فيض العليم ... سورة الرعد، الآية: 7
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)
قولُهُ ـ تعالى شأنُهُ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} وَيَقُولُ المُشْرِكُونَ عنادًا وكُفْرًا: لَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا يَأْتِينَا بِـ "آيَة" مُعْجِزَةٍ مِنْ رَبِّهِ، كالآيَاتِ التِي جَاءَ بِهَا الذين سَبِقوهُ مِنَ الأَنْبِيَاءُ، وَقَدْ طَلَبُوا مِنْهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَنْ يَجْعَلَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُزِيحَ عَنْهُمْ جِبَالَ مَكَّةَ، وَيَجْعَلَ مَكَانَهَا مُرُوجًا وَأَنْهَارًا. فَقَدْ طَعَنُوا فِي نُبُوَّتِهِ ـ عَلَيْهِ صَلاةُ اللهُ وسَلامُهُ، حِينَ طَلَبُوا مِنْهُ الْمُعْجِزَةَ وَالْبَيِّنَةَ التي يُريدونَ، وأَنْكَرُوا كَوْنَ الْقُرْآنِ مِنْ جِنْسِ الْمُعْجِزَاتِ ولمْ يكتفوا بِما شَاهَدُوهُ على يديهِ مِنْ مُعْجِزَاتٍ كَحَنِينِ الْجِذْعِ إليهِ، وَنُبُوعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَإِشْبَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ مِنَ قَلِيلِ الطَّعَامِ الذي قد لا يُشْبِعُ الرَّجلَ الواحِدَ، وَإِنَّمَا الْمُعْجِزُ في رَأْيِهِم مَا يَكُونُ مِثْلَ مُعْجِزَاتِ مُوسَى وَعِيسَى ـ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، كَفَلْقِ البَحْرِ بالعَصَا، وتَحوُّلِها إِلَى ثَعْبَانٍ، وكَإحْياءِ المَوْتَى، وإِبْراءِ الأَكْمَهِ والأَبْرَصِ. وسَبَبُ ذَلِكَ طَعْنُهُمْ فِي الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، كما طَعَنُوا فِي نُبُوَّتِهِ ـ صَلاةُ اللهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ، بِطَعْنِهِمْ فِي صِحَّةِ مَا يُنْذِرُهُمْ بِهِ مِنْ نُزُولِ عَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ.
قوْلُهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} رَدٌّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَهَمَّةَ الرَّسُولِ هِيَ تَبْلِيغُ رِسَالَةِ رَبِّهِ إِلَى مَنْ يُرْسِلُهُ ربُّهُ إِلَيْهم، ومِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الرِّسالَةِ أَنْ يُنْذِرَهم، بِعَذابِ اللهِ تعالى وعِقابِهِ إِذا لَمْ يَسْتَجِيبُوا لِهَذِهِ الرِّسالَةِ السماويَّةِ، ولم يُنَفِّذُوا مَا يَأْمُرُهُم رَبُّهم فِيها، مِنْ معاصٍ عَنْها يَنْتَهونَ، وطاعاتٍ يَأْتونَ مِنْها مَا يَسْتَطِيعُونِ.
