روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
بعد الصلاة على الرحمة المهداة

أهلا وسهلا بك في روضتنا

يسرنا تسجيلك

روضة الشاعر عبد القادر الأسود
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

روضة الشاعر عبد القادر الأسود

منتدى أدبي اجتماعي يعنى بشؤون الشعر والأدب والموضوعات الاجتماعي والقضايا اللإنسانية
 
مركز تحميل الروضةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
بسـم الله الرحمن الرحيم  :: الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * إهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضــالين ....  آميـــن

 

 فيض العليم ... سورة هود، الآية: 27

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبد القادر الأسود

¤° صاحب الإمتياز °¤
¤° صاحب الإمتياز °¤
عبد القادر الأسود


عدد المساهمات : 3986
تاريخ التسجيل : 08/09/2011
العمر : 76
المزاج المزاج : رايق
الجنس : ذكر
فيض العليم ... سورة هود، الآية: 27 Jb12915568671



فيض العليم ... سورة هود، الآية: 27 Empty
مُساهمةموضوع: فيض العليم ... سورة هود، الآية: 27   فيض العليم ... سورة هود، الآية: 27 I_icon_minitimeالخميس أكتوبر 15, 2015 10:35 am

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ
(27)
قولُهُ تباركت أسماؤه: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} مَلَأُ القومِ هُمُ الْأَشْرَافُ فيهم واللفظُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فلانٌ مَلِيءٌ بِكَذَا، إِذَا كَانَ مُطيقًا لَهُ وَقَدْ مُلْئِوا بِالْأَمْرِ، أطاقوهُ وَالسَّبَبُ فِي إِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مُلِئُوا بِتَرْتِيبِ الْمُهِمَّاتِ وَأَحْسَنُوا فِي تَدْبِيرِهَا. وقد وُصِفوا بذلك لِأَنَّهُمْ يَملؤون الْقُلُوبَ هَيْبَةً وَالْمَجَالِسَ أُبَّهَةً. أو لأَنَّهُمْ يَتَمالؤونَ به أَيْ يَتَظَاهَرُونَ عَلَيْهِ. أو لأَنَّهم مَلَؤوا الْعُقُولَ الرَّاجِحَةَ وَالْآرَاءَ الصَّائِبَةَ، والمُرادُ بِذَلِكَ هُوَ الحاشِيَةُ المُقَرَّبَةُ، أَوْ الدائِرَةُ الأُولى التي تحيطُ بمَرْكَزِ صُنْعِ القَرارِ وهو الحاكمُ، سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيساً.
فبَعدَ أَنْ حَكَى اللهُ تعالى في الآيَةِ السابِقَةِ أَنَّهُ أَرْسَلَ نَبِيَّهُ نُوحاً ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، إلى قومِه، فدَعاهم إلى عِبادَةِ اللهِ الواحِدِ الأَحَدِ، وتَرْكِ عِبادَةِ الأَوْثانِ التي اتَّخَذوها آلهةً مِنْ دُونِهِ، يَحْكي عَنْهُمْ في هذه الآيةِ أَنَّهُمْ طَعَنُوا في نُبُوَّتِهِ بِثلاثَةِ شُبُهَاتِ، أُولَاها: أَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، وَلَيْسَ مَلَكاً مُنْزَلاً مِنَ السَّمَاءِ، فَكَيْفَ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ لِلرِّسَالَةِ مِنْ بَيْنِهِمْ، وكيفَ تَكونُ طَّاعَتُهُ واجبةً عَلَيْهم، ولِمَ يختارُه اللهُ من بينهم، وما الذي يَمتازُ بهِ عَليهم. وكذلك فإنَّ البراهمةَ ينكرون نبوَّةَ البشر مطلقًا.
وقد عَطَفَ قَوْلَ الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهِ بِالْفَاءِ عَلَى فِعْلِ {أَرْسَلْنا} من الآية: 25 السابقةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ بَادَرُوهُ بِالتَّكْذِيبِ وَالْمُجَادَلَةِ الْبَاطِلَةِ فورَ قَولِه لَهُمْ: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ..} في ذاتِ الآية.
