فيض العليم ... سورةُ هود الآية: 31
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
قولُهُ ـ جلَّ ذكرُهُ: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ} الْخَزَائِنُ: جَمْعُ خِزَانَةٍ، وَهِيَ بَيْتٌ أَوْ مِشْكَاةٌ كَبِيرَةٌ في الجدارِ لَهَا بَابٌ، تُجعلُ لِخَزْنِ الْمَالِ أَوِ الطَّعَامِ، لِحِفْظِهِ مِنَ الضَّيَاعِ. وَهي هُنَا اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ حيثُ شُبِّهَتِ النِّعَمُ وَالْأَشْيَاءُ النَّافِعَةُ بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ الَّتِي تُدَّخَرُ فِي الْخَزَائِنِ، وَرَمَزَ إِلَى ذَلِكَ بِذِكْرِ مَا هُوَ مِنْ رَوَادِفِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْخَزَائِنُ. وَإِضَافَتُها إِلَى اللهِ لِاخْتِصَاصِ.
يقولُ نبيُّ اللهِ نوحٌ ـ عليه السلامُ، في الردِّ على شُبُهاتِ قومِه: ولا أدَّعي أَنَّني أَمْلُكُ مفاتيح خَزَائِنِ رِزْقِ اللهِ وأَمْوالِهِ التي يُفيضُ مَا شَاءَ مِنْها عَلى مَنْ شاءَ مِنْ عِبَادِهِ، حتى آخُذُ منها ما أشاءُ وأعطيَ منها من أشاء، أو أَدَّعي فضلاً عليكم بالغِنَى حَتَّى تَجْحَدوا فَضْلي بقولكم: {وما نَرَى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ} (الآية التي قبلها). وقيلَ: المَقْصودُ بِخَزائنِ اللهِ عِلمُ الغَيْبِ المَطْوِيِّ عَنِ الخَلْقِ، لأنَّهم قالوا لَهُ: إنَّما اتَّبَعَكَ هؤلاءِ في الظاهِرِ، وهم لَيْسُوا مَعَكَ، وذلك كَيْداً منهم لِيَطرُدَ أولئكَ الفقراء الضُعفاءَ من الذينَ آمَنُوا معه، فأجابهم لَهم: لَيْسَ عَنْدي خَزائنُ غُيُوبِ اللهِ فَأَعْلَمُ ما تَنْطَوي عَلَيْهِ الضَمَائِرُ. لذلك فأَنَا لا أستطيعُ معاملتهم إلاَّ بِما بَدَرَ مِنْهم، وإِنَّما قِيلَ للغُيُوبِ: خَزَائِن، لِحِفْظِها في علمِ اللهِ وحَجْبها عن خلقِهِ ولغُمُوضِها عَليهم، واسْتِتارِها. وَأَخرَجَ ابْنْ جَريرٍ، وَأَبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ـ رَضِي اللهُ عَنهُ: "وَلَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله" الَّتِي لَا يُفْنيها شَيْءٌ فَأَكُون إِنَّمَا أَدْعوكم لِتَتَّبِعوني عَلَيْهَا لأعطيكم مِنْهَا. وقالَ ابْنُ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما: إنَّها الرَّحمةُ، أَيْ: لَيْسَ بِيَدِيَ الرَّحْمَةُ فأَسُوقَها إِلَيْكَمُ. وقالَ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنه: إِنَّما آياتُ القُرآنِ خَزَائنُ، فإذا دَخَلْتَ خِزانَةً فاجْتَهِدْ أَنْ لا تَخْرُجَ مِنْها حَتَّى تَعْرِفَ ما فِيها.
