َللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
(180)
قولُهُ ـ تعالى شأنُهُ: {وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} خِطابٌ للمُسْلِمين، وأَمْرٌ لهم بإخلاصِ العِبادَةِ للهِ تعالى وحدَهُ، ومجانَبَةِ المُشْرِكينَ والمُلْحِدين. وَتَوَسُّطُهُ في خِلالِ مَذامِّ المُشركين لمُناسَبَةِ أَنَّ أَفْظَعَ أَحوالِ المَعْدودين لجَهَنَّمَ هُو حالُ إشْراكِهمْ باللهِ غيرَهُ، لأَنَّ في ذلك إبْطالاً لأخَصِّ الصِفاتِ بمعنى الإلهيَّةِ: وهي صِفَةُ الوَحْدانِيَّةِ وما في مَعْناها مِنَ الصِفاتِ نحوَ الفَرْد، الصَمَد. ويَنْضَوي تحتَ الشِرْكِ تَعطيلُ صِفاتٍ كَثيرةٍ مِثْل: الباعِث، الحَسيب، المُعيد، ونَشَأَ عَنْ عِنادِ أَهْلِ الشِرْكِ إنْكارُ صِفَةِ الرَحمن.
فعُقِّبَتْ الآياتُ التي وَصَفَتْ ضَلالَ إشْراكِهم بِتَنْبيهِ المُسلِمينَ للإقبالِ على دُعاءِ اللهِ بأسمائهِ الدالَّةِ على عَظيمِ صِفاتِ الإلهيَّةِ، والدَوامِ على ذلك، وأَنْ يُعْرِضوا عَنْ شَغَبِ المُشْرِكين وجِدالهم في أَسماءِ اللهِ تعالى.
والأسماءُ هي الألفاظُ المجْعولَةُ أَعْلاماً على الذاتِ بالتَخْصيصِ أَوْ بالغَلَبَةِ، فاسْمُ الجَلالةِ وهوَ "الله" عَلَمٌ على ذاتِ الإلهِ الحَقِّ بالتَخْصيصِ، شأنُ الإعْلامِ، و "الرَحمنُ" و "الرحيمُ" اسمانِ للهِ بالغَلَبَةِ، فهو ـ سبحانه ـ لا يرحمُ الكافرين، وإنما هو رحيمٌ في الغالبِ، للمؤمنين ولجميع المخلوقات في غالبِ الأحيان والأحوالِ، وكذلكَ كُلُّ لَفْظٍ مُفْرَدٍ دَلَّ على صِفَةٍ مِنْ صِفاتِ اللهِ. وأُطْلِقَ إِطْلاقَ الإعْلامِ نحوَ الرَبّ، والخالق، والعزيز، والحكيم، والغفور. ولا يَدْخُلُ في هذا ما كانَ مُرَكَّبا إضافياَ نحوَ ذو الجلال، وربِّ العرش، فإنَّ ذلك بالأوصافِ أَشْبَهُ، وإنْ كان دالاًّ على مَعنى لا يَليقُ إلاَّ باللهِ نحوَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} سورةُ الفاتحة:4.
والحُسْنى مُؤنَّثُ الأَحْسَنِ، وهو المُتَّصِفُ بالحُسْنِ الكاملِ في ذاتِهِ، المَقبولُ لدى العُقولِ السَليمَةِ المجرَّدَةِ عَنِ الهَوى، ولَيْسَ المُرادُ بالحُسْنِ المُلاءمَةُ لجميعِ الناسِ لأنَّ المُلاءمَةَ وَصْفٌ إِضافيٌّ نِسْبيٌّ، فقد يُلائمُ زَيْداً ما لا يُلائمُ عَمْراً، فلِذلكَ فالحُسْنُ صِفَةٌ ذاتِيَّةٌ للشيءِ الحَسَنِ.