قولُه: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} ثُمَّ إِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْهُ إِلاَّ الأَرْاذِلُ الأَخِسَّاءُ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَلَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَشْرَافِ وَالرُّؤَسَاءِ، ثُمَّ إِنَّ هَؤُلاَءِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ لَمْ يَتَّبِعُوهُ عَنْ فِكْرٍ وَنَظَرٍ وَتَمْحِيصٍ، وَإِنَّمَا أَجَابُوهُ فَوْرَ دَعْوَتِهِ إِيَّاهُمْ كَوْنُهُ مَا اتَّبَعَهُ إِلَّا أَرَاذِلُ الْقَوْمِ وبُسَطاؤهم كَالخَدَمِ وأَهْلِ الصَّنَائِعِ والضعفاءِ الفقراءِ مِنَ النَّاسِ، حتى هو عليه السلامُ كانَ من الحرفيين فقد كان يعمل نَجاراً، وَلَوْ كُانَ صَادِقًا لَاتَّبَعَهُ الْأَكْيَاسُ وَالْأَشْرَافُ مِنَ النَّاسِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ حكايةً عنهم: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} الآية: 111. كما حَكَى عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} سورةُ الْأَنْعَامِ، الآية: 8. وَهَذَا جَهْلٌ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الرَّسُولِ أَنْ يُبَاشِرَ الْأُمَّةَ بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ وَالتَّثَبُّتِ وَالْحُجَّةِ، لَا بِالصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ. وَهي الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ التي كانتْ لَهُمْ عَلَيْهِ، عليه السلامُ.
قولُه: {وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} وَهذه ثالثةُ شُبُهَاتِهم، أَنَّهُمْ لم يَرَوْا لِنُوحٍ وَلا لأَصْحَابِهِ فضلاً عَلَيْهِمْ وَلاَ مِيزَةٍ، فِي الخَلْقِ وَلاَ فِي الخُلُقِ، وَلاَ فِي الحَالِ وَلا فِي القُوَّةِ، وَلاَ فِي العقلِ ولا العِلْمِ وَلَا فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ الْعَاجِلَةِ، لِيَتَّبِعُوهُ فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ، وَأَغْلَبُ ظَّنِّهم أَنَّ نُوحاً يكَذِبُ فِي دَعواهِ النُبُوَّةَ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ كَاذِبُونَ فِيمَا يَدَّعُونَهُ لأَنْفُسِهِمْ مِنَ البِرِّ وَالصَّلاَحِ وَالعِبَادَةِ.
وَتِلْكَ مُقْدِمَاتٌ بَاطِلَةٌ أَقَامُوهَا عَلَى مَا شَاعَ بَيْنَهُمْ مِنَ مُصْطَلَحِ التَّفَاضُلِ بِالسُّؤْدُدِ وَالشَرَفِ الذي قِوَامُهُ الشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ وكثرةُ المالِ، وَكَانُوا يَنظرونَ إلى أَسْبَابِ السُّؤْدَدِ نظرةً مَادِّيَّةً جَسَدِيَّةً، فَيُسَوِّدُونَ أَصْحَابَ الْأَجْسَامِ الْبَهِجَةِ ولو كَانوا خُشُبًا مُسَنَّدَةً لِأَنَّهُمْ بِبَسَاطَةِ مَدَارِكِهِمْ الْعَقْلِيَّةِ يُعَظِّمُونَ حُسْنَ الذَّوَاتِ، وَيُسَوِّدُونَ أَهْلَ الْغِنَى طَمَعًا فِي نَوَالِهِمْ، وَيُسَوِّدُونَ الْأَبْطَالَ لِأَنَّهُمْ يُعِدُّونَهُمْ لِدِفَاعِ أَعْدَائِهِمْ. ثُمَّ هُمْ يَعْرِفُونَ أَصْحَابَ تِلْكَ الْخِلَالِ إِمَّا بِمُخَالَطَتِهِمْ وَإِمَّا بِمُخَالَطَةِ أَتْبَاعِهِمْ فَإِذَا تَسَامَعُوا بِسَيِّدِ قَوْمٍ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ تَعَرَّفُوا أَتْبَاعَهُ وَأَنْصَارَهُ، فَإِنْ كَانُوا مِنَ الْأَشْرَافِ وَالسَّادَةِ عَلِمُوا أَنَّهُمْ مَا اتَّبَعُوهُ إِلَّا لَمَّا رَأَوْا فِيهِ مِنْ مُوجِبَاتِ السِّيَادَةِ وَهَذِهِ أَسْبَابٌ مُلَائِمَةٌ لِأَحْوَالِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ إِذْ لَا عِنَايَةَ لَهُمْ بِالْجَانِبِ النَّفْسَانِيِّ مِنَ الْهَيْكَلِ الْإِنْسَانِيِّ.
وَلقُصورِ عُقُولِ هَؤُلَاءِ وَضَعْفِ مَدَارِكِهِمْ لَمْ يَبْلُغُوا إِدْرَاكَ أَسْبَابِ الْكَمَالِ الْحَقِّ، فَذَهَبُوا يَتَطَلَّبُونَ الْكَمَالَ في أَشْيَاءُ لَا يَطَّرِدُ أَثَرُهَا فِي جَلْبِ النَّفْعِ الْعَامِّ وَلَا إِشْعَارَ لَهَا بِكَمَالِ صَاحِبِهَا، إِذْ قد يُشَارِكُهُ فِيهَا أَقَلُّ النَّاسِ عُقُولًا، وَربَّما شاركه فيها الْحَيَوَانُ الْأَعْجَمُ، بَلْ وَرُبَّمَا تَطَلَّبُوا الْكَمَالَ فِي أَجْنَاسٍ غَيْرِ مَأْلُوفَةٍ كَالْجِنِّ.
فَهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ مَنْ قَوْمِ نُوحٍ لَمَّا قَصَّرُوا عَنْ إِدْرَاكِ أَسْبَابِ الْكَمَالِ وَتَطَلَّبُوا الْأَسْبَابَ مِنْ غَيْرِ مَكَانِهَا نَظَرُوا نُوحًا ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَتْبَاعَهُ فَلَمْ يَرَوْهُ مِنْ جِنْسِ غَيْرِ الْبَشَرِ، وَتَأَمَّلُوهُ وَأَتْبَاعَهُ فَلَمْ يَرَوْا فِي أَجْسَامِهِمْ مَا يُمَيِّزُهُمْ عَنِ النَّاسِ وَرُبَّمَا كَانَ فِي عُمُومِ الْأُمَّةِ مَنْ هُمْ أَجْمَلُ وُجُوهًا أَوْ أَطْوَلُ أَجْسَامًا، ولأجْلِ ذَلِك أخطأوا الِاسْتِدْلَالَ فطَلبوا الْكَمَالَ فِي أَسْبَابِ الْقُوَّةِ وَالْعِزَّةِ مِنْ بَسْطَةِ الْجِسْمِ وَإِجَادَةِ الرِّمَايَةِ وَالْمُجَالَدَةِ وَالشَّجَاعَةِ عَلَى لِقَاءِ الْعَدُوِّ. وَهَذِهِ الصفاةُ إنَّما تُعَدَّ فِي أَسْبَابِ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ وَمُكَمِّلَاتِه لِأَنَّهَا آلَاتٌ لِإِنْفَاذِ الْمَقَاصِدِ السَّامِيَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ وَالْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُلُوكِ الصَّالِحِينَ، وَإلاَّ كانتْ آلَاتٍ لِإِنْفَاذِ الْمَقَاصِدِ السَّيِّئَةِ مِثْلَ شَجَاعَةِ أَهْلِ الْحِرَابَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالشُّطَّارِ، وَمِثْلَ الْقُوَّةِ في الِاقْتِحَامِ على الْآمِنِينَ.
وَإِنَّمَا الْكَمَالُ الْحَقُّ هُوَ زَكَاءُ النَّفْسِ وَاسْتِقَامَةُ الْعَقْلِ، فَهُمَا السَّبَبُ الْمُطَّرِدُ لِإِيصَالِ الْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ لِمَا فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَلَهُمَا تَكُونُ الْقُوَى الْمُنَفِّذَةُ خَادِمَةً كَالشَّجَاعَةِ لِلْمُدَافِعِينَ عَنِ الْحَقِّ وَالْمُلْجِئِينَ لِلطُّغَاةِ عَلَى الْخُنُوعِ إِلَى الدِّينِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُعَرَّضٌ لِلْخَطَأِ وَغَيْبَةِ الصَّوَابِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْعِصْمَةُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ مَحْفُوفًا بِالْإِرْشَادِ الْإِلَهِيِّ الْمَعْصُومِ، وَهُوَ مَقَامُ النُّبُوءَةِ وَالرِّسَالَةِ.
قولُهُ تَعالى: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} الفاءُ: حرفُ عطْفٍ للتعقيبِ، و "قَالَ" فعل ماضٍ مبني على الفتحِ الظاهر، و "الْمَلَأُ" فاعلُهُ والجملَةُ معطوفةٌ على جملة {أَرْسَلْنَا}، من الآية: 25، السابِقَةِ، و "الَّذِينَ" اسمٌ موصولٌ في محلِّ رفعِ صفةٍ ل "الملأ"، و "كَفَرُوا" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الرفعِ لاتِّصالِهِ بواوِ الجماعةِ، والألفُ الفارقةُ، وواوُ الجماعةِ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ رفعِ فاعلِهِ، والجملةُ صِلَةُ المَوصُولِ، و "مِنْ قَوْمِهِ" جارٌّ ومَجْرورٌ مضافٌ، في محلِّ النصبِ على الحالِ مِنْ فاعِلِ "كَفَرُوا"، والهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ جرِّ بالإضافةِ إليها.
قولُهُ: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} ما: نافِيَةٌ، و "نَرَاكَ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ الضمةُ المقدَّرةُ على آخره لتعذُّرِ ظهورها على الألِفِ، وفاعلُهُ ضَميرٌ مستترٌ فيه وجوباً تقديرُهُ: "نحن" يعودُ على "الملأ" مِنْ قومِ نوحٍ، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ به في محلِّ نصبِ مفعولِهِ الأَوَّل، و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ، و "بَشَرًا" مَفْعولٌ ثانٍ لِـ "نَرَى" إنْ كانَتْ عِلْمِيَّةً، أوْ حالٌ مِنَ الكافِ إِنْ كانَتِ الرؤيا بَصَرِيَّةً، و «قد» مقدرةٌ عند مَنْ يشترط ذلك. و "مِثْلَنَا" مثلَ: صِفَةٌ لِـ "بَشَرًا" وهو مضافٌ، و "نا" ضميرٌ متَّصلٌ لجماعةِ المتكلِّمين في محلِّ جرّْ بالإضافةِ إليه، وهذه الجُمْلَةُ الفِعْلِيَّةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ بالقولِ.
