روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 44

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 44 Jb12915568671



فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 44 Empty
مُساهمةموضوع: فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 44   فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 44 I_icon_minitimeالخميس نوفمبر 12, 2015 7:44 am

وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
(44)
قولُهُ ـ تعالى شأْنُهُ: {وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ} يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمَّا غَرِقَ قَوْمُ نُوحٍ كُلُّهُمْ، إِلاَّ أَصْحَابَ السَّفِينَةِ، أَمَرَ اللهُ تَعَالَى الأَرْضَ بِأَنْ تَبْتَلِعَ مَاءَهَا الذِي نَبَعَ مِنْهَا، وما اجْتَمَعَ عَلَيْهَا مِنْ ماءٍ، والبَلْعُ مَعْروفٌ وقولُه: "ابْلَعي ماءَكِ" أَيْ: انْشَفَي، والفِعْلُ مِنْهُ مَكْسُورُ العَيْنِ ومَفْتُوحُها، فيُقالُ: "بَلِعَ" و "بَلَعَ". وقد اسْتُعيرَ مِنِ ازْدِرادِ الحَيَوانِ ما يَأْكُلُهُ، للدَّلالَةِ على أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كالنَّشْفِ التَدْريجيِّ المُعْتَادِ وإلَّا لاسْتَغْرَقَ زَمَنًا طَويلًا، أَمَّا البَلْعُ فيَعْني السُرْعَةَ في إنْجازِ عَمَلِيَّةِ التَّخَلُّصِ ممَّا تَجَمَّعَ فوقها، وتَراكم عَلَيْها مِنْ ماءٍ. وتَخْصيصُ البَلَعِ بِما يُؤْكَلُ هوَ المَشْهورُ عَنْدَ اللُّغَويِّينَ، وإنَّما اسْتُعْمِلَ هُنَا لِيُعبِّرَ عَنِ الأَكْبَرِ كَمِيَّةً أَيْضًا لأنَّ تَنَاوُلَ الماءِ يَكونُ في العادَةِ، ارْتِشافًا بِكميَّاتٍ أَقَلَّ، فقَدْ أَفادَ قَوْلُهُ هنا: "ابْلَعِي" السُّرعَةَ والكَثْرَةَ مَعًا. وقالَ الليثُ بْنُ سَعْدٍ: يُقالُ: بَلَعَ الماءَ إذا شَرِبَهُ وهوَ ظاهرٌ في أَنَّهُ غيْرُ خاصٍّ بالمَأْكولِ، وأَخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، وغيرُهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ البَلْعَ بِمَعْنى الازْدِرادِ لُغَةٌ حَبَشِيَّةٌ، وأَخْرَجَ أَبو الشَّيْخِ أيضًا عَنْ جَعْفَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبيهِ ـ رَضِيَ اللهُ عنهم، أَنَّهُ بِمَعنى الشُرْبِ لُغَةٌ هِنْدِيَّةٌ. وفي النَّقْلَيْنِ نَظَرٌ لما ذكرنا غيرَ مرَّةٍ إلى أنَّ الصحيحَ عندنا أنَّ القرآنَ الكريمَ عربيٌّ كلُّه بنصِّ الكتاب والسنَّةِ وليس فيه شيءٌ مِنْ لُغَةِ الأَعاجِمِ البَتَّةَ، وعلى كلٍّ فإنَّ ذَلِكَ مِنَ المَجازِ. و "مَاءكِ" أَيْ ما عَلى وَجْهِكِ مِنْ ماءِ الطُوفانِ، وعَبَّرَ عَنْهُ بالماءِ بَعْدَ ما عَبَّرَ عَنْهُ فيما سَلَفَ بِأَمْرِ اللهِ تَعالى لأَنَّ المَقامَ مَقامَ النَّقْصِ والتَقْليلِ لا مَقامَ التَفْخيمِ والتَهْويلِ.
