أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
(70)
قولُهُ ـ تبارك وتعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَقُولُ تَعَالَى وَاعِظاً الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ المُكَذِّبِينَ: أَلَمْ تَصِلْكُمْ أَخْبَارُ َمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ الذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ الذِّينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ؟ والاسْتِفْهامُ هنا مُوجَّهٌ للمُخاطَبِين تَقْريراً عَنْهُم، بحيْثُ يكونُ كالاسْتِشْهادِ عَلَيْهم بأنَّهم أَتاهم نَبَأُ الذينَ مِنْ قبلِهم مِنَ الأُمَمِ البائدةِ. التي كَفَرَتْ أَنْعُمَ رَبِّها وكذَّبَتْ رُسُلَهُ، كيفَ عاقَبَهمُ اللهُ تعالى وعذَّبَهم، وكيفَ أَخَذَهُم بِذنوبهم. والإتيانُ مُسْتَعْمَلٌ هنا في بُلوغِ الخَبرِ، ومستعملٌ لما هو أخفُّ من المجيءِ، وهُوُ المَوْطِنُ الوَحيدُ الذي جاءَ فيهِ نَحْوُ هذا التَعبيرِ في القُرآنِ الكريمِ، في حينِ قالَ في المَواطِنِ الأُخْرى كُلِّها: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} ولو نَظَرْتَ في هذِهِ التَعبيراتِ، ودَقَّقْتَ فيها لَوَجَدْتَ أَنَّ كُلَّ التَعبيراتِ التي جاءتْ بالفِعْلِ (جاء) أَشَقُّ وأَصْعَبُ ممَّا جاءَ بِ (أتى)، وإليكَ بيانُ ذَلِكَ. الإعجازِ اللُّغَوِيِّ والبياني في القرآن الكريمِ
قال تعالى في سُورةِ الأَعرافِ: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ. وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ. ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} الآية:101 ـ 103.
فانظر كيف قال هنا: "أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ". ولم يَذْكُرْ أَنَّهم كَفَروا أَوْ عُوقِبوا، في حينِ قال في آياتِ الأَعْرافِ: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} فذَكَرَ عَدَمَ إيمانهم، وأَنهم طُبِعَ على قلوبهم: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ}، وذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ أَكْثَرَهم فاسِقين، وأَنَّهُ لم يجِدْ لأكثرِهم عَهْداً، وذَكَرَ بعدَ ذلكَ ظُلْمَ فِرْعوْنَ وقومِهِ لِمُوسى وتَكذيبَهم بآياتِ اللهِ وعاقِبَتَهم. فانْظُرْ مَوْقِفَ الأُمَمِ مِنَ الرُسُلِ في الحالَتَينِ وانْظُرْ اسْتِعْمالَ كُلٍّ مِنَ الفِعْلين، (جاءَ) و (أتى)، يَتَبَيَّنُ لَكَ الفَرْقُ واضِحاً بَيْنَهُما.
ومنه قولُهُ تعالى في سورة يونُس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} الآية: 13. فقال: {وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالبَيّنات} وذلك أَنَّهُ ذَكَرَ إهْلاكَ القُرونِ لِظُلْمِهم، وذَكَرَ تَكْذيبَهم، وعَدَمَ إيمانِهم، وذَكَرَ جَزاءَ المُجْرِمين.
وقال في سورَة إبراهيم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}، إلى أَنْ يَقولَ: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}. الآيات: 9 و 12 و 13.
ويمضي في وَصْفِ عَذابِ الكفَرَةِ عذاباً غَليظاً فيقول بعد ذلك في السورةِ ذاتِها: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ. يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} الآية: 17. وإذا قارنْتَ جميعَ الآياتِ التي ورَدَ فيها الفِعلُ (جاءَ) بآيَةِ التوبةِ هذه التي ورَدَ فيها الفعلُ (أَتى) تبيَّنَ الفرق بينَ اسْتِعمال الفعلين. وقد يقولُ قائلٌ: لكنْ وَرَدَ في القرآنِ (أتتكم الساعة) و (جاءتهم الساعة) والساعة واحدةٌ فما الفَرْقُ؟ والجوابُ أَنَّهُ يَنْبَغي النَظَرُ في الآيَةِ كلِّها وفي السياقِ لِيَصِحَّ الاسْتِدلالُ. فق قالَ تَعالى في الأولى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} سورةُ الأَنعام، الآية: 31. وقال بعد ذلك في الثانيةِ: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} الآية: 41. من السورة ذاتها.
فإذا تأملتَ الآيتين اتَّضَحَ لك الفرقُ بينَ المَقامين. فإن الأولى في الآخرة وفي الذين كذبوا باليوم الآخِرِ، وهُمْ نادِمونَ مُتَحَسِّرونَ على ما فَرَّطُوا في الدنيا، وهُمْ يحْمِلونَ أَوْزارَهم على ظُهورِهم. وتُوَضِّحُهُ الآيةُ قبلَها وهِيَ قولُهُ تَعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} الآية:30. في حين أَنَّ الثانيةَ في الدنيا بِدَليلِ قولِهِ: {أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، وقولِهِ: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} فذَكَرَ أَنَّه يَكْشِفُ ما يَدْعونَ إليْهِ إنْ شاءَ، وهذا كلُّه في الدُنيا. فالموقِف ُالأَوَّلُ أَشَقُّ وأَشدُّ من الثاني، ولذلك جاءَ فيه بالفعلِ (جاء) دونَ (أَتى) بخِلافِ الموقف في الآيةِ الثانية. فقد اتَّضَحَ أَنَّ القُرآنَ إنَّما يَسْتَعمِلُ (جاء) لما هو أَصعبُ وأَشَقُّ. ويَسْتَعْمِلُ (أَتى) لما هُوَ أَخَفُّ وأَيْسَرُ. ولعلَّكَ تَلْحَظُ حين تَتَلَفَّظُ بالفِعْلَينِ أَنَّ (جاءَ) أَثْقَلُ مِنَ (أتى) في اللفْظِ لِذلك لمْ يَرِدْ في القُرآنِ لَهُ مُضارِعٌ ولا أَمْرٌ ولا اسْمُ فاعِلٍ ولا اسْمُ مَفْعولٍ، بخِلافِ (أَتى) فقد وَرَدَتْ كلُّ تَصريفاتِهِ، الماضي والمضارعُ والأَمْرُ واسْمُ الفاعلِ واسْمُ المَفعولِ. فناسَبَ بَينَ ثِقَلِ اللَّفْظِ في (جاء) وثِقَلِ المَوْقِفِ، وبين خفَّةِ اللفْظِ في (أتى) وخِفَّةِ الموقف.