قولُهُ: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} الواو: عاطِفَةٌ. و "ما" نافيَةٌ، و "نَرَاكَ" تقدَّمَ إعرابُهُ، و "اتَّبَعَكَ" فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ على الفتحِ الظاهر، وكافُ الخطابِ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مفعولٍ به، و "إِلَّا" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ، و "الَّذِينَ" اسمٌ موصولٌ في محلِّ رفعِ فاعِلِ "اتَّبَعَ"، وهذه الجملةُ "اتَّبَعَكَ" في مَحَلِّ نَّصْبِ مفعولٍ ثانٍ لِـ "نَرَى"، إنْ كانَتْ الرؤيا عِلْمِيَّةً، أَوْ في محلِّ نصبِ حالٍ مِنْ الكافِ إِنْ كانَتِ الرؤيا بَصَرِيَّةً، والجُمْلَةُ الفعليَّةُ هذه في مَحَلِّ النَّصْبِ عطْفاً على جُمْلَةِ "نَرَاكَ" الأولى، و "هُمْ" ضميرُ جماعةِ الغائبين الذكورِ المُنْفَصِلِ، في مَحَلِّ رَفْعِ مُبتَدَأٍ، و "أَرَاذِلُنَا" خَبَرُهُ مَرْفوعٌ مُضَافٌ، و "نا" ضميرُ جماعةِ المُتَكَلِّمينَ المُتَّصِلُ في محلِّ جَرٍّ بالإضافةِ إليه، والجُمْلَةُ صِلَةُ المَوْصولِ، و "بَادِيَ" منصوبٌ على الظَرْفِيَّةِ، وفيه وفي اعتباره ظَرفاً وُجوهٌ أُخْرى سنعرضُ لها في القراءاتِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وهو مضافٌ، و "الرَّأْيِ" مُضافٌ إلَيْهِ مُتَعَلِّقٌ بِـ "اتَّبَعَكَ".
والرأيُ: يَجُوزُ أَنْ يَكونَ مِنَ رُؤيَةِ العَيْنِ أَوْ مِنَ الفِكْرَةِ والتَأَمُّلِ.  والأَراذِلُ: جَمْعٌ لِ "أَرْذُل"، وإنَّما جازَ أَنْ يَكونَ جَمْعاً ل "أَرْذُل" لِجَريانِهِ مَجْرى الأَسْماءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ هُجِرَ مَوْصُوفُهُ ك "الأَبْطَح" و "الأبْرَق"، وقالَ بَعْضُهم: هوَ جَمْعُ "أَرْذَل" الذي للتَفْضِيلِ، وجاءَ جَمْعاً كَما جاءَ في سورة الأنعامِ: {أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا} الآية: 123, وكما جاء في الحديث الشريف: {خيارُكم أَحاسِنُكم أخلاقاً} أخرجه الخرائِطِيُّ مِنْ حديثِ ابْنِ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما. ويقالُ: رَجُلٌ رَذْلٌ ورُذالٌ، كَ "رَخْلٌ" و "رُخالٌ" وهو المَرْغوبُ عَنْهُ لِرَداءَتِهِ.
وقالوا: "أراذِلُ" هوَ جَمْعُ الجَمْعِ، ثمَّ اخْتَلفوا فيه، فقال بعضُهم: هو جَمْعُ "أَرْذُل"، و "أَرْذُل" جمعٌ لِ "رَذْل" وهذا نحوَ: "كَلْب" و "أَكْلُبٌ" و "أَكَالِب". وقيلَ: بَلْ هو جَمْعٌ ل "أرْذال"، و "أَرْذال" جمعٌ لِرَذْلٍ أَيْضاً.
قولُهُ: {وَمَا نَرَى لَكُمْ علينا مِنْ فَضْلٍ} الواوُ: عاطِفَةٌ، و "ما" نافيَةٌ، و "نَرَى" فعلٌ مُضارعٌ مرفوعٌ وعلامةُ رفعِهِ ضمَّةٌ مقدَّرةٌ على آخره لتعَذُّر ظهورها على الأَلِفِ، وفاعلُهُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ وُجوباً لجماعة المتكلِّمين تقديرُهُ "نحنُ" يَعودُ عَلى "الْمَلَأ"، و "لَكُمْ" جَارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِ "نرى"، وهوَ في مَحَلِّ نصبِ المَفْعولِ الثاني، إنْ كانَتِ الرؤيا عِلمْيَّةً، و "عَلَيْنَا" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ "فَضْلٍ"، و "مِنْ" حرفُ جرٍّ زائدٍ، و "فَضْلٍ" مجرورٌ لفظاً بحرفِ الجرِّ الزائدِ منصوبٌ محلاًّ على أنَّهُ المفعولُ الأوَّلُ لِـ "نَرَى"، وهذه الجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عطْفًا على جُمْلَةِ "مَا نَرَاكَ".
قولُهُ: {بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} حَرْفُ إضْرابٍ، و "نَظُنُّكُمْ" فعلٌ مضارعٌ  مرفوعٌ لتجرُّدِهِ من الناصِبِ والجازمِ وفاعِلُهُ ضميرُ جماعةِ المتكلِّمين مُسْتَتِرٌ فيهِ وُجُوباً تقديرُهُ "نَحْنُ" يَعودُ على "الملأِ"، وكافُ الخطابِ لجماعةِ الذُكورِ ضَميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مَفْعولِهِ الأوَّل، و "كَاذِبِينَ" مفعولُهُ الثاني منصوبٌ به وعلامةُ نصبِهِ الياءُ لأنَّهُ جمعُ المذكِّر السالم، والنونُ عِوضاً عن التنوينِ في الاسمِ المفردِ، والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عطْفًا على الجُمَلِ التي قَبْلَها على كونِهَا مَقولًا لـِ "قَالَ".
قرأ العامَّةُ: {بَادِيَ الرأي} بياءٍ صريحةٍ مكانَ الهمزة. فيُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ أَصلُهُ "بادئَ الرَأْيِ" مهموزاً، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ مِنْ "بَدا يَبْدو" أَيْ ظَهَرَ، والمعنى: ظاهرَ الرَأْيِ دونَ باطِنِهِ، أَيْ: لَوْ تُؤُمِّلَ لَعُرِفَ باطِنُهُ. وقرأَ أبو عَمْرٍو مِنَ السَبْعَةِ، وعِيسى الثَقَفِيُّ: "بادِئَ الرأيِ" بالهَمْزِ، أَيْ: أَوَّلَ الرَأْيِ بِمَعنى أَنَّهُ غَيْرُ صادرٍ عَنْ رَوِّية وتَأَمُّل، بَلْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ. والقراءتانِ قريبتانِ في المعنى.
وفي انتصابهِ على كلتا القراءتيْنِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُها: أَنَّه مَنْصوبٌ عَلى الظَرْفِ، كما تقدَّمَ في الإعرابِ، وفي العاملِ فيهِ على هذا ثلاثةُ أَوْجُهٍ، أوَّلُها: "نَراكَ"، أي: وما نَراكَ في أَوَّلِ رَأْيِنا، على قِراءَةِ أبي عَمْرٍو، أَوْ فيما يَظْهَرُ لَنَا مِنَ الرَأْيِ في قراءَةِ الباقين. وثاني الأوْجُهِ الثلاثةِ: أَنْ يكونَ منصوباً ب "اتَّبعك"، أيْ: ما نَراك اتَّبَعَكَ أَوَّلَ رَأْيِهم، أوْ ظاهرَ رأيِهم، وهذا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُما: أَنْ يُريدوا: اتَّبَعوكَ في ظاهرِ أَمْرِهِم، وبَواطِنُهم لَيْسَتْ مَعَكَ. وثانيها: أَنَّهم اتَّبَعوكَ بِأَوَّلِ نَظَرٍ، وبالرَأْيِ البادي دونَ تَثَبُّتٍ، ولَوْ تَثَبَّتوا لَمَا اتَّبعوكَ. والأخيرُ مِنَ الأَوْجُهِ الثلاثةِ: أَنَّ العاملَ فيهِ "أراذِلُنا" والمَعْنى: أَراذِلُنا بِأَوَّلِ نَظَرٍ مِنْهم، أَوْ بِظاهِرِ الرَأْيِ نَعْلَمُ ذَلِكَ، أَيْ: إنَّ رَذالَتَهم مَكْشُوفَةٌ لنا ظاهرةٌ لِكَوْنِهم أَصْحابَ حِرَفٍ دَنِيَّةٍ.