وَوَصَفَ الأسماءَ بِ "الْحُسْنَى" لأنها دالَّةٌ على ثُبوتِ صِفاتِ كَمالٍ حَقيقيٍّ، أَمَّا بَعْضُها فَلأَنَّ مَعانيها الكامِلَةَ لم تَثْبُتْ إلاَّ للهِ، نحوَ الحيِّ، والعَزيزِ، والحكيمِ، والغَنيِّ، وأَمّا بعضُها الآخَرُ فلأنَّ مَعانيها مُطْلقاً لا يحْسُنُ الاتِّصافُ بها إلاَّ في جانِبِ اللهِ نحوَ المُتَكَبِّرِ، والجَبَّارِ، لأَنَّ مَعاني هذِهِ الصِفاتِ وأَشْباهِها يُعَدُّ نَقصاً في المَخْلوقِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ المُتَّسِمَ بها لم يَكُنْ مُسْتَحِقّاً لها لِعَجْزِهِ أَوْ لحاجَتِهِ، بخِلافِ الإلهِ لأنَّهُ الغَنيُّ المُطْلَقُ، فكانَ اتِّصافُ المَخلوقِ بها مَنْشَأَ فَسادٍ في الأَرْضِ، وكانَ اتِّصافُ الخالِقِ بها مَنْشَأَ صَلاحٍ، لأنها مَصْدَرُ العَدالَةِ والجَزاءِ القِسْطِ.
قولُهُ: {فَادْعُوهُ بِهَا} تَفْريعٌ عَنْ كَوْنِها أَسماء لَهُ، وعَنْ كَوْنِها حُسْنى، أَيْ فلا حَرَجَ في دُعائِهِ بِها لأنَّها أَسماءَ مُتَعدِّدةً لمُسَمّى واحِدٍ، لا كَما يَزْعمُ المُشْرِكونَ، ولأنَّها حُسْنى فلا ضَيْرَ في دُعاءِ اللهِ تَعالى بها. وذَلكَ يُشيرُ إلى أَنَّ اللهَ يُدْعَى بِكُلِّ ما دَلَّ على صِفاتِهِ وعلى أَفْعالِهِ.
وقدْ دّلَّتِ الآيةُ عَلى أَنَّ كلَّ ما دَلَّ عَلى صِفَةِ للهِ تَعالى، أو على شَأْنٍ مِنْ شؤونِهِ على وَجْهِ التَقْريبِ للأَفْهامِ بِحَسَبِ المُعْتادِ يَسُوغُ أَنْ يُطْلَقَ مِنْهُ اسْمٌ للهِ تَعالى ما لم يَكُنْ مَجيئُه على وَجْهِ المَجازِ نحو: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} سورةُ البَقَرة، الآيةُ: 15. أوْ يُوهِمُ مَعْنى نَقْصٍ في مُتَعارَفِ النَّاسِ نحْوَ الماكِرِ مِنْ قولِهِ في سورةِ آل عمران: {وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الآية: 54.
وليستْ أَسماءُ اللهِ الحُسْنى مُنْحَصِرَةٌ في التِسْعَةِ والتِسْعينَ الوارِدَةِ في الحديثِ الصَحيحِ الذي أَخرجَهُ البُخاريُّ، ومُسلِم، وأَحمدُ، والتِرمِذيُّ، والنَسائيُّ، وابنُ ماجةَ، وابْنُ خُزيمةَ، وأَبو عُوانَةَ، وابْنُ جَريرٍ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، وابْنُ حِبّان، والطَبرانيُّ، وأَبو عَبْدِ اللهِ ابْنُ مَندَة في التَوحيدِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وأَبو نُعيمٍ، والبَيْهَقيُّ، في كِتابِ الأسماءِ والصِفاتِ، عَنْ أَبي هُريرَةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ للهِ تِسْعَةً وتِسْعينَ اسماً مِئةً إلاَّ واحداً، مَنْ أَحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ، إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ)). والحديثُ من المتواترِ. فالحديثُ صَحيحٌ ولكنْ ليسَ فيهِ ما يَقْتَضي حَصْرَ الأَسماءِ في ذلكَ العَدَدِ، ولكنَّ تِلكَ الأسماءَ ذاتَ العَدَدِ لها تِلكَ المَزِيَّةُ، وقدْ ثَبتَ أَنَّ النَبيَّ الكريمَ ـ صَلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ ـ دَعا فقال: يا حَنَّانُ يا مَنَّانُ ولمْ يَقَعْ هذانِ الاسمانِ فيما رُوِيَ مِنَ التِسْعَةِ والتِسْعينَ، ولَيْسَ في الحديثِ المَرْوِيِّ بِأَسانيدَ صحيحةٍ مَشْهورَةٍ تَعيينُ الأَسماءِ التِسْعَةِ والتَسْعينَ، وَوَقَعَ في جامِعِ التِرْمِذِيِّ مِنْ رِوايَةِ شُعيب بْنِ أَبي حمزَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبي هُريرَةَ بعدَ قولِهِ: ((دَخَلَ الجَنَّةَ هُوَ اللهُ الذي لا إلهَ إلاَّ هُوَ الرَحمنُ الرَحيمُ)) إلى آخرِها فعَيَّنَ صِفاتٍ للهِ تَعالى تِسْعاً وتِسْعينَ وهِيَ المَشْهورَةُ بَينَ الذينَ تَصَدَّوْا لِبيانِها, قالَ التِرْمِذِيُّ هذا حَديثٌ غَريبٌ حَدَّثَنا بِهِ غيرُ واحِدٍ عَنْ صَفْوانَ بْنِ صالحٍ وهو ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَديثِ، ولا نَعْلَمُ في شيءٍ مِنَ الرِواياتِ لها إسْنادٌ صَحيحٌ إلاَّ في هذا الحَديثِ.
وتَعيينُ هذِهِ الأَسماءِ لا يَقْتَضي أَكْثَرَ مِنْ أَنَّ مَزِيَّتَها أَنَّ مَنْ أَحْصاها وحَفِظَها ووعاها، وذكرَ اللهَ بها ودعاهُ، وهذه الأسماءُ التسعٌ والتسعون التي عناها الرسولُ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ في الحديث المذكورِ آنفاً عيَّنَها في حَديثٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ التِرْمِذِيُّ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ حِبّانَ، وابْنُ مَنْدَةَ، والطَبراني، والحاكِمُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ، عَنْ أَبي هُريرةَ ـ رضيَ اللهُ عنه ـ قال: قالَ رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ: ((إنَّ للهِ تِسْعَةً وتِسْعينَ اسماً مِئةً إلاَّ واحداً، مَنْ أَحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ، هُوَ اللهُ الذي لا إِلَهَ إلاَّ هُوَ الرَحمنُ الرَّحيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السَّلامُ، المُؤْمِنُ، المُهَيْمِنُ، العَزيزُ، الجَبَّارُ، المُتَكَبِّرُ، الخالقُ، البارِئُ، المُصَوِّرُ، الغَفَّارُ، القَهَّارُ، الوَهّابُ، الرَزَّاقُ، الفَتَّاحُ، العَليمُ، القابِضُ، الباسِطُ، الخافِضُ، الرافِعُ، المِعِزُّ، المُذِلُّ، السَميعُ، البَصيرُ، الحَكَمُ، العَدْلُ، اللَّطيفُ، الخَبيرُ، الحَليمُ، العَظيمُ، الغَفورُ، الشَكُورُ، العَلِيُّ، الكَبيرُ، الحَفيظُ، المُقيتُ، الحَسيبُ، الجَليلُ، الكَريمُ، الرَقيبُ، المجيبُ، الواسِعُ، الحَكيمُ، الوَدودُ، المجيدُ، الباعِثُ، الشَهيدُ، الحَقُّ، الوَكيلُ، القَوِيُّ، المَتينُ، الوَليُّ، الحَميدُ، المحصي، المُبْدِئُ، المُعيدُ، المحْييِ، المُميتُ، الحيُّ، القَيّومُ، الواجِدُ، الماجِدُ، الواحِدُ، الأَحَدُ، الصَمَدُ، القادِرُ، المُقْتَدِرُ، المُقَدِّمُ، المُؤخِّرُ، الأَوَّلُ، الآخِرُ، الظاهِرُ، الباطِنُ، البَرُّ، التَوَّابُ، المُنْتَقِمُ، العَفُوُّ، الرَؤوفُ، مالِكُ، المُلْكِ، ذُو الجَلالِ والإِكْرامِ، الوالي، المُتَعالِ، المُقْسِطُ، الجامِعُ، الغَنيُّ، المُغْني، المانِعُ، الضَارُّ، النافِعُ، النُورُ، الهادي، البَديعُ، الباقي، الوارِثُ، الرَشيدُ، الصَبُورُ)).