قولُهُ: {قَوْمِ نُوحٍ} في طُولِ أَعْمارِهِمْ وامْتِدادِ آثارِهم وطِيبِ قَرارِهِم بِحُسْنِ التَمَتُّعِ في أَرْضِهم ودِيارِهم، فقد أُهْلِكوا بالطُوفانِ، ولم يَبْقَ منهم أحدٌ، وقد تقدَّمَ الكلامُ علَيْهِمْ في تفسيرِ سُورَةِ الأَعْرافِ عِنْدَ قولِهِ تَعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} الآية: 59. ونُوحٌ ـ كما تقدَّمَ، ينتهي نسبُه إلى شِيثَ بْنِ آدَمَ ـ عليهم السلامُ. أَرْسَلَهُ اللهُ إِلى ولَدِ قابيلَ ومَنْ تابَعُهم مِنْ وَلَدِ شِيث. قالَ ابْنُ عبّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهُما، وكانَ بَطْنانِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ أَحدُهما يَسْكُنُ السَّهْلَ، والآخَرُ يَسْكُنُ الجَبَلَ، وكانَ رِجالُ الجَبَلِ صِباحاً وفي النِّساءِ دَمامَةٌ، وكانَتْ نِساءُ السَّهْلِ صِباحاً وفي الرِجالِ دَمامةٌ، فَكَثُرَتِ الفاحِشَةُ مِنْ أَوْلادِ قابِيلَ، وكانوا قَدْ كَثُروا في طُولِ الأََزْمانِ وأَكْثَرُوا الفَسادَ، فأَرْسَلَ اللهُ تَعالى إِليهِم نُوحاً ـ عليه السلامُ، وهوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَة، فَلَبِثَ فيهم أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ، يَدْعوهم إِلى اللهِ تَعالَى، كَما أَخْبرَ بِهِ سبحانَه في كتابِهِ العَزيزِ، وَيُحذِّرُهم ويُخوِّفهم فلم يَنْزَجِرُوا، ولهذا قالَ تعالى في سورة نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً}، الآيتان: 5 و 6. وقال تعالى في سورة النجم: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى}، الآية: 52. فلمّا طالَ دُعاؤُهُ لهمْ وإِيذاؤهم له، وتَماديهم في غَيّهم سأَلَ اللهَ تعالَى فأَوْحَى إِليه: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} سورة هود، الآية: 36. ولمّا أَخبرَهُ أَنَّه لم يَبْقَ في الأَصلابِ ولا الأَرْحامِ مؤمنٌ دَعا عليهم فقالَ: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً}، سورة نوح، الآية: 26. فأَمَرَهُ اللهُ تَعالَى بإِيجادِ السَفينَةِ فقالَ: يا رَبِّ وأَيْنَ الخَشَبُ؟ فقالَ: اغْرِسِ الشَجَرَ. فغرَسَ السّاجَ، وأَتى على ذلك أَربعونَ سَنَةً، وكَفَّ عَنِ الدُعاءِ عَلَيْهم، وأَعْقَمَ اللهُ تَعالى أَرْحامَ نِسائِهم فَلَمْ يُولَدْ لهم وَلَد. فلمّا أَدركَ الشَجَرُ، أَمَرَه اللهُ تعالى بقَطْعِهِ وتَجْفِيفِهِ وصُنْعِهِ الفُلْكَ، وعلَّمَهُ كيفَ يَصْنَعُهُ، وجَعلَ بابَهُ في جَنْبِه. وكانَ طُولُ السَّفِينةِ ثمانينَ ذِراعاً وعَرْضُها خَمْسِين، وسَمْكُها إِلى السّماءِ ثَلاثينَ ذِراعاً، والذِراعُ مِنَ اليَدِ إِلى المَنْكِبِ. وفي رِوايَةٍ أخرى عَنهُ ـ رَضيَ اللهُ عنه، أَنّ طولَها كانَ سِتَّمِئةِ ذِراعٍ وستُّونَ ذِراعاً، وعرْضها ثلاثمئةٍ وثلاثينَ ذِراعاً، وسَمْكُها ثَلاثةً وثلاثين ذِراعاً. وأَمَرَ اللهُ تَعالى أَنْ يَحْمِلَ فيها مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنَ الحَيَوانِ زَوْجَيْنِ اثْنَينِ، وحَشَرها اللهُ تَعالى إِليْهِ مِنَ البَرِّ والبَحْرِ. قالَ مجاهدٌ وغيرُهُ: كانَ التَّنُّورُ الذي ابْتَدَأَ فَوَرانُ الماءِ مِنْهُ في الكُوفَةِ، ومِنْها رَكِبَ نُوحٌ السَّفينَةَ. وقالَ مُقاتلٌ: هُوَ بالشامِ في قَرْيةٍ يُقالُ لها عَيْنَ الورْكَةِ قَريباً مِنْ بَعْلَبَكَّ. وعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنَّه بالهِنْدِ. قالوا: وأَوَّلُ ما حمَلَ في السَّفينَةِ الذَرَّةَ وآخِرُهُ الحِمارَ، وجَعَلَ السِّباعَ والدَوّابَّ في الطَّبَقَةِ السُّفْلَى، والوُحوشَ في الطبقَةِ الثانيةِ، والذَرَّ والآدَمِيّينَ في الطَّبقَة العُلْيا. وقيلَ: كان الآدَمِيُّونَ في السَّفينَةِ سَبْعَةً: نُوحٌ وبَنُو نُوحٍ: سَامٌ، وحامٌ، ويافِثٌ، وأَزْواجُ بَنِيهِ. وقيلَ ثمانِيَةٌ، وقيلَ عَشَرةٌ، وقيلَ اثْنانِ وسَبْعُونَ، وقيلَ: ثَمانونَ مِنَ الرِجّالِ والنّساءِ. واللهُ أعلم. وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ أَيْضاً أَنَّ الماءَ ارْتَفَعَ حينَ صارَتِ السَّفِينَةُ أَعْلَى مِنْ أَطْوَلِ جَبَلٍ في الأَرْضِ خمَسَةَ عَشَرَ ذِراعاً. قالوا: وطافتِ السَّفينَةُ بأَهْلِها الأَرْضَ كُلَّها في سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثمَّ اسْتَقَرَّتْ على الجُوديِّ وهو جَبَلٌ بالمَوْصِلِ منْ أَرْضِ العراق، وكانَ رُكوبُهُمُ السَّفينةَ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبَ، ونَزَلوا منها يومَ عاشُوراءَ مِنَ المُحَرَّمِ. وبَنَى هُوَ ومَنْ مَعَهُ في السَفينَةِ، حينَ نَزَلوا، قُرًى في أَرْضِ الجَزِيرة. ولَمّا حَضَرَتْهُ الوَفاةُ وَصَّى إِلى ابْنِهِ، وكانِ سامُ قدْ وُلِدَ قَبْلَ الطُوفانِ بثمانٍ وتِسْعينَ سَنَةً، ويُقالُ إِنَّهُ كانَ بِكْرَهُ. وكانَ نُوحٌ ـ عليه السلامُ، أََطْوَلَ الأََنْبِياءِ عُمْراً حتى قالَ بَعضُهم كانَ عُمْرُهُ أَلْفاً وثلاثمِئةِ سَنَةٍ. ولمّا نَزَلَ الوَحْيُ عليْهِ كانَ عُمْرُهُ ثلاثَمئةٍ وخمسين سَنَةً، فَلَبِثَ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خمسينَ عاماً يَدْعُوهم. وقالوا ما أَسْلَمَ مِنَ الشيَاطِينِ إِلاَّ شيطانُ نبيِّنا محمّد وشَيْطانُ نُوحٍ. وقالَ إِبْلِيسُ لِنوحٍ ـ عليهِ السّلامُ: خُذْ مني خَمْساً، فقالَ لا أُصَدِّقُك، فأُوحِيَ إِليْهِ أَنْ صَدِّقْهُ في الخَمْسِ. فقالَ له قُلْ. فقالَ إبليسُ: إِيّاكَ والكِبْرَ فإِنِّي وَقَعْتُ فيما وقعتُ فيه بالكِبْرِ. وإِيّاكَ والحَسَدَ، فإِنَّ قابِيلَ قَتَلَ أَخاهُ هابِيلَ بالحَسَدِ. وإِيّاكَ والطَّمَعَ، فإِنَّ آدَمَ أُوْرَثَ ما أَوْرَثَهُ بالطَّمَعِ، وإِيَّاكَ والحِرْصَ فإِنّ حَوَّاءَ وَقَعَتْ فيما وَقَعَتْ فيه بالحِرْصِ، وإِيَّاكَ وطولَ الأَمَلِ فإِنَّهما وقَعا فيما وقَعا فيهِ بِطولِ الأََمَلِ.
