ربِّ موسى وهارون
(122)
قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {ربِّ موسى وهارون} قصَدوا مِنْ قولهم ذلك الإعلانَ بإيمانهم بالله لِئلاَّ يَظُنَّ الناسُ أنهم سَجَدوا لِفِرْعونَ، إذْ كانتْ عادةُ القبْطِ السُجودَ لِفرعون، ولِذلك وصَفوا الذي سجدوا له بأنَّه "ربّ العالمين" الذي دَعا بِهِ مُوسى وأخوه هارون ـ عليهما السلامُ ـ ولعلَّهم لم يكونوا يَعرفون اسماً عَلَماً للهِ تَعالى، إذْ لم يَكُنْ للهِ اسْمٌ عندَهم، وقد عُلِمَ بذلك أنهم كَفَروا بإلهيَّةِ فِرْعون. وزادوا هذا القصدَ بياناً بالإبدالِ مِنْ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} قولهم: "رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ" لئلاَّ يُتَوهَّمَ المبالغةُ في وصْفِ فرعون بأنَّه رَبُّ جميعِ العالمين، وتَعَيَّنَ في تعريف البَدَلِ طَريقُ تَعريفِ الإضافةِ لأنها أَخْصَرُ طَريقٍ، وأَوْضَحُه هنا، لا سيّما إذا لم يكونوا يَعرفون اسماً عَلَماً على الذاتِ العَلِيَّةِ. ولذلك قال اللهُ تعالى مخاطباً نبيَّه موسى ـ عليه السلامُ: {إِنَّنِي أَنَا اللهُ} سورة طه، الآية: 14. لِيعلِّمَه اسمه العظيم.
وخصَّ موسى وهارون ـ عليهما السلامُ ـ بالذِّكْرِ تشريفاً، لهما وتَفضيلاً، كما هو قولُه تعالى في سورة البقرة: {وملائكتِه وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} الآية: 98. فإنَّ جبريلَ وميكالَ، داخلين في قولِه: "وملائكته" لكنّه خصَّهما بالذكرِ تشريفاً لهما، واللهُ أعلم.
قوله تعالى: {رَبِّ موسى وهارون} يجوزُ أنْ يكون نعتاً لربِّ العالمين، ويجوزُ أنْ يَكونَ بَدَلاً، أو عطفَ بيانٍ. وفائدةُ ذلك نَفْيُ تَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أنَّ ربَّ العالمين قد يُطلق على غير الله تعالى، لِقولِ فِرْعونِ {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} سورة النازعات، الآية: 24. وقدَّموا موسى في الذِّكْر على هرون ـ وإنْ كان هَرونُ أَسَنَّ مِنْه ـ لِكِبرِه في الرُتْبَةِ، أوْ لأنَّه وَقَعَ فاصلةً هُنا، وقال في سورةِ طه: {بِرَبِّ هَارُونَ وموسى} الآية: 70. لِوُقوعِ هرون فاصلةً، أو لأنَّ كلَّ طائفةٍ مِنْهم صدر منها قولٌ، فَنَسَبَ قولَ كلِّ طائفةٍ إليها، هنا قولُ طائفةٍ وهناك قولُ أُخرى.