قولُهُ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} وَهَكَذَا قَضَتْ حِكْمَتُهُ ـ سُبْحانَهُ وتَعَالى، أَنْ يرسِلَ لِكُلِّ قَوْمٍ رَجُلًا مِنْهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ ويَهْديهم إِلَى الإِيمَانِ بِاللهِ تَعالى. وسَوَّى ـ سُبْحانَهُ، بَيْنَ الْكُلِّ فِي إِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ والتَأْيِيدِ بها، إِلَّا أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ طَرِيقٌ مَخْصُوصٌ لِأَجْلِهِ اسْتَحَقَّ التَّخْصِيصَ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَةِ الْمَخْصُوصَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي زَمَانِ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، هُوَ السِّحْرَ جَعَلَ مُعْجِزَتَهُ مَنْ جِنْسِ ما هُمْ فيه بارعونَ، وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي أَيَّامِ عِيسَى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، الطِّبَّ، كَانَتْ مُعْجِزَتُهُ منْ جِنْسِ ذلِكَ الذي هُمْ فيهِ مُتَفَوِّقونَ. فأَحْيَا الْمَوْتَى وَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ. وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي زَمَنِ رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْفَصَاحَةَ وَالْبَلَاغَةَ، فَقَدْ جَاءَتْ مُعْجِزَتُهُ العُظْمَى ـ الْقُرْآنُ الكَريمُ، المُعْجِزُ بِمَا فِيهِ مِنْ فَصَاحَةٍ وبَلاغَةٍ، لَكِنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذِهِ الْمُعْجِزَةِ مَعَ كَوْنِهَا أَقْربَ لِطِبَاعِهِمْ، فَوَضُحَ أَنَّهم لَنْ يُؤْمِنُوا مَهْمَا أَظْهَرَ لهم مِنْ مُعْجِزَاتِ. وَقَدْ يَكُونُ هَادِي القومِ حَكِيمًا أَوْ مُجْتَهِدًا يَتقَفى خُطَا النَّبِيِّ ويَسِيرُ عَلَى طَريقِهِ. وقدْ يَكونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَجْحَدُونَ كَوْنَ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا فَلَا يَضِيقُ صدْرُكَ يا رَسُولَ اللهِ بِسَبَبِ عَدَمِ إِيمانِهم، فإِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ لَهُمْ وحسْبُ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ قَادِرٌ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَهُوَ اللهُ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِنَّما عليْكَ الْإِنْذَارُ، وَعلى اللهِ الْهِدَايَةُ. وعَلَيْهِ فالمُنْذِرُ هوَ مُحَمَّدٌ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والهادي هوَ اللهُ تعالى، وقد رُوِيَ هَذَا التَأْويلُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَ جميعًا. وقالَ بعضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُنْذِرُ وَالْهَادِي هَهُنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالتَّقْدِيرُ: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ مُنْذِرٌ عَلَى حِدَةٍ وَمُعْجِزَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرُ مُعْجِزَةِ الْآخَرِ، وقدْ تقدَّمَ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ فِي (الْأَوْسَطِ) وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَابْنُ عَسَاكِرٍ، عَنْ عَليِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلكُلِّ قومٍ هادٍ" قَالَ: رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُنْذِرُ أَنَا والْهَادِي)) وَفِي لَفْظٍ: ((الْهَادِي: رَجُلٌ مِنْ بَني هَاشِمٍ)). يَعْنِي نَفْسَهُ. وأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنْ قَتَادَةَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تعالى: "وَيَقُولُ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ" قَالَ: هَذَا قَوْلُ مُشْرِكِيّ الْعَرَبِ، و "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ" قال: لِكُلِّ قَوْمٍ دَاعٍ يَدْعُوهُم إِلَى اللهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "وَلكُلِّ قومٍ هادٍ} قَالَ: دَاعٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، وَأَبُو الشَّيْخ، عَنْ مُجَاهِدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ" قَالَ: الْمُنْذِرُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، و "لكُلَّ قومٍ هادٍ" نَبِيٌّ يَدْعُوهُم إِلَى اللهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبي حَاتِمٍ، عَنْ سَعيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ" قَالَ: مُحَمَّدٌ الْمُنْذِرُ، وَالْهَادِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تعالى: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ" قَالَ: الْمُنْذِرُ مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ، هادِي كُلِّ قَوْمٍ، وَفِي لَفْظٍ: رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ الْمُنْذِرُ، وَهُوَ الْهَادِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَنْ أَبي الضُّحَى ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فِي قَوْلِهِ: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ" قَالَا: مُحَمَّدٌ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ الْمُنْذِرُ وَهُوَ الْهَادِي. وَأَخرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وَابْنُ مِرْدُوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي (الْمَعْرِفَةِ)، والدَّيْلَمِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرٍ، وَابْنُ النَّجَّارِ، عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ" وَضَعَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ فَقَالَ: ((أَنَا الْمُنْذِر وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى منْكِبِ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقَالَ: أَنْتَ الْهَادِي يَا عَليُّ، بِكَ يَهْتَدِي المُهْتَدونَ مِنْ بَعْدِي. وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ عَنْ أَبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ ـ رَضِي الله عَنْهُ، قالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّمَا أَنْت مُنْذرٌ" وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِ نَفْسِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى صَدْرِ عَلِيٍّ وَيَقُولُ: "لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ". وَأَخْرَجَ ابْنُ مِرْدُوَيْهِ، والضِيَاءُ المَقْدِسِيُّ فِي (المُختارةِ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي الْآيَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُنْذِرُ أَنَا، وَالْهَادِي عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِبٍ)). رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
قولُهُ تَعَالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الواوُ: للاسْتِئنافِ، و "يقولُ" فِعْلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ مِنَ الناصِبِ والجازِمِ. و "الذينَ" اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلٌ. و "كَفَرُوا" فِعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعَةِ، وهو ضميرٌ متَّصلٌ بهِ مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ الرَّفعِ فاعِلٌ، والألفُ للتفريقِ، والجملةُ صِلَةُ الاسْمِ المَوْصُولِ، وجملةُ "يقولُ جملةٌ اسْتِئنافيَّةٌ لا محلَّ لها مِنَ الإعراب.
