[size=29.3333]َا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ للذين لا يؤمنون[/size]
[size=29.3333](27)[/size]
[size=29.3333]قولُهُ ـ تبارك وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} أُعِيدَ خِطَابُ بَنِي آدَمَ، فَهَذَا النِّدَاءُ تَكْمِلَةٌ لِلْآيِ قَبْلَهُ، بُنِيَ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ مُتَابَعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى إِظْهَارِ كَيْدِهِ لِلنَّاسِ مِنِ ابْتِدَاءِ خَلْقِهِمْ، إِذْ كَادَ لِأَصْلِهِمْ. [/size][size=29.3333]وهو نهيٌ للشيطانِ في الصُورةِ، والمُرادُ نَهْيُ المخاطبين عن متابعته والإِصغاءِ إليه.[/size] [size=29.3333]وَالنِّدَاءُ بِعُنْوَانِ بَنِي آدَمَ: لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا، مَعَ زِيَادَةِ التَّنْوِيهِ بِمِنَّةِ اللِّبَاسِ تَوْكِيدًا لِلتَّعْرِيضِ بِحَمَاقَةِ الَّذِينَ يَحُجُّونَ عُرَاةً. فيُحذِّرُ اللهُ تعالى بني آدمَ مِنْ إِبْليسَ وقَبيلِه مُبيِّناً لَهُمْ عَدَاوَتَهُ الْقَدِيمَةَ لِأَبِي الْبَشَرِ آدَمَ ـ عَلَيْهِ السلام ـ في سَعْيِهِ لغوايته. وإخْراجهِ مِنَ الْجَنَّةِ، الَّتِي هِيَ دَارُ النَّعِيمِ بمعصيته لربّه ومولاه، إِلَى دَارِ التَّعَبِ وَالْعَنَاءِ، وَقد تَسَبَّبِ فِي هَتْكِ عَوْرَتِهِ بَعْدَمَا كَانَتْ مَسْتُورَةً عَنْهُ، وَمَا هَذَا إِلَّا عَنْ عَدَاوَةٍ أَكِيدَةٍ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى في سورة الكهف: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} الآية: 50.وهذا خطاب توجه إلى من كان من العرب يطوفُ بالبيت عُرْياناً، فقيلَ لَهم لا يَفْتِنَّنكم الشيطانُ بِغُرورِه كما فَتَنَ أَبَوَيْكمْ مِنْ قبلُ حتَّى أَخرَجَهُما مِنَ الجَنَّةِ, ليكون إِشعارُهُم بذلكَ أَبْلَغَ في الزَّجْرِ مِنْ مُجَرَّدِ النَهْيِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا } يذَكِّرُ اللهُ ـ سبحانَه ـ عباده من ذُرِّيَّةِ آدم ـ عليه السلامُ ـ بما فعلَهُ الشيكانُ مع أبويهما، حتى يعون كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا عداوته لهم فلا يستجيبونَ لما يوسوسُ به لهمْ على أنّه نُصحٌ، وجيء بلفظ المُضارِعِ "ينزِعُ" على أنَّهُ حكايةُ حالٍ كأنَّها قد وقَعَتْ وانقضَتْ. وأُسْنِدَ للشيطان لتسبُّبِهِ بذلك، وهو مِنَ "النَّزْع" أي الجَذْبِ بِقوَّةٍ للشيءِ عَنْ مَقَرِّهِ، ومِنْهُ قولُهُ تعالى: {تَنزِعُ الناس كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} سورةُ القمر، الآية: 20. ومنه نَزْع القوسِ، وتُسْتَعْمَلُ في الأَعْراض، ومِنْهُ نَزْعُ العداوةِ والمَحَبَّةِ مِنَ القَلْب، ونُزِع فلانٌ كذا، أي