَّرةِ، أَيْ: لِمَنْ أَسَرَّ القَوْلَ ولِمَنْ جَهَرَ بِهِ ولِمَنْ اسْتَخْفَى وسَرَبَ مُعَقِّباتٌ، أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنَ المَلائكةِ يَعْقُبُ بعضُهم بَعْضًا. وإمَّا أنْ يعودَ عَلى "مَنْ" الأَخِيرَةِ، وهوَ قوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهما. وعليه فيكونُ المُعَقِّباتُ هم حَرَسُ الرَّجُلِ وجَلاوِزَتُهُ الذين يَحْفَظُونَهُ. وبناءً على ذَلِكَ فالآيةُ في الرؤساءِ الكُفَّارِ، واخْتَارَهُ الطَبَرِيُّ وآخَرون، إِلَّا أَنَّ المَاوَرْدِيَّ ذَكَرَ عَلَى التَأْويلِ أَنَّ الكلامَ نَفْيٌ، والتقديرُ: لا يَحْفَظونَهُ. وهَذا يَنْبَغي أَنْ لا يُسْمَعَ البَتَّةَ، كَيْفَ يَبْرُزُ كَلامٌ مُوجَبٌ ويُرادُ بِهِ نَفْيٌ؟ وحَذْفُ "لا" إِنَّما يَجُوزُ إِذا كانَ المَنْفِيُّ مُضَارعًا في جَوابِ قَسَمٍ نَحْوَ قولِهِ في الآية: 85، مِنْ سورةِ يوسُف: {تَالله تَفْتَؤُاْ} وإِنَّما مَعْنَى الكلامِ يَحْفَظونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ في ظَنِّهِ وزَعْمِهِ. وقالُ الحَسَنُ: بأَنَّهُ يَعودُ عَلى اللهِ تَعَالى، والضميرُ في "يَحْفظونَهُ" يعودُ للعبدِ، أَيْ: للهِ مَلائكةٌ يَحْفظونَ العَبْدَ مِنَ الآفاتِ، ويَحْفظونَ عَلَيْهِ أَعْمَالَهُ. ويجوزُ عَوْدُ الضَّميريْنِ عَلَى النَبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَّلَّمَ، وإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ قريبٌ، ولِتَقَدُّمِ ما يُشْعِرُ بِهِ في قولِهِ تعالى منْ سورة الأنعامِ: {لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ} [الآية: 8. و "مُعَقِّبَاتٌ" مَرفوعٌ بالابْتِداءِ مُؤَخَّرٌ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: والْمُعَقِّبَاتُ ذُكْرَانٌ جَمْعُ مَلَائِكَةٍ مُعَقِّبَةٍ، ثُمَّ جُمِعَتْ مُعَقِّبَةٌ بِمُعَقِّبَاتٍ، كَمَا قِيلَ: ابْنَاوَاتُ سَعْدٍ، وَرِجَالَاتُ بَكْرٍ، جَمْعُ رِجَالٍ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى التَّذْكِيرِ قَوْلُهُ: يَحْفَظُونَهُ. وَقَال الْأَخْفَشِ: إِنَّمَا أُنِّثَتْ لِكَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهَا، نَحْوَ: نَسَّابَةٌ، وَعَلَّامَةٌ، وَهُوَ ذَكَرٌ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ لابْتِداءِ الغايَةِ، مُتَعَلِّقٌ بِـ "مُعَقِّبَاتٌ" ويَجُوزُ أَنْ يعتلَّق بصفة محذوفةٍ لِـ "معقِّبات"، ويَجُوزُ أَنْ يَكونَ حَالًا مِنَ الضَّميرِ في الظَّرْفِ الواقِعِ خَبَرًا. ويَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "يَحْفَظُونَهُ"، أَيْ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ. و "بَيْنِ" مَجرورٌ بِحَرْفِ الجَرِّ مُضَافٌ، وَ "يَدَيْهِ" مَجْرُورٌ بالإضافَةِ وَمُضافٌ أَيْضًا، والهاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ الجَرِّ، مُضَافٌ إِلَيْهِ ثانٍ. و "مِنْ" الواوُ: حرفُ جرٍّ، و "مِنْ" حرفُ جرٍّ معطوفٍ على سابِقِهِ، و "خَلْفِهِ" مجرورٌ بحرفِ الجَرِّ مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إليهِ. ويَجُوزُ أَنْ يِتَعَلَّقَ هذا الجارُّ بِمَحْذوفِ صِفَةٍ لِـ "مُعَقِّبَاتٌ"، ويَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ "يَحْفَظُونَهُ"؛ أَيْ: يَحْفَظونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ. فإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَتَعَلَّقُ حَرْفانِ مُتَّحِدانِ لَفْظًا ومَعْنًى بِعامِلٍ واحِدٍ، وهُمَا "مِنْ" الداخِلَةُ عَلى "بَيْنِ يَدَيْهِ" و "مِنْ" الدّاخِلَةُ عَلَى "أَمْرِ اللهِ"؟ فالجَوابُ أَنَّ "مِنْ" الثانِيَةَ مُغَايِرَةٌ للأُولى في المَعْنَى كَمَا مَرَّ، وسَيَأْتِي في مَبْحَثِ الصَّرْفِ.