قولُهُ: {ويَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} أيْ: وَأَمَرَ السَّمَاءَ بِأَنْ تَكُفَّ عَنِ المَطَرِ، و "تُقْلِعُ" تُمْسِكُ عَنِ إرْسالِ المَطَرِ، يُقالُ: أَقْلَعَتِ السَّماءُ، إذا انْقَطَعَ مَطَرُها؛ ومِنْهُ يقالُ: أَقْلَعَتْ عنه الحُمّى، إذا توقَّفتْ وانصرفتْ عن المريضِ فشُفِيَ وتعافى. وقيلَ: أَقلَعَ عَنِ الشَيْءِ، أَيْ: تَرَكَهُ، وهوَ قَريبٌ منَ المعنى الأَوَّلِ.
قولُه: {وَغِيضَ الماء وَقُضِيَ الأَمْرُ}، أيْ: نَقُصَ، وَغِيضَ المَاءُ، أَخَذَ فِي التَّنَاقُصِ، وغاضَهُ، إذا نَقَصَهُ، وجميعُ مَعانيهِ راجعةٌ إِلى هذا. وقولُ الجَوْهَرِيِّ: غاضَ الماءُ إذا قلَّ ونَضبَ، وغيضَ الماءُ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ لا يُخالِفُهُ فإنَّ القِلَّةَ عَيْنُ النُّقْصانِ، وتَفْسيرُ ذلكَ بالنَّقْصِ مَرْوِيٌ عَنْ مُجاهِدٍ ـ رضي اللهُ عنه. فالغَيْضُ: النُقْصانُ والظاهِرُ أَنَّ المَطَرَ لَمْ يَنْقَطِعْ حتّى قِيلَ للسَماءِ ما قيلَ، ويبدو أنَّ فَورانُ الماءِ كانَ مُسْتَمِرًّا حتَّى قِيلَ للأرْضِ "ابْلَعِي" ولَمْ يَرِدْ في ذلكَ شيْءٌ، والآيَةُ لَيْسَتْ نَصًّا في أَنَّهُ توقَّف أو كانَ لا يَزالُ مُسْتَمِرًّا، فمَا مِنْ مُرَجِّحٍ لأَحَدِ الأَمْرَيْنِ.
وَقُضِيَ أَمْرُ اللهِ فَهَلَكَ قَوْمُ نُوحٍ قَاطِبَةً مِمَّنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، و "قُضِيَ الأَمْرُ" أيْ: أُنْجِزَ ما وَعَدَ اللهُ تعالى نُوحًا ـ عليه السّلامُ، مِنْ إهْلاكِ كُفَّارِ قومِهِ، وإنْجائِهِ وأَهْلَهُ والمُؤمِنينَ، وجُوِّزَ أَنْ يَكونَ المَعنى أَتَمَّ الأَمْرَ.
قولُهُ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} وَاسْتَقَرَّتِ السَّفِينَةُ عَلَى جَبَلِ الجُودِيِّ، فاسْتَقَرَّتْ: اسْتَوَتْ، يُقالُ: اسْتَوى على السَريرِ إذا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ، و "الجُودِيِّ" بِتَشْديدِ الياءِ، وهوَ جَبَلٌ بالمُوصِلِ منْ أرضِ العراقِ، وقيلَ بالشَّامِ، وقيلَ غيرُ ذلكَ، والمَشْهورُ الأوَّلُ. وجاء في بعضِ الآثارِ أنَّ الجِبالَ تَشامَخَتْ حينَ الطوفانِ وتَواضَعَ هوَ للهِ تَعالى فأَكْرَمَهُ سُبْحانَهُ باسْتِواءِ السَفِينَةِ عَلَيْهِ، فمَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ. وكان اسْتِواؤها عليْهِ يَوْمَ عاشُوراءَ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسلَّمَ، قالَ: فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ فَصَامَ هُوَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَه، وَجَرتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَانْتَهى ذَلِك إِلَى الْمُحَرَّمِ فأَرْسَتِ السَّفِينَةُ على الجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فصَامَ نُوحٌ وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْوَحْشِ وَالدَّوَابِّ فصاموا شُكْرًا للهِ تَعَالَى.
