[size=29.3333]فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.[/size]
[size=29.3333](30)[/size]
[size=29.3333]قولُهُ ـ تعالت عظمتُه: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} بيانٌ لِما خُتِمَتْ بِهِ الآيةِ التي سَبَقَتْها وهو قولُهُ: {تعودون} وتفصيلٌ له: "فَرِيقًا هَدَى" بما هداهمُ الله بِفَضْلِه، ولَمْ يُذْكَرِ الفاعِلُ، وهُو اللهُ تَعالى، تَكَرُّماً مِنْه سبحانَه وتعالى، و"وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ" بما اختاروا مِنْ فِعْلِ الضَلالِ؛ فأَضَلَّهُم الله؛ كَقَوْلِهِ: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} سورة الرعد، الآية: 27. وكقولِه: {مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ} سورة الأعراف، الآية: 186. وقد أَسْنَدَ الهِدايَةَ إلى ذاتِهِ المقدَّسَةِ ولم يُسْنِدِ الإِضْلالَ وإنْ كان هُوَ الفاعلَ لَه تَحسيناً للَّفْظِ وتَعليماً لِعِبادِهِ الأَدَبَ، ومثلُه: {وعلى اللهِ قَصْدُ السَبيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ} النحل: 9. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ" قَالَ: مَنِ ابْتَدَأَ اللهُ خَلْقَهُ لِلضَّلَالَةِ صَيَّرَهُ إِلَى الضَّلَالَةِ، وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الْهُدَى. وَمَنِ ابْتَدَأَ اللهُ خَلْقَهُ عَلَى الْهُدَى صَيَّرَهُ إِلَى الْهُدَى، وَإِنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِ الضَّلَالَةِ. ابْتَدَأَ اللهُ خَلْقَ إِبْلِيسَ عَلَى الضَّلَالَةِ، وَعَمِلَ بِأَعْمَالِ السَّعَادَةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ رَدَّهُ اللهُ إِلَى مَا ابْتَدَأَ عَلَيْهِ خَلْقَهُ. قَالَ: {وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} سورة البقرة، الآية: 34. كما أَنَّ السَحَرَةَ كانوا يَعملون بِعَمَلِ أَهْلِ الشَقاوَةِ ثمَّ صاروا إلى السَّعادةِ. وَفِي هَذَا رَدٌّ وَاضِحٌ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَمَنْ تَابِعْهُمْ. وهذا حتّى لا يَعْتَمِدَ المَرْءُ على عَمَلِهِ ـ مهما كان عَظيماً ـ ولا يَرْكَنَ إلى نَفْسِهِ، ولا يَغتَرَّ بما قدَّمَ، بَلْ يَبْقى مُعَلِّقاً بِحضْرَةِ اللهِ تعالى قلبَه ولُبَّه، راجياً رَحْمَتَهُ ومَغْفِرَتَهُ وفضلَهَ ورضوانَه، خائفاً مَكْرَهُ وعِقابَهُ، فاللهُ تعالى حضرةُ الإطلاقِ، يُوجِبُ ما يشاءُ على من يشاءُ من خلقِهِ، ولا يوجَبُ عليْه شَيءٌ لم يوجبْهُ هُو عَلى نَفْسِهِ، والعبدُ إنَّما يَجِبُ عَلَيْهِ طاعة مولاه، والامْتِثالُ لما أَمَرهُ بِهِ والابْتِعادُ عَمَّا عنه نهاه، واجتنابُ ما يُغْضِبُهُ والسعيُ بما فيهِ عنه رِضاهُ، دونَما نَظَرٍ إلى ثَوابٍ ولا عِقابٍ، فإنْ أثابَ فبفضلِه، وإنْ عاقبَ فبِعَدْلِهِ، ويؤيِّدُ ما ذَهَبَ إليهِ القُرَظِيُّ ما جاءَ في الصَّحيحيْنِ مِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بْنِ مَسْعودٍ ـ رضي اللهُ تعالى عنْه ـ أنَّهُ قالَ، قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى الله عليْه وسَلَّم: ((إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْماً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةٌ مثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةٌ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيه الرُّوحَ، وَيُؤمَرُ بأرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَعَمَلِهِ، وَأَجَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، فَوَ الَّذِي لاَ إلَهَ غَيْرَهُ إنَّ أَحَدَكُم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا، وَإنَّ أحَدَكُمُ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلَهَا)). صحيحُ البُخاري: (3208). وفي المعنى ذاتِهِ يقولُ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحم بِأرْبَعِينَ أوْ خَمْسَةٍ وَأرْبَعِينَ يَوْماً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُول: أيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أوْ أنْثَى؟ فَيُكْتَبَان، وَيُكْتِبُ عَمَلُهُ، وَأَثَرُهُ، وَأَجَلُهُ، ورِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلاَ يُزَادُ فِيهَا وَلاَ يُنْقَصُ)). ولذلك فإنَّ من صَدَقَ لله توجُّهُهم، وخَلُصْتْ للهِ نِيّاتُهم وعملُهم، مِنَ الصالحين والصالحات، ليس لهم بِسِوى رِضاهُ مِنْ مَطْمَعٍ، ولا مقصودَ لهم سوى القربِ منه. قال الإمامُ السيوطيُّ ـ رحمَهُ اللهُ تعالى: (القيامُ بالأوامِرِ والنواهي للهِ وحدَه، لا لِجَلْبِ ثَوابٍ ولا لِدَفْعِ عقابٍ، وهذا حالُ مَنْ عَبَدَ اللهَ للهِ، خلافُ مَنْ عَبَدَ اللهَ للثوابِ وخوفَ العقابِ، فإنَّما عَبَدَ لِحظِّ نَفْسِهِ، وإن كانَ محبّاً أيضاً، لكنَّهُ في دَرَجَةِ الأبرارِ، وذاك في دَرَجَةِ المُقَرَّبينَ). ولذلك قالتْ آسيةُ ـ رضي اللهُ عنها: {ربِّ ابْنِ لي عندَك بَيْتاً في الجنَّةِ} سورةُ التحريم، الآيةُ: 11. فطلبتِ العنديةَ والقُربَ، وكما يقولُ العامَّةُ: الجارُ قبلَ الدّارِ، فَبِئْسَتْ دارٌ جِيرانُها أَعْداءٌ لَكَ، ولو كانتْ قَصْراً مُنيفاً، ونعمَها محاطةً بمن تحبُّهم ويحبُّنك ولو كانت كوخاً متواضعاً. وهاهي العابدة الزاهدةُ رابعة العدويَّةُ ـ رَحِمَها اللهُ ـ تَقولُ: (ما عَبَدْتُكَ خوفاً مِنْ نارِكَ، ولا طمَعاً في جنَّتِكَ، وإنَّما عَبَدْتُك لذاتِكَ). ومن ذلك قولُ ابنِ الفارضِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعال:[/size]
[size=29.3333]ليس سُؤْلي مِنَ الجِنانِ نَعيماً ................... غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّها لِأَراكا [/size]
[size=29.3333]فلا يَنْتظر هؤلاء المحبّينَ على عَمَلِهمْ أَجْراً، مصداقاً لقولِهِ ـ عَزَّ مِنْ قائلٍ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} سورة الإنسان: الآيتان: 8، 9. لأنَّ حبَّهم للهِ تعالى وإخلاصَهم لَهُ شَغَلَهم عن جنَّتهِ وما فيها مِنْ نَعيمٍ مقيمٍ، وأَذْهَلَهم عن نارِهِ وما فيها مِنْ عذابٍ أَليمٍ، جعلنا اللهُ وإيّاكُم من هؤلاءِ المُحِبِّينَ العابدينَ، فإنَّ مَنْ أَحَبَّ بِصِدْقٍ وإخْلاصٍ لا همَّ لَهُ سِوى رِضا مَحْبوبِهِ عَنْه، ونَحْنُ نَلْحَظَ مثالَ ذلك في حياتِنا اليوميّةِ، فإنَّ الوالديْن يسعيان لما فيه سعادةُ ولدهما ومصلحتُه، محتَمِلَيْنِ، الشقاءَ والتعبَ، والعذابَ والنَّصَبَ، ولو أنَّه أَساءَ إليْهِما، أَوْ تَسبَّبَ في أذيَّتِهِما، وذلك كلُّه بما أَوْدَعَ ـ سٌبْحانَه في قلْبَيْهِما مِنْ حُبٍّ، لكن اللهَ تعالى يَصِفُ عبادَه المُؤمنين بأنَّهم أشَدُ للهِ حُبّاً، قال في سورةِ البقرةِ: {والذين آمنوا أَشَدُّ حُبّاً للهِ}، الآية: 165. [/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ} يَعْني أَنَّ الفريقَ الذي حَقَّ عليهِمُ الضَّلالَةُ، اتَّخَذوا الشياطينَ نُصَراءَ لهم وأَعواناً أَطاعوهُم فيما أَمروهم بِهِ مِنَ الكُفْرَ والمَعاصي، أيْ أَنَّ الداعي الذي دعاهم إلى الكُفْرِ والمَعاصي هُو أَنَّهمُ اتَّخَذوا الشَياطينَ أَوْلياءَ مِنْ دونِ اللهِ، لأنَّ الشياطين لا يَقدِرونَ على إضْلالِ أَحَدٍ، إذا لم يكن عنده استعدادٌ لذلك. [/size]
[size=29.3333]وقولُهُ: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} يَعني أَنَّهم مَعَ ضَلالَتِهم يَظُنّونَ ويَحْسَبونَ أَنَّهم على هدايةٍ وحقٍّ، وفيه دَليلٌ على أَنَّ الكافرَ الذي يَظُنُّ أَنَّهُ في دينِهِ على الحَقِّ والجاحِدَ والمُعانِدَ في الكُفْرِ سواءٌ. وفيه كذلك دَلالةُ لُزومِ الحُجَّةِ والدليلِ في حالِ الحِسْبانِ والظَنِّ، إذا كانَ بِحَيْثُ الإدراك والوصولُ إليْهِ؛ لأنَّ قولَهُ: "وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ"، فيهِ أَنَّهم عندَ أَنْفُسِهم مُهْتَدون، ولم يَكونوا كذلك، ثمَّ عُوقِبوا على ذلكَ؛ ودَلَّ أَنَّ الدَليلَ والحُجَّةَ قد يُلْزِمُ، وإنْ لمْ يُعْرَفْ بَعْدُ أَنْ كيفَ يَكونُ سَبيلُ الوُصولِ إلى ذَلِكَ، وهذا يَرُدُّ قولَ مَنْ يَقولُ بِأَنَّ فَرائضَ اللهِ لا تُلْزِمُ إلاَّ بَعْدَ العِلْمِ بِها والمَعْرِفَةِ لها. كما أنَّ فيه بياناً بأَنَّ الناسَ يُولدون على الفِطْرَةِ، والفَطْرَةُ التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عَلَيْها مُسْتَقيمةٌ دائماً، لَا تَخْرُجُ عَنْ سَنَنِ الحَقِّ بِمُقْتَضى العَهدْ الفِطْرِيِّ الذي أَخَذَهُ على بَني آدمَ، مِنْ ظهورهِم وذُرِّيَّتِهم، وأَشْهَدَهم على أَنْفُسِهم: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُم}؟ قالوا: {بَلى شهدنا}، وإنَّ شياطينَ الإنسِ والجِنِّ هي التي تُحوِّلُهم عَنِ الفِطْرَةِ إلى الضَلالَةِ، قال ـ صلى الله عليه وسلَّم: ((كلُّ مَوْلودٍ يُولَدُ على الفِطْرَةِ، فأَبواه يُهوِّدانِهِ أَوْ يُنَصِّرانِهِ، أَوْ يُمَجِّسانِهِ))، مُتَّفَقٌ عليه. ورَوى مُسْلِم في حديثٍ قُدْسِيٍّ عنِ النَبِيِّ ـ صلى الله عليه وسلَّم: (إنّي خَلَقْتُ عِبادي حُنُفاءَ، وإنَّهم أَتَتْهُمُ الشياطينُ، فأحالَتْهُم عَنْ دِينِهم)، فالله ـ سبحانَه ـ خَلَقَ الخَلْقَ، وهُمْ يُدْرِكون بِفِطَرِهم أَنَّ لِهذا الكونِ خالقاً، وأَنَّهُ وحْدَهُ الذي انْفَرَدَ بالخَلْقِ والتَكْوينِ، وذلك بمُقْتَضى المِيثاقِ الذي أُخِذَ عليهم بِمُقْتَضى الفِطْرَةِ والغَريزةِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {فَرِيقاً هدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} فريقاً: مفعولٌ به مقدَّمٌ منصوبٌ بِـ "هدى" بَعدَه، و"هدى" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ المُقَدَّرِ على الأَلِفِ منع من ظهورِهِ تذُّرُ لَفْظِهِ، والفاعلُ ضَميرٌ مُسْتَتِرٌ تَقديرُه هُوَ، يعودُ على اللهِ ـ سبحانَه. وفريقاً الثاني مَنصوبٌ بإضْمارِ فِعْلٍ يُفسِّرُهُ قولُه: "حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة" مِنْ حَيْثُ المَعنى، والتقديرُ: وأَضَلَّ فَريقاً حَقَّ عليهِمُ، أو وخَذَلَ فَريقاً. والجُمْلَتان الفِعْليَّتانِ في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ فاعِلِ {بدأكم} أَيْ: بَدَأَكم حَالَ كَوْنِهِ هادياً فريقاً ومُضِلاً آخَرَ، و"قد" مُضْمَرةٌ عِنْدَ بَعْضِهم. ويَجوزُ على هذا الوَجْهِ أَيْضاً أَنْ تَكونَ الجُمْلَتانِ الفِعْلِيَّتانِ مُسْتَأْنَفَتَيْنِ، فالوَقْفُ على {يعودون} على هذا الإِعرابِ تامٌّ بِخِلافِ ما إذا جَعَلَهُما حالَيْن، فالوَقْفُ على {يعودون} على هذا الإِعرابِ تامٌّ بخلاف ما إذا جَعَلهما حالَيْن ، فالوقفُ على قولِهِ "الضلالةُ".[/size]
[size=29.3333]ويَجوزُ أَنْ يَكونَ "فريقاً" مَنْصوباً على الحالِ مِنْ فاعلِ {تَعُودون} أيْ: تَعودونَ فَريقاً مَهْدِيّاً، وفريقاً حاقَّاً عَليهِ الضَلالةُ، وتكونُ الجُملتان الفِعْليَّتانِ على هَذا في مَحَلِّ نَصْبِ نَعْتٍ لِـ "فريقاً"، و"فريقاً"، ولا بُدَّ حينئِذٍ مِنْ حَذْفِ عائدٍ على المَوْصوفِ مِنْ "هَدَى"، أيْ: فريقاً هَداهُمْ، ولَوْ قَدَّرْتَه "هَداهُ"، أيْ بِلَفْظِ الإِفْرادِ لَجازَ اعتباراً بِلَفْظِ "فريق"، إلاَّ أَنَّ الأَحْسَنَ الأَوَّلُ لِمُناسَبَةِ قولِهِ: "وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ"، والوَقْفُ حِينَئِذٍ على قولِهِ: "الضلالة"، ويُؤيِّدُ إعْرابَهُ حالاً قراءةُ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ: "تعودون فريقَيْن: فريقاً هَدَى وفريقاً حَقَّ عليهِمُ الضَلالَةُ"، ففريقَيْن نَصْبٌ على الحالِ، و"فريقاً" و"فريقاً"، بَدَلٌ أوْ مَنْصوبٌ بإضْمارٍ، أَعْني على القَطْعِ. [/size]
[size=29.3333]ويَجوزُ أَنْ يَنْتَصَبَ فريقاً الأوَّلُ على الحَالِ مِنْ فاعِلِ {تعودون}، وفريقاً الثاني نَصْبٌ بإضْمارِ فعلٍ يُفَسِّرُهُ "حَقَّ عليهم الضلالة" كما تَقدَّمَ تحقيقُه في كلِّ مِنْهُما.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {إنّهم اتّخذوا الشياطين أولياءَ مِنْ دُونِ اللهِ} مثل إنّه يراكم، و"أولياءَ" مفعولٌ بِهِ ثانٍ مَنْصوبٌ، ومُنِعَ مِنَ التَنْوينِ لأنَّهُ مُلْحَقٌ بالاسْمِ المُنْتَهي بِأَلفِ التَأنيثِ المَمْدودةِ، و"مِنْ دون" جارٌّ ومَجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بِنَعْتٍ لأَوْلياءَ، و"اللهُ" لفظُ الجَلالَةِ مُضافٌ إليه مجرورٌ. وجملة "إنّهم" تعليليّة لا محلّ لها مِنَ الإعْرابِ. وجُمْلَةُ "اتّخذوا" في محلِّ رَفْعِ خبرِ "إنّ".[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {ويحسبون أنَّهم مُهتَدونَ} الواو: عاطفة، و"يحسبون" مُضارعٌ مَرْفوعٌ .. والواو فاعل، و"أنّ" حرف مشبّه بالفعل[/size] [size=29.3333]للتوكيد ـ ناسخ ـ و"هم" ضمير في محلّ نصب اسمِ "أنّ" و"مهتدون" خبَرُ "أنّ" مرفوع وعلامة الرفع الواو. والمصدر المؤوّل من "أنّهم مهتدون) في محلّ نصب سدّ مسدّ مفعولي يحسبون. وجملة "يحسبون" في مَحَلِّ رَفْعٍ مَعْطوفَةً على جُمْلَةِ اتَّخَذوا.[/size]
[size=29.3333]وقرأ عيسى بْنُ عُمَرَ والعَبَّاسُ بْنً الفَضْلِ وسَهْلٌ بْنُ شُعَيْبٍ: "أنَّهم" بفتح الهمزةِ وهي نصٌّ في العِلِّيَّة، أيْ: حَقَّتْ عَليهِمُ الضَلالَة لاتِّخاذهم الشياطينَ أولياءَ.[/size]