وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ. (50)
قولُهُ ـ تبارك وتعالى: {وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ ... } يُخبِرُنا اللهُ ـ جلَّ وعَلا ـ في هذه الآيةِ المباركة عَنْ ذِلَّةِ أهلِ النارِ ـ أَعاذَنا اللهُ مِنْها. فإذا اسْتَقَرَّ أهلُ الجَنَّةِ في الجِنَّةِ وأَهْلُ النَّارِ في النَّارِ، ولَاقى أهل النارِ مِنْ شِدَّةِ العَطَشِ والجُوعِ ما لا قِبَلَ لهم بتحمُّلِهِ، عُقوبَةً لَهمْ مِنَ اللهِ على ما سَلَفَ مِنْهم في الدُنيا مِنْ كُفْرٍ ومعاصٍ، تذكَّروا أنَّ لهم أقاربَ مِنْ أهلِ الجنَّةِ، فسألوا اللهَ رؤيتَهم فسَمَحَ لَهمْ بِذلكُ، فرأوا ما هُمْ فيهِ مِنْ نَعيمٍ، وما عندَهم مِنْ نُعمياتٍ، فاسْتَغاثَوا بهم، مِنْ شِدَّة ما يعانونَه مِنْ أَلَمِ الجُوعِ والعطش، وقد رأوا ما عندَ أَهلِ الجَنَّةِ مِنْ وَفْرَةِ الأطايبِ من أَصْنافِ الطَعامِ، وسأَلوهم بما كان بينَهم مِنْ أَواصِرِ القُرْبى أنْ يُعطوهُم شيئاً ممَّا مَنَّ اللهُ بِهِ عليهم مِنْ طعامٍ وشرابٍ، فَسَألوا أَقْرباءهم مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ما اعْتادوا عليه في الدُنيا مِنْ طَلَبٍ للطعامِ والشرابِ، وأنْ يُفيضوا عليهم منهما، أي يَصُبّوا، أوْ يُوَسِّعوا عليهم، فالإفاضةُ التوسِعَةُ أوِ الصَبُّ ـ وظاهرُ الآيةِ أنَّ الجَنَّةَ فوقَ النَّارِ، فالصبُّ يَقْتَضي ذَلك، لكنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ، لا يَمْلِكونَ حُرِّيَّةَ التَصَرُّفِ بِهذِهِ النِعَمِ، إلاَّ بإذنٍ من المنعم ـ سبحانَه وتعالى.
رُويَ عنْ عبدِ اللهِ بْنُ عَبّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما ـ أنَّ قال: لَمّا صارَ أَصْحابُ الأَعْرافِ إلى الجَنَّةِ، طَمِعَ أَهْلُ النَّارِ في الفَرَجِ، فقالوا: يا رَبَّنا إنَّ لَنا قَراباتٍ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فأْذَنْ لَنا حَتَّى نَراهم ونُكَلِّمَهم، فيَأذَنُ لَهُم، فيَنظرون إلى قرابَتِهم في الجَنَّةِ وما هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعيمِ، فيَعْرِفونَهم، ويَنْظُرُ أَهْلُ الجَنَّةِ إلى قَرابَتِهِم مِنْ أَهْلِ النارِ، فلم يَعْرِفوهم لِسَوادِ وُجوهِهم، فيُنادونَهم ـ أيْ أَصحابُ النَّارِ أَصْحابَ الجَنَّةِ ـ بِأَسْمائهم، فيُنادي الرجلُ أَباهُ وأَخاهُ فيَقولُ: قَدِ احْتَرَقتُ، أَفِضْ عَلَيَّ مِنَ الماءِ. فيُقالُ لَهُمْ: أَجيبوهُم، فيُجيبُونَهم: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ". يَعْني أنَّ طعامَ الجَنَّةِ وشَرابَها محرَّمٌ عليكم. وهذا الجوابُ يُفيدُ الحِرمانَ مطلَقاً. وفَي الآية بَيانٌ بأَنَّ ابْنَ آدَمَ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَإِنْ كَانَ فِي أَشَدِّ الْعَذَابِ، وبهذا رَدَّ مُوسى الكاظِمُ ـ رضيَ اللهُ تَعالى عنه ـ على هارون الرشيد ـ فيما يُروى ـ من أَنَّه أَنْكرَ أَكْلَ أَهْلِ المَحْشَرِ، مُحْتَجّاً بأنَّ ما هُمْ فيهِ أَقْوى مانِعٍ لَهم عَنْ ذلك. ولمَّا كان همُّ أهلِ النارِ في الدنيا تَلبيةَ شَهَواتُهم إلى اللذيذِ مِنَ الطَعامِ والشُرْبِ، لذلك عَذَّبِهُم اللهُ في الآخرةِ بشِدَّةِ الجُوعِ والعَطَشِ، والحِرمانِ منْهُما. فهو قَهْرُ الرُّبوبِيَّةِ وعِزُّ الأَحَدِيَّةِ، وأَنَّهُ فَعَّالٌ لِما يُريدُ. والتحريمُ هُنا يعني الحِرْمانَ، فهو مُسْتَعملٌ في لازِمِهِ لانْقطاعِ التَكليفِ حينئذٍ، وليس بِمَعْنى التَحْريمِ المُعْروفِ شَرْعاً على ما هو شائعٌ، لأنَّ الدارَ ليستْ بِدارِ تَكْليفٍ. فهو مِنَ المَنْعُ كقولِ الشاعر:
حرامٌ على عينيَّ أن تُطْعَما الكَرى ........ وَأَنْ تُرْقَآ حَتَّى أُلَاقِيْكِ يَا هِنْدُ
واخْتَلَفَ العلماءُ في أَنَّ هذا السؤالَ هل كانَ مَعَ رجاءِ الحُصولِ أَوْ مَعَ اليأسِ مِنْهُ حيثُ عَرَفوا دَوامَ ما هُمْ فيهِ وإلى كُلٍّ ذَهَبَ بِعْضٌ.