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: يَوْمُ عَاشُورَاءَ الْيَوْم الَّذِي تَابَ الله فِيهِ على آدمَ، وَالْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ سَفينةُ نُوحٍ على الجُودِيِّ، وَالْيَوْمُ الَّذِي فَرَقَ اللهُ فِيهِ الْبَحْرَ لِبَني إِسْرَائِيلَ، وَالْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ عِيسَى، صِيَامُهُ يَعْدِلُ سَنَةً مَبْرورَةً.
قولُهُ: {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أَيْ: وَقِيلَ: هَلاكًا وَخَسَارًا، وَبُعْدًا لِلظَّالِمِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى. والتَعَرُّضُ لِوَصْفِ الظُلْمِ هنا للإشْعارِ بِعِلِّيَتِهِ للهَلاكِ، ولِلتَذْكيرِ بمَا سَبَقَ في الآية: 37. مِنْ هَذِهِ السُورةِ المُبارَكَةِ قولُهُ سُبحانَهُ: {وَلاَ تُخاطِبْني فِي الذينَ ظَلَمُواْ}، ولا يَخْفى ما في هذِهِ الآيَةِ أَيْضًا مِنَ الدَّلالَةِ على عُمومِ هلاكِ الكَفَرَةِ، ويَشْهَدُ لذلك آياتٌ أُخَرٌ وأَخْبارٌ كَثيرَةٌ فيها ما هوَ ظاهِرٌ في عُموم هَلاكِ مَنْ عَلى الأرضِ ما عَدَا أَهْلِ السَفينَةِ، ولم يكنْ فيمن هلكَ طفلٌ واحدٌ غيرُ راشدٍ، فقد أَخْرَجَ إِسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ. وابْنُ عَساكِرَ عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ زِيادِ بْنِ سِمْعانَ، عنْ رِجالٍ سَمَّاهم، أنَّ اللهَ تَعالى أَعْقَمَ رِجالَهم قبلَ الطُوفانِ بِأَرْبَعينَ عامًا، وأَعْقَمَ نِساءَهم، فلم يَتَوالَدوا أَرْبَعينَ عامًا مُنْذُ أن دَعا عليهم نبيُّ اللهِ نوحٌ ـ عَلَيْهِ الصلاةُ السَّلامُ، حَتَّى أَدْرَكَ الصَغيرُ وبَلَغَ الحِنْثَ، وصارَتْ للهِ تَعالى عَلَيْهِمُ الحجَّةُ البالغةُ، ثمَّ أَنْزَلَ اللهُ السَّماءَ عَلَيْهِمْ بالطُوفانِ.
قولُهُ تَعالى: {وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ} الواوُ: اسْتِئْنافيَّةٌ، و "قيلَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، و "يَا أَرْضُ" أداةُ نداءٍ للمُتوسِّطِ بعدُهُ، ومُنادى نَكِرَةٌ مَقْصُودَةٌ مبنيٌّ على الضَمِّ في محلِّ نَصْبٍ، وجُمْلَةُ النِّداءِ في مَحَلِّ الرَّفْعِ نائِبَ فاعلٍ، و "ابْلَعِي" فِعْلُ أَمْرٍ مبنيٌّ على حذفِ النونِ لأنَّ مضارعَهُ من الأفعالِ الخمسةِ، والياءُ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ رفع الفاعلِ، و "مَاءَكِ" مفعولٌ بهِ منصوبٌ وهو مضافٌ، كافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ جَرِّ مضافٍ إليه، والجُمْلَة في مَحَلِّ رَفْعِ نائبِ فاعِلٍ عَلى كَونِها جَوابَ النِداءِ.
