هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
(33)
قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} "هُوُ الذي" صِيغَةُ قَصْرٍ، أَيْ: هُوَ لا غيرُهُ، أَرْسَلَ رَسُولَهُ مُحَمَّداً ـ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، "بالهُدى" أَيْ: التَوحيدُ والقُرآنِ، و "دين الحقِّ" الإِسْلام. فقد أَرْسَلَ اللهُ تَعالى رَسُولَهَ ـ صَلّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، بِكِتَابٍ هُوَ القُرْآنُ، فِيهِ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، وتكَفَّلَ بحِفْظِهِ حَتَّى آخِرِ الزَّمَانِ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ مُعانِديهِ يُطْفِئونَ جذوتَهُ ويقضونَ عليه؟!. والاسْمُ المَوْصولُ "الذي" للإيماءِ إلى أَنَّ مَضْمونَ الصِلَةِ هو عِلَّةٌ لمضمونِ الجُمْلَةِ التي بُنِيَتْ عليها الآية: 32. مِنْ هذه السورة. وهيَ قولُهُ: {وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}. وقد وصَفَ الإسْلامَ "بِدِينِ الْحَقِّ" تَنْويهاً بِفَضْلِهِ، وتَعْريضاً بِأَنَّ ما هُمْ عليهِ من دينٍ ومعتَقَدٍ لَيْسَ بِهُدًى وليس بحَقٍّ.
قولُهُ: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} يُبَيَّنُ سُبْحانَهُ، الغايةَ مِنْ إرْسالِهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بهذِهِ الرِسالَةِ السامِيَةِ، فقَدْ أَرْسَلَهُ لِيُظْهِرَهُ على جميعِ الأَدْيانِ، ويَنْسَخَ بِشَريعتِهِ كلَّ الشرائعِ، ولَنْ يَسْتَطيعَ أَحَدٌ كائناً مَنْ كانَ أَنْ يُخْمِدَ نُورَ هذِهِ الرِسالةِ أو يُطْفِئَ جذْوتَها بِكَلامِ مُتَكَلِّمٍ، ولا بِبأْسِ ذي بِأسٍ، فسَيُظْهِرُهُ اللهُ عَلَى جَمِيعِ الأَدْيَانِ السَّابِقَةِ، رَغْمَ أَنْفِ الكافرينَ والمُشْرِكينَ والمُنافقينَ، لأَنَّهُ هُوَ الدِّينُ الصَّحِيحُ الذِي جَاءَ بِالدَّعْوَةِ الصَّحِيحَةِ التِي جَاءَتْ بِهَا جَمِيعُ الأَدْيَانِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ وَالإِيمانِ بِاللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، فَحَرَّفَ النَّاسُ فيها وبَدَّلوا، فَجَاءَ الإِسْلاَمُ لِتَصْحِيحِ ذَلِكَ، وَلِيُعِيدَ لِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ صَفَاءَهَا وَأَصَالَتَهَا، ولِتَعمَّ العالمَ ولتكونَ الباقيةَ إلى قيامِ الساعة، فهي الرسالةُ السماويَّةُ الأَخيرةُ، وهو الرسولُ الخاتمُ ـ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصَحبِهِ وسلَّم.
وقد يكون ظُهورُ أَمْرٍ على آخَرَ بالحُجَّةِ، وقدْ يَكونُ بالكَثْرَةِ، وقدْ يَكونُ بالهيمنة والغَلَبَةِ. وبما أَنَّ الذي بَشَّرَ بِذلِكَ، هو اللهُ تعالى، فلا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَحَقَّقَ ما بَشَّرَ بِهِ. والتَبْشيرُ إنَّما يَكونُ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ لمّا يَحْصَلَ بَعْدُ، فَلا يَكونُ ماضِياً ولا حاضراً مَوْجُوداً، وإلاَّ فإنَّ التَبْشيرَ غيرُ ذي بالٍ.