قولُهُ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} يَحْفَظُونَهُ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ، وعلامةُ رفعِهِ ثَباتُ النونِ لأنَّهُ مِنَ الأَفعالِ الخمسَةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ، فاعِلُهُ. والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "مِنْ" إِمَّا للسَّبَبِ، أَيْ: بِسَبَبِ أَمْرِ اللهِ، ويَدُلُّ لَهُ قِراءَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالِبٍ، وابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وعِكْرِمَةَ "بِأَمْرِ اللهِ". وقِيلَ: المَعْنَى عَلَى هَذَا: يَحْفُظونَ عَمَلَهُ بإذْنِ اللهِ، فَحَذَفَ المُضافَ. وإمَّا أَنْ تَكونَ عَلى بابِها. قالَ العُكبُريُّ أَبو البَقاءِ: مِنْ أَمْرِ اللهِ، أَيْ: مِنَ الجِنِّ والإِنْسِ، فَتَكونُ "مِنْ" عَلَى بابِها. يَعْنِي أَنْ يُرادَ بِ "أَمْرِ اللهِ" نَفْسُ مَا يُحْفَظُ مِنْهُ، كَمَرَدَةِ الإِنْسِ والجِنِّ، فَتَكُونُ "مِنْ" لابْتِداءِ الغايَةِ. وجُوِّزَ أَيْضًا أَنْ تَكونَ بِمَعْنَى "عَنْ"، وَلَيْسَ عَلَيْهِ مَعْنًى يَلِيقُ بِالآيَةِ الكَريمَةِ. ويَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِمَحْذوفٍ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمُعَقِّباتٍ أَيْضًا، فَيَجِيءُ الوَصْفُ بِثَلاثةِ أَشْيَاءَ في بَعْضِ الأَوْجُهِ المُتَقَدِّمَةِ: بِكَوْنِها مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ومِنْ خَلْفِهِ، وبِكَوْنِها تَحْفَظُهُ، وبِكَوْنِها مِنْ أَمْرِ اللهِ، ولكنْ يَتَقَدَّمُ الوَصْفُ بالجُمْلَةِ عَلَى الوَصْفِ بالجَارِّ، وهوَ جائزٌ فَصيحٌ. ولَيْسَ في الكلامِ تَقْديمٌ وتَأْخِيرٌ كَمَا زَعَمَ الفَرَّاءُ وغَيْرُهُ، وأَنَّ الأَصْلَ: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُهُ مَعَ الاسْتِغْناءِ عَنْهُ. و "أَمْرِ" مَجرورٌ بحرفِ الجرِّ، وهو مُضافٌ، ولفظُ الجلالةِ "اللهِ" مجرورٌ بالإضافةِ إليهِ، وهذه الجُمْلَةُ الفعليَّةُ واقعةٌ في مَحَلِّ الرَّفْعِ صِفَةً لِـ "مُعَقِّبَاتٌ"، أَوْ حالًا مِنَ الضَمِيرِ المُسْتَكِنِّ في الجارِّ الواقعِ خَبَرًا ظَّرْفِيًّا.
قولُهُ: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} إِنَّ: حرفٌ ناصبٌ ناسِخٌ مشبَّهٌ بالفِعلِ للتوكيدِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهَ" اسْمُهُ مَنْصوبٌ بهِ. و "لَا" نافيَةٌ لا عملَ لها. و "يُغَيِّرُ" فِعْلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازمِ، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيهِ جوازًا تقديرُهُ "هو" يَعُودُ عَلَى "اللهَ" تعالى، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذه في مَحَلِّ الرَّفْعِ، خَبَرُ "إِنَّ"، وجُمَلَةُ "إِنَّ" مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ. و "مَا" إمَّا مَوْصُولَةٌ، في مَحَلِّ النَّصْبِ، مَفْعولٌ بِهِ، أَوْ نَكِرةٌ مَوْصوفَةٌ. و "بِقَوْمٍ" الباءُ: حرفُ جرٍّ متعلِّقٌ إِمَّا بِصِلَةٍ لِـ "مَا"، أَوْ بصِفةٍ لَها، و "قوم" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. و "حَتَّى" حرفُ غايةٍ وجرٍّ بِمَعنى "إلى" مُتَعَلِّقٌ بِـ "يُغَيِّرُ". و "يُغَيِّرُوا" فِعْلٌ مضارعٌ مَنْصوبٌ بِـ "أنْ" مضمرةٍ بعدَ "حتى" وُجوبًا، وعَلامةُ نَصْبِهِ حَذْفُ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ لأَنَّهُ مِنَ الأسماءِ الخمسةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرفعِ، فاعِلُهُ والأَلِفُ فارقةٌ. و "مَا" اسمٌ موصولٌ بمعنى "الذي" مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ النَّصْبِ مفعولٌ بِهِ، أو نَكِرةٌ موصوفةٌ. و "بِأَنْفُسِهِمْ" الباء: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصلَةٍ لِـ "مَا"، أَوْ صِفَةْ لَهَا، و "أَنْفُسِهم" مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ مُضَافٌ، والهاء: ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليْهِ، والميمُ علامةُ جمعِ المُذَكَّر. والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ صِلَةُ "أنْ" المُضْمَرَةِ، و "أنْ" مَعَ صِلَتِها في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مَجْرورٍ بِـ "حَتَّى" والتقديرُ: إِلَى تَغْييرِهم مَا بِأَنْفُسِهم.
