[size=29.3333]قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ [/size]
[size=29.3333](24)[/size]
[size=29.3333]قولُهُ ـ تعالى شأنُه: {قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ليس ضرورياً أن يفهم من أمرِه ـ عزَّ وجلَّ ـ لهم بالهبوطِ أنْ يَكونَ الهُبوطُ مِنَ الأَعْلى أَلا تَرى أَنَّه قالَ في آيَةٍ أُخْرى: {اهْبِطُوا مِصْرًا} أَيْ انْزِلُوا فيه؟. كَما أَنَّ الأمْرَ بالهُبوطِ لَمْ يَكُنْ يَعْني أَنِ اهْبِطوا مَعًا؛ لأنَّ إبليسَ أُمِرَ بالهُبوطِ حينَ أَبَى السُّجودَ، وآدمُ وحواءُ أُمرا به حينَ تناولا مِنَ الشَجَرَةِ، ثمَّ جَمَعَهم في الأَمْرِ بالهُبوطِ؛ لِيُعْلَمَ أَنْ ليسَ في الجَمْعِ بالذِكْرِ دَلالَةُ وُجوبِ الحُكْمِ والأَمرُ مَجْموعًا. وقيلَ الخِطابُ لآدَمَ وحوّاءَ وذُرِّيَّتِهِما. وقيلَ الخِطابُ لَهُما فَقط، لِقولِهِ ـ سُبْحانَهُ ـ فى آيةٍ أُخْرى: {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعاً} فالقِصَّةُ واحدةٌ، وضميرُ الجَمْعِ لِكَوْنِهِما أَصْلَ البَشَرِ. وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما ـ أنَّه قال: آدمُ وحَوَّاءُ وإبليسَ والحَيَّةُ. فقد شَمَلَهم جميعاً الأَمرُ بالهبوط. وقال الحَسَنُ: آدمُ وَوَسْوَسَةُ الشَيْطانِ، لأنَّ قولَهُ: {إنَّ الشيطانَ} لم يَكُنْ في السَماءِ، إنَّما وَسْوَسَ لآدمَ وحواءَ مِنْ بعدُ؛ فالأمرُ بالهُبوطِ لِوَسْوَسَةِ الشَيْطانِ؛ ولِذلِك بقيتْ في أولادِهِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ. ولأنَّ الجنَّةَ ليستْ بدارِ الابتلاءِ، وإنَّما هي الأرضُ التي يَتَنازَعُ فيها الخيرُ والشَرُّ، والحَقُّ والباطِلُ، والبَرُّ الفاجِرُ، وهي دارُ التي تتجلّى فيها عداوةُ إبليسَ ومَنْ مَعَهُ لابْنِ آدَمَ وذُرِّيَّتِهِ؛ ولِذا أُخْرجَ آدَمُ مِنَ الجَنَّةِ ومَعَهُ زَوْجُهُ، وأُخْرِجَ إبْليسُ مَذْؤوماً مَدْحُوراً ومعهُ جندُه. و"عَدُوٌّ"، تَعْني اهْبِطوا إلى الأَرْضِ حالةَ كَونِ العَداوَةِ لا تَنْفَكُّ بَيْنَ آدَمَ وذُرِّيَّتِهِ، مِنْ جِهَةٍ، وبَيْنَ إبْليسَ وشِيعَتِهِ مِنْ جِهَةٍ ثانيةٍ، أَيْ أَنَّهُ عَدُوٌّ لَنا بالكُفْرِ، أوْ بالسَّعْيِ في هَلاكِنا، وكلُّ مَنْ يَسْعى في هَلاكِنا فهُو عَدُوٌّ لنا ونَحْنُ عَدُوٌّ لَه.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} دلَّ على أَنَّ الأمْرَ بالهُبوطِ إنَّما كان مِنَ السَّماءِ وكانوا في السَّماءِ، بدليلِ قولِهِ: "الأَرْضِ"، و"مُسْتَقَرٌّ" مِنَ الاسْتِقْرارِ، و"مَتاعٌ" تَمَتُّعٌ بالعيشِ فيها، و"إلى حينٍ" قيلَ: أَنْتُم إلى مُنْتَهى آجالِكم، وإبليسُ: إلى النَّفْخَةِ الأُولى. وقد لا يَكونُ هذا ليسَ على أَساسِ التَوقيتِ، وإنَّما على سبيلِ الدوامِ والقرارِ فيها.[/size]
[size=29.3333]قولُهُ تعالى: {قالَ اهْبِطُوا} قال: فعلٌ ماضٍ والفاعلُ ضميرُ اللهِ تعالى، وجملةُ "قالَ" مُسْتَأْنَفَةٌ. و"اهْبِطُوا" فعلُ أَمْرٍ مَبْنِيٌّ على حذفِ النُونِ لأنه من الأفعال الخمسة، والواوُ الدالَّةُ على الجماعةِ فاعلُهُ والجُمْلَةُ مَقولُ القولِ.[/size]
[size=29.3333]قولُه: {بَعْضُكُمْ لبعضٍ عدوٌّ} بعضُكم: مُبْتَدَأٌ. و"لِبَعْضٍ" جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقان بالخَبَرِ "عَدُوٌّ"، في مَوْضِعِ الحالِ مِنْ فاعِلِ اهْبِطوا. [/size]
[size=29.3333]قولُه: {ولكم في الأرضِ مسْتقرٌّ ومتاعٌ إلى حين} لَكُمْ: جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقانِ بمَحْذوفِ خَبَرٍ، و"في الأرضِ" مثلها. و"مُسْتَقَرٌّ" مُبْتَدأٌ مُؤَخَّرٌ "وَمَتاعٌ" عَطْفٌ على "مستقرٌّ". و"إِلى حِينٍ" جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقانِ بِمَحْذوفِ صِفَةِ "مَتاع" أيْ مَتاعٌ مُمْتَدٌّ إلى حينٍ، والجُمْلَةُ مَعْطوفَةُ على الجملة التي قبلَها.[/size]