سُلِبَه، ومنه: {والنازعات غَرْقاً} سورةُ النازعات، الآية: 1. لأنَّها تَقْلَعُ أَرواحَ الكَفَرَةِ بِشِدَّةٍ، ومِنْهُ المُنازَعَةُ وهيَ المُخاصَمَةُ، والنَّزْعُ عَنِ الشيءِ كفٌّ عَنْه، والنُزوعُ: الاشتياقُ الشَديدُ، ومنه نَزَع إلى وَطَنِهِ، ونَزَع إلى مَذْهَبِ كَذا نَزْعَةً، وأَنْزَعَ القومُ: نَزَعَتْ إبِلِهم إلى مَواطِنِها، ورَجُلٌ أَنْزَعُ أي: زَالَ شَعْرُه، والنَّزْعتان بَيْاضٌ يَكْتَنِفُ الناصِيَةَ، والنَّزْعةُ أَيْضاً المَوْضِعُ مِنْ رَأْسَ الأَنْزَعِ، ولا يُقالُ امْرَأَةٌ نَزْعاءُ إذا كان بها ذلك، بل يقالُ لَها: زَعْراءُ، وبِئْرٌ نَزُوعٌ أي: قَريبَةُ الماءِ لأنَّها يُنزَعُ مِنْها باليَدِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} يعني أنَّ الجانَّ محجوبون عنا فلا نَراهم، بَيْنَما هم يروننا، وهي قضيَّةٌ مطلقةٌ وليست دائمةً كما ذَهَبَ إليْهِ المعتزلةُ في قولِهم: إنَّ الجِنَّ لا يُرَوْنَ ولا يَظْهَرونَ للإنسِ أَصْلاً، ولا يَتَمَثَّلونَ لهم. مستندين إلى هذه الآية، معارضين بذلك ما صَحَّ مِنْ رُؤْيَةِ النَبِيِّ ـ صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لأحدِهمْ حِينَ رامَ أَنْ يَشْغَلَهُ عَنِ الصَّلاةِ فأَمْكَنَهُ اللهُ مِنْهُ، وأَرادَ أَنْ يَرْبِطَهُ فى ساريةٍ مِنْ سَواري المَسْجِدِ، ثمَّ ذَكَرَ دَعْوَةَ نبيِّ اللهِ سُلَيْمانَ ـ عليه السلامُ حين قال في الآيةِ: 35 من سورة (ص): {قَالَ رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي} فتَرَكَهُ. فقد أَخْرَجَ عَبْد بْنُ حميد، والبُخاري، ومُسلمٌ، والنَّسائيُّ، والحَكيمُ التِرْمِذيُّ في (نوادر الأصولِ)، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبي هُريرَةَ قال: قالَ رسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ: ((إنَّ عِفْريتاً جَعَلَ يَتَفَلَّتُ عليَّ البارِحَةَ لِيَقْطَعَ عليَّ صلاتي، وإنَّ اللهَ تعالى أَمْكَنَني مِنْهُ فَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إلى ساريةٍ مِنْ سَواري المَسْجِدِ حتَّى تُصْبِحوا فَتَنْظروا إليْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قولَ أَخي سُلَيْمانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأحَدٍ مِّنْ بَعْدِي} فَرَدَّهُ اللهُ تعالى خاسِئاً)). فأنَّهُم إنَّما يَرونَنا مِنْ حيثُ البَشَرَيِّةِ التي هي مَنْشَأُ الصِفاتِ الحَيَوانِيَّةِ وإنِّنا مَحْجوبون بِهذِهِ الصِفاتِ عَنْ رُؤْيَتِهم، لا مِنْ حَيْثُ الرّوحانِيَّةِ التي هي مَنْشأُ عُلومِ الأسْماءِ والمَعرِفَةُ فإنَّهم لا يَرَوْننا في هَذا المَقامِ، ونحنُ نراهم بالنَظَرِ الرَّوحاني.