وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197)
قولُه ـ تعالى ذِكرُه: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ} وَهذه الأَصْنَامُ التِي تَدْعُونَها مِنْ دُونِ اللهِ، لاَ تَسْتَطِيعُ نَصْرَكُم إِذا سَألْتُمُوها النَّصْرَ وَالنَّجْدَةَ. وهذا مِنْ تمامِ التَعْليلِ لِعَدَمِ مُبالاتِهِ بهم. وإنَّما أُعيدَ هذا المَعنى لأنَّ الأوَّلَ مَذكورٌ على جِهَةِ التَقْريعِ وهذا مَذْكورٌ على جهةِ الفَرْقِ بينَ مَنْ تَجوزُ لَهُ العبادَةُ، وبَينَ مَنْ لا تَجوزُ، كأنَّهُ قيلَ: الإلهُ المعبودُ يجِبُ أَنْ يَكونَ بحيثُ يَتَولّى الصالحين، وهذِه الأَصْنامُ ليستْ كذلك فليستْ صالحةً للإلهية وللعبادة.
قولُه: {وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} وَلاَ تَسْتَطِيعُ نَصْرَ نَفْسِها إذَا اعْتَدَى عَلَيهَا أَحَدٌ. لأنَّ الذي لا يَنْصُرُكَ. ربما أَنْ يَكونَ ضَنَّ عليك بنُصرته لكَ ليدَّخرَ قوَّتَه لِنَفْسِهِ، أمَّا حين يَكونُ غيرَ قادرٍ على نُصرةِ نفسِهِ، فهذا يعنيَ عَجْزاً بيِّناً وقُصوراً شديداً، فكيفً يُتَّخَذُ وليّاً؟ وهكذا كان حالُ المُشركين. ففي يَوِم الفَتْحِ كسَّرَ المُسْلِمونَ هذه الأصنامَ بالمَعاوِلِ وحطَّموها، ولم يُقاوِمْ أيُّ واحدٍ منها ولم يدفعْ عن نفسِهِ. بَلْ تَكَسَّرَتْ كُلُّها جميعاً.
وإنَّما تَكَرَّرَ القولُ في هَذا الموضوع وتردَّدَتَِ الآياتُ فيه لأنَّ أَمْرَ عبادةِ الأَصْنامِ وتَعظيمِها كانَ مُتَمَكِّناً مِنْ نُفوسِ أهلِ الشِرْكِ من العَرَبِ في ذَلكَ الزَمَنِ ومُسْتَولياً على عُقولهم، فأَوْعَبَ الباري سبحانه القولَ في ذلكَ لُطْفاً مِنهُ بهم ورحمةً لينتزعَ هذه العقيدة الفاسدةَ من عقولهم وضمائرهم.
قولُهُ تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} الموصولُ "الذين" للتَعبيرِ عَنِ الأَصنامِ وللتَنْبيهِ على خطأِ المُخاطَبين في دُعائهم إيَّاها مِنْ دونِ اللهِ مَعَ ظُهورِ عَدَمِ استحقاقِها للعِبادةِ، بِعَجْزِها عَنْ نَصْرِ اتْباعِها وعَنْ نَصْرِ أَنْفُسِها، وهذه الجملةُ معطوفةٌ على جملةِ: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ}.