[size=29.3333] [/size]
[size=29.3333]فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ[/size][size=29.3333].[/size]
[size=29.3333](5)[/size]
[size=29.3333]قولُهُ ـ سُبْحانَه وتَعالى: {فَما كانَ دَعْواهُمْ} دَعْواهُمْ: دُعاؤهم واسْتِغاثَتُهم، أَيْ فاعْتَرَفوا بِذَنْبهم الذي كانَ سببَ نكبَتِهم، وكان دعاؤهم واسْتِغاثَتُهم حينَ جاءَهُمْ عَذابُنا أَنْ قالوا ـ حيثُ لا يَنْفَعُهم [/size]
[size=29.3333]ذلك ـ إنّا كُنَّا ظالِمينَ لأنْفُسِنا بالمَعْصِيَةِ.[/size]
[size=29.3333]والدَّعْوى تكونُ بمَعنى الدُعاءِ وبِمَعْنى الادِّعاءِ، والمَقصودُ بِها هَهنا يُحْتَمَلُ الأمْريْنِ جَميعاً، ويُحتَمَلُ أيْضاً أَنْ يَكونَ بمَعنى الاعْتِرافِ. فمِنْ مَجيئها بمعنى الدُعاءِ ما حَكاه الخليلُ: اللَّهُمَّ أَشْرِكْنا في صالِحِ دعوى المسلمين. يُرادُ في صالِحِ دُعائهم، وأَنْشَدوا على ذلك: [/size]
[size=29.3333]وإنْ مَذِلَتْ رِجْلي دعوتُك أَشْتَفي ......... بِدَعْواكَ مِنْ مَذْلٍ بها فتَهونُ[/size]
[size=29.3333]مَذِلَتْ رجلي: خَدِرَتْ ومَضَضَتْ، [/size]
[size=29.3333]ومنْه قوله تعالى: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} الأنبياء: 15. ويَجوزُ: فما كان استغاثتُهم إلاَّ قولَهم هذا لأنَّه لا يُسْتَغاثُ مِنَ اللهِ تَعالى بغيرِه، مِنْ قولهم دعواهم يا لَكعبٍ. وتَحْتَمِلُ الآيةُ أَنْ يَكونَ المَعنى: فما آلَتْ دَعاويهِمُ التي كانتْ في حالِ كُفْرِهِمْ إلاَّ إلى الاعْتِرافِ، كقولِ الفرزدق: [/size]
[size=29.3333]وقد شهدَتْ قيسٌ فما كان نصرُها ........... قتيبةَ إلا عضَّها بالأباهم[/size]
[size=29.3333]قولُهُ تَعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إلاَّ أَنْ قالوا} دعواهم: اسْمُ "كان" و"إلاَّ أَنْ قالوا" خَبَرُها، وفيه خَدْشٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ غيرَ الأَعْرَفِ جُعِلَ اسْماً، والأَعْرفَ جُعِلَ خبراً، أَوْ أَنَّ "دَعْواهُم" خَبَرٌ مُقَدَّمٌ و"إلاَّ أنْ قالوا" واسْمٌ مُؤخَّرٌ. ولكنَّ ذلك يُشْكِلُ من ناحيةٍ أُخْرى بِسَبَبِ قاعدةٍ ذَكَرَها النُحاةُ، وهي أَنَّ الاسْمَ والخَبَر مَتى خَفِيَ إِعْرابُهُما وَجَبَ تقديمُ الاسْمِ وتَأخيرُ الخَبَرِ نَحْو قولِك: كان موسى صاحبي، ونحوَ: ما كان دُعائي إلاَّ أَنِ اسْتَغْفَرْتُ، لأنَّهما كالمَفْعولِ والفاعلِ، فمَتى خَفِيَ الإِعرابُ التَزَمَ كلٌ في مَرْتَبَتِهِ، وهذه الآيةُ منه فكيف يُدَّعى فيها ذلك، وقد قالَ الزَّجّاجُ: إلاَّ أنَّ الاختيارَ إذا كانتِ "الدعوى" في موضِعِ رَفْعٍ أَنْ يَقولَ: فما كانت دَعْواهم، فلَمَّا قال: "كان دعواهم" دَلَّ على أنَّ الدَعْوى في مَوْضِعِ نَصْبٍ، غيرَ أّنَّهُ يَجوزُ تَذكيرُ الدَعْوى وإن كانَتْ رَفعاً. فمِنْ هنا يُقالُ: تَذكيرُ الفِعْلِ فيهِ قرينةٌ مُرجِّحَةٌ لإِسْنادِ الفِعْلِ إلى "أن قالوا"، ولو كان مُسْنَداً للدَّعْوى لَكانَ الأَرْجَح "كانت" كما قالَ، وهو قريبٌ مِنْ قولِك: "ضَرَبَتْ مُوسى سَلْمى" فقدَّمْتَ المفعولَ بقرينَةِ تأنيثِ الفِعلِ، وأَيْضاً فإنَّ ثَمَّ قرينةً أُخرى، وهيَ كونُ الأَعْرَفِ أَحَقَّ أَنْ يكونَ اسْماً مِنْ غيرِ الأَعْرف. و"إذ" منصوبٌ بـ "دعواهم".[/size]
[size=29.3333]وقوله: {إِنَّا كُنَّا} كنَّا: وخبرُها في مَحَلِّ رفعٍ خبراً لـ "إِنَّا"، و"إنَّ" وما في حيِّزِها في مَحَلِّ نَصْبٍ مَقولَ القولِ، و"قالوا" وما في حَيِّزِهِ لا مَحلَّ لَه لِوُقوعِه صِلةً لـ "أَنْ". و"أَنْ" وما في حيِّزِها في مَحَلِّ رَفْعٍ، أَوْ نَصْبٍ على حَسَبِ ما تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِها اسْماً أوْ خَبَراً.[/size]