قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
قولُهُ ـ تباركت أسماؤهُ: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} رَدَّ عَلَيْهِ من ابْنِهِ أو ابْنِ زوجِهِ، قالَ فيه بأَنَّه سَوف يلْتَجِيءُ إِلَى قُمَّةِ جَبَلٍ عَالِيَةٍ تَعْصِمُهُ مِنَ المَاءِ، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الطُوفَانَ مهما بلغ فلَنْ يَبْلُغَ الماءُ رُؤُوسَ الجِبَالِ، فإِذَا تَعَلَّقَ بِرَأْسِ جَبَلٍ أَنْجَاهُ ذَلِكَ مِنَ الغَرَقِ.
قولُهُ: {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} فَقَالَ لَهُ نُوحٌ عليه السَّلامُ: لَيْسَ هُنَاكَ شَيءٌ يَعْصِمُ اليَوْمَ مِنْ قَضَاءِ اللهِ وَأَمْرِهِ، إلَّا الذين نظرَ لهمُ اللهُ برحمته وشملهمْ بعنايتِه وهم المؤمنونَ أهلُ السفينةِ، كما أَخْرج ابْنُ أبي حَاتِم، وَأَبُو الشَّيْخ، عَنْ عِكْرِمَةَ ـ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فِي قَوْله تعالى: "لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم" قَالَ: لَا نَاجٍ إِلَّا أَهلُ السَّفِينَةِ.
أمّا سَفينَةُ نَجَاةِ هذِهِ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ فهم عترةُ رسولِ الله ـ صلى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّمَ، آلُ بيتِهِ الطيبين الطاهرين ـ رضوانُ اللهِ عليهم أجمعين، فقد شبَّههم بها فيما أَخرجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبي ذَرٍّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ سَفينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرَقَ.
قولُهُ: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} وَارْتَفَعَ المَوْجُ، كلُّ موجةٍ مِنْهُ كَالجَبَلِ في ارْتِفاعِها وضخامتِها. وما قيلَ مِنْ أَنَّ المَاءَ قد طبَّقَ ما بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ، وأنَّ السفينةَ كانَتْ تَجْري في جَوْفِهِ كما تجري الحوتُ في جوف البحرِ فغيرُ ثابتٍ، والمَشْهورُ أَنَّ الماءَ عَلا شَوَامَخَ الروابي والجبالِ بمقدارِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِراعًا وقيلَ علاها بأَربعين ذراعًا، وعليهِ فهذا الجَرَيانُ المذكور في الآيةِ السابقةِ إنَّما كانَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ الخَطْبُ كما يَدُلُّ عَليه قولُهُ: {ونادى نُوحٌ ابنَهُ} فإنَّ ذَلِكَ إنَّما يُتَصَوَّرُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَطِعَ العلاقَةُ بَيْنَ السَّفينَةِ والبَرِّ إذْ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ جرَيانُ ما جَرى من حوارٍ بَيْنَ نُوحٌ ـ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ، وبيْنَ ابْنِهِ مِنَ المُفاوَضَةِ بالاسْتِدعاءِ إلى السَفِينَةِ، والتحذيرِ من الهلاكِ، والجَوابِ الذي تلقاه من ابْنِهِ بِالاعْتِصامِ بالجَبَلِ. ثمَّ حِيلَ دُونَ رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا الآخَرَ بالماءِ المتراكم والموجِ المتفاقمِ فَكَانَ ابْنُ نُوحٍ مِنَ المُغْرَقِينَ الهالكينَ. أَيْ أنَّ ابْنَهُ غرِقَ مَعَهُ كُلُّ مَنْ كانَ قد توعَّدَهم نوحٌ بالغَرَقِ، وقد جاء هذا التعبيرُ على أَحْسَنِ ما يَكونُ مِنْ بَديعِ الإيجازِ. وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حَاتِم، وَأَبُو الشَّيْخ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبي بَرَّةَ فِي قَوْله تعالى: "وَحَال بَينهمَا الموج" قَالَ: بَين ابْنِ نُوحٍ والجَبَلِ. واللهُ أعلم.
