وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
(108)
قولُه ـ تباركت آياته: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} نزع يده: أَخْرَجَها مِنْ تَحْتِ إِبْطِهِ، وقيل من جَيبِهِ، قال تعالى في سورة النمل: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سوءٍ} الآية: 12. والجيبُ هو الفتحة في الثوب يدخلُ منها الرأسُ، ولا خلافَ فإنَّه حتى يدخل كفه تحت إبطه عليه أنْ يُدخِلَها في جِيبِهِ أَوَّلاً، والنَزْعُ الإخراجُ بِعُسْرٍ، لأنَّ النَزْعَ يَدُلُّ على وجود مقاومة، قال تعالى: {قُلِ اللهم مَالِكَ الملك تُؤْتِي الملك مَن تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَاءُ} سورة آل عمران، الآية: 26، لأنَّ نَزْعَ المُلْكِ ليسَ مَسْألةً سهلةً؛ ففي الغالبِ يحاوِلُ صاحبُ الملك التَشَبُّثَ بمُلكِه، لكنَّ الحَقَّ ـ سبحانه ـ يَنْزِعُهُ منه، ويَدُهُ: كفُّهُ، فيما روى أبو الشيخ عن مجاهد. فأخرجها فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ تَتَلأْلأُ للناظرين مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلاَ بَرَصٍ، بيضاءُ بياضًا فوق المعتادِ، يجتمع عليها النّظارَةِ، أو بيضاءُ للنُظَّار، لا أنها كانت بيضاءَ في خِلقتِها، بل كانتْ شديدةَ الأَدَمَةِ كَلَوْنِ جلدِ صاحبها، فقد كان ـ عليه السلام ـ شديدَ الأدمةِ، فقد أخرج البخاري عن ابنِ عُمَرَ ـ رضي اللهُ عنهما قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: ((وأمَّا موسى فآدمُ جَثيمٌ سَبْطٌ كأنَّه مِنْ رِجالِ الزُطِّ)) والزُطُّ هُمُ السُودانُ والهُنودُ ويعرفون بسوادِ لون جلدهم، فأدخلَ يدَه في جَيْبِهِ، أوْ تحتَ إبْطِهِ، ثم أخرجها، فإذا هي بيضاء نورانيَّة، غَلَبَ شُعاعُها شُعاعَ الشمسِ. وكانت اليد اليمن.
يُروى: أنَّ موسى ـ عليه السلامُ ـ أرى فرعونَ يَدَهُ وقال: ما هذه؟ قال: يَدُكَ، ثم أَدْخَلَها جَيْبَه وعليْه مدرَّعةُ صوفٍ ونَزَعَها، فإذا هي بيضاءُ بياضاً نورانياً غلبَ شعاعُها شعاعَ الشمس. وقال ابْنُ عبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما: كان لها نور ساطع يضيء بين السَّماء والأرض، ولمّا كان البياضُ في الجلدِ مرضاً يدعى البرص، ويعدُّ عيباً، بيَّن تعالى في سورة طه أنَّ بياضها كان من غيرِ سوءٍ فقال: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} الآية: 22.
قوله تعالى: {لِلنَّاظِرِينَ} متعلِّقٌ بمحذوف لأنَّه صفةٌ لبيضاءَ. وليس بالناظرين كما ذكر الزمخشري حيث قال: فإن قلت: بمَ تُعَلِّقُ للناظرين؟ قلتُ: يتعلَّقُ ب "بيضاء" والمعنى: فإذا هي بيضاء للنظَّارة، ولا تكون بيضاءَ للنَّظارة إلا إذا كان بياضُها بياضاً عجيباً خارجاً عن العادةِ، يجتمعُ الناسُ للنظر إليه كما تجتمع النَّظارة للعجائب.
وهذا تفسيرُ معنى لا تفسيرُ إعرابٍ، لأنَّه إنما أرادَ التعلُّقَ المعنويَّ لا الصِناعيِّ، كقولهم: هذا الكلامُ يتعلَّق بهذا الكلام. أي إنَّه من تتمَّةِ المعنى له.