قولُهُ: {وَعَادٍ} في قُوَّةِ أَبْدانِهم وعَظيمِ شَأْنِهم ومَصانِعِهم وبُنْيانِهم وتَجَبُّرِهم في عَظيمِ سُلْطانِهم، أَهلَكَهُمُ اللهُ بالريحِ الصَرْصَرِ العَقِيمِ، فلَمْ يَبْقَ ممَّنْ كَفَرَ مِنْهم بَشَرٌ، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليهم عِنْدَ قولِهِ تَعالى في سورةِ الأَعْرافِ: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} الآية: 65. و "عاد" اسْمٌ عربيٌّ لأَنَّهم كانوا يَتَكلَّمون لُغَةَ العَرَبِ، وهذا الاسْمُ مُشْتَقٌّ مِنَ العُدْوانِ والاعتِداءِ. وأَصْلُهُ عادِى مِثلُ قاضَى. و "عاد" نِسْبَةً لأَبيهم "عاد"، وهو ابْنُ عَوْصَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سامِ بْنِ نُوحٍ ـ عليْهِ السَّلامُ، ويسَمَّوْنَهُ أيضاً "عادِيا" وقومَهُ "عادين"؛ لاعْتِدائهم وتجاوُزِهم، أو لزيادتهم في القُوَّةِ والقَهْرَ؛ أو للزيادَةِ في الفَسادِ والمَعْصِيَةِ، أو للزِيادَةِ في النِّعمة والمالِ؛ أو للزيادَةِ في المُلْكِ والمَكِنَةِ، أو للزِيادَةِ في القَدِّ والقامَةِ. قالَ ابْنُ عبَّاسٍ لأنَّ كانَ أََقصرَهمْ كان طولُهُ مِئَةَ ذِراعٍ، وأَطولهم مئتين.
وقد ذَكَرَهُمُ اللهُ تَعالى في القُرآنِ في مَواضِعَ: قالَ تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} وقال: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} إِلى قولِهِ: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ}، وقال: {وَعَادٍ وَثَمُودَ} وقال: {أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}، وقال: {مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ}، وقال: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وقال: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ}، وقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ}، وقال: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى}، وقال: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}، وقال: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}.
قولُهُ: {وَثَمُودَ} في تَمَكُّنِهم مِنْ بِلادِ الحِجْرِ عرضِها وطولِها، جِبالِها وسُهولِها، أُهْلِكوا بالرَجْفَةِ لم يَبْقَ للكفارِ مُنهم دِيارٌ، وَقَوْمِ ثَمُودَ هُمُ الذين عَقَروا الناقَةَ، فأَخَذَتْهُمُ الصَّحْيَةُ، وقد تقدّمَ الكلامُ عليهم في الأعراف أَيْضاً. وهُمْ قومُ صالحٍ، وقد سُمُّوا بهذا الاسْمِ لِقِلَّةِ مائهِمْ. فالثَّمَدُ: الماءُ القَليلُ، وكانوا سَبْعَ مِئَة قَبيلَة، كُلّ قَبيلَةٍ لها عَدَدٌ لا يُحْصيهِ إِلاَّ اللهُ تَعالى، وكانَ لهم بِئْرٌ واحدةٌ بِوادِي القُرَى من ديار الحِجْرِ، قال تَعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}، وقال فيهم: {الذين جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ}. فقد كانوا مِنَ القُوَّةِ والمَهارَةِ والحَذاقَةِ بحيثُ يَبْنُون من الصَّخْر الأَصَمِّ والجَبَلِ الراسي بَيْتاً عَظيماً مَنْحُوتاً. وكانوا أَيْضاً شَعْباً مِنْ عادٍ قومِ هُودٍ الَّذين قيلَ لهم عادٌ الأُولَى. وثَمُودُ هم عادٌ الأُخْرَى.
ولمّا دَعاهُمْ صالحٌ إِلى اللهِ طَلَبوا مِنْهُ معجزةً، فقال: عَيِّنُوا لي ما شئتم. فقالوا: على سبيلِ الاسْتِهْزاءِ أَخْرِجْ لنا ناقةً مِنْ هذا الحَجَرِ. فأَوْحى اللهُ إِليْهِ إِنَّا قدْ خَلَقْنا ناقةً في قلبِ هذِهِ الصَّخْرةِ مُنْذُ أَرْبَعَةِ آلافِ سَنَةٍ، وقدْ ضاقَ صَدْرُها وضاقَ مَكانُها، فادْعُ اللهَ بِخَلاصِها مِنْ هذا الضِيقِ، فدَعاهُ فانْشَقَتِ الصّخرةُ مِنْ ساعَتِهِ، وخَرَجَتْ ناقةٌ ونُتِجَتْ في الحالِ. ولم يَتْرُكِ القَوْمُ تَمَرُّدَهم وتَكْذيبَهم فأَشْرَكَها اللهُ مَعَهم في الماءِ، كما تقدَّمَ في سورة الأعرافِ، وظنُّوا أَنَّها تُضَيِّقُ عَليهمْ فقَصدوها وعَقَروها، وكان عَقْرُها يَوْم الأَرْبِعاءِ. فكانَ ذلِكَ سَبَبَ دَمارِهم وخَرابِ دِيارِهم. فذَكَرَهُمُ اللهُ ـ عَزَّ وجَلَّ، في مَواضِعَ مِنَ القُرآنِ. وقالَ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا..}، وقال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}، وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً}، وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}، وقال: {وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ}، وقال: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّى حِينٍ} وقال: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ}، وقال: {وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَى}.
وصالحٌ اسْمٌ عَلَمٌ عَرَبيٌّ. وهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بهذا الاسْمِ. قالَ الثَعْلَبيُّ: هُوَ صالحُ بْنُ عُبَيْدِ ابْنِ آسفَ بْنِ ماسِحَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ حاذِرَ بْنِ ثمودَ بْنِ عَوْصَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سامِ بْنِ نُوح عليهم السلامُ. قالَ أَبو عَمْرِو بْنِ العَلاءِ: سُمِّيتْ ثَمُودً لِقِلَّةِ مائها. والثَّمَدُ: الماءُ القليلُ.
وكانَتْ مَساكِنُ ثَمُود الحِجْرَ بَينَ الحِجازِ والشامِ، وكانوا عَرَباً، وكانَ صالحٌ ـ عليْهِ السَّلامُ، مِنْ أَفضَلِهم نَسَباً، فبَعَثَهُ اللهُ إِليْهِمْ رَسُولاً وهُوَ شابٌّ، فدَعاهم إِلى أَنْ شَمِطَ ولم يتَّبِعْهُ مِنْهم إِلاَّ قليلٌ مُسْتَضْعَفون.
وانْتَقَلَ صالحٌ بَعْدَ هَلاكِ قَوْمِهِ إِلى الشامِ بمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ، فنَزَلُوا رَمْلَةَ فِلَسْطِين، ثمَّ انْتَقَلَ إِلى مَكَّةَ، وتُوفِّيَ فيها وفيها دُفِنَ، وهوَ ابْنُ ثمانٍ وخمسين سنةً، وكانَ أَقامَ في قومِهِ عِشْرينَ سَنَةً.