وَكان ممن غَرِقَ بالطوفان أحدُ صنَّاعِ السفينةِ الذي ساهم في بنائها، فقد أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حَميدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: جَعَلَ نوحٌ لِرَجُلٍ مِنْ قومِهِ جُعلًا عَلى أَنْ يُعينَهُ عَلى عَمَلِ السَّفِينَةِ فَعَمِلَ مَعَهُ حَتَّى إِذا فَرَغَ قَالَ لَهُ نوحٌ: تَخَيَّرْ أَيَّ ذَلِكَ شِئْت إِمَّا أَنْ أُوفيكَ أَجْرَكَ، وَإِمَّا أَنْ نُوَقِّيكَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. قَالَ: حَتَّى أَسْتَأْمِرَ قومِي. فاسْتَأْمَرَ قَوْمَهُ فَقَالُوا لَهُ: اذْهَبْ إِلَى أَجْرِكَ فَخُذْهُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَجْرِي. فوَفَّاهُ أَجْرَهُ.
فَأقبلَ: فَمَا أَخَذَ وجَاوَزَ ذَلِك الرجُلَ إِلَى حَيْثُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ. حَتَّى أَمَرَ اللهُ المَاءَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، فَأقبَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَخُوضُ المَاءَ، فَقَالَ: خُذْ الَّذِي جَعَلْتَ لِي. قَالَ: لَكَ مَا رَضِيتَ بِهِ، فغَرِقَ فِيمَنْ غَرِقَ.
قولُهُ تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} قَالَ: فعْلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفَتْحِ الظاهِرِ على آخِرِهِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيه جوازًا يعودُ على الابْنِ والجملةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ، و "سَآوِي} السينُ للتسويف والمستقبل، وفعلٌ مُضارعٌ لازمٌ مرفوعٌ لتجرُّده من الناصبِ والجازم، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخرِه للثقلِ، وفاعله ضميرٌ مستترٌ فيه وجوبًا تقديرُ "أنا" يَعودُ عَلى الابْنِ أيضًا، وهذه الجملةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ، للفعلِ "قال"، و "إِلَى جَبَلٍ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، و "يَعْصِمُنِي" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصب والجازم، وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ ظاهرةٌ على آخره، والياءُ ضميرُ المتكلِّمِ مُتَّصلٌ به في محلِّ نصبِ مفعولِهِ والنونُ للوقايَةِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هوَ" يَعودُ على "جَبَلٍ"، و "مِنَ الْمَاءِ" جارٌ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِهِ، والجُمْلَةُ في محَلِّ الرَّفْعِ خَبَرًا لمُبْتَدَأٍ مَحْذوفٍ، تقديرُهُ "هو" يَعصِمُني، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هذه في مَحَلِّ الجَرِّ صِفَةً لِـ "جَبَلٍ".