قولُهُ: "وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي" الواوُ حرفُ عطفٍ، و "يَا سَمَاءُ" معطوفٌ علىَ قولِهِ: "يَا أَرْضُ" وله من الإعرابِ مثله. و "أَقْلِعِي" معطوفٌ على "ابلعي" وله ما لَهُ.
قولُه: {وَغِيضَ الماء وَقُضِيَ الأَمْرُ} الوَاوُ: حرف عطف، و "غِيضَ" مثل "قيلَ" و "الْمَاءُ" نائبُ فاعلٍ، و "وَقُضِيَ" مثل "غيضَ" و "الْأَمْرُ" نائبُ فاعلِهِ، وفعلُهُ لازِمٌ ومُتَعَدٍ، فمِن اللازمِ قولُهُ تعالى في سورة الرعدِ: {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحامُ} الآية: 8، أَيْ: تَنْقُصُ. وقِيلَ: بَلْ هوَ هُنَا مُتَعَدٍّ أَيْضًا، ومِنَ المُتَعَدِّي هذِهِ الآيَةُ؛ لأنَّه لا يُبْنى للمَفْعول مِنْ غيرِ واسِطَةِ حَرْفِ جَرٍّ إلّا المُتًعدِّي بِنَفْسِهِ.
قولُهُ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} الواوُ: للعطفِ، و "اسْتَوَتْ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفَتْحِ المُقدَّرِ على الأَلِفِ المحذوفةِ لالْتِقاءِ الساكنَيْنِ، والتاءُ للتأنيثِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هي" يَعودُ عَلَى "السَفينة"، والجُمْلَةُ مَعْطوفةٌ على جُملَةِ "قُضِيَ". و "عَلَى الْجُودِيِّ" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِ "استوت".
قولُهُ: {وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} الوَاوُ: للعطفِ، و "قِيلَ" تقدَّمَ إعرابُهُ، و "بُعْدًا" نائبُ فاعِلٍ مَحْكِيٍّ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةٌ عَلى "وقيل" الأُولى، وإنْ شِئْتَ قلتَ: "بُعْدًا" مَفْعولٌ مُطْلَقٌ لِفْعلٍ مَحْذوفٍ تَقْديرُهُ ابْعُدْ بُعْدًا، وفاعِلُهُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ جَوازًا تقديرُ "هو" يعودُ عَلى اللهِ تعالى، و "لِلْقَوْمِ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بالفِعلِ المَحْذوفِ، و "الظَّالِمِينَ" صِفَةٌ ل "الْقَوْمِ".
فقولُهُ: "بُعْدًا" مَنْصوبٌ على المَصْدَرِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: وقيلَ: ابْعدوا بُعْدًا، فهو مَصْدَرٌ بِمَعنى الدُعاءِ عَلَيْهِم، نحَوَ قولِكَ: جَدْعًا، يُقال: بَعِدَ يَبْعَد بَعَدًا إذا هَلَكَ، قال الشاعر:
يقولون لا تَبْعَدْ وهم يَدْفِنونه ........... ولا بُعْدَ إلا ما تُواري الصَّفائحُ
ويُقالُ: "بَعُدَ" كَ "كَرُمُ" و "بَعِدَ" ك "تَعِبَ"، ومصدرُهما: "البَعَدُ" بفَتْحَتَيْنِ، و "البُعْدُ" بِضَمٍّ فَسُكونٍ. وقدِ اشْتُهِرَ بابُ "تَعِبَ" في معنى الهلاك.