قولُهُ: {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} حَتَّى أَطَّلِعَ على ما في نُفوسِ أَتْباعِي وضمائِرِ قُلوبِهمْ وذلك حين حاولوا أَنْ يَكيدوا للضُعفاءِ عِنْدَهُ بقولهم: (إنَّما اتَّبَعَكَ هؤلاءِ في الظاهِرِ، وهم لَيْسُوا مَعَكَ)، لِيَطْرُدَهم، وهوَ عطفٌ على قولِه: "ولا أقولُ لكم عندي خزائن الله" أي لا أقول عندي خزائن الله ولا أَقولُ أَنَا أَعْلَمُ الغَيْبَ، وقِيلَ: إِنَّما قالَ لَهم هذا، لأنَّ أَرْضَهُم أَجْدَبَتْ، فَسَأَلوهُ: مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ؟. وقيلَ: بَلْ سَأَلوهُ: مَتَى يَجيءُ العَذابُ؟ فقالَ: ولا أَعْلَمُ الغَيْبَ.
قولُه: {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} فأطلعَ على ما لم يطلعَ عليه البشرُ، أو أفعل ما لا يستطيعُ البشرُ فعلُه، ولستُ أَدَّعِي ذَلِكَ فأترفعَ عنكم أو أتأفَّفَ منكم لتقولوا: {مَا أَنْتَ إلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا} (الآية التي قبلَها). فَقد نَفى عنه هذه الشُبْهَةَ كذلك، وَلِذَلِكَ أَعَادَ مَعَهُ فِعْلَ الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ إِبْطَالُ دَعْوَى أُخْرَى أَلْصَقُوهَا بِهِ.
قولُهُ: {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا} أَيْ: وليسَ لِي أَنْ أَطَّلِعَ على ما في نُفوسِ مَنِ اسْتَرْذَلْتُمْ مِنْ ضعفاءِ المُؤمِنينَ وفقرائهم حتَّى أَقْطَعَ فيهِمْ بِشَيْءٍ، أوْ أَحْكُمَ عليهم بِأَنَّهم لَن يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا في الدُنْيا والآخِرَةِ لِهَوانِهم عَلَيْهِ، وذلك نُزُولاً عندَ رَغْبَتِكم، وليس لاحْتِقارِكُمْ إِيَّاهُمْ يُرَدُّ عملُهم أو يَبْطُلُ أَجْرُهُم. والازْدِراءُ الاحْتِقارُ. يُقالُ ازْدَرى فلانٌ فلاناً إذا عابَهُ، وزَرَى عَلَيْهِ احتَقَرَهُ. وهو افْتِعَالٌ مِنَ الزَّرْيِ وَهُوَ الِاحْتِقَارُ وَإِلْصَاقُ الْعَيْبِ، قالَ الصحابيُّ الجليلُ العَبَّاسُ بْنُ مِرْداسٍ السُلَمِيُّ ـ رضي اللهُ عنه:
تَرَى الرجلَ النحيفَ فَتَزْدَريه .................. وفي أثوابهِ أسدٌ هَصُورُ
ويُعجِبُك الطَريرُ فتَبْتَلِيهِ .................. فيُخْلِفُ ظنَّكَ الرَّجُلُ الطَريرُ
الرجُلُ الطريرُ: الرجُلُ ذو الرُواءِ والهاءِ. وقالَ عُرْوَةُ بْنُ الوَرْدِ:
يُبُاعِدُهُ الصَّديقُ وتَزْدَريهِ ....................... حَليلَتُهُ ويَنْهَرُهُ الصَغيرُ
وهو من قصيدة له جاء فيها:
ذَرِيني للغِنَى أَسعى فإنِّي .................... رأيتُ النَّاسَ شَرّهُم الفقيرُ
وأحقَرُهم وأهونُهم عليهم ................. وإنْ أمسى له حَسب وخِيرُ
يُباعدُه القريبُ وتَزْدرِيه ........................ حَلِيلتُه ويَنْهَرُه الصَّغيرُ
وتُلْفِي ذا الغِنَى ولَهُ جَلالٌ .................... يكادُ فؤادُ صاحبِهِ يَطيرُ
قلِيلٌ ذَنْبُه وَالذنْبُ جَمٌّ ........................ ولكنَّ الغِنى رَبٌّ غَفورُ
وأَصْلُ ازْدِراءٍ: ازْتِرَاءٌ، قُلِبَتْ تَاءُ الِافْتِعَالِ دَالًا بَعْدَ الزَّايِ كَمَا قُلِبَتْ فِي الِازْدِيَادِ. وَإِسْنَادُ الِازْدِرَاءِ إِلَى الْأَعْيُنِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، لِأَنَّ الْأَعْيُنَ سَبَبُ الِازْدِرَاءِ غَالِبًا، ولِأَنَّ الِازْدِرَاءَ يَنْشَأُ عَنْ مُشَاهَدَةِ الصِّفَاتِ الْحَقِيرَةِ عِنْدَ النَّاظِرِ. وَنَظِيرُهُ إِسْنَادُ الْفَرَقِ إِلَى الْأَعْيُنِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:
كَذَلِكَ فَافْعَلْ مَا حَيِيتَ إِذَا شَتَوْا ...... وَأَقْدِمْ إِذَا مَا أَعْيُنُ النَّاسِ تَفْرَقُ
وَنَظِيرُ ذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى في سورةِ الأعرافِ: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ الآية: 116. وَإِنَّمَا سَحَرُوا عُقُولَهُمْ وَلَكِنَّ الْأَعْيُنَ تَرَى حَرَكَاتِ السَّحَرَةِ فَتُؤْثِرُ رُؤْيَتُهَا عَلَى عُقُولِ الْمُبْصِرِينَ.
قولُهُ: {اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} المَعْنَى أَنَّ أَمْرَهُمْ مَوْكُولٌ إِلَى رَبِّهِمُ الَّذِي عَلِمَ بِمَا أَوْدَعَهُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالَّذِي وَفَّقَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، أَيْ فَهُوَ يُعَامِلُهُمْ بِمَا يَعْلَمُ مِنْهُمْ. وَتَعْلِيقُهُ بِالنُّفُوسِ تَنْبِيهٌ لِقَوْمِهِ عَلَى غَلَطِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: {وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ} سورة هود، الآية: 27. بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى الْجَانِبِ الْجُثْمَانِيِّ الدُّنْيَوِيِّ وَجَهِلُوا الْفَضَائِلَ وَالْكِمَالَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ وَالْعَطَايَا اللَّدُنِّيَّةَ الَّتِي اللهُ أَعْلَمُ بِهَا.
قولُهُ: {إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} أَيْ لَوْ أنّي قُلْتَ ذَلِكَ لَكُنْتَ مِنَ الظَّالِمِينَ، كَأَنْ يَظْلِمَهُمْ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ حَقِيقَتِهِمْ، فيَظْلِمُ نَفْسَهُ بِقَوْلِ مَا لَا يَصْدُقُ فيه.
وَقد أَكَّدَ قولَهُ هذا بِثَلَاثِ مُؤَكِّدَاتٍ هي: "إِنَّ"، وَ "لَامِ الِابْتِدَاءِ"، وَ "حَرْفِ الْجَزَاءِ"، وفيه وإشارةٌ إلى ظُلْمِ الَّذِينَ رَمَوُا الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّذَالَةِ وَسَلَبُوا الْفَضْلَ عَنْهُمْ، تَعْرِيضٌ بِقَوْمِهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَولُهُ: لَمِنَ الظَّالِمِينَ، أَبْلَغُ فِي إِثْبَاتِ الظُّلْمِ مِنْ: إِنِّي ظَالِمٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، الآية" 67.