وفِي هذهِ الآيَةِ الكَريمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: الْمَاءُ، أَلَمْ تَرَوْا إِلَى أَهْلِ النَّارِ حِينَ اسْتَغَاثُوا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ: "أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ". وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ سَعْدًا بْنَ عبادةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ أَتَى النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْجَبُ إِلَيْكَ؟ قَالَ: (الْمَاءُ). وَفِي رِوَايَةٍ: فَحَفَرَ بِئْرًا فَقَالَ: (هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ). وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ، قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ كَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ). وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَسْقِيَ عَنْهَا الْمَاءَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ سَقْيَ الْمَاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ فَعَلَيْهِ بِسَقْيِ الْمَاءِ. وَقَدْ غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَ الَّذِي سَقَى الْكَلْبَ، فَكَيْفَ بِمَنْ سَقَى رَجُلًا مُؤْمِنًا مُوَحِّدًا وَأَحْيَاهُ.
رَوى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فإذ كَلْبٌ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ)). قالوا: يا رسولَ اللهُ، أَلَنا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ قَالَ: ((فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)). وَعَكْسُ هَذَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ـ رضي اللهُ عنهما ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال: ((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)). وَفِي حَدِيثِ السيدةِ عَائِشَةِ ـ رضي اللهُ عنها وعن أبيها وأرضاهما ـ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَمَنْ سَقَى مُسْلِمًا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ حَيْثُ لَا يُوجَدُ الْمَاءُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَاهَا)). خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَنِ. ومَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ، وَأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ، لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: "إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ" أنَّ لَا حَقَّ لَكُمْ فِيهَا. فقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ أيضاً. كما أنَّ الإمامَ الْبُخَارِيَّ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قد بوَّبَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: (بَابُ مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ) وَأَدْخَلَ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الْإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ)). قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَا خِلَافَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ أَحَقُّ بِمَائِهِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلَامُ: ((لَأَذُودَنَّ رِجَالًا عَنْ حَوْضِي)).
قولُه تعالى: {ونادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ} و: استئنافيّةٌ، "نادى أصحاب الجنّة أصحابَ النار أَنْ" إعرابُها كإعرابِ مثيلتها في االآية: 44. من هذه السورة. "أفيضوا" فعلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على حذْفِ النون لأنَّ جمعٌ مذكرٌ سالمٌ، وواوُ الجماعة ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ رفعِ فاعلٍ. "علينا" على: حرفُ جَرٍّ، و"نا" ضميرٌ متَّصلٌ في مَحَلِّ جَرِّ بحرفِ الجرِّ، مُتَعَلِّقٌ بـ "أفيضوا". "من الماء" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتعلِّقٌ بـ "أفيضوا". إمَّا على حذف مفعولٍ، أيْ: شَيْئاً مِنَ الماءِ فهيَ تَبْعيضيَّةٌ، طَلَبوا مِنْهمُ البَعْضَ اليَسيرَ، وإمَّا على تَضمينِ "أفيضوا" معنى ما يَتَعدَّى بـ "مِنْ" أيْ: أَنْعِموا مِنْه بالفَيْضِ. وجملَةُ: "نادى.." استئنافيَّةٌ، وجملة: "أفيضوا" تفسيريَّةٌ، فلا محلَّ لهما من الإعراب.
قولُهُ: {أو ممّا رزقكمُ اللهُ} أو: هنا على بابِها مِنِ اقْتِضائها لأَحَدِ الشَيْئَيْنِ: إمَّا تَخْييراً، أوْ إباحةً، أوْ غيرَ ذلك، وقال: "حَرَّمهما" فأُعيدَ الضميرُ مَثنَّى، وكان مِنْ حَقِّه أنْ يَعودَ مُفرَداً، لأنَّ المَعنى: حَرَّم كُلاً مُنْهُما. وقيلَ إنَّ "أو" بمَعنى الواو فهي حرف عطفً وعَوْدُ الضَميرِ واضحٌ عَلَيْهِ. و"من" حَرْفُ جَرٍّ "ما" اسْمٌ مَوْصولٌ مَبْنِيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُتَعلِّقٍ بـ "أفيضوا"، و"ممّا": ما: يَجوزُ أَنْ تَكونَ مَوْصولةً اسِمِيَّةً، وهو الظاهر، والعائد محذوفٌ، أيْ: أَوْ مِنَ الذي رَزَقَكُموهُ اللهُ، ويَجوزُ أنْ تَكونَ مَصْدَرِيَّةً، وفيه مجازان: أَحَدُهُما: أَنَّهم طَلَبوا مِنْهم إفاضةَ نَفْسِ الرِزْقِ مُبالَغَةً في ذلك. والثاني: أَنْ يُرادَ بالمَصْدَرِ اسْمُ المَفعولِ، كقولِهِ في سورةِ البقرة: {كُلُواْ واشربوا مِن رِّزْقِ الله} الآية: 60. في أَحَدِ وجْهَيْهِ. ويَجوزُ أنْ يُرادَ: أَوْ أَلْقُوا عَلَيْنا مِنْ ما رَزَقكُمُ اللهُ مَنَ الطَعامِ والفاكِهَةِ كَقولِ الشاعر (يقالُ هو ذو الرمّة) يَصِفُ فرسَه:
عَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً ....................... حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا
فهذا باتِّفاقِ عُلماءِ النحوِ ـ وغيرِهم ـ دليلُ جَوازِ تَغايُرِ المَعْطوفِ والمَعطوفِ عليْهِ في العامِلِ. قالَ الشيخُ أبو حيّان التوحيدي، وقوله: وألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة، يحتمل وجهين، أحدُهُما أَنْ يكون قولُهُ: "أفيضوا" ضُمِّن معنى "ألقوا" علينا من الماء أو مما رزقكم الله، فيَصِحَّ العَطفُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ أَضْمَرَ فِعْلاً بَعدَ "أو" يَصِلُ إلى "ممّا رزقكم الله" وهو "ألقوا"، وهُما مَذْهبانِ للنُحاةِ فيما عُطِفَ على شيءٍ بِحَرْفِ عَطْفٍ، والفعلُ لا يَصِلُ إليْهِ، والصحيح منهما التَضمينُ لا الإِضْمارُ. وهو كما قال، فإنَّ العلَفَ لا يُسْنَدُ إلى الماء. فقولُهُ إمَّا بالتَضمينِ أيْ فَغَذَّيتُها، ومثلُه قولُ الراعي النميري:
إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ................ وزَجَّجْنَ الحواجبَ والعيونا
وقولُ عبدِ اللهِ بْنِ الزَّبْعَرى:
يا ليت زوجَك قد غدا ........................... متقلِّدا سيفاً ورُمْحا
وقوله تعالى في سورة الحشرِ: {والذين تَبَوَّءُوا الدارَ والإيمان} الآية: 9. وقد مضى من هذا جملةٌ صالحة. وزعم بعضهم أن قوله: {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} عامٌّ يندرج فيه الماء المتقدم، وهو بعيدٌ أو متعذَّرٌ للعطف بأو. و"رزقكم" رزقَ: فعلٌ ماضٍ، مبنيٌّ على الفتحِ الظاهرِ، والكاف ضَمير متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مفعولٍ به، والميمُ للمذكَّر. "الله" لَفْظُ الجَلالَةِ فاعلٌ مَرْفُوعٌ، وعلامةُ رفعِهِ الضمّةُ الظاهرةُ على آخره. وهذه الجملة صلةُ الموصولِ "ما" فلا محلَّ لها من الإعراب.
قولُهُ: {قالوا} فعلٌ ماضٍ وفاعِلُهُ والجملةُ استئنافٌ بيانيٌّ لا محلَّ لها من الإعرابِ.
قولُهُ: {إنَّ اللهَ حرَّمَهُما على الكافرين} إنّ: حَرْفٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، من النواسخ. "اللهَ" لَفْظُ الجَلالَةِ اسْمُها مَنصوبٌ بها. و"حرّم" فعلٌ ماضٍ، و"هما" ضميرٌ متَّصلٌ في محلِ نصبِ مفعولٍ بِهِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ جوازاً تقديرُهُ "هو" يعودُ على اللهِ. "على الكافرين" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعلِّقٌ بـ "حَرَّمَهُما"، وعلامَةُ الجَرِّ الياءُ، لأنَّه جمع مذكَّرٌ سالمٌ؟، والنون عوضاً عن التنوين في الاسمِ المُفردِ. جملةُ: "حرّمهما" في مَحَلِّ رَفْعٍ خَبَراً لـ "إنّ"، وجملة: "إنَّ اللهَ حَرَّمَهُما" في محلِّ نَصْبٍ مَقولَ القَوْلِ.