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {[/size] [size=29.3333]إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ[/size][size=29.3333]} أيْ: إنَّا صَيَّرْنا الشياطينَ قُرَناءَ للذين لا يُؤْمِنونَ، مُسَلَّطينَ عَلَيْهِم، مُتَمَكِّنينَ مِنْ إغْوائهم، لأنَّ حِكْمَتَنا اقْتَضَتْ أَنْ يَكونَ الشَّياطين الذين هُمْ شِرارُ الجِنِّ، مُتَجانِسينَ مَعَ الكافرينَ الذين هُمْ شِرارُ الإنْسِ.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {يا بني آدم} تقدمَ إعرابُه في الآيةِ التي سبقَتْها، وهي جملَةٌ مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب. [/size]
[size=29.3333]وقولُه: {لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} لا: ناهيةٌ جازِمَةٌ، "يفتننّ" مُضارِعٌ مَبْنِيٌّ على الفَتْحِ في مَحَلِّ جَزْمٍ والنونُ للتَوْكيدِ، والكافُ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مفعولٍ بِهِ والميم علامة جمع المذكَّرِ، و"الشيطان" فاعلٌ مَرْفوعٌ وعلامة رفعه الضمة الظاهرةُ على آخره. وهذه الجملُ جوابٌ للنداء ولا محلَّ لها من الإعراب. [/size]
[size=29.3333]قولُه: {كما أخرجَ أبويكم من الجنَّةِ} الكافُ: حَرْفُ جَرٍّ وتَشْبيهٍ، "ما" حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ، "أخرج" فعلٌ ماضٍ، والفاعِلُ ضميرٌ مستترٌ تقديره هو يعود على الشيطانِ، "أبوي" مَفْعولٌ بِهِ مَنصوبٌ وعلامَةُ نصبِه الياءُ لأنه من الأسماء الخمسةِ، وهو مضافٌ، و"أَبٌ" لِلْمُذَكَّرِ، وَ"أَبَةٌ" لِلْمُؤَنَّثِ. فَعَلَى هَذَا قِيلَ: أَبَوَانِ، والكافُ ضَميرٌ متّصِلٌ في محلِّ جرِّ مُضاف إليهِ، "من الجنّة" جارٌّ ومَجْرورٌ مُتَعلِّقٌ بـ "أخرج". والمَصْدَرُ المَؤوّلُ "ما أخرج" في مَحَلِّ جَرٍّ بالكَافِ على حَذْفِ مُضافٍ، مَتَعَلِّقٍ بمِفْعولٍ مُطْلَقٍ عامِلُهُ يَفْتِنَنَّكم، والتقدير: يَفْتِنَّنَكمْ فِتْنَةً كَفِتْنَةِ إخْراجِ أَبويكم. وهذهِ الجملةُ واقعةٌ صلةً للموصولِ الحرفي "ما" لا محلَّ لها من الإعراب. [/size]
[size=29.3333]قولُه: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا} ينزع: فعلٌ مُضارِعٌ مَرْفوعٌ، والفاعِلُ ضميرٌ مستترٌ تقديرُه هو، و"عن" حَرْفُ جَرٍّ، و"هُما" الهاء ضميرٌ متّصلٌ في محلِّ جَرٍّ بحرف الجرِّ، والجارُّ والمجرور مُتَعَلِّقان بـ "ينزع" والميم للتذكير والألفُ للتثنيةِ، "لباسَ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصوبٌ، و"هما" تقدَّم إعرابه. وهذه الجملةُ: في مَحَلِّ نَصْبٍ حالاً مِنْ أَبَوَيْكُم، أيْ: مَنْزوعاً عَنْهُما لِباسُهما، أوْ هي حالٌ مِن ضَميرِ الفاعِلِ في "أخرج" أيْ: نازِعاً عَنْهُما لِباسُهُما.[/size]
[size=29.3333]قولُه: {ليُريَهما سوءاتهما} اللام: للتعليل، "يُريَ" فعلٌ مُضارعٌ مُضارعٌ مَنصوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعدَ اللامِ، و"هما" الهاءُ ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ نصبِ مَفعولٍ بِه، و"ما" تقدمَ إعرابها، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ تقديره: "هو"، و"سوءات" مَفعولٌ بِهِ ثانٍ، مَنصوبٌ وعلامَةُ نَصْبِهِ الكَسْرَةُ نيابةً عن الفَتْحَةِ لكونِهِ جمعَ مؤنَّثٍ سالمٍ، وهو مضافٌ، و"هما" الهاءُ في محلِّ جرِّ مُضافٍ إليهِ، و"ما" تقدَّمَ إعرابها، والمَصْدَرُ المُؤوّلُ "أنْ يريهما" في مَحلِّ جَرٍّ باللامِ مُتَعلِّقٌ بـ "ينزع". وهي جملَةٌ واقعةٌ صلةً للموصولِ الحرفيِّ المضمرِ "أنْ" ولا مَحَلَّ لها من الإعراب. [/size]
[size=29.3333]قولُه: {إنَّه يراكم هو وقبيلُهُ من حيثُ لا ترونهم} "إنّ" مِنَ النواسخ، حرفٌ مُشَبَّهٌ بالفِعْلِ، و"الهاء" ضَميرٌ متَّصِلٌ في مَحَلِّ نَصْبِ اسْمِ إنَّ، وهذه الجملةُ تعليلٌ للنَهْيِ في قولِهِ: لا يَفْتِنَنَّكم لا مَحَلَّ لَها.[/size]
[size=29.3333]و"يرى" فعلٌ مُضارعٌ مَرْفوعٌ وعَلامَةُ رَفْعِهِ الضَمَّةُ المُقَدَّرَةُ، على الأَلِفِ، والفاعِلُ ضميرٌ مستترٌ جوازاً تقديرُ "هو" يعودُ على الشيطانِ، والكاف ضَميرٌ متّصلٌ في محلِّ نصبِ مفعولٍ بِه، والميمُ للمذكَّر، وهذه الجُملةُ في مَحَلِّ رَفْعِ خَبَرِ "أَنّ". و"هو" ضميرٌ مُنْفَصِلٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ رَفْعِ تَوْكِيدٍ لضَميرِ الفاعلِ المُسْتَتِرِ، و"الواو" عاطفةٌ، و"قبيلُ" مَعْطوفٌ على الضَميرِ المُسْتَتِرِ فاعلِ "يَرى" و"قَبيلُ" مضافٌ، وهو اسْمٌ للجَماعةِ ولَيْسَ مُذكَّرَ قبيلةٍ كما قيلَ، وجَمْعُهُ قُبُل بضمَّتيْن، وفي المِصْباحِ: القَبيلةُ لَغَةٌ في القَبيلِ، ووزنُه "فعيل". و"الهاءُ" ضَميرٌ متّصلٌ في محلِّ مُضافٍ إليْهِ، ,"من" حرفُ جَرٍّ لابتداء غاية الرؤية، و"حيثُ" ظَرْفٌ لانتفاءِ مَكانِ الرُؤْيَةِ، اسْمٌ مَبْنِيٌّ على الضَمِّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُتَعَلِّقٌ بـ "يراكم"، و"لا" نافيةٌ. و"ترون" فعلٌ مضارعٌ مَرْفوعٌ وعلامَةُ رفعِهِ ثُبوتُ النُونِ لأنه من الأفعال الخمسةِ. والواوُ ضميرٌ متصّلٌ في محلِّ رفعِ فاعلٍ، والهاءُ ضَميرٌ متّصلٌ في محلِّ نصبِ مَفعولٍ بِهِ، والميم للتذكير. وجملة "لا ترونهم" في مَحَلِّ جَرِّ مُضافٍ إليْهِ.[/size]
[size=29.3333]قولُه: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ للذين لا يؤمنون} إنّ: حرفٌ مشبَّهٌ بالفعل، و"نا" العظمةِ اسمها، وهذه الجُملَةُ "إن" واسمُها وخبرُها تعليلٌ آخَرُ للنهيِ لا مَحَلَّ لها. و"جَعَلْنا" فعلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ على السُكونِ لاتّصالِهِ بضميرِ رفعٍ متحرّك، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَكونَ بمَعنى صَيَّر أي: صَيَّرْنا الشياطينَ أولياءَ. و"نا" ضميرٌ متَّصلٌ في محلِّ رفعِ فاعلٍ، "الشياطين" مَفعولٌ بِهِ مَنْصوبٌ وعلامة نصبِه الياءُ لأنه جمعُ مذكَّرٍ سالمٍ والنونُ عِوَضاً عن التنوينِ في الاسم المفرد، و"أولياء" مَفعولٌ بِهِ ثانٍ، مَنصوبٌ وعلامةُ نصبهِ الفتحةُ الظاهرةُ على آخره، ومَنَعَ مِنْ تَنوينِهِ مع أنه نكرةٌ كونُهُ مُلْحَقاً بالاسْمِ المُنْتَهي بأَلِفِ التَأْنيثِ المَمدودةِ، و"للذين" اللامُ حَرْفُ جَرٍّ، "الذين" اسْمٌ مَوْصولٌ مَبْنِيٌّ على الفتحِ في مَحَلِّ جَرٍّ بحرف الجَرِّ، مُتَعَلِّقٌ بـ "أولياء" لأنَّهُ في معنى الفِعْلِ، ويَجوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بمَحذوفٍ لأنَّهُ صِفةٌ لأَوْلياء. وهذه الجملةُ في محلِّ رفعٍ خبراً لـ ـ إنَّ". و"لا" نافيةٌ و"يؤمنون" إعرابُهُ مِثْلُ إعرابِ "يرون". وجملةُ "لا يُؤمنون" صلةُ المَوصولِ "الذين" لا مَحَلَّ لَها.[/size]
[size=29.3333]قرأَ ابْنُ وَثَّابٍ وإبْراهيمُ: "لا يُفْتِنَنَّكم" بِضَمِّ حَرْفِ المُضارَعَةِ مِنْ أَفْتَنَهُ بِمَعنى حَمَلَهُ على الفِتْنَةِ. وقرأَ زَيْدٌ بْنِ عَلِيٍّ "لا يَفْتِنْكم" بغيرِ نُونِ تَوكيدٍ. [/size]
[size=29.3333]وقُرئ: "قَبِيلُهُ" بالرَّفْعِ ـ على المشهورِ ـ نَسَقاً على الضَميرِ المُسْتَتِرِ، ويَجوزُ أَنْ يَكونَ نَسَقاً على اسْمِ "إنَّ" على المَوْضِعِ عِنْدَ مَنْ يُجيزُ ذلك، ولا سِيَّما عندَ مَنْ يَقولُ بجوازِ ذلك بَعْدَ الخَبَرِ بإجْماعٍ. ويجوز أنْ يَكونَ مُبْتَدَأً مَحذوفَ الخَبَرِ فَتَحَصَّلَ في رَفْعِهِ ثلاثةُ أَوْجُهٍ. وقرأَ اليَزيديُّ "وقبيلَه" نصْباً وفيها تَخريجان، أوَّلُهُما: أَنَّه مَنْصوبٌ نَسَقاً على اسْمِ إنَّ لَفْظاً إنْ قُلْنا إنَّ الضَميرَ عائدٌ على الشَيْطانِ، وهو الظاهرُ. والثاني: أَنَّه مفعولٌ معَهُ أيْ: يَراكم مُصاحِباً لِقَبيلِهِ.[/size]
[size=29.3333]وقُرِئ: "مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُ" بالإِفراد، وذلك يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ أحدُهما: يكون الضميرُ عائداً على الشيطان وحدَه دون قبيلِه، لأنَّه هو رأسُهم وهُمْ له تَبَعٌ، ولأنَّه المَنْهيُّ عنه أَوَّلَ الكلامِ، وأَنْ يَكونَ عائداً عليْه وعلى قبيلِهِ، ووحَّدَ الضميرَ إجراءً له مُجرى اسْمِ الإِشارة في قوله تعالى {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} سورة البقرة، الآية: 68. ونظيرُ هذِه القراءةِ قولُ رُؤْبَةَ: [/size]
[size=29.3333]فيها خطوطٌ من سَوادٍ وبَلَقْ ........ كأنه في الجلد توليعُ البَهَقْ[/size]