وفي هَذَه الآيةِ المباركةِ تَفْصِيلٌ لِمَا رَدَّ بِهِ نوحٌ ـ عليه السلامُ، مَقَالَةَ قَوْمِهِ إِجْمَالًا، فَهُمُ اسْتَدَلُّوا عَلَى نَفْيِ نُبُوَّتِهِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَهُ فَضْلًا عَلَيْهِمْ، فَجَاءَ فِي جَوَابُهُ لهم بِالْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ فَضْلًا عليهم غَيْرَ الْوَحْيِ إِلَيْهِ كَمَا حَكَى اللهُ عَنْ أَنْبِيَائِهِ ـ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فِي قَوْلِهِ تعالى في سورة إبراهيمَ ـ عليه السلامُ: {قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} الآية: 11، وَلِذَلِكَ نَفَى أَنْ يَكُونَ قَدْ ادَّعَى غَيْرَ ذَلِكَ. وَاقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَوَهَّمُونَهُ من لَوَازِم النبوَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى مِنْهُمْ، أَوْ أَنْ يَعْلَمَ الْأُمُورَ الْغَيبِيَّةَ. وَإِنَّمَا نَفَى ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُنْتَفٍ عَنْهُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ، فَأَمَّا انْتِفَاؤُهُ فِي الْمَاضِي فَمَعْلُومٌ لَدَيْهِمْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْهُ، أَيْ لَا تَظُنُّوا أَنِّي مُضْمِرٌ ادِّعَاءَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ أَقُلْهُ.
قولُهُ تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ} الواو: عاطِفَةٌ، و "لا" نافيَةٌ، و "أَقُولُ" فعلٌ مَضارعٌ مرفوعٌ لتجرُّده من الناصبِ والجازمِ، وعلامةُ رفعِه الضمَّةُ الظاهرةُ على آخرِهِ، وفاعلُهُ ضَميرُ المتكلِّمِ مستَتِرٌ فيهِ وُجوباً ـ تقديرُ "أنا" يَعودُ على نُوحٍ ـ عليه السلامُ، والجُمْلَةُ مَعْطوفةٌ على جُمْلَةِ قولِهِ {لَا أَسْأَلُكُمْ} من الآية التي سبقتْها عَلى كَوْنِها جَوابَ النِّداءِ، و "لَكُم" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بِـ "أَقُولُ" و "عِنْدِي" عندَ منصوبٌ على الظرفيَّةِ بفتحةٍ مقدَّرةٍ على آخِرِهِ لانشغالِ المحلِّ بحركةٍ مناسبةٍ لِياءِ المُتَكَلِّمِ، وهوَ مُضَافٌ، وياءُ المُتَكَلِّمِ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ جَرِّ مُضافٍ إِلَيْهِ، متعلِّقٌ بخَبَرٍ مُقُدَّمٍ، و "خَزَائِنُ" مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ مرفوعٌ وهو مضافٌ، و لفظُ الجلالةِ "اللهِ" في محلِّ جرِّ مضافٍ إليهِ، والجُمْلَةُ الاسْمِيَّةُ هذه في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ لِـ "أَقولُ".
قولُهُ: {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} الواو: عاطفةٌ، و "لا" نافيةٌ، "أَعْلَمُ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ، وفاعلُه "أنا" يعود على نوحٍ أيضاً، و "الْغَيْبَ" مفعولُهُ, لأَنَّ عَلِمَ هُنا بِمَعنى عَرَفَ، والجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ هذه معطوفةٌ عَلى جُمْلَةٌ "عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ" عَلى كَوْنِهَا مقولَ "أقول"؛ أَيْ: ولا أَقولُ لَكم إنّي أَعْلَمُ الغُيْبَ.