واللامُ في "للقومِ" إمَّا أنْ تَتَعَلَّقَ بِفِعْلٍ مَحْذوفٍ، ويَكونُ عَلى سَبيلِ البَيانِ كَما تَقَدَّمَ، نَحْوَ: "سَقْيًا لكَ ورَعْيًا"، وإمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِ "قيل"، أَيْ: لأَجْلِهم هذا القَوْلَ. قالَ الزَمَخْشَرِيُّ: ومجيءُ إخبارِه على الفعلِ المَبْنِيِّ للمَفْعُول للدَلالَةِ عَلى الجَلالِ والكِبْرياءِ، وأَنَّ تِلْكَ الأُمورَ العِظامَ لا تَكونُ إلَّا بِفِعلِ قادِرٍ وتَكْوينِ مُكَوِّنٍ قاهِرٍ، وأَنَّ فاعِلَ هَذِهِ الأفعالِ فاعلٌ واحِدٌ لا يُشارَكُ في أَفْعالِهِ، فَلا يَذْهَبُ الوَهْمُ إلى أَنْ يَقولَ غَيْرُهُ: يا أَرْضُ ابْلَعي ماءَكِ، ولا أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الأَمْرَ الهائلَ إِلَّا هُوَ، ولا أَنْ تَسْتوي السفينَةُ على الجُودِيِّ وتَستَقِرَّ عَلَيْهِ إلَّا بِتَسْوِيَتِهِ وإِقْرارِهِ، ولِمَا ذَكَرْنَا مِنَ المَعَاني والنُّكَتِ اسْتَفْصَحَ عُلَماءُ البَيانِ هَذِهِ الآيَةَ ورقَصوا لها رؤوسَهم لا لِتَجانُسِ الكَلِمَتَيْنِ: "ابْلَعي" و "أقلعي"، وذَلِكَ وإنْ كانَ الكَلامُ لا يَخْلُو مِنْ حُسْنٍ، فهُوَ كَغَيْرِ المُلْتَفَتِ إِلَيْهِ بإزاءِ تِلْكَ المَحَاسِنِ التي هيَ اللُّبُّ وما عَداها قُشورٌ.
هذا وَقَدْ بَلَغَتْ هَذِهِ الآيَةُ الكَريمَةُ مِنْ مَراتِبِ الإعْجازِ أَقاصِيها، وجَمَعَتْ مِنَ المَحاسِنِ ما يَضيقُ عَنْهُ نِطاقُ البَيانِ. يُرْوَى أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَصَدُوا أَنْ يُعارِضُوا القُرآنَ فَعَكَفُوا عَلى لُبابِ البِرِّ ولُحومِ الضَأْنِ وسُلافِ الخَمْرِ أَرْبَعينَ يَومًا لِتَصْفُوَ أَذْهانُهم، فلَمَّا أَخَذُوا فيما قَصَدُوهُ، وسَمِعُوا هَذِهِ الآيَةَ قالَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ: هَذا الكَلامُ لا يُشْبِهُ كلامَ المَخْلوقينَ، فَتَرَكوا ما أَخَذوا فيهِ وتَفَرَّقوا، ويُروَى أَيْضًا أَنَّ ابْنَ المُقَفَّعِ وكانَ فَصيحًا بَلِيغًا، حتَّى قِيلَ: إنَّهُ أَفْصحُ أَهْلِ وَقْتِهِ، فرامَ أَنْ يُعارِضَ القُرآنَ، فَنَظَمَ كَلامًا، وجَعَلَهُ مُفَصَّلًا، وسَمَّاهُ سُوَرًا، فاجْتَازَ يَوْمًا بِصَبِيٍّ يَقْرَأُ هذِهِ الآيةَ في مَكْتَبٍ، فرَجَعَ ومَحَا ما عَمِلَ، وقالَ: أَشْهَدُ أَنَّ هَذا لا يُعَارَضُ أَبَدًا، وما هُوَ مِنْ كَلامِ البَشَرِ.
وحَدُّ الإعْجازِ هُوَ المَرْتَبَةُ التي يَعْجِزُ البَشَرُ عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِها، ولا تَدْخُلُ عَلى قُدرَتِهِم قَطْعًا، وهي تَشْتَمِلُ على شَيْئَيْنِ: الأَوَّلُ: الطَرَفُ الأَعْلى مِنَ البَلاغَةِ، أَعْنِي ما تَنْتَهي إِلَيْهِ البلاغَةُ، ولا يُتَصَوَّرُ تَجَاوُزَها إِيَّاهُ، والثاني: ما يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ الطَرَفِ، أَعْنِي المَرَاتِبَ العَلِيَّةَ التي تَتَقاصَرُ القُوَى البَشَرِيَّةُ عَنْها أَيْضًا.
ومَعْنى إِعْجازُ آياتِ الكِتابِ المَجيدِ بِأَسْرِها، هُوَ كَوْنُها مِمَّا تَتَقاصَرُ القُوَى البَشَرِيَّةُ عَنِ الإتْيانِ بِمِثْلِها، سَواءٌ كانَتْ مِنَ القِسْمِ الأَوَّلِ أَوِ من القسمِ الثاني، فلا يَضُرُّ تَفَاوُتُها في البَلاغَةِ، وهوَ الذي قالهُ عُلَماءُ هذا الشَأْنِ. وقدْ فَصَّلَ بَعضُ مَزايا هذِهِ الآيَةِ المَهَرَةُ المُتْقِنونَ وتَرَكُوا مِنْ ذَلِكَ مَا لا يَكادُ يَصِفُهُ الواصِفونَ، فَذَكَرَ العَلَّامَةُ الفهَّامَةُ أَبُو يعقوبٍ السَّكَّاكيُّ الخُوارِزْمِيِّ، أَنَّ النَظَرَ فيها مِنْ أَرْبَعِ جِهاتٍ: مِنْ جِهَةِ عِلْمِ البَيانِ، ومِنْ جِهَةِ عِلْمِ المَعاني، وهُما مَرْجِعَا البَلاغَةِ. ومِنْ جِهَةِ الفَصَاحَةِ المَعْنَوِيَّةِ، ومِنْ جِهَةِ الفَصاحَةِ اللَّفْظِيَّةِ. أَمَّا النَّظرُ فيها مِنْ جِهَةِ عِلْمِ البَيانِ، وهوَ النَظَرُ فيما فيها مِنَ المَجازِ والاسْتِعارَةِ والكِنَايِةِ، وما يَتَّصِلُ بِذَلِكَ مِنَ القَرينَة والتَرْشِيحِ والتَعْريضِ، فهُوَ أَنَّهُ ـ عَزَّ سُلْطانُهُ، لَمَّا أَرادَ أَنْ يُبَيِّنُ مَعْنَى "وقيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ، ويا سَمَاءُ أَقْلِعي"، أَرَدْنَا أَنْ نَرُدَّ ما انْفَجَرَ مِنَ الأَرْضِ إلى بَطْنِها فارْتَدَّ. وأَنْ نَقْطَعَ طُوفانَ السَّماءِ فانْقَطَعَ. وأَنْ نغيضَ الماءَ النَازِلَ مِنَ السَّماءِ فغَاضَ. وأَنْ نَقْضِيَ أَمْرَ نُوحٍ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، وهوَ إِنْجازُ ما كُنَّا وَعَدْنَاهُ مِنْ إِغْراقِ قومِهِ فانْقَضَى، وأَنْ نُسَوِّيَ السَفِينَةَ على الجُودِيِّ فاسْتَوَتْ، وأَبْقَيْنا الظُلْمَةَ غَرْقَى. بَنَى سُبْحانَهُ الكلامَ عَلى تَشْبيهِ المُرادِ مِنْهُ بالمَأْمُورِ الذي لا يَتَأَتَّى مِنْهُ العِصيانُ، لِكَمَالِ هَيْبَةِ الآمِرِ، وتَشبيهِ تَكوينِ المُرادِ بالأَمْرِ الجَزْمُ النافِذِ في تَكَوُّنِ المَقْصودِ، تَصْويرًا لاقْتِدارِهِ العَظيمِ سبحانه، وأَنَّ هذِهِ الأَجْرامَ العَظيمَةَ مِنَ السَّمواتِ والأَرْضِ تابعةٌ لإرادَتِهِ تَعالى إِيجادًا وإِعْدامًا، ولِمَشيئَتِهِ فيها تَغْييرًا وتبديلًا، كأَنَّها عُقَلاءُ مُمَيِّزونَ، قدَ عَرَفوهُ ـ جَلَّ شأنُهُ، حَقَّ مَعرِفَتِهِ، وأَحاطوا عِلْمًا بِوُجوبِ الانْقيادِ لأَمْرِهِ، والإذْعانِ لِحُكْمِهِ، وتَحَتَّمَ بَذْلُ المَجْهودِ عَلَيْهم في تَحْصيلِ مُرادِهِ، وتَصَوَّروا مَزيدَ اقْتِدارِهِ، فعَظُمَتْ مَهابَتُهُ في نُفوسِهِمْ، وضَرَبَتْ سُرادِقَها في أَفْنِيَةِ ضَمائِرِهم، فكَما تَلوحُ لَهم إِشارَتُهُ سُبْحانَهُ، كانَ المُشارُ إِلَيْهِ مُقَدَّمًا، وكَما يَرِدُ عَلَيْهم أَمْرُهُ ـ تَعالى شأنُه، كانَ المَأْمورَ بِهِ مُتَمَّمًا، لا تَلَقِيَ لإشارَتِهِ بِغَيْرِ الإمْضاءِ والانْقِيادِ، ولا لأَمْرِهِ بِغَيْرِ الإذْعانِ والامْتِثالِ. ثمَّ بَنَى على مَجْموعِ التَشْبيهيْنِ نَظْمَ الكَلامِ فقالَ ـ جَلَّ وعَلا: "قِيلَ" على سبيلِ المَجازِ عَنِ الإرادَةِ مِنْ بابِ ذِكْرِ المُسَبِّبِ وإرادةِ السَبَّبِ، لأَنَّ الإرادَةَ تَكونُ سَبَبًا لِوُقوعِ القَوْلِ في الجُمْلَةِ، وجَعَلَ قَرينَةَ هذا المَجازِ خِطابَ الجَمادِ، وهو "تَكُنْ أَرْض" "كُلّ سَمَاءٍ" إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرادَ حُصولُ شيءٍ مُتَعَلِّقٍ بالجَمَادِ، ولا يَصِحُّ القولُ لَهُ، ثمَّ قالَ سُبْحانَهُ كَما تَرى: "تَكُنْ أَرْضُ" "كُلّ سَمَاء" مخاطبًا لَهُما عَلى سَبيلِ الاسْتِعارَةِ للشَبَهِ المَذْكورِ، والظاهِرُ أَنَّهُ أَرادَ أَنَّ هُناكَ اسْتِعَارَةٌ بالكِنَايَةِ حيْثُ ذَكَرَ المُشَبَّه أَعني السماءَ والأَرْضَ المُرادُ مِنْهُما حُصولُ أَمْرٍ، وأُريدَ المُشَبَّهُ بِهِ، أَعْني المَأْمورَ المَوصوفَ بِأَنَّهُ لا يَتَأَتَّى مِنْهُ العِصْيانُ، ادِّعاءً بِقَرينَةِ نِسْبَةِ الخِطابِ إِلَيْهِ، ودُخُولِ حَرْفِ النِّداءِ عَلَيْهِ، وهُما مِنْ خَوَاصِّ المَأْمورِ المُطيعِ، ويَكونُ هذا تَخْييلًا. وقدْ يُقالُ: أَرادَ أَنَّ الاسْتِعارَةَ هَهُنا تَصْريحيَّةٍ تَبَعِيَّةٍ في حَرْفِ النِداءِ بِنَاءً عَلى تَشْبيهِ تَعَلُّقِ الإرادةِ بالمُرادِ مِنْهُ بِتَعَلُّقِ النِداءِ والخِطابِ بالمُنادَى المُخاطَبِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لا يَحْسُنُ هذا التَشْبيهُ ابْتِداءً بَلْ تَبَعًا للتَشْبيهِ الأَوَّلِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ أَصلًا لِمَتْبوعِهِ؟ على أَنَّ قولَهُ للشِبَهِ المَذكورِ يَدْفَعُ هذا الحَمْلَ، ثمَّ اسْتَعارَ لِغَوْرِ الماءِ في الأرْضِ "البَلْعَ" الذي هوَ إعْمال ُالجاذبةِ في المَطْعومِ للشَبَهِ بَيْنَهُما وهو الذَّهابُ إلى مَقَرٍّ خَفِيٍّ.