قولُهُ: {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}. قَالَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ، وفاعلُهُ ضميرٌ مستترٌ فيه حوازًا تقديرُهُ "هو" يَعودُ على نُوحٍ ـ عليه السلامُ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا محلَّ لها، و "لاَ" نافيَةٌ تَعْمَلَ عَمَلَ "إنَّ". و "عَاصِمَ" اسْمُها منصوبٌ، و "الْيَوْمَ" ظَرْفٌ زمانٍ مُتَعَلِّقٌ بِـ "أَمْرِ اللهِ"، و "مِنْ أَمْرِ اللهِ" جارٌ ومَجْرورٌ مضافٌ ومضافٌ إليه، خَبَرٌ ل "لَا"، والتقديرُ: لا عَاصِمَ كائنٌ مِنْ أَمْرِ اللهِ اليَوْمَ، كما ذَكَرَهُ أَبو البَقاءِ. وجُمْلَةُ "لَا" في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ للفعلِ "قَالَ"، و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ، "مَنْ" اسْم مَوْصُولٌ، في مَحلِّ النَّصْبِ عَلى الاسْتِثْناءِ، والاسْتِثْناءُ مُتَّصِلٌ هنا إنْ كانَ "عَاصِمَ" بمعنى معصومٍ، ومُنْقَطِعٌ إنْ كانَ عَلى مَعْنَاهُ الأصليِّ، و "رَحِمَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الضمِّ الظاهرِ على آخرِهِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه جوازًا تقديرُهُ "هو" يعودُ على "اللهِ" تعالى، والجُمْلَةِ هذه صِلَةُ "مَنْ" المَوصولَةِ فلا محلَّ لها، والعائدُ مَحْذوفٌ التَقْديرُ: إلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللهُ. وفي "لاَ عَاصِمَ اليوم" أقوالٌ:
أَحَدُها: أَنَّهُ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ، وذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ عاصِمًا على حقيقتِهِ، و "مَنْ رَحِمَ" هوَ المَعْصومُ، وفي "رَحِم" ضميرٌ مَرْفوعٌ يَعودُ على اللهِ تَعالى، ومفعولُهُ ضَميرُ المَوْصولِ، وهوَ "مَنْ" حُذِفِ لاسْتِكْمالِ الشُروطِ، والتَقْديرُ: لا عاصِمَ اليوْمَ البَتَّةَ مِنْ أَمْرِ اللهِ، لكنْ مَنْ رَحِمَهُ اللهُ فهوَ مَعصومٌ.
ثانيها: أَنْ يَكونَ المُرادُ بِ "مَنْ رَحِم" هوَ الباري تَعالى كأنَّهُ قيلَ: لا عاصِمَ اليومَ إلَّا الراحِمَ.
ثالثُها: أَنَّ عاصِماً بِمَعنى مَعْصومٍ، وقدْ يَجيءُ "فاعِلٌ" بمَعْنى مَفْعولٍ نَحْوَ: ماءٌ دافِقٌ، أَيْ: مَدْفوقٌ، وأَنْشَدوا:
بطيءُ القيامِ رخيمُ الكلا ..................... مِ أَمْسى فؤادي به فاتِنا
أيْ: مَفتونًا، و "مَنْ" مُرادٌ بِها المَعْصومُ، والتَقْديرُ: لا مَعْصُومَ اليوْمَ مِنْ أَمْرِ الله إلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللهُ فإنَّهُ يُعْصَمُ.
رابِعُها: أَنْ يَكونَ "عاصِمٌ" هُنا بِمَعْنى النَّسَبِ، أَيْ: ذا عِصْمَةٍ نَحْوَ: لابِنٍ وتامِرٍ، وذُو العِصْمَةِ يُطْلَقُ عَلى العاصِمِ وعَلى المَعْصومِ، والمرادُ بِهِ هُنا المَعْصومُ. وهو على هذِهِ التِقْديراتِ اسْتِثْناءٌ مُتَّصِلٌ، وقدْ جَعَلَهُ الزَمَخْشَرِيُّ مُتَّصِلًا لِمُدْرَكٍ آخَرَ، وهوَ حَذْفُ مُضافٍ تَقديرُهُ: لا يَعْصِمُكَ اليوْمَ مُعْتَصِمٌ قَطُّ، مِنْ جَبَلٍ ونَحْوِهِ سِوَى مُعْتَصَمٍ واحِدٍ، وهوَ مَكانُ مَنْ رَحِمَهُمُ اللهُ فنَجَّاهم، أي: السفينة.
