[size=35]سُورَةِ الأعراف[/size]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةِ الْأَعْرَافِ مَكِّيَّةٌ، إلاَّ ثمان آياتٍ، وهي قولُه تَعالى: {وَاسْألْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ}. وقيلَ هي مَكّيَّةٌ كُلُّها إلاَّ خَمْسَ آياتٍ، أوَّلُها {واسْألهم عن القرية}، وهي مئتان وسِتُّ آياتٍ، وثلاثةُ آلافٍ وثلاثمئة وخمسٌ وعِشرون كَلِمةً، وأَربعةَ عَشرَ أَلْفِ حَرْفٍ وعشرةُ أَحْرُفٍ. وسميت بهذا الاسم لورود ذكر الأعراف فيها، والأعراف في اللغة كلُّ مرتفع من الأرض أو الرمل أو غير ذلك، قال الكُمَيْتُ الأسدي:
أَهاجَكَ بالعُرُفِ المَنْزِلُ .................... وما أَنْتَ والطَّلَلُ المُحْوِلُ
وقيلَ هو: موضِعٌ أَو جَبَلٌ، كالعُرْفةِ بالضّمِّ، وجمْعُه: أَعْرافٌ، مثلُ أَقْفالٍ. وقال الأصمعي العُرْفُ في كلام أهل البحرين: ضَرْبٌ من النَّخْلِ. وقاله ابْنُ دُرَيْدٍأيضاً، وقال الجوهري العرف شجر الأترجِّ لرائحته، والعُرفُ التتابعُ يُقال: طارَ القَطَا عُرْفاً بالضَّم: أَي مُتَتابِعَةً بَعْضُها خَلْفَ بَعْضِ، ويُقالُ: جاءَ القَوْمُ عُرْفاً عُرْفاً أَي مُتَتابِعَةً كذلك ومنهُ حدِيثُ كعْبٍ بْنِ عُجْرَةَ: (جاءُوا كأَنَّهُم عُرْفٌ) أَي يَتْبَعُ بعضُهُمْ بَعْضاً، ومنه قَولُه تعالى: والمُرْسَلاتِ عُرْفاً وهي الملائكةُ أُرْسِلَتْ مُتَتابِعَةً، وقال الزَّجَّاجُ: الأَعْرافُ أَعالي السُورِ، وجَبَلٌ أَعْرَفٌ، أي لَهُ كالعُرْفِ، وأَعْرافُ الرياح أَعاليها، وسيأتي الكلامُ على أصحاب
الأعراف في مكانه إن شاء الله.
رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ السيدة عَائِشَةَ أمِّ المؤمنين ـ رضي اللهُ عنها وأرضاها ـ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ، فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ.
وهي مِنَ السُوَرِ التى ابْتَدَأَتْ بِبَعْضِ حُروفِ التَهَجّي (ألمص) ولم يَسْبِقْها في النُزولِ مِنْ هذا النَّوْعِ مِنَ السُوَرِ سِوى ثَلاثةٌ وهي سُوَرةُ: (ن) وسورة (ق) وسورة (ص)، ويَبْلُغُ عددُ السُوَرِ القُرآنيَّةِ التي ابْتُدِئتْ بالحروفِ المُقَطَّعةِ تِسْعاً وعِشْرينَ سًورةً.
والسُّوَرُ التي بُدِئتْ بالأَحْرُفِ وبِذِكْرِ الكِتابِ، هي التي نَزَلَتْ بِمَكَّةَ لِدَعْوَةِ المُشْركين إلى الإسْلامِ، واثْباتِ النُبُوَّةِ والوَحْيِ. أَمَّا ما نَزَلَ مِنْها بالمَدينةِ كسورة البَقَرَةِ وسورة آلِ عُمرانَ، فالدَّعْوَةُ فيها موجَّهةٌ إلى أهلِ الكِتابِ.
وهكذا الحالُ في سورةِ مَريَمَ والعَنْكَبوتِ والرّومِ، و(ص)، و(ن) فإنَّ ما فيها يَتَعَلَّقُ بإثباتِ النُبوَّةِ والكِتابِ كفِتنةِ الضعفاء عن دينهم بإيذائهم ليرجاعِوا عنه بالقُوَّةِ القاهِرةِ، وكالإنْباءِ بِقَصَصِ فارِسَ والرّومِ، ونَصْرِ اللهِ للمُؤمنين على المشركين، وكان هذا مِنْ أظْهَرِ المُعْجِزاتِ الدّالَّةِ على نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ـ صلى الله عليه وسَلَّمَ.