[size=26.6667]لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ[/size]
[size=26.6667](163)[/size]
[size=26.6667]قولُهُ تعالى شأنُهُ: {لَا شَرِيكَ لَهُ} أيْ ربَّي وربَّ العالمين أعاهدك بأن أُخْلِصَ لك حياتي كلَّها بجميع شؤوني فيها وكذلك مماتي ـ على النحوِ الذي سَبَقَ بيانُه في الآيةِ التي قبلها ـ فلا أُشْرِكُ في نَفسي وفي حَياتي ومَمَاتِي أَحداً مِنَ [/size]
[size=26.6667]الخلقِ، فأنا عبدٌ لكَ وحَدَكَ مِنْ غيرِ شَريكٍ، وأنتَ وحدك إلهي وربي ومالكي ومَنْ [/size]
[size=26.6667]بِيَدِهِ جميعُ أَمْرِي، كما أنَّكَ وحدَك مالكٌ لكل ما في الوجودِ.[/size]
[size=26.6667]قولُهُ: {وَبِذلِكَ أُمِرْتُ} وهذا الذي تقدَّم من إخلاص العبودية والخضوع لله والتسليمِ لَه في أُمورِ النفسِ جميعها، وفي كلِّ أُمورِ الحياةِ ومناحيها، هو ديني الذي أنا عليه وهو ما أَمَرَني ربّي ببيانِه للناس وتبليغِه للخَلْقِ وأنّه الواجِبُ عليهم الإيمانُ به واعتقادُه وسُلوكُهُ نَهْجاً فلهم في الحياة. [/size]
[size=26.6667]قولهُ: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} أَيْ أنّه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ أَوَّلُ مَنْ أَخُلَصَ دِينَهُ للهِ وَوَجْهَه، فالإسلامُ اسْتِسلامُ النَّفس لخالقها، وتَوَجُّهُها إلى اللهِ باريها ومُنشيها، وحدَه مِنْ غيْرِ أن تُشْرِكٍ بذلك معهُ أَحَداً أبَداً. وقد أَمَرَ اللهُ ـ تعالى ـ نَبِيَّهُ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ بأَنْ يَقولَ هذا لِقَوْمِهِ وأُمّتِهِ والخلقِ أَجْمعين، مِنَ المُؤْمِنينَ وغيرِ المؤمنين تحريضاً لِمَنْ آمنَ على الإخلاص للهِ والتوجُّه إليْه في العبادات وجميع الأمورِ توجيهاً منه وتعليماً، وتَحريضاً للمُشركينَ على خَلْعِ عِبادَةِ الأَوْثانِ وعبادة الواحدِ الديّان، فأَوَّلِيَّتُة ـ صلى اللهُ عليه وسلمَ ـ هنا هيَ لِمَنْ يُخاطِبُهم لِيَحْمِلَهم على الاتِّباعِ والاقْتِداءِ بِهِ، كمن يقول لآخَرَ: ادْخُلْ هذا البابَ، أو افعلُ كذا وكذا وأَنا أَمامَك أَوَّلُ الداخلين. وفيهِ بيانٌ لمُسارَعَتِهِ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ إلى الامْتِثالِ بِما أُمِرَ بِهِ، فالأوَّليّةُ على هذا بالنسبة لأُمَّتِهِ، ولِمَنْ بُعِثَ إليهم، وكذلك كان كلُّ نبيٍّ من الأنبياء ـ عليهمُ السلامُ ـ أَوّلَ أُمَّتِه في الْتِزامِ الدِّينِ والتوجُّهِ إلى اللهِ، وتَطبيق الشرعِ الذي أُمِرَ بِتَبْلِيغَهم إيّاهُ، فهذا نبيُّ اللهِ نوحٌ ـ عليه السلامُ ـ يقولُ: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} سورة يونس، الآية: 72، وقال تعالى في إبراهيم ـ عليه السلامُ: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} سورة البقرة، الآيات: 130 ـ 131 ـ 132، ولقد قال يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} سورة يوسف، الآية: 101. لكنَّ أَوَّليَّةَ سيدنا محمَّدٍ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ أَوَّلِيَّةً مُطْلَقَةً، فهو أوّلُ مَنْ أسلمَ لربِّه نفسَهُ وقلبَهُ مِنَ العالَمين، لأنّه الرسولُ إليهم أَجْمعين، كما تقدَّم بيانُ هذا المعنى وبُرهانُه. فهو كما قال اللهُ في محكم كتابه: {وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين} سورة الأنبياء، الآية: 107. وقال في سورة سبأ: {وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً} الآية: 28. وكونُه القُدْوَةَ والأُسْوَةَ الحَسَنَةَ يُؤكِّدُ هذا المَعنى، قال تَعالى في سورة الأحزاب: {لقد كان لكم في رسول اللهِ أسوةٌ حسنة} الآية: 21. فكونُه ـ صلى اللهُ عليه وسلّمَ ـ القُدوةَ الصالحةَ والأُسْوَةَ الحَسَنَةَ بتَقريرِ خالِقِهِ ـ جَلَّ وعَلا ـ يُحَتِّمُ أَنْ يَكونَ الأَوَّلَ إيماناً بِرَبِّهِ ومَوْلاهُ، والْتِزاماً بشَرْعِهِ، ولِذلكَ اجْتَباهُ ومِنْ أَجْلِهِ اصْطَفاه، صلى اللهُ وسلّم عليه وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ والاهُ.[/size]