وظُهورُ هذا الدينِ بالحُجَّةِ مُقَرَّرٌ مَعلومٌ، فالواجِبُ إذاً حملُهُ على الظُهورِ بالغَلَبَةِ والهيمَنَةِ والسَيْطَرَةِ. وقولُهُ: "لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ" يَقْتَضي كونَهُ غالِباً لِكُلِّ الأَدْيان، وهذا معناه أَنْ لا دينَ إلاَّ وقدْ قَهَرَ المُسلمونَ أتباعَهُ وظَهَروا عَلَيهم. فقَدْ قَهَروا اليَهودَ وأَخْرَجوهم مِنْ بِلادِ العَرَبِ، وغَلَبوا النَصارى على بِلادِ الشَامِ، وما والاها إلى بِلادِ الرُومِ، وغَلَبُوا المجوسَ على مُلْكِهم وأَسْقَطوا عَرْشَ ساسانَ، وغَلَبوا عَبَدَةَ الأَصْنامِ على كَثيرٍ مِنْ بِلادِهم مما يَلي التُرْكَ والهِنْدَ، وكذلك سائر الأَدْيان. فثَبَتَ أَنَّ الذي أَخْبرَ اللهُ عنهُ في هذِهِ الآيَةِ قدْ وَقَعَ وحَصَلَ وكانَ ذَلِكَ منه إخباراً مُعْجِزاً عَنِ الغَيْبِ.
وقد رُوِيَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ: هذا وَعْدٌ مِنَ اللهِ تَعالى بِأَنَّهُ سَيَجْعَلُ الإسْلامَ عالِياً على جميعِ الأَدْيانِ. وتَمامُ هَذا إنَّما يَحْصُلُ عِنْدَ خُروجِ عِيسى المَسيحِ ـ عليْهِ السَلامُ، وقالَ السُدِّيُّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ذَلِكَ عَنْدَ خُروجِ المَهْدِيِّ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ، لا يَبْقى أَحَدٌ إلاَّ دَخَلَ في الإسْلامِ، أَوْ أَدَّى الخِراجَ. وقيلَ المُرادُ: لِيَظْهَرَ الإسْلامُ على الدينِ كُلِّهِ في جَزيرَةِ العَرَبِ، وقدْ حَصَلَ ذَلكَ، فإنَّهُ تَعالى ما أَبْقى فيها أَحَداً مِنَ الكُفَّارِ. وقيلَ: المُرادُ مِنْ قولِهِ: "لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ" أَنْ يُوقِفَهُ على جميعِ شَرائعِ الدِينِ، ويُطْلِعَه عَليها بالكُلِّيَّةِ حتى لا يَخْفى عليه منها شيء. فقد أَخْرَجَ ابْن ُمَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في قولِهِ: "لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ المشركون" قالَ: يُظْهِرُ اللهُ نَبِيَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَلى أَمْرِ الدِّينِ كُلِّهِ، فَيُعْطيهِ إيَّاهُ كُلَّهُ ولا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، وكانَ المُشْرِكونَ واليَهودُ يَكْرَهُونَ ذلك.
وأَخْرَجَ سَعيدُ بْنُ مَنْصور، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ جابِرٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في قولِهِ: "لِيُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ" قال: لا يَكونُ ذلكَ حتى لا يَبْقى يَهودِيٌّ ولا نَصْرانيٌّ صاحِبَ مِلَّةٍ إلاَّ الإِسْلامَ، حتى تَأْمَنَ الشاةُ الذِئْبَ، والبَقْرَةُ الأَسَدَ، والإِنْسانُ الحَيَّةَ، وحتى لا تَقْرِضَ فأَرْةٌ جُراباً، وحتى تُوضَعَ الجِزْيَةُ، ويُكْسَرَ الصَليبُ، ويُقْتَلَ الخِنْزيرُ، وذلِكَ إذا نَزَلَ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلامُ. وأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حميدٍ، وأَبو الشَيْخِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، في قَوْلِهِ: "ليظهره على الدين كله" قالَ: خُروجُ عيسى بْنِ مَرْيمَ ـ عليه الصَلاةُ والسَّلامُ.