قولُهُ: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} لَوْلَا: حَرْفُ تَحْضيضٍ بِمَعْنَى هَلَّا. و "أُنْزِلَ" فِعْلٌ مَاضٍ مَبْنِيٌّ للمجهولِ، مبنيٌّ على الفَتْحِ، و "عَلَيْهِ" حرفُ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أُنْزِلَ" والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ بِهِ في محلِّ الجرِّ بِحَرْفِ الجَرِّ. و "آيَةٌ" نائبٌ عَنْ فاعِلِ "أُنْزِلَ" مرفوعٌ. و "مِنْ" حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِصِفَةٍ لِـ "آيَةٌ"، و "رَبِّهِ" اسمٌ مجرورٌ بحرفِ الجرِّ، وهو مُضافٌ، والهاءُ: ضميرٌ مُتَّصلٌ بهِ في محلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، وهذِهِ الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِـ "يَقُولُ".
قولُهُ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} إِنَّما: كافَّةٌ مكفوفةٌ تُفيدُ الحَصْرَ. و "أنتَ" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الفَتْحِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ بالابْتِداءِ، و "مُنْذِرٌ" خَبَرُهُ مرفوعٌ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هَذِهِ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعرابِ.
قولُهُ: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} الواوُ: للاسْتِئنافِ أَوِ العَطْفِ، و "لكلِّ" اللامُ: حرفُ جَرٍّ متعلِّقٌ بِخَبَرٍ مُقَدَّمٍ، و "كلِّ" مُجْرورٌ بِهِ مضافٌ، و "قومٍ" مجرورٌ بالإضافةِ إِلَيْهِ. و "هَادٍ" اسمٌ منقوصٌ، مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مَرْفوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضَمَّةُ المُقدَّرةُ على الياءِ المَحْذُوفَةِ للتَّخْفيفِ لِثِقَلِها عَلَيْها، وقدِ اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى التَّنْوِينِ فِي قَوْلِهِ: هادٍ وَحَذْفِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْفِ، فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: بِالْوَقْفِ عَلَى الْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ: بِغَيْرِ الْيَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ فُلَيْحٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ لِلتَّخْفِيفِ. ونُقِلَ عَنْ وَرْشٍ أَنَّهُ خَيَّرَ في الوَقْفِ بَيْنَ إِثْباتِ الياءِ وحَذْفِها. والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الجُمْلَةِ التي قَبْلَها وفي الحالينِ لا مَحَلَّ لها مِنَ الإعْرابِ، وفي هذا الوَجْهِ الأَخيرِ الفَصْلُ بَيْنَ حَرْفِ العَطْفِ والمَعْطوفِ بالجَارِّ. ويَجوزُ أَنَّ يكونَ "هَادٍ" خَبَرًا لمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ تَقْديرُهُ: "إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ" وهوَ "لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ"، فَالجارُّ مِنْ "لِكُلِّ" مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَيْضًا.