فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ
(102)
قولُهُ ـ تباركت أسماؤه: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا
مِنْ قَبْلِهِمْ} حَضٌّ على الإيمان، ووعيدٌ للكافرين بأنهم إذا لَجُّوا في الكُفْرِ حَلَّ بهِمُ العَذابُ، ووعدٌ بأنهم إذا آمَنوا نجوا، وقد كانت هذه سُنَّةَ الله في الأمَمِ الخالِيَةِ، فَهَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ لَكَ يَا رسولَ اللهِ إِلاَّ أَنْ يَنَالَهُمْ مِنَ الأَيَّامِ الشِّدَادِ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَسْلاَفَهُمُ المَاضِينَ، الذِينَ كَانُوا عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَالتَّكْذِيبِ لِرُسُلِهِمْ؟
والأيام هنا بمعنى الوقائع؛ يقال: فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعهم. والعرب تسمّي العذابَ أياماً والنِعَمَ أَيّاماً؛ كَقَوْلِهِ تَعالى في سورة إبراهيم: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ} الآية: 5. وكلُّ ما مَضى لكَ مِنْ خَيرٍ أَوْ شَرٍّ فهوَ أَيَّامٌ. وهو مِنَ التعبيرِ بالزمان عمّا وقع فيه، كما يُقالُ: (الصبح) للصَلاةِ الواقعةِ فيه، وكذلك: الظهر والمغرب ...
فقد أخرجَ ابْنُ جَريرٍ، وابْنُ أَبي حاتم، وأبو الشيخ، عنْ قَتَادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "فهل يَنْتَظرون إلاَّ مثلَ أيَّامِ الذين خَلَوْا مِنْ قَبْلِهم" قالَ: وقائعَ اللهِ في الذين خَلَوا مِنْ قَبْلِهم قوم نوحٍ وعادٍ وثمودٍ.
قولهُ: {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} فَقُلْ لَهُمْ: إِنْ كُنْتُمْ تَنْتَظِرُونَ غَيْرَ ذَلِكَ فَانْتَظِرُوا، فَإِنِّي أَنْتَظِرُ أَنْ يُهْلِكَكُمُ اللهُ بِالعُقُوبَةِ لأَنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ صِدْقِ وَعْدِ اللهِ لِلْمُرْسَلِينَ. وأَخرَجَ ابْنُ جَريرٍ، وأَبو الشيخ عَنِ الرَّبيعِ في قولِهِ تعالى: "فهل ينتظرون إلاَّ مثلَ أَيَّامِ الذين خلوا من قبلِهم قُلْ فانْتَظِروا إِني مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرين" قال: خوَّفهم اللهُ عذابَهُ ونقَمَتَه وعُقوبَتَه، ثمَّ أَخبَرَهم أَنَّهُ إذا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ نَجَّى اللهُ رُسُلَهُ والذين آمَنوا فقال: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا}.
قولُهُ تعالى: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} فَهَلْ: الفاء: هي الفصيحةُ؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن الآيات لا تغني فيهم شيئًا، وأردت بيان عاقبتهم. فأقولُ لك. و "هل ينتظرون" هَلْ: حَرْفٌ للاسْتِفْهامِ الإنْكاريِّ. و "يَنْتَظِرُونَ" فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه ثبوت النونِ في آخره لأنَّه من الأفعال الخمسةِ، وفاعلُهُ واوُ الجماعة، و "إلاَّ" أَداةُ اسْتِثْناءٍ مُفَرَّغٍ. و "مِثْلَ" مَفعولُهُ، وهو مضاف، و "أَيَّامِ" مضافٌ إِلَيه وهو مضافٌ، و "الَّذِينَ" مضافٌ إليهِ. و "خَلَوْا" فعلٌ ماضٍ وواوُ الجماعة فاعلُهُ, والجملة هذه صِلَةُ الموصول "الذين". و "مِنْ قَبْلِهِمْ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ ب "خَلَوْا" وجملةُ "يَنْتَظِرُونَ" في محلِّ النَصبِ مَقولٌ لجوابِ "إذا" المُقدرَةِ، وجملة "إذا" المقدَّرةُ مُسْتَأْنَفَةٌ.
قولُهُ: {قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ}. قُلْ: فعلُ أَمْرٍ، وفاعلُهُ ضميرٌ يَعودُ على النبيِّ محمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، والجًمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ. و "فَانْتَظِرُوا" الفاءُ: فاء الفصاحةِ, لأنها أَفْصَحَتْ عَنْ جَوابِ شَرْطٍ مُقََّدرٍ، تَقْديرُهُ: إذا عَرَفْتَ ما يَنْتَظِرونَ إلاَّ مِثْلَ أَيامِ الذين خَلَوْا وأَرَدْتَ بيانَ ما تَقولُ لهم فَأَقولَ لَكَ. و "انْتَظِروا" فعلٌ وفاعلُه، والجملة الفعليَّةُ هذه في محلِّ نَصْبِ مقولٍ لجواب "إذا" المقدرة، وجملة "إذا" المقدرة في محل نصبِ مقولٍ ل "قُلْ". و "إِنِّي" ناصِبٌ ناسخٌ، والياءُ اسمُه. و "مَعَكُمْ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ ب "الْمُنْتَظِرِينَ" و "مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ" جارٌّ ومجرورٌ في محلِّ رفع خبرِ "إنَّ"، وجملةُ "إنَّ" في محلِّ نَصْبِ مَقولِ "قُلْ".