قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)
قولُهُ ـ سبحانهُ وتعالى: { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: هَلْ تَتَرَبَّصُونَ بِنَا، وَتَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقَعَ لَنَا، إِلاَّ وَاحِدَةٌ مِنِ اثْنَتَيْنِ: وَكِلْتَاهُمَا خَيْرٌ لَنَا وَفِيهِمَا حَسَنَةٌ: شَهَادَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ نصرٌ وظَفْرٌ؟.
أَخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ، عنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ـ رَضي اللهُ عَنْهُ، قال: بَيْنَما النَبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، بالرَوْحاءِ إذْ هَبَطَ عَلَيْهِ أَعْرابي من شَرَفٍ فقالَ: مَنِ القومُ وأَيْنَ تُريدون؟ قالوا: نُريدُ بَدْراً مَعَ النَبيِّ ـ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ. قال: ما لي أَراكم بَذَّةً هَيْئَتُكم قَليلاً سِلاحُكُم؟ قالوا: نَنْتَظِرُ إحْدى الحُسْنَيَينِ، إمّا أَنْ نُقْتَلَ فالجَنَّةَ وإمَّا أَنْ نَغْلِبَ فيَجْمَعَهُما الله تعالى لَنا، الظَفَرَ والجَنَّةَ. قالَ: أَيْنَ نَبِيُّكم؟ قالوا: ها هو ذا. فجاءهُ فقالَ لَهُ: يا نَبيَّ اللهِ إنّي لَيْسَتْ مَعِي مَصْلَحَةٌ، آخُذُ مَصْلَحتي ثمَّ ألْحَقُ بِكَ؟ قال ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ((اذْهَبْ إلى أَهْلِكَ فَخُذْ مَصْلَحَتَكَ)). فخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّم، يَوْمَ بَدْرٍ وخَرَجَ الرَجُلُ إلى أَهْلِهِ حتى فَرَغَ مِنْ حاجَتِهِ، ثمَّ لَحِقَ بهم بِبَدْرٍ، فدَخَلَ في الصَفِّ معهم، فاقْتَتَلَ الناسُ، فكانَ فِيمَنْ اسْتُشْهِدَ، فقامَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، بعدَ أَنِ انْتَصَرَ، فَمَرَّ بَين ظَهْرانيِ الشُهَداءِ، ومَعَهُ عُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فقال: ((ها يا عُمَرُ إنَّكَ تُحِبُّ الحديثَ، وإنَّ للشُهَداءِ سادةً وأَشْرافاً ومُلوكاً، وإنَّ هذا يا عُمَرُ مِنْهم)).
قولُهُ: {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} أَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا نَنْتَظِرُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ عَذَابُ اللهِ تعالى كما نَزَلَ بمَنْ قَبْلَكم مِنَ الأُمَمِ المُهْلَكَةِ، أَوْ أَنْ يُسَلِّطَنَا عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ فَنُذِيقَكُمْ بَأْسَنَا بالقَتْلِ والأَسْرِ والسَبْيِّ والإذْلالِ.
قولُهُ: {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} فانْتَظِروا إنَّا مَعَكُمْ مُنْتَظِرونَ.
قوله تعالى: {هلْ تربَّصونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى} إلاَّ: أَداةُ حَصْرٍ، "إحدى" مفعولٌ بِهِ.
قولُهُ: {ونحنُ نَتَرَبَّصُ} جملةٌ معطوفةٌ على مَقولِ القَوْلِ، والمَصْدَرُ المُنسَبِكِ مِنْ "أَنْ يُصيبَكم" مَفْعولٌ بِهِ لِ "نَتَرَبَّصُ".
وقولُهُ: {فَتَرَبَّصُوا} جملةٌ مُستأنَفَةٌ. وكذلكَ جملةُ "إنَّا مَعَكم مُتَرَبِّصون" مُسْتَأْنَفَةٌ.
قَرَأَ العامَّةُ: {إحْدى} بهمزةِ القَطْعِ، وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ "احدى" بِوَصْلِ أَلِفِ "إحدى" إجراءً لهمزةِ القَطْعِ مُجْرى همزةِ الوَصْلِ، ومِنْ ذلك قوْلُ أَبي الأَسْوَدِ الدُؤَليِّ:
يا با المغيرة رُبَّ أَمْرٍ مُعْضِلٍ ................. فَرَّجْتُه بالمكر مِنِّي والدَّهَا
وكذلكَ قولُ أَحَدِهم:
إنْ لم أُقاتِلْ فالبسوني بُرْقُعا .................. وفتخات في اليدين أربعا