وأَخْرَجَ الإمامُ أَحمدٌ، ومُسْلِمٌ، والحاكِمُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ السيدةِ عائِشَةَ أمِّ المؤمنينَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْها وأرضاها. أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قالَ: ((لا يَذْهَبُ الليْلُ والنَهارُ حَتى تُعْبَدَ اللاّتُ والعُزَّى)). فقالتْ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْها: يا رَسولَ اللهِ إنِّي كُنْتُ أَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ: "لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ" أَنَّ ذَلِكَ سَيَكونُ تامّاً؟ فقالَ: ((إنَّهُ سَيَكونُ مِنْ ذَلِكَ ما شاءَ اللهُ، ثمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحاً طَيِّبَةً فَيُتَوَفَّى مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ خَيرٍ، فَيَبْقى مَنْ لا خَيرَ فِيهِ يَرْجِعونَ إلى دِينِ آبائهم)). وثبتَ في الصَحيحِ من حديث ثَوْبَان ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ سيِّدِنا رَسولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أَنَّهُ قالَ: ((إنَّ اللهَ زَوى لي الأرْضَ مِنْ مَشارِقِها ومَغارِبها، وسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتى ما زَوَى ليَ مِنْها)). صحيحُ مُسْلِمٍ: (2889).
ورَوى الإِمامُ أَحمدُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ مَسْعودِ بْنِ قُبَيْصَةَ بْنِ مُسْعودٍ أنَّه قال: صَلَّى هذا الحَىُّ مِنْ مُحارِبٍ الصُبْحَ، فلَمَّا صَلّوا قالَ شابٌّ مِنْهم: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، يَقولُ: ((إنَّهُ سَتُفْتَحُ لَكُمْ مَشارِقُ الأَرْضِ ومَغارِبُها، وإنَّ عُمَّالَها في النَارِ، إلاَّ مَنِ اتَّقى اللهَ وأَدَّى الأَمانَةَ)). المُسْنَد: (5/366).
وروى أَيْضاً عَنْ تميمٍ الدارِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ـ يَقولُ: ((لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بَلَغَ الليلُ والنَهارُ، ولا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أَدْخَلَهُ هذا الدينَ، يُعِزُّ عَزيزاً ويُذِلُّ ذَليلاً، عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلامَ، وذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الكُفْرَ)). وكان تميمٌ الدارِيُّ يقولُ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ في أَهْلِ بَيْتي، لَقَد أَصابَ مَنْ أَسْلَمَ منهمُ الشَرَفُ والخيرُ والعزُّ، ولقد أَصابَ مَنْ كان كافراً منهمُ الذِلُّ والصَغارُ والجِزْيَةُ. المسند: (4/103) قالَ ابْنُ حجر الهَيثميُّ في المجمع: (6/14): "رجالُ أَحمدَ رجالُ الصَحيحِ".
وأَخْرجَ أَيْضاً عنْ عَدِيٍّ بْنِ حاتمٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: دَخَلتُ على رَسولِ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عليْه وسَلَّمَ، فقال: ((يا عَدِيُّ أَسْلِمْ تَسْلَمْ))، فقُلْتُ: يا رَسولَ الله، إِنّي مِنْ أَهْلِ دِينٍ. قال: ((أَنَا أَعْلَمُ بدينِك منك))، فقلتُ: أَنتَ أَعلمُ بِديني مِني؟ قالَ: ((نَعَم، أَلَستَ مِنَ الرَّكوسيَّةِ، وأَنْتَ تَأْكُلُ مِنْ مِرباعِ قومِك))؟. قلتُ: بلى. قال: ((فإنَّ هذا لا يَحِلُّ لك في دينِك)). ثمّ قال ـ صلى الله عليه وسلم: ((أَما إني أَعْلَمُ ما الذي يمْنعك مِنَ الإِسلامِ، تقولُ: إنَّما اتَّبَعَهُ ضَعَفةُ الناسِ، ومَنْ لا قُوَّةَ لَه، ومَنْ رَمَتْهُمُ العَرَبُ، أَتَعْرِفُ الحِيرةَ))؟ قلتُ: لمْ أَرَها وقد سمعتُ بها. قال: ((فو الذي نَفْسي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَ اللهُ هذا الأمْرَ، حتى تخرُج الظَعينَةُ مِنَ الحيرةِ، حتى تطوفَ بالبيتِ مِنْ غيرِ جِوارِ أَحَدٍ، ولَتُفْتَحَنَّ كُنوزُ كِسْرى بْنِ هِرْمز)). قلتُ: كِسْرى بْنِ هرمز؟ قال: ((نعم. كسرى بن هرمز، ولَيُبْذَلَنَّ المالُ حتى لا يَقبلُهُ أَحَدٌ)). قالَ عديّ بْنُ حاتم: فهذِه الظعينةُ تخرُجُ مِنَ الحيرةِ، فتَطوفُ بالبيتِ مِنْ غيرِ جِوارِ أَحَدٍ. ولقد كنتُ فيمَنْ فَتَحَ كنوزَ كسرى بْنِ هرمز، والذي نفسي بِيَدِهِ لَتَكونَنَّ الثالثةُ، لأنَّ رَسولَ اللهِ ـ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، قد قالها. قلتُ: ولقد تحقّقتُ نبوءتُه صلى الله عليه وسلّم، في عصرِ أَميرِ المؤمنين، معاويةَ بْنِ أبي سفيان، والخليفة الخامس الراشد عمر بنِ عبد العزيز ـ رضي اللهُ عنهما، كما ذكر المؤرخون، حيث كان يُنادى على من يأخذ الزكاة فلا يأتي أحدٌ حتى صُرِفتِ الزَكاةُ أحياناً في نَيِّفٍ وثمانين وجهاً.
وأَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ، وابْنُ مردويْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، قالَ: بَعَثَ اللهُ محمَّداً ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ، فَدِينُنا فَوْقَ المِلَلِ، ورِجالُنا فوقَ نِسائهم، ولا يَكونونُ رِجالُهم فَوْقَ نِسائنا. وأَخرجَ عَبْدُ بْنُ حميدٍ، وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنه، في قولِهِ تعالى: "لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ" قال: الأَدْيانُ سِتَّةٌ. الذينَ آمَنُوا، والذينَ هادوا، والصابئين، والنَصارى، والمجوس، والذين أَشْرَكُوا، فالأَدْيانُ كُلُّها تَدْخُلُ في دينِ الإِسْلامِ، والإِسلامُ لا يَدْخُلُ في شيءٍ مِنْها، فإنَّ اللهَ قَضى فيما حَكَمَ، وأَنزَلَ أَنَّه يُظْهِرُ دِينَهُ على الدينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ المُشْرِكونَ. وهذا واضحٌ لكلِّ مراقبٍ فإنّه من النادر أن ترى امرأةً مسلمةً تزوّجتْ بِرَجُلٍ منْ دينٍ آخر غيرِ دينها، أو أنَّ أحداً من المسلمين تخلَّى عن دينه، ودخلَ في دينٍ غيرِهِ، بَيْنَما نَرَى في كُلِّ يَوْمٍ ونَسْمَعُ الكَثيرَ يدخلونَ في دين اللهِ، والكثيراتِ من الكتابيّاتِ يسلمن ويتزوَّجْنَ بالمسلمين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
قولُهُ تعالى: {على الدِّينِ} واللام في "الدين" هنا للجنس، أي: على سائرِ الأديان فينسخها، أو على أهلها فيخذُلَهم، وقد أنجز وعده، وأظهر دينه ورسوله على الأديان كلها. وقيل إنَّ "أل" في "الدين" سواء كان الضمير للرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أَمْ للدينِ الحقِّ للاستغراق. وقيل: "أل" هي للعهد أي ليعلمه شرائع الدين كلها ويظهره عليها حتى لا يخفى عليه ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، شيءٌ منها، وأكثرُ المفسرين على الاحتمال الثاني قالوا: وذلك عند نزول عيسى عليه السلامُ فإنَّه حينئذٍ لا يبقى دين سوى دين الإسلام، والجملة بيان وتقريرٌ لمضمون الجملةِ السابقةِ لأنَّ مآلَ الإتمامِ هُو الإظهارُ.