[size=29.3333]قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ[/size]
[size=29.3333](25)[/size]
[size=29.3333]قولُهُ ـ جلَّ شأنُه: { قالَ فِيها تَحْيَوْنَ ...} المقصودُ الأرضُ، فيها تَعيشون، وفيها تموتونَ عِنْدَ انْقِضاءِ آجالِكم، ومِنْها تُخْرَجون في القيامةِ. فهذه الضمائر الثلاثةُ كلُّها لها.[/size] [size=29.3333]والمعنى فيها تَعاقُبُ الأَحْياءِ بَعضُهُم مِنْ ذُرِّيَّةِ بَعْضٍ، والأَحْياءُ يَموتونَ ويَخْلُفُهُمْ أَحْياءٌ مِن بعدِهم، والأَمْواتُ يُبْعَثونَ مِنْ قُبورِهِم، ثمَّ تَكونُ القيامَةُ، حيثُ يحاسب اللهُ تعالى خلقَهُ حساباً دقيقاً لا يغادر صغيرةً مهما دقّت، ولا كبيرةً مما عظُمتْ، ثمَّ يعفو عما شاء من عَمَلِ السُوءِ، ويضاعفُ العمل الحسنَ أضعافاً كثيرةً حسبما يشاءُ. ثمَّ يُجازي كلاً بما يستحقُّ بحسب عملِه. [/size]
[size=29.3333]والملاحظُ أنَّ مابين قِصَّةِ خَلْقِ الإنْسانِ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وقِصَّتِهِ هُنا، أنَّ القِصًّةَ هُنا هي بحذافيرِها المَذْكورَةُ هناك، وأن ذلك تكرار في القرآن. ولكنَّ الاختلافَ كان فيما وراءَ ذلك، فذَكَرَ في كلٍّ منهما ما لم يُذكَرْ في الأخرى وبجمعِهِما تكتملُ القُصَّةُ، ثمَّ إنَّ الغايةَ مِنْ ذِكْرِ القِصَّةِ مُخْتلفةٌ في كُلٍّ منهما. فقد قرَّرَ هناكَ أنَّ عداوةَ إبْليسَ لآدَمَ هي مِنْ أَصْلِ التَكْوين، وحَذَّرَ الإنْسانَ مِنْ أَثَرِ هَذِهِ العَداوَةِ، وبَيَّنَ ما يَتَرَتَّبُ على هذه العداوةِ، وذَكَرَ بَني إسْرائيلَ، وما وسوسَ بهِ الشيطانُ في نُفوسِهِم، وكانوا أَوْضَحَ مثلٍ في البَشَرِيَّةِ على تَحَكُّمِ إبْليسَ، حتَّى كأنَّ إبليسَ وَهُمْ شيءٌ واحِدٌ، غيرَ أَنَّه مِنَ الجِنِّ، وهُم مِنَ الإنْسِ، فهم صورةً واضحةٌ عنه وتجسيدٌ لفسقه وكفره وسوئه. أما هنا فقد ذَكَرَ تَحَكُمَ إبليسَ في العَرَبِ حتَّى جَعَلَهم يَطوفونَ عُراةً رِجالاً ونِساءً، كما حَمَلَ مِنْ قبلُ أَبَوي الإنْسانِ على أَنْ يأكُلا مِنَ الشَجَرَةِ، فبَدَتْ لَهُما سَوْءاتُهُما.[/size]
[size=29.3333]ثمَّ إنَّ القصةَ في سورةِ البقرةِ فيها تَعليمُ اللهِ تعالى لآدم، وبَيانُ اسْتِعْدادِهِ لأنْ يَعْلَمَ الأَشْياءَ كُلَّها، أسماء ومسمياتٍ، واختبارُ اللهِ تَعالى للمَلائكةِ، ثمَّ كان الأَمْرُ بالسُجودِ نتيجةً لأنَّ آدمَ أَنْبأَهُم بأسماءِ ما جَهِلوا، بينما لم يَذْكُرْ ذلكَ هنا، بَلْ طوي وحُذِفَ من هنا ما ذُكِرَ هناك مُفصَّلاً. [/size]
[size=29.3333]وقد ذَكَرَتْ قصَّةُ التَكوينِ هنا في سُورَةِ الأَعْرافِ الطريقةَ التي أَزَلَّ بِها إبْليسُ الزَوْجَيْنِ الكَريميْنِ، إذْ قالَ لَهُما: {مَا نَهَاكُمَا رَبُكمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، أمَّا في سورةِ البَقرةِ فقد بيَّنتِ القصَّةُ أَنَّهُ أَزَلَّهُما دونَ بيانِ الكيفيَّةِ، [/size][size=29.3333]وذكرَ هنا أنَّهُ يُحيطُ بِهمْ دائماً مِنْ عَنْ أَيْمانِهم وعَنْ شَمائلِهم، ولَمْ يُذْكَرْ ذلك هُنالِكَ،[/size] [size=29.3333]فكانت القِصَّةُ هُنا موضِّحةً مفصّلةً، فهي إذاً مُتَمِّمَةٌ لها، ولَيْستْ تكراراً.[/size]
[size=29.3333]وذكرَ ـ سبحانَه ـ في هذه السورة ما تَرَتَّبَ على الأَكْلِ مِنْ الشَجَرَةِ، فقد بَدَتْ لَهُما سَوْءاتُهُما وطَفِقا يَخْصِفانِ عليهِما مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ، بينما لم يُذْكَرْ ذلك في سُورَةِ البَقَرَةِ، وهوَ تتميم لِما ذُكرَ.[/size]
