قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
(121)
قولُهُ تباركت أسماؤه: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} آمَنوا نُطْقاً بألسِنَتِهم، وتبيَّنَ لهم الرَّبُ الحقُّ الذي دعاهم إلى الإيمان بهِ مُوسى وهارون ـ عليهما السلام ـ بعد أن آمنت قلوبهم وعقولهم، فقالوا: آمَنَّا بِرَبِ العَالَمِينَ، لأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا أنَّ الذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى هو مِنْ عِنْدِ اللهِ ولاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهِ، لأَنَّهُ لَيس من السِحْرِ. ويظهرُ مِنَ هذا النَصِّ أنهم آمنوا بعدَ السُجودِ، لكنَّ الأَمرَ يَقتَضي أَلاَّ يَسْجُدَ أَحَدٌ للهِ تعالى إلاَّ إذا آمَنَ به، فالإِيمانَ عملٌ قلبي، والسُجودُ عملٌ عَضَليٌّ وسُلوكٌ عَمَليٌّ، يترتَّب على ما يقرُّ في الفكر والقلبِ، إذاً فكُلٌّ منهم آمَنَ بقلبِه بالله فَسَجَدَ بجسدِهِ لإله الذي آمنَ به. إذاً هم آمنوا فسَجَدوا ثمَّ أعلنوا إيمانَهم؛ فقالوا: آمَنّا بِرَبِّ العالمين؛ لأنَّ الإِيمانَ شيءٌ، والإِعلانُ عنْه شيءٌ آخَر، فقد آمنوا فَخَرّوا ساجدين، وبعدَ هذا قاموا بإعلان الإِيمان، ويمكن أنَّ يكون الناسُ قد سَأَلوهم: ما الذي حملكم على السجود؟ ولماذا فعلتم ذلك؟ فقالوا: "آمَنَّا بِرَبِّ العالمين" أيْ مالِكِ أَمْرِهم والمتصرِّفِ فيهم.
قولُهُ تعالى: {قَالُواْ آمَنَّا بِرَبِّ العالمين} جملةُ "قالوا" بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنْ جملة: {أُلْقِيَ السَّحَرَةُ} لأنَّ الهَوْيَ للسُجودِ اشْتَملَ على ذلك القول، وقيل: هي حالٌ من السَحَرة في قولِه: {وأُلقيَ السحرةُ} سورة الأعراف الآية: 120 السابقة. أوْ مِنْ ضميرِهم المُستَتِرِ في {ساجدين} سورة الأعراف، الآية: 120، أي أنهم أُلْقوا ساجدين حالَ كونهم قائلين "آمَنَّا بِرَبّ العالمين"، وقيلَ هي حالٌ مِنْ الضَميرِ في قولِه: {انقلبوا} من الآية: 119، السابقة. وليس بشيءٍ للفصلِ بقوله: {وَأُلْقِيَ السحرة}. وقيل هي تفسيريَّةٌ لا محلَّ لها من الإعراب.