وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
(99)
قولُهُ ـ تعالى جَدُّه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} وَلَوْ شَاءَ اللهُ أَنْ يُؤْمِنَ أَهْلُ الأَرْضِ جَمِيعاً لَفَعَلَ، إِمَّا بِأَنْ يُلْجِئَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ قَسْراً، وَإِمَّا بِأَنْ يَخْلُقَهُمْ مُؤْمِنِينَ طَائِعِينَ، وَلَكِنَّ حِكْمَتَهُ تَعَالَى اقْتَضَتْ بِأَنْ يَخْلُقَ الإِنْسَانَ وَفِيهِ القُدْرَةُ عَلَى أَنْ يُوَازِنَ بِاخْتِيَارِهِ بَيْنَ الإِيمَانِ وَالكُفْرِ، بين الحقِّ والباطل، فَيُؤْمِنُ بَعْضُ النَّاسِ، وَيَكْفُرُ آخَرُونَ.
قولُهُ: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لاَ تَسْتَطِيعَ إِكْرَاهَ النَّاسِ عَلَى الإِيمَانِ، وَلاَ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الرِّسَالَةِ التِي بَعَثَكَ اللهُ بِهَا، إنَّما عليك تبليغُ رسالةِ رَبِّكَ للناس، واللهُ هو الي يهدي إليها منْ شاء منْ عِبادِهِ، بحسَبِ مُقْتَضَى حِكْمَتِهِ، واستعدادِهم لقبول مضمون الرسالة.
قولُهُ تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} الواوُ: اسْتِئْنافِيَّةٌ. "لو" حَرْفُ شَرْطٍ، و "شَاءَ" فِعْلٌ ماضٍ، و "ربُّ" فاعلُهُ وهو مضافٌ، والكافُ في محلِّ جرِّ مضافٍ إليه، والجُمْلَةُ فِعْلُ شِرْطٍ ل "لو". و "لآمَنَ" اللامُ: رابِطَةٌ لِجَوابِ "لو". و "آمن" فعلٌ ماضٍ و "مَنْ" اسمٌ موصولٌ في محلِّ رفعِ فاعلٍ له، والجملةُ جوابُ "لو" الشَرْطِيَّةِ، وجملةُ "لو" الشَرْطِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ. و "فِي الأَرْضِ" جارٌّ ومجرورٌ صِلَةُ "مَنْ" المَوْصولَةِ. و "كُلُّهُمْ" تَوْكيدٌ لِ "مَن" المَوْصولَةِ. و "جَمِيعًا" حالٌ مِنْها.
قولُه: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أَفَأَنْتَ" الهمزةُ للاسْتِفْهامِ التِأْديبيِّ داخلةٌ عَلى محذوفٍ تَقْديرُهُ: أَتَحْزَنُ وتَتَأَسَّفُ عَلى عَدَمِ إيمانِهم. والفاء: عاطفةٌ، وقد تقدَّمت الهمزةُ على العاطِفِ لأنَّ الاستفهام له حقُّ الصدارة، و "أنت" فاعلٌ مرفوعٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مُفَسَّرٍ بالظاهرِ بَعدَهُ وهوَ الأَرْجَحُ؛ لأنَّ الاسْمَ قدْ وَلي أَداةً هِيَ بالفِعْلِ أَوْلى . ويجوزُ أنْ يعربَ "أنتَ" مُبْتَدأً. و "تُكْرِهُ النَّاسَ" فعلٌ ومَفْعولُهُ، وفاعلُه ضَميرٌ مستترٌ يَعودُ على محمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، والجُمُلَةُ فعليَّةٌ في محَلِّ رَفْعِ خَبرِ المبتدأ، والجملة الاسميَّةُ مَعْطُوفَةٌ على ذلكَ المحذوف. و "حَتَّى" حرفُ جرٍّ وغايةٍ للإكراهِ، و "يَكُونُوا" فعلٌ ناقِصٌ منصوبٌ ب "أنْ" مضمرةٍ بعد "حتى" وعلامةُ نصبه حذفُ النونِ من آخره لأنَّهُ من الأفعال الخمسةِ، وواوُ الجماعة: اسمُ كان. و "مُؤْمِنِينَ" خبَرُ كانَ، والجملةُ في تَأْويلِ مَصْدَرٍ مجرورٍ بِ "حتى" بمعنى: "إلى" تَقْدِيرُهُ: إلى كونهم مؤمنين، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ ب "تُكْرِهُ".