وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ
(125)
قوله ـ تعالى شأنُه: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} بعد أن أخبر سبحانه في الآية السابقة أنَّ المؤمنين يزيد إيمانُهم كلما نزلت آيةٌ جديدة، وتقدمَ لنا هناك كلامٌ مستوفىً حولَ هذه الزيادة ومعناها، جاءت هذه الآيةُ لتخبرنا عن حالَ الكافرينَ والمنافقينَ عند نزول آيةٍ جديدة، وكانَ بين لنا الحقُّ تعالى هناك أنهم يهزؤون ويسخرون ويقولن: {أيُّكم زادته هذه إيماناً}.
قولُه: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} ولأنَّ قلوب المنافقين مريضةٌ بما فيها من قذر النفاقِ، ولأنَّ نفوسَهُم تعاني من ألم العذاب من التردُّدِ والشكِّ وخوف العقابِ العاجِلِ في الدنيا، والعذاب الآجلِ في الآخِرَةِ فإنَّ نزولَ آية جديدةٍ يزيد من شكهم وقلقهم واطرابهم وعذابهم، ويزيدهم قذارة إلى قذارتهم. والرِّجُسُ في اللُّغَةِ يِجيءُ بمَعْنى القَذَرِ، ويَجيءُ بمَعنى العَذابِ، وحالُ هؤلاءِ المُنافِقينَ هِيَ قَذَرٌ، وهِيَ عَذَابٌ عاجِلٌ كَفيلٌ بعذابٍ آجِلٍ، والرِّجْسُ يَعُمُّ سائِرَ الخَباثاتِ النَّفْسِيَّّةِ، الشّامِلَةِ لِضيقِ الصَّدْرِ وحَرَجِهِ، فزيادَةُ "الرجْسِ إلى الرِجْسِ: هي عَمَهُهُمْ في الكُفْرِ وخَبْطُهم في الضَلالِ، عقوبةً مِنَ اللهِ تعالى على الكُفْرِ والإعراضِ، وبالخَتْمِ عَلى قُلوبِهم والحَتْمِ بالنارِ عَلَيْهِم. فهم إذْ كَفَروا بسورةٍ فقَدِ ازداد كُفْرُهُم بنزول أخرى لأنهم يكفرون بها أيضاً، فَبذَلِكَ تكون زِيادَةُ رِجْسٍ إلى رِجْسِهم. فَالقُرْآنُ الكريمُ إذاً كَما هُوَ سَبَبُ سَعادَةِ المُؤمنينِ وازْدِيادِ هُداهُمْ، فهو سَبَبٌ لِزِيَادَةِ ضَلاَلِ الكافرين والمنافقين وَشَقَائِهِمْ. فإنَّ عُقوبَةَ المَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ بَعْدَها, كَما أَنَّ مِنْ ثَوابِ الحَسَنَةِ الحَسَنَةُ بعدَها.
قولُهُ: {وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} وهكذا فإنَّ كفْرَ الكافرين ونفاق المنافِقينَ ما يَزال في زيادةٍ حتى يأتي أجلُهم فيموتون على الكفر والنفاق، ليَخْلُدوا في عَذابِ جَهَنَّمَ في الآخرة جزاءً وفاقاً لكفرهم ونفاقهم.
قولُهُ تَعالى: {رِجْساً إلى رجسِهم} رجساً: مَفْعُولٌ ثانٍ، أو هُوَ نصبٌ على أنَّه تَمييزٌ للزيادَةِ، و "إلى رِجْسِهم" الجارُّ مُتَعَلِّقٌ بِنَعْتٍ لِ "رجساً".
وقولُهُ: {وَهُمْ كافرون} الواوُ حاليةٌ، والجملةٌ في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ الواوِ في "ماتوا".