ثمَّ القولُ بِكَونِ "باديَ" ظَرْفاً يَحْتاجُ إلى اعْتِذارٍ فإنَّهُ اسْمُ فاعِلٍ وليسَ بِظَرْفٍ في الأَصْلِ، فقالَ مَكِيٌّ: (وإنَّما جازَ أَنْ يَكونَ "فاعِل" ظَرْفاً كَما جازَ ذَلِكَ في "فعيل" نحوَ: "قَريبٍ" و "مَليءٍ"، و "فاعل" و "فعيل" يَتَعاقَبانِ، ك "راحِم" و "رحيم"، و "عالم" و "عليم"، وحَسُنَ ذَلِكَ في "فاعِل" لإِضافَتِهِ إلى الرأْيِ، والرأيُ يُضافُ إِلَيْهِ المَصْدَرُ، ويَنْتَصِبُ المَصْدَرُ مَعَهُ عَلى الظَرْفِ نَحْوَ: أَمَّا جَهْدَ رَأْيٍ فإنَّكَ مُنْطَلِقٌ، أيْ: في "جَهْد".
وقالَ الزَمَخْشَرِيُّ: وانْتِصابُهُ عَلى الظَرْفِ، أصلُه: وقتَ حدوثِ أَوَّلَ أَمْرِهم، أَوْ وَقْتَ حُدوثِ ظاهِرِ رَأْيِهم، فَحُذِفَ ذلك وأُقيمَ المُضافُ إليْهِ مُقامَهُ.
الوجهُ الثاني مِنَ السَبْعَةِ: أَنْ يَنْتَصِبَ عَلى المَفْعولِ بِهِ، حُذِفَ مَعَهُ حرفُ الجَرِّ، مِثْلَ قولِهِ تعالى في سورة الأعراف: {واختارَ مُوسَى قَوْمَهُ} الآية: 155. كذا قالَهُ مَكِيٌّ. وفيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَيْسَ هُنا فِعْلٌ صَالِحٌ لِيَتَعَدَّى إلى مفعولينِ اثْنَيْنِ، فيتعدَّ إلى ثانِيهِما بإسْقاطِ الخافِضِ.
والوجهُ الثالثُ مِنَ السَبْعَةِ: أَنْ يَنْتَصِبَ على المَصْدَرِ، ومَجيءُ المَصْدَرِ عَلى "فاعلِ" أَيْضاً لَيْسَ بالقِياسِ، والعامِلُ في هَذا المَصْدَرِ كالعامِلِ في الظَرْفِ كَما تَقَدَّمَ، ويَكونُ مِنْ بابِ ما جاءَ فيهِ المَصْدَرُ مِنْ مَعنى الفِعْلِ لا مِنْ لَفْظِهِ، تَقْديرُهُ: رُؤْيَةَ بَدْءٍ أَوْ ظُهورٍ، أَوْ اتِّباعَ بَدْءٍ أَوْ ظُهورٍ، أَوْ رَذالَةَ بَدْءٍ أَوْ ظُهورٍ.
ورابعُ الأوجُهِ السَبْعَةِ: أَنْ يَكونَ نَعْتًا لِ "بَشَرٍ"، أَيْ: ما نَراكَ إلاَّ بَشَراً مِثْلَنا بادِيَ الرَأْيِ، أَيْ: ظاهرَهُ، أَوْ مُبْتَدِئاً فِيهِ. وفيهِ بُعْدٌ للفَصْلِ بَيْنَ النَّعْتِ والمَنْعوتِ بالجُمْلةِ المَعْطوفَةْ.
والوجْهُ الخامِسُ منها: أَنَّهُ حالٌ مِنْ مَفْعولِ "اتَّبَعَكَ"، أَيْ: وَأَنْتَ مَكْشوفَ الرَأْيِ ظَاهِرَهُ لا قُوَّةَ فِيهِ لك ولا حَصَافَةَ.
سادِسُها: أَنَّهُ مُنَادَى والمُرادُ بِهِ نُوحٌ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، كأَنَّهم قالوا: يا بَادِيَ الرَأْيِ، أَيْ: ما في نَفْسِكَ ظاهرٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، قالوا ذَلِكَ عَلى سَبيلِ الاسْتِهْزاءِ بِهِ واسْتِقلالِ شَأْنِهِ.
الوجهُ السابِعُ والأخيرُ هو ما ذكرَهُ أَبو البَقاءِ، قالَ: إنَّ العاملَ فيهِ مُضْمَرٌ، تَقديرُهُ: أَتَقولُ ذَلِكَ بادَيَ الرَأْيِ، والأصلُ عَدَمُ الإِضْمارِ مَعَ الاسْتِغْناءِ عَنْهُ، وعَلى هذِهِ الأَوْجُهِ الأَرْبَعَةِ الأَخِيرَةِ هوَ اسْمُ فاعِلٍ مِنْ غيْرِ تَأْويلٍ، بِخِلافِ ما تَقَدَّمها مِنَ الأَوْجُهِ فإنَّهُ بحسَبها ظَرْفٌ أَوْ مَصْدَرٌ. وإذا نَصَبْتَ "باديَ" عَلى الظَرْفِ أَوِ المَصْدَرِ بِما قَبْلَ "إلا" احْتَجْتَ إلى جَوابٍ عَنِ إِشْكالٍ، وهوَ أَنَّ مَا بَعْدَ "إلَّا" لا يَكونُ مَعْمُولًا لِمَا قَبْلَها، إلاَّ إنْ كانَ مُسْتَثْنًى مِنْه، نَحْوَ: (مَا قامَ إلَّا زَيْداً القَوْمِ) أوْ مُسْتَثْنًى نَحْوَ: (قامَ القومُ إلَّا زيداً)، أَوْ تابِعًا للمُسْتَثْنى مِنْهُ نحوَ: (ما جاءني أَحَدُ إلَّا زَيْدٌ أَخيرٌ مِنْ عَمْرٍو) و "بادي الرأي" لَيْسَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وقالَ مَكِيٌّ: فلو قُلْتَ الكلامِ: (ما أَعْطَيْتُ أَحَدًا إلَّا زَيْداً دِرْهَمًا) فأَوْقَعْتَ اسْمَيْنِ مَفعولَيْنِ بَعْدَ "إلا" لَمْ يَجُزْ؛ لأنَّ الفِعْلَ لا يَصِلُ بِ "إلَّا" إلى مَفْعولَيْنِ، إنَّما يَصِلُ إلى اسْمٍ واحِدٍ كَسائِرِ الحُروفِ، أَلَا تَرى أَنَّكَ لَوْ قلتَ: (مَرَرْتُ بِزَيْدٍ عَمْرٍو) فأَوْصَلْتَ الفِعْلَ إِلَيْهِما بِحَرْفٍ واحِدٍ لَمْ يَجُزْ، ولِذلِكَ لوْ قلتَ: (اسْتَوى الماءُ والخَشَبَةَ الحائطَ) فنَصَبْتَ اسْمَيْنِ بِواو المَعيَّةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ في جَميعِ ذَلِكَ بِواوِ العَطْفِ فيَجوزُ وُصولُ الفِعْلِ. وأُجيبَ عن ذَلكَ بأَنَّ الظَروفَ يُتَّسَعُ فيها مَا لا يُتَّسَعُ في غَيْرِها. وهذا جِماعُ القَوْلِ في هذِهِ المَسْأَلَةِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فيض العليم ... سورة هود، الآية: 27
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فيض العليم ... سورة هود، الآية: 18
» فيض العليم ... سورة هود، الآية: 33
» فيض العليم ... سورة هود الآية: 64
» فيض العليم ... سورة هود الآية: 85
» فيض العليم ... سورة هود، الآية: 101

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
روضة الشاعر عبد القادر الأسود :: ...:: الروضة الروحانية ::... :: روضة الذكر الحكيم-
انتقل الى: