إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)
قولُهُ ـ تعالى جَدُّه: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ تَعَالَى نبيَّهُ مُوسَى ـ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَكِبَارَ رِجَالِ دَوْلَتِهِ مِنَ القِبْطِ، فذكرَ فِرْعَونَ والخاصَّةَ مِنْ قومِهِ، وإنْ كانَ مَبْعوثًا إلى الكُلِّ؛ لِمَا هو العُرْفُ في المُلُوكِ، أَنَّهم إنَّما يُخاطِبونَ الكُبَراءَ مِنْهم والأَشْرَافَ، وإن ْكانَ المَقصودُ مِنَ الخِطابِ، الكُلُّ. وَذلكَ لأَنَّهُمُ الكُبَرَاءُ وَالعَامَّةُ لهم تَبَعٌ، فإذا أخذوا قرارًا لَزِمتهُ العامَّةُ.
قولُهُ: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} فَكَفَرَ فِرْعَوْنَ بِمَا جَاءَهُ بِهِ مُوسَى، وَأَمَرَ قَوْمَهُ بِأَنْ يَتَّبِعُوهُ فِي الكُفْرِ، قائلًا لهم: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} سورة غافر، الآية: 29، وهو شأنُ الطُغاةِ البُغاةِ دائمًا لا يرون الصوابَ في غيرِ رأيهم، ولا يُصغوا إلَّا لصوتِ مصالحهم وأهوائهم، فيهلكونَ ويهلكونَ أتباعهم، بينما نرى النبيَّ محمَّدًا صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبه، وهو المعصومُ عن الخطأِ والزَّلَلَ، المُحَدَّثُ من اللهِ تعالى، المؤيدَ بالوحيِ كانَ يقولُ لأصحابهِ مستشيرًا: ((أشيروا عليَّ أيها الناسُ)) مؤتمرًا بأمرهِ تعالى: {وشاورْهم في الأمْرِ} الآية: 159، من سورة آل عمرانَ، وحينَ يشيرُ عليه أحدُهم بأمرٍ يتبيَّنُ الصوابَ فيه، يأخُذُ به غيرَ مستكبِرٍ على الحقِّ كما في غزوةِ بدرٍ وغيرُهُ كثيرٌ في سيرتهِ الشريفةِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهوَ شَأْنُ العُقلاءِ المُنصفين مِنْ بَنِي البَشَرِ، كما كانَ من أمرِ بلقيسَ ملكةِ سبأٍ، حينَ جاءها كتابُ سليمانَ ـ عليهما السلامُ.
قولُهُ: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} وَلَمْ يَكُنْ مَسْلَكُ فِرْعَوْنَ مهْدِيًّا كما ادَّعى ولا رَشِيدًا حَتَّى يُتْبَّعَ، فقد أَطَاعَ العامَةُ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَاتَّبَعُوا مَسْلَكَهُ وَطَرِيقَتَهُ فِي الغَيِّ وَالضَّلاَلِ، فهَلَكَ وهَلَكوا مَعَهُ.
قولُهُ تعالى: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} إِلَى فِرْعَوْنَ: إلى: حرفُ جرٍّ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أرسلنا" من الآيةِ التي قبلها، و "فِرْعَوْنَ" اسْمٌ مَجْرورٌ بحرفِ الجرِّ، وعلامةُ جَرِّهِ الفَتْحَةُ نِيابةً عَنِ الكَسْرَةِ لأَنَّه مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ بالعلَميَّةِ والعُجْمَةِ. و "وَمَلَئِهِ" الواوُ: حرفُ عطفٍ، و "ملَأِ" اسمٌ معطوفٌ عَلى "فِرْعَوْنَ" مجرورٌ مثلهُ، وهوَ مُضافٌ، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ جرِّ مضافٍ إليه.
قولُهُ: {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} الفَاءُ: للعطفِ، و "اتَّبَعُوا" فِعْلٌ ماضٍّ مبنيٌّ على الضَمِّ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ به مبنيٌّ على السكونِ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ. و "أَمْرَ" مَفْعولٌ بِهِ منصوبٌ وهو مُضافٌ، و "فِرْعَوْنَ" مَجرورٌ بالإضَافَةِ إِلَيْهِ، وعلامةُ جرِّهِ الفتحةُ نيابةً عن الكسرةِ لأنَّهُ ممنوعٌ من الصرفِ بالعَلَمِيَّةِ والعُجْمَةِ، وهذه الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ مَعطوفةٌ على مَحذوفٍ والتَقديرُ: فَكَفَرَ بِها فِرْعَوْنُ، وأَمَرَهُمْ بالكُفْرِ فاتَّبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ.
قولُهُ: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} الواوُ: حالِيَّةٌ. و "ما" حِجَازِيَّةٌ. و "أَمْرُ" اسْمُها مرفوعٌ، وهو مُضافٌ، و "فِرْعَوْنَ" مضافٌ إِلَيْهِ مجرورٌ، وعلامةُ جرِّهِ الفتحةُ نيابةً عن الكسرةِ لأنَّه ممنوعٌ منَ الصَّرفِ بالعلميَّةِ والعُجمةِ. و "بِرَشِيدٍ" الباءُ: حرفُ جرٍّ زائدة. و "رشيدٍ" مجرورٌ بها لفظًا، منصوبٌ مَحَلًا عَلَى أنَّهُ خَبَرُ "ما"، الحجازيَّةِ، ويَصِحُّ أَنْ يَكونَ مُبْتَدَأً، وخبرًا على إِهْمَالِ "ما"، والجملةُ في مَحَلِّ النَصْبِ على الحالِ مِنْ فِرْعَوْنَ، والتَّقديرُ: حالَ كَوْنِ فِرْعَوْنَ غَيْرَ رَشِيدٍ.