قولُهُ: {وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ} وَقُوْمِ إِبْرَاهِيمَ الكَلدانيّين إِذْ أَهْلَكَ اللهُ نُمْرودَ وأَهَلَكَهم بِبَعوضٍ، إذْ أَرْسَلَ عَليهِم سَحابةً مِنَ البَعوضِ فأَهْلَكَتْهم، ودَخَلَتْ بَعوضَةٌ في دماغِ نُمْرود فأَكَلَتْهُ، حتّى هَلَكَ وقومُهُ ونَصَرَ اللهُ رَسُولَهُ إبْراهيم عَلَيْهِمْ، وقالوا "إِبراهِيمُ" اسمٌ أَعْجمِيٌّ، وفيهِ لُغاتٌ: إِبْراهامُ، وإِبْراهُوم، وإِبْراهَمُ، وإِبراهُم، وإِبْراهِم، وأَبْرَهَم، وإِبْرُهُم، قالَ عبدُ المُطَّلِبِ جَدُّ النبيِّ الكريمِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ:
عُذْتُ بما عاذَ بِهِ إِبْراهِمُ ..................... مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ وهْوَ قائمُ
انْفِي لِوَجْهِ القُدْسِ عانٍ راغِم ............. مهما تُجَشِّمْنِي فإِنّي جاشِمُ
والجمعُ أَبارِهُ وأَبارِيهُ وأَبارِهَةٌ وبَراهِمُ وبَراهمة وبِراهٌ، وتَصغِيرُهُ بُرَيْهٌ، وقيلَ: أُبَيْرِه، وقيلَ: بُرَيْهِيم. وأَكثرُ المحقِّقين على هذا أَنَّهُ اسْمٌ جامِدٌ غيرُ مُشْتَقٍّ. وقالَ بعضُ المُتَكلِّفين: إِنَّهُ اسْمٌ مُرَكَّبٌ مِنَ البراءِ والبُرْءِ والبراءَةِ، ومِنَ الهَيَمانِ والوَهْمِ والهِمَّةِ، فقالوا: بَرِئَ مِنْ كلِّ ما دُون اللهِ، فهامَ قَلْبُه بِذِكْرِ اللهِ. وقالَ بعضُهم: بَرَأَ مِنْ عِلَّة الزَلَّةِ فَهَمَّ بالحُلُولِ في محَلَّةِ الخُلَّةِ. وقِيلَ بَرَأَهُ اللهُ في قالَبِ القُرْبَةِ فَهَّمَ بِصِدْقِ النِيَّةِ إِلى مَلَكوتِ الهِمَّةِ. وقال بعضُهم: "إِبْ" معناهُ بالسُّرْيانِيَّةِ الأَبُ، و "راهيم" مَعناهُ: الرَّحِيم، فيصبحُ معناهُ: أَبٌ رَحِيمٌ.
وقد ذَكَرَ اللهُ، سُبْحانَهُ وتعالى، إِبْراهِيمَ في كِتابِهِ العَزيزِ بالتَّعْريضَ والتصْريحِ بخمسين اسماً، منها: المُبْتَلَى إذا ابتلاهُ ربُّه كما جاءَ في سورةِ البقرةِ قولُهُ: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ}، الآية: 124. والمُتِمُّ إذ أَتمَّ الكَلِمَاتِ التي ابْتَلاهُ بها رَبُّهُ بِقَوْلِهِ في ذاتِ الآيَةِ السابقةِ: {فَأَتَمَّهُنَّ}. وسمّاهُ في الآية ذاتها أَيَضاً الإِمامَ بقولِهِ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً}، وسمّاه الرَّافعَ لبيتِِهِ الحرام أيضاً، أيْ: البنَّاء وذلك بقولِهِ في سورة البقرة أيضاً: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}، الآية: 127. والصّالحُ، قال في ذاتِ السورة: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}، الآية: 130. وهو مُطْمَئِنُّ القلبِ، قال: {وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}، الآية: 260. من السورة ذاتها. وهو الحنِيفُ والمُسْلِمُ وذلك في قولِهِ تعالى: {حَنِيفاً مُّسْلِماً}، سورة آل عمران، الآية: 67. وهو الخَلِيلُ، وإِبْراهيمُ كما سمّاه ربُّه ـ سبحانَه وتعالى: {وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} سورة النساء، الآية: 125. وسماهُ أُمَّةً وقانِتاً بقولِهِ: {أُمَّةً قَانِتاً للهِ}، سورةُ النحل، الآية: 120. وهُوُ الشاكِرُ والمُجْتَبَى والمَهْدِيُّ في قولِهِ: {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ}، سورة النحل، الآية: 121. وهو الرّائي في قولِهِ تعالى في سورة الأنعام: {رَأَى كَوْكَباً}، الآية: 76. وهو البَرِيءُ من الشرك بقولِهِ في سورةِ الأنعام: {إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ}، الآية: 78. والمُتَوَجِّه إِلى