فمن ذَكَرَ هذه الأسماءَ وأحصاها كما قال النبيُّ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ الجَنَّةَ، ولا يَمْنَعُ أَنْ تَعُدَّ للهِ أَسماء أُخرى. وقدْ عَدَّ ابْنُ برجان الأَشبيليُّ في كِتابِهِ: في أَسماءِ اللهِ الحُسْنى مئةً واثْنَينِ وثَلاثينَ اسماً مُسْتَخْرَجَةً مِنَ القُرآنِ والأحاديثِ المَقْبولَةِ. وذَكَرَ القُرطُبيُّ في كتابِهِ (الأَسنى في شَرْحِ الأسماءِ الحُسْنى) ما يُنيفُ على مئتيِ اسْمٍ، وذَكَرَ أَيْضاً أَنَّ أَبا بَكْرٍ بْنِ العَرَبيِّ ذَكَرَ عِدَّةَ مِنْ أسمائهِ تَعالى مِثلَ: مُتِمِّ نُورِهِ، وخيرِ الوارثين، وخيرِ الماكِرينَ، ورابِعِ ثَلاثَةٍ، وسادسِ خمسَةٍ، والطَيِّبِ، والمُعَلِّمِ .... إلخ.
وأَخْرَجَ أَبو نُعيمٌ عَنْ محمَّدٍ بْنِ جَعْفَرَ قالَ: سَأَلْتُ أَبي جَعْفَرَ بْنَ محمّدٍ الصادقِ عَنِ الأَسماءِ التِسْعَةِ والتِسْعينَ التي مَنْ أَحصاها دَخَلَ الجَنَّةَ فقال: هيَ في القرآن، ففي الفاتحةِ خمسةُ أَسماء: يا أَللهُ، يا رَبُّ، يا رَحمنُ، يا رَحيمُ، يا مالِكُ. وفي البَقَرَةِ ثَلاثةٌ وثلاثونَ اسماً: يا محيطُ، يا قَديرُ، يا عَليمُ، يا حَكيمُ، يا عَلِيُّ، يا عَظيمُ، يا تَوَّابُ، يا بَصيرُ، يا وَليُّ، يا واسِعُ، يا كافي، يا رَؤوفُ، يا بَديعُ، يا شاكِرُ، يا واحدُ، يا سميعُ، يا قابِضُ، يا باسِطُ، يا حَيُّ، يا قَيّومُ، يا غَنيُّ، يا حميدُ، يا غَفُورُ، يا حَليمُ، يا إلهُ، يا قَريبُ، يا مجيبُ، يا عَزيزُ، يا نَصيرُ، يا قَوِيُّ، يا شَديدُ، يا سَريعُ، يا خَبيرُ. وفي آلِ عُمرانَ: يا وَهَّابُ، يا قائمُ، يا صادِقُ، يا باعِثُ، يا مُنْعِمُ، يا مُتَفَضِّلُ. وفي النِساءِ: يا رَقيبُ، يا حَسيبُ، يا شَهيدُ، يا مُقيتُ، يا وَكيلُ، يا عَلِيُّ، يا كَبيرُ. وفي الأَنْعامِ: يا فاطِرُ، يا قاهرُ، يا لَطيفُ، يا بُرهانُ. وفي الأَعْرافِ: يا محييِ، يا مميتُ. وفي الأَنْفالِ: يا نَعْمَ المَوْلى، يا نِعْمَ النَصيرُ. وفي هُودَ: يا حَفيظُ، يا مجيدُ، يا وَدودُ، يا فَعَّالُ لما يُريدُ. وفي الرَعْدِ: يا كَبيرُ، يا مُتَعالِ. وفي إبراهيم: يا منَّانُ، يا وارِثُ. وفي الحجر: يا خَلاقُ. وفي مَرْيمَ: يا فَرْدُ. وفي طَهَ: يا غفّارُ. وفي قَدْ أَفْلَحَ: يا كريمُ. وفي النُورِ: يا حَقُّ، يا مُبينُ. وفي الفُرْقانِ: يا هادي. وفي سَبَأَ: يا فَتَّاحُ. وفي الزُمَرِ: يا عالمُ. وفي غافِر: يا غافِرُ، يا قابِلَ التَوْبَةِ، يا ذا الطَوْلِ، يا رَفيعُ. وفي الذارياتِ: يا رزاقُ، يا ذا القُوَّةِ، يا مَتينُ. وفي الطورِ: يا بَرُّ. وفي اقْتَرَبَتْ: يا مَليكُ، يا مُقْتِدَرُ. وفي الرَحمنِ: يا ذا الجَلالِ والإِكْرامِ، يا رَبَّ المَشْرِقينِ، يا رَبَّ المَغْرِبين، يا باقي، يا مُهَيْمِنُ. وفي الحديدِ: يا أَوَّلُ، يا آخِرُ، يا ظاهِرُ، يا باطِنُ. وفي الحَشْرِ: يا مَلِكُ، يا قُدُّوسُ، يا سَلامُ، يا مُؤمِنُ، يا مُهَيْمِنُ، يا عَزيزُ، يا جَبَّارُ، يا مُتَكَبِّرُ، يا خالِقُ، يا بارئُ، يا مُصَوِّرُ. وفي البُروجِ: يا مُبْدِئُ، يا مُعيدُ. وفي الفَجْرِ: يا وِتْرُ. وفي الإِخْلاصِ: يا أَحَدُ، يا صَمَدُ.
وأَخرَجَ البَيْهَقِيُّ في كِتابِ الأَسماءِ والصِفاتِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ ـ رضي اللهُ غنه ـ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ: ((مَنْ أَصابَهُ هَمٌّ أَوْ حَزَنٌ فَلْيَقُلْ: اللّهُمَّ إني عَبْدُكَ، وابْنُ عَبدِكَ، وابْنُ أَمَتِكَ، ناصِيَتي في يَدِكَ، ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قَضاؤكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تجعلَ القُرآنَ العَظيمَ رَبيعَ قَلْبي، ونُورَ بَصَرِي، وذَهابَ همّي، وجلاءَ حُزْني))، قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ما قالَهُنَّ مَهمومٌ قَطُّ إلاَّ أَذْهَبَ اللهُ همَّهُ وأَبْدَلَهُ بهَمِّهِ فَرَجاً. قالوا: يا رَسُولَ اللهِ أَفَلا نَتَعَلَّمُ هَذِهِ الكَلِماتِ؟ قال: ((بلى، فَتَعَلَّموهُنَّ وعَلِّموهُنَّ)).
والاسْمَ هُو المُسَمِّى، أَوْ صِفَةٌ لَهُ تَتَعَلَّقُ به، وهوَ غيرُ التَسْمِيَةِ. قال ابْنُ العَربيِّ عِنْدَ كلامِهِ على قولِهِ تَعالى: "وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" فيهِ ثلاثةُ أَقْوالٍ. قالُ بَعضُ عُلمائنا: في ذلك دَليلٌ على أَنَّ الاسْمَ المُسَمَّى؛ لأنَّهُ لو كانَ غيرَهُ لَوَجَبَ أَنْ تَكونَ الأَسماءُ لِغَيرِ اللهِ تَعالى. اوقالَ آخَرونَ: المرادُ بِهِ التَسْمِياتُ؛ لأنَّهُ ـ سبحانَهُ ـ واحدٌ والأسماءُ جمعٌ. وقد ذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ في تفسيرِهِ أَنَّ الأَسماءَ في الآيةِ بمعنى التَسْمياتِ إجماعاً مِنَ المُتَأَوِّلين لا يَجوزُ غَيرُهُ. وقالَ القاضي أَبو بَكْرٍ في كتابِ التَمْهيدِ: وتأويلُ قولِ النَبيِّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((للهِ تَسْعةً وتِِسعونَ اسماً مَنْ أَحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ)). أيْ أَنَّ لَهُ تِسعةً وتِسعينَ تَسْمِيَةً بِلا خِلافٍ، وهي عباراتٌ عَنْ كونِ اللهِ تَعالى عَلى أَوْصافٍ شَتى، مِنْها ما يَسْتَحِقُّهُ لِنَفْسِهِ ومنها ما يَسْتَحِقُّهُ لِصِفَةٍ تتعلَّقُ بِهِ، وأَسماؤهُ العائدةُ إلى نَفْسِهِ هي هُو، وما تَعَلَّقَ بِصِفَةٍ لَهُ فهي أسماء لَه. ومنها صفاتٌ لذاتِه. ومنها صفاتُ أَفْعالٍ. وهذا هُو تأويل قولِهِ تَعالى: "وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" أَيْ التَسْمِياتُ الحُسْنى. وقالو: وللهِ الصِفَاتُ الحسنى. وقدْ سمى اللهُ ـ سُبْحانَهُ ـ أَسماءهُ بالحُسْنى لأنها حَسَنَةٌ في الأَسماعِ والقُلوبِ؛ فإنَّها تَدُلُ على تَوحيدِهِ وكَرَمِهِ وجُودِهِ ورَحمَتِهِ وإفْضالِهِ. والحُسْنى مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ.