وجعلَ الزمخشريُّ في الكشافِ البَلْعَ مُسْتَعارًا لِنَشفِ الأَرْضِ الماءَ، وهوَ أَوْلى، فإنَّ النَّشفَ دالٌّ عَلى جَذْبٍ مِنْ أَجزاءِ الأَرْضِ لِمَا علَيْها، كالبَلْعِ بالنِسْبَةِ إلى الحَيَوانِ، ولأنَّ النَّشفَ فِعْلُ الأرضِ، والغَوْر فعلُ الماءِ، مَعِ الطِبَاقِ بَيْنَ الفِعْلَيْنِ تَعَدِّيًا، ثمَّ اسْتَعارَ الماءَ للغِذاءِ اسْتِعارَةً بالكِنَايَةِ تَشْبيهًا لَهُ بالغِذاءِ لِتَقَوِّي الأَرْضِ بالمَاءِ في الإنْباتِ للزُروعِ والأَشْجارِ تَقَوِّي الآكِلِ بالطَعامِ، وجَعَلَ قَرينَةَ الاسْتِعارَةِ لَفْظَةَ "ابْلعي" لِكَوْنِها مَوْضُوعَةً للاسْتِعْمالِ في الغِذاءِ دُونَ الماءِ.
وإذا اعْتُبِرَ مَذْهَبُ السَّلَفِ في الاسْتِعارَةِ يَكونُ "ابْلَعِي" اسْتَعارَةً تَصْريحِيَّةً، ومَعَ ذَلِكَ يكونُ بِحَسَبِ اللَّفْظِ قَرينَةً للاسْتِعارَةِ بِالكِنَايِةِ في الماءِ عَلى حَدِّ مَا قالوا في {يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} سُورَةِ البَقَرَةِ، الآيَةِ: 27. وأَمَّا إذا اعْتُبِرَ مَذْهَبُهُ فيَنْبَغِي أَنْ يَكونَ البَلْعُ باقِيًا على حَقيقَتِهِ كالإنْباتِ في أَنْبَتَ الرَّبيعُ البَقَلَ، وهوَ بَعيدٌ، أَوْ يُجْعَلَ مُسْتَعارًا لأمْرٍ مُتَوَهَّمٍ كَما في "نَطَقَتِ الحالُ"، فَيَلْزَمُهُ القولُ بالاسْتِعارَةِ التَبَعِيَّةِ كَما هوَ المَشْهورُ، ثمَّ إنَّه تَعالى أَمَرَ على سَبيلِ الاسْتِعارَةِ للتَشْبيهِ الثاني وخاطَبَ في الأَمْرِ تَرْشيحًا لاسْتِعارَةِ النِداءِ.
قرأَ الجمهورُ: {الجُودِيِّ} بتشديدِ الياءِ، وقرَأَ الأَعْمَشُ، وابْنُ أَبي عَبْلَةَ بِتَخْفيفِها وهُما لُغتانِ كما قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 44
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 47
» فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 48
» فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 49
» فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 50
» فيضُ العليمِ ... سورةُ هود، الآية: 51

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: