أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ
(98)
قولُه ـ تعالى شأنُه العظيم: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} أَوْ أَمْنَ أَهْلُ القُرَى الكَافِرَةِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ اللهِ، وَقْتَ الضُّحَى، وَهُمْ مُطْمَئِنُونَ فِي أَشْغَالِهِمْ وَمَلاَعِبِهِمْ "يَلْعَبُونَ"، لاَ يَتَوَقَّعُونَ حُلُولَ العَذَابِ بِهِمْ؟ وهو إنكارٌ بعدَ إنكارٍ مُبالغةً في التوبيخِ والتَشديدِ، ولم يُقصَدُ هنا الترتيبُ بينَهما فلذا لم يؤتَ بالفاءِ التي تفيد الترتيب. فبعد أن خوَّفهم الله تعالى بنزول العذاب عليهم في وقت غَفْلَتِهِم، وهو حال نَومهم باللَّيْل، خوَّفهم بنزوله حال الضُّحَى بالنَّهَارِ؛ لأنَّهُ وقتَ اشتغالِ المرءِ باللَّذَّاتِ، وفي هذين الوقتين يكون الإنسانُ أغفلَ ما يكون. وقوله: "وَهُمْ يَلْعَبُونَ" يحتملُ التَّشَاغُلَ بأمورِ الدُّنيا فهي لَعِبٌ ولهو، ويحتملُ التشاغلُ في كُفْرِهِم؛ لأنَّهُ كاللَّعِبِ في أنَّهُ يضرُّ ولا يَنْفَعُ. يقال: ضُحى وضَحاء، إذا ضَمَمْتَ قَصَرْتَ وإذا فتحت مَدَدْتَ. وقال بعضهم: الضُّحى بالضم والقصرِ لأولِ ارتفاع الشمس، والضَّحاء بالفتح والمدّ لقوَّةِ ارتفاعها قبل الزوال. والضُّحى مؤنث، وشذُّوا في تصغيره على ضُحَيٌّ بدون تاء كعُرَيْب وأخواتها، والضَّحاء أيضاً طعامُ الضحى كالغَداء طعام وقت الغُدْوَة يقال منهما: يُضَحِّي ضَحاءً وتَغَدَّى غَداءً. وضَحِيَ يَضْحَى إذا برز للشمسِ وقت الضحى، ثم عُبِّر به عن إصابة الشمس مطلقاً ومنه قولُه في سورة طه: {وَلاَ تضحى} الآية: 119. أي لا تَبرُزُ للشمس. ويقال: ليلةٌ أُضْحِيانَةٌ بضَمِّ الهمزة. وضَحْياء بالمَدِّ أي: مُضيئةٌ إضاءةَ الضُحى، ومنه الأُضْحِيَة وجمعُها أَضاحٍ، والضَّحيَّة وجمعُها ضَحايا، والأَضْحاةُ وجمعُها أَضْحَىً وهي المذبوحُ يوم النحر، سُمِّيَتْ بذلك لذَبْحها ذلك الوقتَ لقولِهِ ـ عليه الصلاةُ والسلام فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن جندب بن سفيان رضي الله عنهما: ((مَنْ ذبَحَ قبلَ صَلاتِنا هذه فَلْيُعِدْ)). وضواحي البلدِ نواحيهِ البارِزةُ.
قوله تعالى: {ضُحَىً}: ظَرْفُ زمانٍ منصوبٌ، ويكون متصرفاً وغير متصرِّفٍ، فالمتصرِّفُ ما لم يُرَدْ به وقتُه من يومٍ بعينِه نحو: "ضُحاك ضحىً مبارك". فإن قلتَ: "أتيتك يوم كذا ضحىً" فهذا لا يَتَصرف بل يلزم النصبَ على الظرفية.
وقوله: {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} هذه الجملة الاسمية في محلِّ نصبٍ على الحال، وهذا يقوِّي أن "بياتاً" ظرفٌ لا حال، لتتطابق الجملتان، فيصير في كلِّ منهُما وقتٌ وحال، وأَتى بالحال الأولى متضمنةً لاسم فاعلٍ لأنَّه يدلُّ على ثبات واستقرارٍ وهو مناسب للنوم، وبالثانية متضمنةً لفعل؛ لأنَّه يَدلُّ على التجدُّدِ والحُدوثِ وهو مُناسبٌ لِلهزل واللَّعبِ.
قرأَ الجمهورُ: "أوَ" بفتحِ الواو، وقرأ نافع وابنُ عامر وابنُ كثيرٍ: "أوْ" بسكون الواوِ. فتكون "أو" في هذه القراءة الثانية حرفَ عطف ومعناها حينئذٍ التَقْسيم. وزعمَ بعضُهم أنها للإِباحة والتخييرِ. وليس بظاهر، وهي في القراءةِ الأولى واوُ العطفِ دخلَتْ عليها همزةُ الاستفهام مقدمةً عليها لفظاً، وإن كانت بعدها تقديراً عند الجمهور. ومعنى الاستفهام هنا التوبيخ والتقريع، كما تقدَّم. وقال أبو شامة وغيرُه: إنَّهُ بمعنى النفي.