قولُهُ: {فَادْعُوهُ بِهَا} أيْ فاطْلُبوا مِنْهُ بأسمائِهِ؛ إذ يُطْلَبُ بِكُلِّ اسْمٍ ما يَليقُ بِهِ، تَقولُ: يا رَحيمُ ارْحمني، يا رازقُ ارْزُقني، يا هادي اهدِني، يا فتَّاحُ افْتَحْ لي، يا تَوَّابُ تُبْ عَلَيَّ؛ وهكذا. فإنْ دَعوتَ باسْمٍ عامٍّ قُلتَ: يا مالِكُ ارْحمني، يا عَزيزُ احْكُمْ لي، يا لَطيفُ ارْزُقْني. وإن دَعَوْتَ بالأَعَمِّ الأَعْظَمِ فَقُلتَ: يا اللهُ؛ فهو مُتَضَمِّنٌ لِكُلِّ اسْمٍ. ولا تَقولُ: يا رزّاقُ اهْدِني؛ إلاَّ أَنْ تُريدَ يا رزّاقُ ارْزُقْني الخيرَ. وهَكَذا،
قولُهُ: {وذر الذين يُلحدون في أسمائه} أَصْلُ الإلحادِ في اللُّغَةِ: المَيْلُ، ومِنْه اللَّحْدُ في القَبرِ، وإلحادُهُمْ في أَسمائهِ، كاشْتِقاقِهم اسْمَ اللاتِ مِنِ اسْمِ اللهِ، واسْمِ العُزّى مِنِ اسْمِ العَزيزِ، واسْمِ مناةَ مِنِ المَنَّانِ، ونحوُ ذلك. فقد أَخْرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ عن ابْنِ عباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ في قولِهِ تعالى: "وذروا الذين يلحدون في أسمائه" قال: اشْتَقّوا العُزَّى مِنَ العَزيزِ، واشْتَقّوا اللاتَ مِنَ الله. والعَرَبُ تَقولُ لحَدَ وأَلحَدَ بمعنى واحد، والمُرادُ مِنْ تَرْكِ "الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ" الإمْساكُ عَنِ الاسْتِرْسالِ في محاجَّتِهم لِظُهورِ أَنهم غيرُ قاصدين مَعْرِفَةَ الحَقِّ، أَوْ تَرْكُ الإصْغاءِ لِكَلامِهمْ لِئَلاَّ يَفْتِنوا عامَّةَ المؤمنين بِشُبُهاتهم، أَيْ اتْرُكُوهُم ولا تُلْغِبُوا أَنْفُسَكُم في مجادَلَتِهم فإني سَأَجْزِيَهم.
ولمّا كانَ وَسَطُ الشَيْءِ يُشَبَّهُ بِهِ الحَقُّ والصَوابُ، والإلحادُ هو الميلُ عَنْ وَسط الشَيْءِ إلى جانِبِهِ، وإلى هَذا المَعْنى تَرْجِعُ كلُّ مُشْتَقَّاتِهِ، اسْتَتْبَعَ ذَلك تَشْبيهُ العُدولِ عَنِ الحَقِّ إلى الباطِلِ بالإلحادِ، فأُطْلِقَ على الكُفْرِ والإفْسادِ، وحينئذٍ يُعَدَّى ب "في" لتَنْزيلِ المجرورِ بِها مَنْزِلَةَ المَكانِ للإلحادِ، والأكْثَرُ أَنْ يَكونَ ذلك عَنْ تَعَمُّدٍ للإفْسادِ، ويُقالُ لحَدَ وأَلحَدَ والثانيةُ أَشْهَرُ.
ومعنى الإلحادِ في أَسماءِ اللهِ جَعْلُها مَظْهَراً مِنْ مَظاهِرِ الكُفْرِ، فقد أَخْرَجَ ابْنُ جَريرٍ الطبريُّ، وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أَبي حاتمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما ـ قال: الإِلحادُ التَكْذيبُ. وأَخْرَجَ مثلُ ذلك أيضاً عَنْ قَتَادَةَ، عَبْدٌ بْنُ حميدٍ وأَبو الشَيْخِ. وأَخرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ عَنْ عطاء في الآيةِ قالَ: الإِلحادُ المُضاهاةُ. وأَخْرَجَ أيضاً عنِ الأَعْمَشِ أَنَّهُ قَرَأَ "يَلحَدون" بِنَصْبِ الياءِ والحاءِ مِنَ اللَّحْدِ، وقالَ تَفسيرُها يُدْخِلونَ فِيها ما لَيْسَ مِنْها. وأَخْرَجَ الإمامُ عَبْدُ الرَزّاقِ، وعَبْدٌ بْنُ حميدٍ، وابْنُ جَريرٍ الطبريُّ عَنْ قَتادةَ قال: "وذروا الذين يلحدون في أسمائه" قال: يُشْرِكونَ.
قولُهُ: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وعيدٌ منه ـ سبحانَه وتعالى ـ للمشركين اللذين يلحدون في أسمائه ـ جلَّ وعلا ـ بالجزاءِ المعادلِ لعملهم الشنيعِ هذا، وليس أكبرُ عند اللهِ من الإشراكِ بِهِ والتكذيبِ بأسمائه أو الإلحاد بها، ولا شكَّ في أنَّ لهم أشدُّ العذاب. نعوذُ بالله من ذلك.
وقد وَرَدَ في أَسْبابِ نُزولِ هذِهِ الآيةِ المباركةِ عَنْ مُقاتِلٍ وغَيرِه مِنَ المُفَسِّرين، أنّها نَزَلَتْ أبي جهلٍ أخزاه اللهُ، إذ كان رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمين، يَقولُ في صَلاتِهِ: يا رحمنُ يا رَحيمُ. فقال: أَلَيْسَ يَزْعُمُ محمَّدٌ وأَصْحابُهُ أَنهم يَعْبُدونَ رَبّاً واحداً، فما بَالُ هذا يَدْعُو رَبَّين اثنين؟ فأَنْزَلَ اللهُ ـ سبحانَه وتعالى: "وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا".
قولُهُ تعالى: {في أسمائه} حَرْفُ الجَرِّ "في" مُسْتَعْمَلٌ في معنى التَعليلِ وهو كَقولِ النَبيِّ ـ صَلى اللهُ عليْهِ وسَلَّم: ((دَخَلَتِ امْرأَةٌ النّارَ في هُرَّةٍ)). أيْ: بسببِ هُرَّةٍ حَبَسَتْها. وكقولِ عُمَرَ بْنِ أَبي رَبيعَةَ:
وعصيتُ فِيكِ أَقاربي فَتَقَطَّعَتْ .............. بَيْني وبَيْنَهُمُ عُرَى أَسْبابي أي: بسببكِ أو بسببِ حبي لك.
قرأَ العامَّةُ: {يُلْحِدُونَ} وقرأَ حمْزَةُ هُنا وفي "النَحْل" و "حَم" السَجْدةِ: "يَلْحَدونَ" بِفَتْحِ الياءِ والحاءِ مِنْ "لَحَدَ" ثُلاثيّاً. وقَرَأَ الباقون بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الحاءِ مِنْ أَلْحَدَ. فقيلَ: هما بمعنى واحد، وهو المَيْل والانحرافُ.