قولُه: {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} وَلَا أَقُولُ: مَعْطوفٌ عَلى جملة "ولا أقولُ" الأُولى ولها مثلُ إِعرابها، و "إِنِّي" إنَّ: حرفٌ ناصِبٌ، ناسخٌ، مؤكِّدٌ، مُشَبَّهٌ بالفعلِ، وياء: المتكلِّمِ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ اسْمِهِ، وقد توالت النونُ هنا ثلاثَ مرّاتٍ النونُ المشدّدةُ في "إنَّ" نونانِ، وتَلَتْهُما نون الوقايةِ التي تسبقُ ياءَ المتكلمِ فحذفت إحدى النونين وبقيتْ واحدةٌ معَ نونِ الوقايةِ، و "مَلَكٌ" خَبَرُهُ، وهذه الجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ ب "أَقول".
قولُهُ: {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ} وَلَا أَقُولُ: مَعْطوفٌ أيضاً على "وَلَا أَقُولُ" الأَوَّلُ وقد تقدَّمَ إعرابُهُ، و "لِلَّذِينَ" جارٌّ واسْمٌ موصولٌ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ، متَعَلِّقٌ بِهِ، و "تَزْدَرِي" فِعْلٌ مضارعٌ مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخرهِ لثقلِ ظهورِها على الياءِ، و "أَعْيُنُكُمْ" فاعلٌ مرفوعٌ وهو مضافٌ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ جرِّ مضافٍ إليهِ، والميمُ: علامةُ جمع المذكَّر، ومفعولُهُ محذوفٌ تقديرُهُ: تَزْدَريهم، وهوَ العائدُ عَلى المَوْصُولِ، وهذه الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ صِلَةُ المَوْصُولِ. واللامُ في "للذين" للتعَليلِ، أَيْ: لأَجْلِ الذينَ، ولا يَجوزُ أَنْ تَكونَ للتبليغِ، إذْ لَوْ كانتْ للتبليغِ لَكانَ القِياسُ "لَنْ يُؤْتِيَكُم" بالخِطابِ.
قولُهُ: {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا} لَنْ: حرفٌ ناصِبٌ، و "يُؤْتِيَ" فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ ب "لن" والهاءُ: ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مفعولِهِ الأوِّلِ، والميمُ للجمعِ المذكَّر، و "اللهُ" الفاعِلُ، و "خَيْرًا" مفعولُهُ الثاني، والجُمْلةُ في محلِّ النَّصبِ بِ "أَقُولُ".
قولُهُ: {اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} لفظُ الجلالةِ "اللهُ" مُبتدأٌ مرفوعٌ، و "أَعْلَمُ" خبرُهُ، و "بِمَا" جارٌّ و "ما" اسمٌ موصولٌ في محلِّ الجرِّ بحرفِ الجرِّ متعلِّقٌ بِالخبرِ "أَعْلَمُ"، و "فِي أَنْفُسِهِمْ" جارٌّ ومجرورٌ مضافٌ متعلِّقٌ بصِلةِ "ما"، والهاءُ في محلِّ جرِّ مُضافٍ إليهِ، والميمُ للمذكَّرِ، والجملةُ الاسْمِيَّةُ من المبتَدَأِ وخبرهِ مُسْتأنَفةٌ مَسوقةٌ لِتَعليلِ قولِهِ: "وَلَا أَقُولُ".
قولُهُ: {إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} إِنِّي: تقدَّمَ إعرابها في جملة سابقةٍ من هذه الآيةِ، و "إِذًا" حرفُ جَوابٍ لا عَمَلَ لها، لِعدمِ دُخولِها على الفِعلِ، و "لَمِنَ" اللامُ: حَرفُ ابْتِداءٍ للتأكيدِ، و "مِنَ" حرفُ جرٍّ، و "الظَّالِمِينَ" مجرورٌ بحرفِ الجرِّ وعلامةُ جرِّه الياءُ لأنَّه جمعٌ مذكَّرٌ سالمٌ، والنونُ عوضاً عن التنوين في الاسم المفردِ، في محَلِّ رفعِ خبرِ "إنَّ" وجُملةُ "إنَّ" مُستأنفَةٌ مَسوقةٌ أيضاً لِتعليلِ قولِهِ: "وَلَا أَقُولُ".