[size=29.3333]وأيضاً فإنَّ ما ذُكِرَ هُنا فيه بَيانُ مُشابَهَةِ ما دَعا إليْهِ اللهُ تَعالى مِنَ النَّهيِ عَنْ عُرْيِ العَرَبِ في مَكَّةَ بإغْواءِ إبْليسَ، فتَشابَهَ عَمَلُهُ مَعَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بِما عَمِلَهُ مَعَ أبويهم من قبلُ. وفيها أنَّ آدمَ وزوجَه قَدْ أَحَسّا بِما صَنَعا: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ولم يَذْكُرْ[/size] [size=29.3333]هناك إلاَّ قولَهَ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}، فكانتِ القصَّةُ هنا مُتَمِّمَةً أيضاً وموَضِّحَةً لما جاءَ هناك. ولم يُذْكَرْ في سُورَةِ البَقَرَةِ نِداءُ اللهِ تَعالى للزوجين حيث قالَ: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}، وهكذا كان ما هنا متممّاً لِما هناك.[/size]
[size=29.3333]وأخيراً ذَكَرَ اللهُ ـ تعالتْ حِكْمَتُه ـ في سُورةِ البَقَرِةِ إرادتَهُ بِأَنْ يَجْعَلَ خَليفَةً لَهُ في الأرض، وما قالَهُ المَلائِكَةُ في هذا الشأنِ: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ثمَّ بيَّنَ اللهُ أنَّ هذا المخلوقَ هو الأحقُّ بهذه الخلافة وذلك بتعليم اللهِ له الأَسْماءَ كُلَّها، ولَمْ يَذْكُرْ هذا هُنا في الأعرافِ.[/size]
[size=29.3333]وبهذه الموازنة بين القصَّتَيْنِ والموضوعُ واحدٌ يتَّضِحُ لنا جانبٌ مهمٌّ من بلاغةِ القرآنِ الكريمِ، حيثُ يقدِّمُ الفكرةَ الواحدة بقوالبَ وأساليبَ متعدِّةٍ، وفي كلِّ أسلوبٍ من الجمال البيانيِّ ما يدهش. [/size][size=29.3333] [/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {قال فِيها تَحْيَوْنَ} مُضارِعٌ مَرْفوعٌ وعلامةُ رفعه ثُبوتُ النُّونِ في آخره كونُه من الأفعال الخمسةِ، و"في" حرفُ جَرٍّ، و"ها" ضمير متَّصلٌ في محلِّ جرٍّ بـ "في" والجارُّ والمجرورُ متَعلِّقٌ بِ"تحيون"، والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ ضميرُ رفعٍ متصلٍ في محلِّ رفعِ فاعلٍ.[/size]
[size=29.3333]قولُه: {وفيها تموتون} إعرابُها كسابقتها تماماً. [/size]
[size=29.3333]قولُه: {ومنها تُخرجون} أيضاً كسابقتِها، إنما الفعلُ المضارعُ هنا مبنيٌّ للمجهولِ والواوُ في محلِّ رفعِ نائبٍ للفاعل.[/size]
[size=29.3333]وجُملةُ "قالَ" مُستأنَفَةٌ لا محلَّ لها. وجُملةُ: "تحيون": في محلّ نصبٍ مَقولَ القَوْلِ. وجملةُ "تموتون": في محلّ نصب عطفاً على جملة "تحيون". وجملةُ: "تُخرجون": معطوفةٌ على جملةِ "تموتون".[/size]
[size=29.3333] وقولُه: "تحيون" وزنُهُ "تفعون" وأصلُه "تحياون"، التَقى فيه ساكِنان أَلِفُ "تحيا" و"واوُ الجماعة"، فحُذِفَتِ الألِفُ وفُتِحَ ما قَبْلَ الواوِ ـ أوْ ظلَّ مَفتوحاً ـ دَلالَةً عَلَيْها،.[/size]
[size=29.3333]قَرَأَ الأَخَوان (حمزةُ والكسائيُّ) وابْنُ ذَكْوان "تَخْرُجون" هنا، وفي سورة الجاثية: {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ} الآية: 35. وفي سورة الزخرف: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} الآية: 11. وقرؤوا في أَوَّل سورةِ الرّوم: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ} الآية: 19. قرؤوا الجميعَ مبنيّاً للفاعلَ، وقرأهُ باقي القُراءِ مبنيّاً للمَفعول. وفي أَوَّلِ سورةِ الرومِ خلافٌ عَنِ ابْنِ ذَكْوانَ. وقرأ ابنُ ذكوان بأوَّلِ الرّومِ قولَه: {إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ} الآية: 25. والقراءتانِ واضِحَتان.[/size]
[size=29.3333]ي[/size]