قولُهُ: {وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} الواوُ: اسْتِئْنافيَّةٌ. و "إِذَا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمانِ. و "أَرَادَ" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتْحِ، ولفظُ الجلالةِ "اللهُ" فاعلٌ مرفوعٌ، وهذه الجُمْلَةُ الفعليَّةُ في مَحَلِّ الجَرِّ بإضافَةِ "إِذَا" إِلَيْها عَلى كَوْنِها فِعْل شَرْطِها، والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بالجَوابِ الآتي. و "بِقَوْمٍ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَرَادَ" و "قومٍ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ. و "سُوءًا" مَفعولٌ بِهِ لِـ "أَرَادَ" منصوبٌ. و "فَلَا" الفاءُ: رابِطَةٌ لِجَوابِ "إذا" وُجُوبًا، و "لا" نافيَةٌ تَعْمِلُ عَمَلَ "إِنَّ". و "مَرَدَّ" اسْمُها مَنْصوبٌ بها. و "لَهُ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرِ "لا" والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ الجرِّ بحرْفِ الجَرِّ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هذه جَوابُ "إذا" لا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الإعْرابِ، وجُملةُ "إذا" مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} الواوُ: للعَطْفِ، و "مَا" حِجازِيَّةٌ أَوْ تَميميَّةٌ. و "لَهُمْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بخبَرِ "مَا" الحجازيَّةِ المُقَدَّمِ عَلَى اسْمِها، أَوْ بخَبَرٍ مُقَدَّمٍ للمُبْتَدَأِ إنْ أُعربتْ ما تميميَّةً. والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ، والميمُ للجمعِ المذكَّرِ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بحالٍ مِنَ الضَميرِ المُسْتَكِنِّ في الخَبَرِ، و "دُونِهِ" مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ مضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ متَصلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بالإضافةِ إليهِ. و "مِنْ" حرفُ جرٍّ زائدٍ، و "وَالٍ" مجرورٌ لفْظًا بحرفِ الجرِّ الزائدِ منصوبٌ محلًا على أنَّهُ اسْمُ "مَا" المُؤَخَّرُ، إِنْ أُعْرِبَتْ حجازيةً، والتَقْديرُ: وَمَا وَالٍ كَائِنًا، أَوْ هوَ مرفوعٌ محلًا على أنَّهُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ إنْ أعربتْ "ما" تميميَّةً، والتقديرُ: كائنٌ لَهُمْ حالَةَ كَوْنِهِ كائنًا مِنْ دُونِهِ تَعَالى، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ مَعْطوفَةٌ عَلى الجُمْلَةِ التي قَبْلَها عَلى كَوْنِها جَوابَ "إذا".
قرَأَ الجمهورُ: {لهُ مُعقِّباتٌ} وَقَرَأَ أُبَيٌّ وإبْراهيمُ وعُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيادٍ ـ رضيَ اللهُ عنهم جميعًا: "لَهُ مَعَاقِيبُ" جَمْع مُعْقِبٍ أَوْ مُعْقِبَةٍ، والياءُ عِوَضٌ مِنْ حَذْفِ إِحْدَى القافيْنِ في جمعِ التَكْسيرِ. ويُوَضِّحُ هَذَا قولُ عُثمانَ ابْنِ جِنِّيٍّ: "مَعَاقيب" جمعُ تَكْسيرٍ، لِ "مُعْقِب" بِسُكونِ العَيْنِ، وكَسْرِ القافِ كَ "مُطْعِم" و "مَطاعِيْم"، و "مُقْدِم" و "مَقاديم"، فَكَأَنَّ مُعْقِبًا جُمِعَ عَلَى "مَعاقِبَة"، ثمَّ جُعِلَتِ الياءُ في "مَعاقيب" عِوَضًا مِنَ الهاءِ المَحْذوفةِ في "مَعَاقِبة".