قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
(114)
قولُه ـ تباركت أسماؤه: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} فَقَالَ لَهُمْ فِرْعَونُ مُشَجِّعاً، إنَّهُ سَيُعْطِيهِمْ عَطَاءً جَزِيلاً، وَسَيَجْعَلُهُمْ مِنْ جُلَسَائِهِ وَالمُقَرَّبِينَ إِلَيهِ. "قَالَ نَعَمْ" أي: "إنَّ لكم لأجراً" وإنَّكم مع ذلك لمن المقربين، أي إني لا أقتصر لكم على العطاء وحدَه، وأنَّ لكم معه ما هو أعظم منه وهو التقريب والتعظيم، لأنَّ مَنْ أُعْطِي شيئاً إنما يتهنأ به ويغتبط إذا نال معه الكرامة والرفعة، وفي ذلك من المبالغة في الترغيب والتحريض ما لا يخفى، وروى عن الكلبي أنه قال لهم: تكونون أَوَّلَ مَنْ يدخُل مجلسي وآخر من يخرج عنه.
وقوله: {لَمِنَ المقربين} يدلُّ على فسادِ حكمِ فرعون؛ لأنَّ الحاكمَ عليه أنْ يُساويَ بين المحكومين. لكن إذا ما كان هناك مقربون فالدائرة الأولى منهم تنهب على قدر قربها، والدائرة الثانية تنهب أيضاً، وكذلك الثالثة والرابعة فتجد كل الدوائر تمارس فسادها مادام الناس مصنفين عند الحاكم.
ولذلك كان رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا ما جلس
الصحابة يستمعون إليه كان يسوّي الناس جميعاً في نظره حتى يظنَّ كلُّ منهم أنَّه أَولى بنظرِ رسولِ الله، ولا يدنى أحداً أو يقربه من مجلسه إلا من شهد له الجميع بأنه مقرب.
وتدلُّ هذه الآيةُ المباركة على أنَّ كلَّ الخلقِ كانوا عالمين بأنَّ فرعون كان عبداً ذليلاً عاجزاً، وإلاَّ لما احتاجَ إلى الاسْتِعانَةِ بالسَحَرَةِ في دفع موسى ـ عليه السلام، ويدلُّ على أن السَّحَرَة لم يقدروا على قلب الأعيان، وإلاَّ لما احتاجوا إلى طلبِ الأجْرِ والمالِ من فرعون؛ لأنهم لو قدروا على قلب الأعيان فَلَمَ لم يقلبوا التراب ذهباً، ولِمَ لَمْ ينقلوا ملك فرعون إلى أنفسهم، ولِمَ لَمْ يجعلوا أنفسهم مُلُوك العالم.
قوله تعالى: {نعم} حرفُ جَوابٍ قائمة مقام جملة تقديرها: "لَكمُ أَجْرٌ".
وقولُه: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} هذه الجملةُ نَسَقٌ على الجملة المحذوفةِ التي نابَتْ "نعم" عنها في الجواب، إذ التقديرُ: قال: نعم إنَّ لكم لأجراً وإنَّكم لمن المقربين.