الله: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}، والحَلِيمُ، والأَوّاهُ، والمُنِيبُ بقولِهِ تعالى في سورةِ هود: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}، الآية: 75. وهو البَعْلُ والشَّيْخُ في الآية: 72. من سورة هود أيضاً، قال: {وَهذا بَعْلِي شَيْخاً}، وهو مُبارَكٌ في السورةِ ذاتِها، بقولِه: {وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ}، الآية: 73. وسمّي في سُورَةِ التوبة: المُتَبرِّئُ عَمَّا دُونَ الله بقولِهِ: {تَبَرَّأَ مِنْهُ}، الآية: 114. وهو المُبَشَّرُ بقولِهِ تعالى في سورة الصافَّات: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ}، الآية: 112. وهو المُضِيفُ بقولِهِ في سورة الحِجْرِ: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}، الآية: 51. وهو المَذْكُورُ في كتابِ اللهِ الكريم، والصّدِّيقُ والَّنبِيُّ، قالَ تَعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً}، سورة مريم، الآية: 41. وهو الرَّشِيدُ بقولِهِ تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} سورة الأنبياء، الآية: 51. وسماهُ الفَتَى بقولِهِ: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يقالُ لَهُ إبراهيم}، سورة الأنبياء، الآية: 60. وسمّاهُ المُطَهِّرَ لبيتِهِ الحرامِ بِقولِهِ افي سُورَةِ الحَجِّ: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} الآية: 26. وهو أَبو مِلَّةِ الإسلامِ، قال تعالى أيضاً في سورةِ الحجّ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} الآية: 78. وهو مُؤَذِّنُ الحَجِّ في سورةِ الحج أيضاً: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ}، الآية: 27. وسماه الوافِي بقولِهِ: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}، سورة النجم، الآية: 37. والطَّامِعُ بِقولِهِ: {والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يومَ الدين}، سورة الشعراء، الآية: 82. وهو وارِثُ جَنَّةِ النعيم بقولِه: {وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}، سورة الشعراء، الآية: 85. والمُهاجرُ إِلى ربّه في سورة العنكبوت: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}، الآية: 26. وهو سَقِيمُ الحُبِّ في حبِّه للرَبِّ: { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فقال إِنِّي سَقِيمٌ}، سورة الصافّات، الآيتان: 88 و 89. وهو شِيْعَةُ الأَنْبياءِ: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ}، الآية: 83، من سورة الصافّات, وهو الذاهِب إِلى الله، بقولِه في ذات السورة: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}، الآية: 99. وهو مُنادَى الحَقِّ في الآية 104 من سورة الصافَّاتِ: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يا إِبْرَاهِيمُ}. وهو المُحْسِنُ في الآية: 80. وغيرِها مِنْ سُورَتي الصافّات والمرسلات، قالَ تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، وهو المُؤْمِنُ، في الآيات: 81 و 111 و 132 من سورة الصافّات، بقولِهِ تَعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، وهو المُرْسَلُ في سورة الحديد: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ}، الآية: 26. وهو الحامِدُ لمولاه في سورة إبراهيم: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ}، الآية: 39. وهو أخيراً، المَوْهُوبُ في سورةِ الأنبياء: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} الآية: 72.