وأمَّا خبرُ "لا" فالأَحْسَنُ أَنْ يُجْعَلَ مَحْذُوفًا، وذَلِكَ لأَنَّهُ إذا دَلَّ عَلَيْهِ دَليلٌ وَجَبَ حَذْفُهُ عِنْدَ تَميمٍ، وكَثُرَ عِنْدَ الحِجازِيين، والتَقْديرُ: لا عاصِمَ مَوجودٌ. وجَوَّزَ الحُوفِيُّ وابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكونَ خَبَرُها هوَ الظَرْفُ الذي هوَ "اليومَ". قال: ويَجوزُ أَن ْيَكونَ "اليوم" خَبَرًا فَيَتَعَلَّقُ بالاستقرارِ، وبِهِ يَتَعَلَّقُ: "مِنْ أَمْرِ الله". وقدْ رَدَّ ذلك أَبو البَقاءِ فقالَ: فأَمَّا خَبَرُ "لا" فلا يَجوزُ أَنْ يَكونَ "اليوم"؛ لأَنَّ ظَرْفَ الزَمانِ لا يَكونُ خَبَرًا عَنِ الجُثَّةِ، بَلِ الخَبَرُ "مِنْ أَمْرِ الله" و "اليوم" مَعْمولُ "مِنْ أَمْرِ الله". وأَمَّا "اليومَ" و "مِنْ أَمْرِ الله" فقدْ تَّقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَهمْ جَعَلَ أَحَدَها خَبَرًا، فيَتَعَلَّقُ الآخَرُ بالاسْتِقْرارِ الذي يَتَضَمَّنُّهُ الواقعُ خَبَرًا. ويَجوزُ في "اليومَ" أنْ يَتَعَلَّقَ بِنَفْسِ "مِنْ أَمْرِ الله" لِكَوْنِهِ بِمَعْنى الفِعْلِ. وجَوَّزَ الحُوفِيُّ أَنْ يَكونَ "اليومَ" نَعْتًا ل "عاصِمَ"، وهوَ فاسِدٌ بِما أَفسَدَ بِوقوعِهِ خبَرًا عَنِ الجُثَثِ.
قولُهُ: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} الواو: استئنافيَّةٌ، وَ "حَالَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتح الظاهرِ على آخره، و "بَيْنَهُمَا" ظرفُ مكانٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وهو مضافٌ، وضميرُ المثنَّى الغائبِ "هما" مُتَّصلٌ بِهِ في مَحَلِّ الجَرِّ بالإضافةِ إِلَيْهِ، و "الْمَوْجُ" فاعلُهُ مرفوعٌ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ، و "الفاءُ" حرف عطفٍ، و "كان" فعلٌ ماضٍ نَاقِصٌ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهرِ على آخرِه، واسْمُهُ ضَمِيرٌ مستترٌ فيه جوازًاً تقديرُهُ "هو" يَعودُ عَلى الابْنِ، و "مِنَ الْمُغْرَقِينَ" جارٌّ ومجرورٌ في محلٍّ نصبٍ خبرًا ل "كان"، وعلامةُ الجرِّ الياءُ لأنَّهُ جمعٌ مذكّرٌ سالمٌ والنونُ عِوَضًا عن التنوين في الاسْمِ المفردِ، وهذه الجُملةُ مَعْطوفةٌ على جُمْلَةِ "حالَ".
قرَأَ الجمهورُ: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ} مبنيًّا للفاعِلِ، وقُرَئَ {إِلاَّ مَن رُّحِمَ} بالبناءِ للمَفْعول، وهذه القراءةُ مُقَوِّيّةٌ لِقَولِ مَنْ زعَمَ أَنَّ المُرادَ بِ "مَنْ رَحِم" في قراءَةِ العامَّةِ هو المَرْحومُ لا الراحِمُ، كما تَقَدَّمَ بيانُ تَأويلِهِ. ولا يَجوزُ أَنْ يَكونَ "اليوم" ولا "مِنْ أَمْرِ الله" مُتَعَلِّقَيْنِ ب "عاصم" وكذلِكَ الواحَدُ مِنْهُما؛ لأنَّ الاسْمَ يَكونُ مطوَّلًا، ومَتَى كانَ مُطوَّلًا أُعْرِبَ، ومَتَى أُعْرِبَ نُوِّنَ، ولا عِبْرَةَ بِما خِالَفَ الزَجاجُ: حَيْثَ زَعَمَ أَنَّ اسْمَ "لا" مُعْرَبٌ حُذِفَ تَنْوينُهُ تَخْفيفًا.